|
لايكاد يمر وقت طويل حتى نسمع بخبر انعقاد مؤتمر جديد لنصرة العراق والعملية السياسية والمصالحة الوطنية وإعادة الإعمار وغيرها من الأهداف البراقة، أو نقرأ عن زيارة مسئول عراقي كبير أو سفر وفد حكومي لاستجداء تعاون بعض الدول، وبالأخص دول الأعراب التي ثبت ضلوعها في الإرهاب وتدبيرها للمؤمرات المستهدفة أمن واستقرار ووحدة العراق، ليتشبث العراقيون المسحوقون من جديد بأهداب قشة أمل في بحر مظلم متلاطم الموج أياماً أو أسابيع، وقد طال انتظارهم لخلاص قادم من مؤتمرين في شرم الشيخ أو عمان أو مكة المكرمة أو البحرين، حتى لم يبق من عواصم الدنيا الحقيقية سوى تمبكتو ومن مواقع الخيال غير جزر الوقواق لم ينعقد فيها بعد مؤتمر مصالحة أو إعادة إعمار أو عهد دولي، وما بين مؤتمر وعهد ووفد حكومي وآخر يسوء الوضع الأمني في العراق، وتضعف الحكومة، وتتفكك العملية السياسية، وتضمحل المصالحة الوطنية، ويقترب المشهد العراقي من نهايته المفجعة، التي تبدو شبه محتومة ولاتحتاج لبيان وتوضيح. اللافت للانتباه استنجاد الحكومة العراقية بدول الجوار العربية والخليجية لمساعدتها في الخروج من محنتها، ويبدوا بأنه كلما اصطدمت العملية السياسية بطريق مسدود، وكلما تصاعد عديد العمليات الإرهابية وضحاياها من المدنيين الأبرياء، وكلما ضج الناس بالشكوى من انعدام الأمن، فرت الحكومة من مواجهة نيران الجبهة الداخلية، لتستجدي البرد والسلام من أحفاد النمرود وفرعون وهامان ومسيلمة الكذاب، وكأن قوى الخارج فقط لا عوامل الهدم الداخلية مسئولة عن حمامات الدم وعمليات التخريب والفساد، فبينما تصرح معظم الأطراف السياسية التي تشارك في العملية السياسية بأنها لم تفقد الثقة بها بعد كقنطرة خلاص يعبر عليها العراقيون أجمع إلى بر الأمان، ولم تتبدد بعد تماماً ثقتها بالأمريكان كشركاء استراتيجيين، أو على الأقل شر لابد منه، في إعادة الأمن والاستقرار، تسعى الأطراف نفسها التي يعول عليها في ديمومة ونجاح العملية السياسية لاضعافها وانهيارها بالكامل، من خلال وضع شروط تعجيزية وتخريب العملية السياسية من داخلها، وكذلك بتعاونها المستتر مع الإرهابيين، فالسنة يشترطون لمشاركتهم في العملية بإخلاص والتخلي عن الإرهاب استئثارهم بالحكم من جديد، ويريد الأكراد الاستقلال التام ضمن كيان عراقي مهلهل يأخذون منه أكثر من استحقاقهم من المنافع ويصدرون له مشاكلهم مع دول الجوار، والأمريكان ساعون إلى توطيد مصالحهم الاستراتيجية والنفطية ولو على جماجم ملايين العراقيين، أما قادة الشيعة فهم يتصرفون وكأنهم أصحاب حق الهي بالتسلط على رقاب الشيعة والتلاعب بمصائرهم والتفريط بدمائهم والتنازل عن حقوقهم، وأدى تقصيرهم الفادح في حفظ حقوق الشيعة إلى تخلخل المعادلة الطائفية والإثنية العراقية، مما ساهم في تعميق وإطالة أمد حالة الفوضى السائدة. لو تصفحنا كتب التاريخ لتبين لنا بأن كل من استعان بغريب على قريب انتهى ضحية أو عبداً للغريب، فيروى بأن طائفة من أهالي أصفهان، وهم من السنة الشافعية، اختلفوا مع مواطنيهم من السنة الأحناف، فاستعانوا بالتتار وأغروهم بالقدوم إلى المدينة لمعاونتهم على قتال الأحناف، فقام التتار بذبح الشوافع قبل الأحناف، ويقال بأن آخر الخلفاء العباسيين، المستعصم بالله، وليس وزيره الشيعي إبن العلقمي، هو المسئول عن سقوط بغداد وذبح مئات الألآف من سكانها وتدميرها، إذ راسل المغول لاقناعهم بالهجوم على أعداءه من الشيعة الإسماعلية، وعندما لم يفلح الجيش المغولي في اقتحام قلاع الإسماعيليين الحصينة في إيران عاد إلى بلاده بمعلومات قيمة عن ثراء وخصوبة بلاد الرافدين المجاورة، وبعدها بفترة وجيزة ارسلوا حملة جديدة تستهدف العراق، وبسبب تخاذل قادة الجيوش العباسية من الأتراك وتواطئهم مع المغول استبيحت بغداد واسدل الستار على دولة العباسيين. لم يتعض آخر الخلفاء الفاطميين، العاضد، بهذه الدروس والعبر التاريخية البليغة، فعندما تعرضت الدولة الفاطمية لحملات صليبية شرسة كتب للأيوبيين في سوريا وفلسطين مستنجداً بـ"أخوانه" المسلمين ضد عدوهم المشترك، وبالفعل فقد أمدوه بقوات لصد الغزاة الصليبيين، لكنهم في الوقت ذاته خانوا الأمانة وانقضوا على الخلافة الفاطمية، وكان صلاح الدين الأيوبي أحد القادة الذين عملوا على تقويض حكم الفاطميين والاستيلاء على دولتهم، واستعمل الأيوبيون أقسى السياسات والاجراءات التعسفية لاستئصال الوجود الفاطمي في شمال أفريقيا، فكانوا فرعوناً لا عوناً للفاطميين. بالأمس أرسلت الحكومة العراقية وفداً رسمياً رفيع المستوى للتباحث والتنسيق مع الحكومة السعودية حول محاربة الإرهاب، وفي الوقت الذي تيقن القاصي والداني بتورط النظام السعودي الوهابي في العمليات الإرهابية، فإذا كان مصدر التحريض المذهبي على الإرهاب سعودي، والأموال التي تحرك الآلة الإرهابية سعودية، ونصف عدد الإرهابيين عابري الحدود في العراق ولبنان وغيرها من المناطق الساخنة هم سعوديون فكيف لا تدرك الحكومة العراقية، بل دول العالم كلها، وأولها أمريكا التي تدعي عدائها للإرهاب السني، بأن السعودية هي مصدر وبؤرة الإرهاب العالمي؟ وهل من المعقول أن تتغاضى الحكومة العراقية عن هذه الحقائق الدامغة ليخرج علينا المسئولون العراقيون بتصريحات وقحة، يمتدحون فيها مساندة حكومة الإرهاب الوهابي لهم في مجابهة الإرهاب؟ ياليتكم تمتلكون النزر اليسير من شجاعة وجرأة الرئيس الأفغاني حميد كرزاي، الذي انتقد مراراً وبشدة غض نظر الحكومة الباكستانية عن دعم بعض الأطراف الباكستانية لطالبان وحلفائها الإرهابيين، حتى اضطرها لأعلان الحرب على الإرهابيين ومعسكراتهم ومدارسهم، التي يمولها السعوديون. من لم يتعظ بالتاريخ أصبح عظة لغيره، وهذا كتاب الله العزيز زاخر بالأمثلة عن الأمم والأقوام الغابرة التي لم تتعظ من أخطاء غيرها، ولو نطقت كتب التاريخ لصرخت بكم: يا حكام العراق لا تستنجدوا بأعراب الجزيرة ولا بالنظم المتحالفة معهم، ولا بالأمريكان، فكلهم أيوبيون!! لستم فئة قليلة محاصرة في موقع ناء على رأس جبل أو في غابة، أنتم متواجدون على معظم الأرض العراقية، ولديكم الرجال والأموال، إخرجوا من حصن المنطقة الخضراء اللاحصين وتوكلوا على الله وعلى العراقيين المخلصين! ولو فعلتم ذلك فابشروا بفتح من الله ونصر قريب على كل أعداء أمن واستقرار ورفاهية العراق، فهل ستفعلون ذلك؟ كلا! لأنكم من جنس الفاطميين المنقرضين، الذين أما لم يقرأوا التاريخ، أو قرأوه ولم يتعظوا بدروسه.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |