جاهزية القوى الأمنية، في سلامة بنائها

 

 

محمد علي محيي الدين

abu.zahid@yahoo.com

 يكثر الحديث عن جاهزية القوات المسلحة،وما يصرف من مليارات الدولارات لتدريبها، وإكمال ما ينقصها من الأعتدة والأسلحة الحديثة المتطورة،والكل يراهن على جاهزيتها، وأعدادها لبسط الأمن وانسحاب القوات الأجنبية من العراق، وآخر التقارير الصادرة عن الإدارة الأمريكية،صورت القوات العراقية بأنها لا تزال تعاني من الطائفية،واعتمادها على القوات الأمريكية في العمليات العسكرية.

 وجاء في التقرير الذي أصدره البيت الأبيض الخميس الماضي، أن القوى الأمنية العراقية إذا تركت وحدها، فأنها تميل لتغليب الجانب الطائفي في عملياتها، لعدم امتلاكها الاستقلالية التامة في تنفيذ العمليات، فيما لا تزال أعداد الوحدات القادرة على العمل بمفردها دون الحاجة لمساعدات أمريكية قليلة لا يمكن الركون إليها والاعتماد عليها، في ظل الأوضاع الأمنية المنفلتة في العراق،وتأكيد على الولاآت الخاصة للوحدات بعيدا عن المصلحة العليا للبلاد، وذكر التقرير أنه درب أكثر من 353 ألف فرد من قوات الأمن، تتفاوت قدراتهم العسكرية الى حد كبير، فيما لا تزال الروح الطائفية سائدة في هذه القوات، والانحياز لدى بعض الوحدات،وكان للولاآت الطائفية آثارها المدمرة في تعيين قادة الجيش، وآمري الوحدات العسكرية، مما يعطي انطباعا لدى الإدارة الأمريكية بأن العمليات العسكرية تخضع للرؤيا السياسية للحكومة، في التعامل مع الجماعات المسلحة، ولا يزال الكثير من الضباط الكبار المتهمين بانتهاكات حقوق الإنسان يتولون ذات المناصب، رغم توجهاتهم الضيقة المعروفة،وأبدى التقرير القلق من المعلومات المتوفرة لديه من  عمل مكتب القائد العام للقوات المسلحة، الذي يتبع رئيس الوزراء نوري المالكي، وأظهر أدلة على وجود قوائم مستهدفة تخرج من المكتب، تتجاوز قادة العمليات،وتوجه ضباط مخابرات وقادة بمستويات أقل للقيام باعتقالات تثير الشكوك.

  أن مشكلة بناء الجيش العراقي تتطلب حزمة من الأجراآت ،ليكون الجيش وطنيا مهنيا بعيدا عن السياسات المتناقضة لأطراف الصراع في العراق، واعتماد معايير مهنية في اختيار القادة الكبار الميدانيين، ممن ليست لديهم توجهات طائفية متزمتة، أو قومية شوفونية، أو حزبية ضيقة،ويكون اختيارهم على أساس الكفاءة والنزاهة والسمعة العسكرية المعروفة،فقد كان الجيش العراقي منذ تشكيله بعيد عن الصراعات السياسية،ولم يشارك أفراده في عمليات القمع الداخلية، إلا في أوقات معينة كان لبعض ضباطه تصرفاتهم البعيدة عن السياقات المهنية، ولكن النظام السابق هو الذي جعل الجيش أداة للقمع والإبادة، والمشاركة في قمع الانتفاضات الشعبية بعد تسييسه، والإساءة الى سمعته بإشراكه في القضايا الداخلية،لذلك نرى ضرورة إصدار قرارات حازمة تمنع اشتراك منتسبي القوات المسلحة في الأمور العامة والسياسية على وجه الخصوص،وعدم تسييسه،أو السماح للتنظيمات السياسية والدينية أن تأخذ طريقها الى مؤسساته،ويحرم نهائيا اشتراك منتسبي الجيش بأي نشاط سياسي مهما كان نوعه،وبناءه على أسس بعيدة عن الصراعات الدائرة في العراق،لأن تسييسه سيؤدي الى دكتاتورية جديدة قد تقود البلاد الى ويلات ومآسي أكثر مما كان عليه النظام السابق،فقد لاحظنا خلال الأعوام الأربعة الماضية،دخول الجيش بقوة في الصراع السياسي، واشتراكه في كل النشاطات البعيدة عن الشأن العسكري المحض،فقد كان للقوى الأمنية تدخلها المباشر في الدعاية الانتخابية،وانحيازها الى جانب السلطة الحاكمة،مما جعل الانتخابات بعيدة عن النزاهة،ناهيك عن وجود التبشير السياسي في القوات المسلحة بما يشابه التوجيه الذي كان عليه النظام السابق،ووجود أشخاص مكلفين ببث الفكر العقائدي للجهات السياسية المتنفذة،مما أبعده عن المهنية التي يجب أن تكون عليها الجيوش في الدول ذات النهج الديمقراطي.

