|
وسط ضوضاء المعترك السياسي وتقلبات الوضع الأمني في بلدي العزيز، ومشاحنات الساسة العراقيين، حاولت أن أتجنب التعمق في غور السياسة بيد ان المتابع لما يجري في الساحة العراقية قد يصاب بالإحباط والملل بسبب المشاحنات والمهاترات، وزعزعة الثقة بين ساستنا في البرلمان العراقي، فحاولت أن ابتعد عن سماع الإخبار فأغلقت جهاز التلفاز وأخذت اتأمل في جدران غرفتي وبينما انا كذلك وقع نظري على لوحة الإحداث والمناسبات الدينية فأخذت أتمعن بها وتابعت اهم المناسبات التي نعيشها في شهر رجب الأصب فوجدت انه ستمر علينا في الأيام القليلة المقبلة ذكرى عظيمة الا وهي ذكرى ولادة أمير المؤمنين وأبي السبطين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام هذه الشخصية العملاقة التي أصبحت رمزا لعامة المسلمين بل لعموم الصلحاء والقادة في المجتمع على مر العصور والأزمنة. وبينما أنا اتأمل سقط نظري على كتاب يتناول هذه الشخصية البطولية ألفيته على إحدى خانات مكتبتي المتواضعة فأخذت أغور في بحر حروفه وكلماته التي سطرت لتنسج وتؤرخ الملاحم والبطولات والماثر والمناقب الذي يتحلى بها هذا الرجل العظيم، بيد إنني استوقفت عند حادثة جميلة مفادها بان الإمام علي عليه السلام مر ذات يوم على ميثم التمار ووجد أمامه قسمين من التمر فقال له ما هذا يا ميثم فأجابه قائلا بان القسم الأول هو ذات نوعية جيدة جدا ويباع بـ(10) دراهم أما الكمية الأخرى فهي اقل جودة من الأولى ويبيعها بـ(5) دراهم، فقام الإمام علي عليه السلام بخلط النوعيتين ومزجهما وقال له بع بـ(7) دراهم حتى يكون الغني والفقير على حد سواء ليأكلا من كلتا النوعيتين وان لا يصبح هناك تمييز بين الغني والفقير، فنستنتج من هذه الحادثة مدى عدالة هذه الشخصية الفذة ومقاطعتها لمبدأ التميز الطبقي بين الناس والجميع عنده سواسية كأسنان المشط. علما إن هذه الحادثة كانت من بين العديد من الحوادث والمواقف البطولية لشخص الإمام علي عليه السلام والتي تدل على مدى عدالته رغم ان حكمه قد امتد ليشمل ثلثي الكرة الأرضية ولا يوجد آنذاك جوعان او محروم او مظلوم في تلك البقاع ابان فترة حكمه، وبينما انا اتامل بالأخلاق العظيمة التي تمتع بها شخص الإمام علي عليه السلام راودني سؤال اخذ يدور في خلجاتي، هل ان مسؤولينا الأعزاء الذين تصدوا لسدة الحكم قد تحلوا بمثل هذه الأخلاق الجليلة وخصوصا من يدعون بتشرفهم وانتمائهم للإسلام. وطالما أنا كذلك اتصل بي احد المسؤولين في دائرة المهجرين والمهاجرين واخبرني بوصول مساعدات إنسانية للمهجرين من قبل بعض المنظمات الإنسانية فاتجهت إلى هناك واطلعت على واقع هذه الشريحة فرأيته واقعا مزريا، فوجدتهم يسكنون في مخيمات لا تقيهم حر الصيف المقيت ولم تؤمن لهم متطلبات الحياة الضرورية ولا ذنب اقترفوه سوى ولائهم لأهل البيت عليهم السلام إلى جانب ذلك ما شاهدته من بعض العوائل المتعففة في مدينتي والتي شملها كذلك التوزيع والتي كان اغلبها قد فقدت معيلها والمسؤول عنها بسبب الأعمال الإرهابية التي يشهدها العراق نتيجة العنف الأعمى الذي يحصد العشرات من أرواح الأبرياء يوميا، لكن للأسف الشديد لم أجد هناك التفاتة جادة لتلك الشريحتين من قبل المسؤولين في الحكومة العراقية. وعندها التفت وتوجهت بالسؤال لذلك المسؤول وقلت له هل قمتم بتوزيع الرواتب التي خصصتها الحكومة العراقية لهذه الشريحة من المهجرين فأجابني وقد رسمت معاني الخجل على جبينه وقال لي (لا) حيث لم تصل لنا التعليمات حتى هذا الوقت، فحينها تقهقهت وأجبته قائلا لو أنها كانت تخص إخواننا المسؤولين لوجدناها حظيت باهتمام واسع وقبول عام وتم تنفيذها خلال ثواني، ولكنني حينما عدت إلى المنزل فتحت جهاز التلفاز وكان أول خبر سمعته بخصوص مخصصات الأخ المشهداني والتي أصبت حين سماعي لذلك الخبر بالإحباط والألم الشديد حيث أشار الخبر إلى ان مخصصاته قد تتجاوز (50) مليون دينار إلى جانب احتفاظه بأفراد حمايته الذين يبلغ تعدادهم (200) شخص لا يقل راتب الواحد منهم عن مليون دينار وبهذا يصبح راتب المشهداني الذي سيحال إلى التقاعد مع طاقم حمايته أكثر من (250) مليون دينار شهريا!!! فما هذه المفارقة يا إخواننا الساسة والى متى الاستخفاف بمشاعر العراقيين، وهل هذه العدالة والمساواة التي ألفيناها على صفحات برامجكم الإنتخابية، أم أنها الشفافية التي وعدتمونا بها، فشتان بينهم وبينك يا امير المؤمنين، نعم لا اقول جميعهم بل أقول العديد منهم، ولا اخلي سبيل الجميع طالما أنهم سكتوا على ذلك ورضوا بما أقرته جبهة التوافق.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |