حضر دخول العراقيين إلى أرض الكنانة

 

 

محمد علي محيي الدين

abu.zahid@yahoo.com

أصدر رئيس جمهورية مصر العربية حسني مبارك، أمر لا يسمح بموجبه دخول العراقيين إلى الأراضي المصرية، جاء ذلك في تصريح لمصدر رسمي رفض الكشف عن أسمه،أن التعليمات الجديدة التي أصدرها الرئيس المصري شخصيا، تمنع دخول أي عراقي إلى مصر، ورفض الطلبات المقدمة من العراقيين لمنح تأشيرة دخول، بما في ذلك الموفدين الرسميين من الحكومة العراقية، فإذا صحت هذه الأنباء– وإنها صحيحة- فهذا يعني فيما يعني اتخاذ مواقف غير لائقة بحق الشعب العراقي، الذي أسكن ملايين المصريين، ومنحهم الجنسية العراقية، وأعطاهم من الامتيازات ما جعلهم مواطنين من الدرجة الأولى، وأبناء البلاد الأصليين من الدرجة الخامسة، ولعل الرئيس المصري يعلم أن ملايين الدولارات كانت تذهب سنويا لإنعاش الاقتصاد المصري على حساب الشعب العراقي المغلوب على أمره، سواء عن طريق التحويلات المالية للعاملين المصريين في العراق، أو الإتاوات التي يدفعها رئيس النظام السابق لكبار المسئولين ورجال الأعلام وأصحاب الفكر ورادة الثقافة، مقابل مواقفهم  لجانب نظامه وتحسين صورته أمام الشعوب العربية، وقد نشرت المدى الوثائق التي تدين مئات الأسماء الكبيرة من الأخوة المصريين الذين منحهم النظام كوبونات النفط سيئة الصيت،يضاف إلى ذلك المساعدات المالية المتوالية للحكومة المصرية لإنعاش اقتصادها الهزيل، وإنشاء المشاريع الحيوية فيها، ولا ندري الأسباب الكامنة وراء هذا القرار،فالنظام المصري ذاته كان يعامل العراقيين المعاملة السيئة بعد غزو الكويت،ولم يجدوا لهم مكانا في الأراضي المصرية، رغم أن بعض الدول العربية استوعبت الكثيرين منهم، ولا ندري هل الخلاف بين الحكومتين وراء مثل هذا القرار،أم أن الرئيس المصري قرر أخراج العراقيين من خانة العروبة، رغم أنها من أوائل الدول التي قامت عليها الجامعة العربية، ولها علاقات جيدة مع الحكومات المصرية المتعاقبة،بما رافقها في بعض الفترات من تشنجات لمواقف سياسية معينة، ورغم ذلك فأن الحكومة العراقية لم تتخذ أجراء مضاد للمصريين العاملين في العراق في مختلف العهود، رغم ما يعرف عنهم من تدخلات في الشأن الداخلي العراقي،ووجود مقاتلين مصريين شاركوا في العمليات الإرهابية ،وقتلوا الآلاف من العراقيين،وإذا كان للحكومة الحالية مواقفها المتسمة بالبرودة من الحكومة المصرية، فليس في ذلك ما يوجب اتخاذ مثل هذه المواقف المتشنجة،واتخاذ هكذا أجرا آت بحق العراقيين،نعم للحكومة المصرية الحق في الحفاظ على أمنها واستقرارها، واتخاذ ما هو كفيل بسلامة أبناءها، ولها أن تمنع الأشخاص المشبوهين أو المتهمين بالعمل ضدها،أما أن يكون الأمر بهذه الشمولية، وأن يؤخذ البريء بجريرة المذنب،فهذا ما يخالف الدعاوى القومية لحكام مصر وتزعمهم للنضال القومي عبر عقود من السنين، ويذكرنا بالمواقف السابقة التي انتهجتها الحكومة المصرية في عهد الزعيم عبد الكريم قاسم، عندما سلكت طريق التآمر وتقويض سلامة الجمهورية، وتبني المواقف العدائية اتجاه الثورة وزعيمها،مما أنعكس سلبا على الرأي العام العراقي وجعله ينظر للشعب الشقيق بمظهر العدو، وكان لمشاركة القوات العسكرية المصرية في قمع انتفاضة الشعب الكردي أواسط الستينيات آثاره المدمرة على توجهات الشعب العراقي، ولكن العراقيين بما يملكون من طيبة وشهامة، تجاوزوا الماضي بآلامه، واستقبلوا المصريين بما عهد عنهم من الكرم الأصيل، ولا يزال الشعب المصري يتذكر بإكبار مواقف العراقيين اتجاهه ،ويستقبلهم بما يتناسب وما قدمه لهم سابقا، ويواجههم بالحفاوة والترحيب بما يمتن أواصر المحبة بين الشعبين.

  ويحق لنا أن نتساءل،كيف تسمح الحكومة  المصرية لآلاف الصهاينة بدخول أراضيها واستثمار أموالهم فيها،وبناء علاقات متينة مع الشركات الأسرائلية، ولا تقابل العراقيين بجزء مما تقدمه لشقيقتها إسرائيل، وكيف للحكومة المصرية أن تعامل الشعب العراقي بهذه المعاملة المهينة،وهو الذي كان عونا لها في الملمات وحروبها السابقة مع إسرائيل، هل يتناسى المصريون موقف الشعب العراقي من العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، ومشاركة مئات الألوف في المظاهرات الصاخبة التي عمت البلاد من أقصاها إلى أقصاها،، وأعداد الشهداء والمعتقلين بسبب مواقفهم المناهضة لتوجه حكوماتهم،ثم أليس في ذلك ما يخدم التوجهات الهادفة لعزل العراق عن محيطه العربي!!! وارتماءه في أحضان الدول غير العربية،فإذا كانت هذه مواقف الحكام العرب اتجاه العراقيين،فللعراقيين الحق باللجوء إلى غير أبناء عمومتهم من العرب العاربة.

  أن هذا الموقف قد يجعلنا نفكر بجدية في عقم الفكر القومي،الذي أثبت الماضي والحاضر أنه كلام تردده الألسن، ولا وجود له على أرض الواقع،وهناك الكثير من الأدلة على بطلان النظرية القومية وتهافتها،لعدم وجود ما يثبت أصالتها،بما لمسناه ونلمسه من مواقف عدوانية لمن حشروا أنفسهم في النفق العروبي،رغم عدم أيماني المسبق بكل ما يشم منه رائحة ضيق الأفق القومي، ولعل الكذبة الكبرى التي هيمنت على مشاعر الكثيرين،ستجعلهم ينكصون على أعقابهم، ويرفضون هذا الفكر المنحرف لدعاة الفكر القومي،الذي حاول منظريه إلغاء الروح الوطنية والذوبان في القومية التي لم يزكيها التاريخ والواقع العربي عبر مئات السنين.

  أن هذه المواقف ، والمواقف الأخرى لدول الجوار العراقي،تحتم على العراقيين الانتباه للحقيقة الخالدة التي يدعوا لها الشرفاء الوطنيين،بنبذ العناوين البراقة،التي طالما أخفى بريقها الكثير من الزيف والبهتان،والعودة إلى الجوهر الحقيقي الخالد خلود الحياة، الأيمان بمبدأ المواطنة التي ما من شيء يسموا عليها، أو يوازيها،وأن ننبذ كل ما يحاول البعض تمريره من فكر قومي متطرف، أو طائفي منحرف،والعودة إلى الحاضنة الأولى العراق،الذي هو الهوية الحقيقية الناصعة لكل مواطن شريف،وما الدعاوى الأخرى إلا شعارات كاذبة يراد منها سرقة الثروات العراقية التي يحلم بها الآخرين.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com