 ويستدعي الأمر الانتباه الى جانب مهم في هذه القضية، بإعادة التجنيد الإلزامي،الذي يكفل مشاركة جميع العراقيين في الخدمة العسكرية، بغض النظر عن انتمائهم الديني والقومي والمذهبي وتوجههم السياسي، ويكون خضوعهم للقيادة العسكرية البعيدة ‘ ن أي شكل من أشكال التنظيم الأيديولوجي والسياسي،وقد يتبادر الى الذهن أن القيادات العسكرية يجري اختيارها من قبل السلطة وموافقة البرلمان للقيادات العليا ،ووزارة الدفاع للقيادات الميدانية،وأن هذه الاختيارات تخضع للتوجه السياسي السائد في قيادة السلطة، وهذا الأمر يدفعنا لتوخي الحذر والتأني في اختيار هذه القيادات، ودراسة تأريخها بشكل تفصيلي،وهناك الكثير من القادة العسكريين الذين التزموا المهنية العالية، ولم تكن لهم مشاركات معروفة في أي عمل سياسي سواء مع الدولة أو ضدها،في بدايات تشكيل الجيش القديم،ولكن الانحرافات التي واكبت توجهات قيادات الجيش المهنية بالانخراط في العمل السياسي،كانت لشيوع  موجة الانقلابات العسكرية التي  سادت تلك الفترة، مما جعل الكثير من الضباط يحلمون بالوصول الى هرم السلطة عن طريقها، لعدم احتياج الأمر الى أكثر من طائرتين وبضعة دبابات واتفاق عدد من أمري الألوية لتحريك قواتهم والسيطرة على القصر الجمهوري ودار الإذاعة،لاستلام مقاليد السلطة في العراق.ولكن إذا كانت المؤسسة العسكرية بعيدة عن ممارسة العمل السياسي،والتوجه الطائفي ،والاندفاع القومي،والتزامها بالمعايير العسكرية البحتة،ومراقبة أدائها من قبل الشعب،بشفافية عالية سوف لن تفسح في المجال لقيام انقلاب،أو تحرك عسكري لاستلام السلطة،وخصوصا إذا كانت الحكومة القائمة تتسم بالعدالة والنزاهة،وبعيدة عن الفساد والمحسوبية والمنسوبية.

 أن بناء المؤسسة العسكرية على أسس مهنية يتطلب الاستفادة من تجارب البلدان المتقدمة،وأتباع أساليبها في الاختيار،وعدم طغيان المحاصصة الطائفية والقومية والحزبية،في اختيار القيادات العسكرية،للنتائج الوخيمة التي رافقت بناء الجيش الحالي باعتماد أسلوب المحاصصة، الذي يجعل من الجيش الواحد،جيش متعدد الولاآت، تسيره الإرادات الحزبية والطائفية،وأن تنقية الجيش من الشوائب، كفيل بإنقاذ البلاد،وخروج القوات الأجنبية،وبناء المؤسسة العسكرية على أسس وطنية صالحة،كما هو عليه حال الدول الأخرى التي سلكت الطريق الديمقراطي في حكمها للبلاد،وذلك بإعطاء مؤسسات المجتمع المدني دورها الرائد في المراقبة وتصحيح المسار الخاطئ كما هو الحال في الدول المتقدمة.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com