فتاوى تحريم أكل الأسماك

 

 

محمد علي محيي الدين

abu.zahid@yahoo.com

  قد يستغرب البعض هذا العنوان،ويخالطه الشك في مصداقيته،أو صحة المعلومات الواردة فيه، وللمشكك زيارة علاوي الأسماك، أو محلات بيعها ليرى مصداقية ما أقول،فقد أصدر رجال دين فتاوى بحرمة تناول الأسماك النهرية،لأنها تقتات على الجثث المتفسخة لضحايا الإرهاب،التي ترمى في دجلة الخير، والأنهار العراقية الأخرى،ما جعل الكثير من الناس يعزفون عن تناولها،التزاما بالفتوى، أو تقززا من الصورة البشعة التي صورتها هذه الفتاوى، وأوجد حاجزا نفسيا بين المواطن وتناول الأسماك النهرية، وهذا الأمر له مردوداته السلبية على الطبقات الشعبية الفقيرة، وخصوصا الشريحة العاملة في صيد الأسماك وبيعها،فقد تزامنت هذه الفتوى،في ظل القيظ اللاهب هذا العام، وعدم توفر الطاقة الكهربائية، مما دفع الكثير من باعة الأسماك وصائديها ،إلى أيجاد طريقة جديدة لكسب الرزق، وليس أمام هؤلاء إلا العمل في المنظمات الإرهابية لصيد البشر بدلا من الأسماك لما في ذلك من مردودات مالية عالية،تغنيهم عن الحاجة لعشرات السنين!!

  ولنا أن نتساءل ما هي الدوافع وراء إصدار مثل هذه الفتاوى،هل الدوافع دينية محضة،فلم نسمع لرجال الدين صوتا سنوات الحرب العراقية الإيرانية،عندما كانت الأسماك راتعة بالتهام آلاف الجثث من ضحايا الحرب الأبرياء، حتى أصبحت أحجام الأسماك البصرية خارج السياقات الاعتيادية لأحجام السمك العادي،وطالما وجدنا فيها بقايا أعضاء بشرية،وهل يتصور هؤلاء أن الأسماك قبل هذه الأيام لا تأكل جثث الحيوانات النافقة التي ترمى في الأنهر، بل أن الكثير من الأسماك الكبيرة تقتات بأكلها للأسماك الصغيرة، الذي أصبح سائدا حتى لدى البشر الذي هو أثمن رأسمال وعلى هؤلاء الاهتمام به أكثر من اهتمامهم بما يأكل الحيوان،فهؤلاء شهود على ما تفعله الحيتان الإنسانية الكبيرة في التهامها للأصغر منها، فهاهم أصحاب رؤوس الأموال الضخمة يلتهمون الباعة الصغار،ويرمون بهم إلى هاوية الإفلاس، وهاهي الحيتان الكبيرة من أصحاب الشركات الكبيرة والمؤسسات العملاقة،تهيمن على الأسواق، وتكتسح ما أمامها من صغار الصناعيين، فلماذا لا تصدر الفتاوى بتحريم الأموال التي يجنيها هؤلاء على حساب تعاسة الفقراء،وإصدار الفتاوى التي تنظم الحياة الاقتصادية للناس بما يكفل لهم العيش الكريم، وإزالة الفوارق الطبقية بين المسلمين، بتحريم الجشع والاستغلال،بدلا من تحريم أكل السمك، الذي يعلم الكثير من فقهاؤنا إن فقراء المسلمين لا يتذوقونه إلا في مناسبات خالدة، تظل ماثلة في مخيلة العراقيين،وأين للشعب العراقي بزيادة رزقه إذا لم يتناول السمك في أيام الأربعاء،فقد كانت هناك تعليمات دينية ومعتقدات شعبية،أن تناوله في يوم الأربعاء يزيد الرزق، فهل يستطيع فقهاؤنا أيجاد البدائل بعد تحريمه.

 أن وراء هذه الفتاوى أمور أخرى، قد تدفعنا الظنون لإيراد الكثير منها، وقد يجنح بنا الخيال بعيدا فنتوغل في متاهات تخرجنا عن الهدف من مقالنا،فقد يكون وراء ذلك منافع أخرى،فيضطر الناس لشراء السمك البحري المستورد، أو شراء أسماك البحيرات،الخاضعة لشبكة كبيرة من رجال أعمال هذا الزمان،أو فتح المجال لاستيراد السمك الإسلامي من بحيرات دول الجوار وأنهارها الخالية من المحرمات، وتنشيط هذه التجارة بعد أن أغرقت الأسواق العراقية بالبضاعة الأجنبية ابتداء من السيارة وانتهاء بالخضروات والحلويات والموطا وما إلى ذلك من صغائر الأشياء،وقد وصلت الأمور بنا حتى استوردنا الكباب المجمد،وبذلك يتم القضاء على مفاصل الاقتصاد العراقي، وتحويله إلى اقتصاد غير منتج،يعتمد على الأسواق الخارجية، مما يفسح في المجال لتجار السوق العراقية بتحقيق الأرباح الخيالية والمكاسب التي يذهب أكثرها للمؤسسات المستحدثة التي يشرف عليها سادة العراق،الذين هيمنوا على مفاصل السوق العراقي،مما جعل أصحاب المعامل العراقية،وصغار الحرفيين يغلقون معاملهم وورشهم الصغيرة ،وتعطيل جميع المعامل العراقية في القطاعين العام والخاص،لعدم استطاعتها التنافس مع البضاعة المستوردة من خارج العراق،لتدني أسعارها.

 أن مثل هذه الفتاوى يجب أن تعالج السبب وليس النتيجة،فالقائمين بأعمال القتل والذبح من السلفيين والأصوليين والإسلاميين المتطرفين،يرتبطون بشكل أو آخر برجال الدين،وعلى رجال الدين منع أتباعهم من قتل النفوس البريئة،وتحريم القتل،لا تحريم تناول الأسماك التي تعيش على جثث القتلى، وعلى فقهاء الإرهاب إيقاف حملتهم المسعورة على باعة السمك الذين اضطروا لإغلاق محلاتهم، بسبب تهديدات الجماعات الإرهابية بتصفيتهم، إذا واظبوا على بيع الأسماك،وعلى الدولة أن تشعر المواطنين بوجودها بحماية الطبقات المسحوقة من الشعب العراقي الذين أوصلوها إلى سدة الحكم، لاعتقادهم بأن هؤلاء قادرين على إسعادهم وتحقيق الحياة الحرة الكريمة لهم.

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com