|
في كل مناحي الحياة يتطلع الإنسان إلى البروز،ويأخذه الفرح والسرور إذا حصل على جائزة مهما كانت ضئيلة،فالقيمة المعنوية لها لا تعادلها دنانير الأرض،والكثيرون منا عاشوا هذه الحالة وفرحوا لها،وفي المجالات الفنية والأدبية والرياضية ترى ألأعناق تشرئب والحناجر تتحشرج،والنفوس تتوثب للفوز في لعبة،ليس لها مردود في الحياة سوى لذة الفوز،والشعور بالنجاح،والتفوق على الآخر،ولعل نجاحات فرقنا الرياضية في الألعاب الوطنية والدولية،خير دليل على عمق هذا التفاعل،لذلك يسعى ألإنسان لرؤية بلده في مكانه المناسب،ويتطلع لفوزه ونجاحه في مختلف المجالات. والعراق كان ولا يزال له مكانته المتميزة بين دول العالم،وتأريخ زاهر زاخر بالبروز والتقدم في مناحي الحياة المختلفة،ولطالما هزج أبنائه طربا لفوز كاسح،أو عمل ناجح،وما الإجماع الوطني في الفرحة الكبرى بفوزه في أسياد الدوحة،والتصويت لفتاته في عراق ستار،إلا دليل على عمق التفاعل بين طبقات المجتمع وأطيافه بغض النظر عن الفوارق التي وضعها صنائع الاستعمار الأوغاد المطبلين للطائفية المقيتة،والتمايز القومي،والنقاء المذهبي. ولكن..!!لم أسمع ولم أقرء على كثرة ما سمعت وقرأت عن فرح للمكاسب التي تهادت هذه الأيام،وجعلت العراق في المقدمة من دول العالم في مجالات عدة،فلا زالت وكالات الأنباء تتواتر أخبارها بالجديد والغريب،فالعراق في ألإحصائيات السنوية للمنظمات الدولية المعنية بقضايا الإنسان،لا زال يتصدر دول العالم،فتراه في المقدمة منها،ولم يتراجع عن المرتبة الأولى أو الثانية على أبعد تقدير،ولا أدري لماذا لا يحتفل العراقيون بهذا التقدم الكبير الذي جعل بلدهم في مقدمة دول العالم في: أشارت وكالات ألأنباء العالمية أن العراق جاء في المرتبة الثانية في الفساد المالي والإداري وأوردت إحصائيات مذهلة عن حجم الفساد الذي ينخر جسد الدولة العراقية،مما جعله أكثر الشعوب انحدارا دون مستوى خط الفقر،بسبب سوء التوزيع للثروات الوطنية،وسيطرة عصابات الجريمة المنظمة والمافيات الدولية على مفاصله الاقتصادية ومراكزه التصديرية،وهيمنت بشكل مطلق على منافذه الحدودية ومنشئاته الصناعية،مما أدى إلى استشراء النهب المنظم للثروة الوطنية،في ظل صمت مطبق للسلطة التنفيذية،وغياب كامل للمؤسسات الرقابية،التي تسرب إليها الفساد أيضا،مما جعلها عاجزة عن ممارسة مهامها بشكل سليم،في ظل قضاء عاجز عن اتخاذ الأجرائات القانونية بحق المسيئين،لضعفه اتجاه السلطة التنفيذية،وخشيته من عصابات القتل،ووجود تشريعات نافذة لا تتيح للهيئات الرقابية اتخاذ الأجراءت القانونية دون أستحصال موافقة الوزارة ذات العلاقة،مما عطل الكثير من الأجراآت ،وإفلات المتهمين،وهروبهم خارج العراق،أو تنسبهم للعمل في دوائر أخرى، فقد ذكرت شركة (آرنست آند آندلوج) في تقريرها المقدم لمنظمة الأمم المتحدة أنها قامت بنصب وتشغيل(22) عدادا من العدادات الخاصة بضبط وقياس كميات النفط الخام المصدر عبر المواني العراقية،بعد أن كانت تقاس بالذرعة،وبينت الشركة تشكيكها بجدوى هذه العدادات لعدم فاعلية الرقابة الدقيقة على كميات النفط المصدر للخارج،لعدم وجود نظام شامل للرقابة على الإيرادات النفطية،فيما صرح أحد كبار المسئولين في الداخلية العراقية السيد رشيد فليح،أن المهربين يهربون النفط بواسطة الزوارق المسلحة،وعصابات تلوذ بالسواحل القريبة عندما تهاجمها القوات العراقية المكلفة بمكافحة التهريب،مما جعل القوى الأمنية عاجزة عن إيقاف هذه السرقات العلنية،لأسباب عديدة أهمها وجود ملاذ آمن للمهربين في دول الجوار،واستشراء الفساد في القوى المكافحة للتهريب،وفساد الجهاز الإداري المشرف على عمليات التصدير لتواطئه مع هذه العصابات،فيما أظهر تقرير سابق لمنظمة الشفافية العالمية،إن العراق يأتي بالدرجة الثانية بعد هايتي في الفساد المالي. الحرمان ومستوى المعيشة: أظهر تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي،أن مستوى المعيشة أنخفض في العراق بنسبة32%وفي الصحة23%والبنى التحتية للعائلة58% والوضع الأقتصادي25% إلى غير ذلك من الأحصاآت الدقيقة،فيما أشارت دراسة أجراها الصندوق من أجل السلام بالتعاون مع مجلة الشؤون الخارجية الأمريكية أن العراق أصبح ثاني أفشل دولة في العالم بعد السودان،وأن أوضاعه أسوء من الصومال ،وأصبح أكثر سوءا من ساحل العاج والكونغو وأفغانستان وهايتي . وفي المجال الأمني أشارت المنظمات المعنية بالأمن والسلام العالمي،إن العراق يعتبر الأخطر في الأوضاع الأمنية المتردية،فالقتل اليومي والتهجير ألقسري،والتفجير والاختطاف والسرقة،تصاعدت بوتائر عالية هذه الأيام مما جعل العراق أكثر بلدان العالم سخونة،رغم الجهود المبذولة لأحكام السيطرة على الأوضاع،وانتشار القوى الأمنية وقيامها بالأعمال الكبيرة لاستئصاله،إلا أن الأوضاع تتفاقم يوما بعد يوم،وتتصاعد وتائر الإرهاب بسبب الامتدادات الخارجية،التي تساعد على نمائه وتصاعده بصورة تثير الرعب،ولعل أكثر الأماكن سخونة هي محافظة ديالى والعاصمة بغداد،حيث تتكاثر فيها العمليات الإجرامية،رغم الانتشار الكثيف للقوات العراقية والأجنبية. وفي حقوق الإنسان تصدر العراق القائمة،بسبب الأوضاع الناتجة عن العمليات العسكرية،بتعرض المواطنين إلى معاملة قاسية لا تنسجم مع أبسط المبادئ ألأساسية لحقوق الإنسان،وبسبب الأحكام العرفية تضج السجون بالمعتقلين دون محاكمة،وقضائهم فترات طويلة دون البت بقضاياهم،وخصوصا في معتقلات القوة متعددة الجنسيات،وسجون الداخلية،وكذلك في مجال رعاية الطفولة،وحقوق المرأة وغيرها من الأمور الخاصة بالقانون العالمي لحقوق الإنسان،في ظل صمت مطبق للحكومة العراقية اتجاه هذه التجاوزات. التهجير ألقسري: تقدر الأمم المتحدة أعداد النازحين داخل العراق ب(1900000 )مليون وتسعمائة ألف مواطن منذ عام2003 من بينهم727000 نزحوا من مناطق سكناهم بعد تفجيرات سامراء في شباط2006 وهذه الإحصائية للمسجلين في المفوضية،فيما تتوقع نزوح مليون شخص حتى نهاية العام الجاري،مما يجعل النسبة تصل الى12% من مجموع السكان، منهم في كردستان فقط162000 نازح،فيما يعاني هؤلاء اللاجئين من ظروف صحية وحياتية قاسية بسبب عدم توفر المأوى المناسب وارتفاع الأسعار والبطالة،فيما يتوزع اللاجئين العراقيين على الدول المجاورة بنسب متفاوتة،حيث تشير التقارير إلى وجود أكثر من مليون لاجئ في سوريا،و800000 لاجئ في الأردنو130000 لاجئ في مصر،و50000 لاجئ في لبنان،و54000 في إيران وخمسة آلاف في تركيا،إضافة لأعداد أخرى في دول العالم الأخرى لم يحدد عددها لحد الآن لعدم وجود إحصائيات دقيقة لهؤلاء النازحين،فيما تقدر أطراف أخرى أن عدد هؤلاء قد يزيد على المليون شخص،وبذلك يكون أجمالي المهجرين ما يزيد على أربعة ملايين ومأتي إلف شخص، وهو رقم خيالي قياسا الى نفوس العراق،وبذلك يتصدر العراق بلدان العالم الأخرى بكثرة المهاجرين منه لأسباب تتعلق بالأمن. *قتل الصحفيين والأعلامين: ويتصدر العراق دول العالم في أعداد الصحفيين الذي قتلو منذ9/4/2003 ،جاء ذلك في بيان أصدره مرصد الحريات الصحفية،فقد قتل وأختطف أعداد من الصحفيين والإعلاميين من العصابات المسلحة والجماعات الإرهابية،وكان معظم هؤلاء يقومون بتغطية الأحداث اليومية في العراق،والنسبة الغالبة منهم من أصحاب الأقلام الشريفة التي تضع النقاط على الحروف،وهي طريقة جديدة لإسكات المعارضين،بدلا من اعتقالهم. تهجير وقتل الكفاءات العلمية: الكفاءات العلمية من الثروات النادرة التي لا يمكن التفريط بها،وتحضا بالرعاية والاهتمام في الدول الأخرى،ولكن الأوضاع الأمنية المتردية في العراق جعلت هؤلاء صيدا سهلا للجماعات الإرهابية وعصابات الجريمة المنظمة التي قامت باختطاف المئات وقتلهم أو أخذ الإتاوة منهم ولم تنفع المناشدات التي قدمتها الجمعيات الخاصة برعايتها،حيث تشير التقارير إلى أطراد النسبة بوتائر مخيفة،مما سيجعل العراق بلدا خال من الكفاآءت،في ظل عمليات الاغتيال والخطف،ووصلت أعداد المهاجرين منهم إلى معدلات مخيفة،تشير إلى عظم الكارثة ومأساوية الأوضاع التي أنحدر إليها الوضع في العراق. وفي مجال محو الأمية كان العراق من أوائل الدول التي انحسرت فيها الأمية أو كادت،إلا أن سنوات الحصار،وما أفرزته من تردي في مستوى المعيشة،جعلت العوائل العراقية تدفع بأبنائها للعمل في سن مبكرة وترك مقاعد الدراسة،وقد ضاعف من هذه الحالة الفوضى العارمة التي حصلت بعد سقوط النظام،وتردي الوضع الأمني والإرباكات التي تعاني منها وزارة التربية،لافتقارها للإدارة الكفوءة المخلصة،مما جعل العراق يتصدر دول العالم في ارتفاع معدلات الأميين. ولو أردنا الاسترسال في إحصاء الدرجات المتقدمة التي حصل عليها العراق في المجالات الأخرى لاحتجنا إلى حيز وجهد ووقت،ولكن ما يعنينا هو،لماذا لا تتخذ الحكومة العراقية الأجراآت الكفيلة بإعادة العراق إلى سابق عهده،عندما كان في المقدمة بين دول العالم في العديد من المجالات،وما هي أسباب الإخفاق والتلكؤ في أنجاز المشاريع الهادفة لأعادت الأمور إلى نصابها،وهل نرى في المستقبل القريب تحولات ايجابية تصلح ما أفسده الأشرار.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |