|
العراق: مسودة قانون النفط والغاز، هل سيرفضها النواب..؟!
باقر الفضلي لعله من المفيد تكرار القول؛ بأن الخوض في تفاصيل وتفرعات مسودة قانون النفط والغاز رقم() لسنة 2007 المقدمة الى مجلس النواب والكتابة عنها ، هو أشبه بالخوض في بركة تملؤها أسماك القرش، أو كالدخول في غابة شائكة مجهولة المعالم والطرقات، بل هو في الحقيقة يمثل مغامرة للبحث في المجهول، وخير تعبير عنها؛ الحالة المأساوية لأزمة الوقود التي تخيم على كاهل الشعب العراقي، ومافيا تهريب النفط في البصرة، وتفجير أنابيب النفط في كركوك وبغداد والمواقع الأخرى ..!؟(1) وبالتالي فإن ما سأتناوله في هذه المقالة المكثفة هو مجرد ملاحظات أولية على بعض ما جاء في المسودة من أحكام ونصوص، وجدت من المناسب الإشارة الى أصولها وهي حكماّ نصوص أساسية خلافية، أما المسودة في تفاصيلها، فإنها قد أشبعت بحثاّ وتناولها الكثير من الخبراء والمتخصصين إضافة الى ما قيل وكتب بشأنها من الدراسات والبحوث، والتي أجمعت في معظمها على ما يشوب المسودة من مثالب تستوجب أولاّ: الملاحظ في البند ثالثا/المادة الأولى، أن المسودة قد إستحدثت تسمية ذات طبيعة شمولية على الهيئات الرئيسية الثلاث، والمسؤولة عن الشأن النفطي (وزارة النفط الإتحادية، الوزارة المختصة في حكومة اٌلإقليم وشركة النفط الوطنية العراقية)، تحت تسمية (الهيئة المختصة). - من خلال هذا النص، يصبح في حكم المشروع، أحقية جميع تلك الهيئات الثلاث؛ القيام بكل ما يتعلق ب(دورات التراخيص)؛ إبتداء من الإعلان عن مواقع الإستكشاف وإنتهاء بتوقيع العقد الأولي ، طبقا للبند ثالثاّ والبند سادساّ من المادة الأولى، وبدلالة المادة /18/ البند أولاّ، من الفصل الأول/ الباب الأول..! • مما تقدم يمكن ملاحظة إن ملكية (الشعب) لثروة النفط والغاز التي وردت في نص المادة/2/أولاّ من المسودة وما سبقها من نصوص تتعلق بتجزئة حقوق التصرف والإدارة لهذه الملكية، بين الحكومة الإتحادية والأقاليم، قد وجدت أساسها في نصوص (المواد/108و109و110و111) من الدستور(2)؛ وتأسيساّ عليها أعتمدت هذه المسودة للتشريع؛ علماّ بأن نصوص هذه المواد لا زالت بحكم الخلافية ومشمولة بأحكام المادة/142 من الدستور. • ولما كان الدستور نفسه، قد شرع سلفاّ لتجزئة حق (التصرف الإداري) المادة/109بشأن النفط والغاز المستخرج، فإنه بالأصل قد أوقع نفسه في التناقض مع المادة/108 التي تنص على ملكية الشعب للنفط والغاز. • وحيث أن النفط والغاز بعد إستخراجهما من المكامن ووضعهما في الإستثمار يصبحان في عداد المال العام الذي يضفي عليه الدستور حرمة خاصة ويوجب حمايته/المادة /27/أولاّ، والتي في تقديري ومن حيث المضمون؛ لاتسمح من الناحية الموضوعية وإنطلاقاّ من روح النص ومقاصده، بتعدد مراكز حق التصرف الإداري على هذه الثروة، وإن تم إجازته عن طريق الإنابة أو الإشتراك طبقاّ لإحكام المادة/109/أولاّ من الدستور الخلافية، فإن تداعيات تلك الإنابة تفقد النص المذكور/المادة/ 27 من الدستور أهدافه ومضامينه، ويصبح غير ذي معنى القول :(النفط والغاز هو ملك كل الشعب العراقي في كل الاقاليم والمحافظات) /المادة /108، هذا إذا ما فهمنا بأن (النفط والغاز) المقصودين؛ هما المستخرجان من مكامنهما في باطن الأرض بنية وهدف إستثمارهما كمال عام، وبعكسه فإنهما لا يكتسبان هذه الصفة طالما ظلا في مكامنهما في باطن الأرض، مثلهما كمثل الثروة السمكية في البحار والأنهار. • ولإحتمالية ما سيترتب على أمر تجزئة حق التصرف الإداري بملكية المال العام بين الأقاليم، بحكم وضع يدها على مكامن هذه الثروة وتملكها حق الحيازة على هذه المكامن إستناداّ لمنطوق البند/سادساّ/المادة/الأولى/المسودة وبدلالة المادة/18 منها، وما قد يثيره ذلك من المنازعات حول حدود ومناطق الإستغلال وتداخل الحقول النفطية والغازية بين الأقاليم والمحافظات وربما خارج الحدود، ناهيك عن التخبط الذي سيرافق رسم الخطوط العامة لإستراتيجية النفط والغاز المركزية لعموم البلاد بسبب تعدد مراكزها/ المادة/109/ثانياّ/الدستور، لذلك ومن هذا المنطلق، يستوجب الأمر على الدولة، الحفاظ على ملكية هذه الثروة وحمايتها وصيانتها، وضمان حقوق الأجيال الحالية والمقبلة في عوائدها؛ وهذا لا يتحقق خارج حدود وحدة القرار المركزي ورقابة الشعب. • أقول إن من بدهيات (ملكية) الشيء، هو تلازمه بحق التصرف، وحق التصرف يلزم الحيازة للمتصرف به، وإن كان ذلك لا يتم بالنسبة لملكية الثروة النفطيةدون وضع اليد على مصادرها، وبالتالي فإن تجزئة حق التصرف (الإدارة) في هذه الحالة، هو بمثابة تجزئة لحق (الإدارة) للثروة النفطية المناط بالحكومة الإتحادبة مركزيا، وسيؤدي بالنتيجة الى تجزئة وحدة التصرف بالمال العام نفسه (النفط والغاز) بين الأقاليم من خلال العقود التي ستقدم على إبرامها الأقاليم مع إصحاب التراخيص. كما في حالة عقود المشاركة طويلة الأجل. المادة/21 من المسودة، والتي هي في مضمونها تجسيداّ من خلال التشريع، لخصخصة الثروة النفطية ، حيث تصبح ملكية المال العام مشوبة بالتجزئة وبالمشاركة شيوعاّ مع أطراف أخرى، من غير أصحاب الحق الشرعي في الحيازة والتصرف وهم أبناء الشعب العراقي صاحب الحق بالثروة، وبالتالي تفقد هذه الثروة ميزتها كملكية عامة للشعب. • وبعكسه، فإن عدم حصر حقوق التصرف (الإدارة) لهذه الثروة في يد جهة مركزية واحدة خاضعة حكماّ ودستورياّ لرقابة وإشراف مجلس النواب، مثل شركة النفط الوطنية العراقية ؛ فإن ذلك يفضي الى إحتمالية التفريط بتلك الثروة ، ويفتح الباب على مصراعيه أمام التأويل والتفسير والإهدار والتفريط بحقوق مالكيها والأجيال القادمة، بسبب تعدد مراكز الإدارة والقرار وتداخل الإختصاصات/ المادة/110 من الدستور، وتنازع الصلاحيات المادة/111 من الدستور وما قد يترتب على ذلك من تبعية الإرتباط بعقود قد لا تكون في خدمة المواطن مثل عقود المشاركة، نتيجة لحالة التنافس التي ستخلقها هذه التجزئة لحق التصرف الإداري بين الأقاليم، مما سيؤدي في النهاية الى إحتمالية المس بحقوق السيادة الوطنية والتجاوز على مشروعية الملكية العامة ووحدتها، رغم آلية الإشراف المقررة في نص المادة/18 من المسودة بشأن العقود. • ولعله من الأهمية بمكان، وبقدر تعلق الأمر بعوائد وإبرادات هذه الثروة ومفهوم العدالة في التوزيع التي أشارة اليه المادة/40 من المسودة، وأحالت أمر تفاصيله الى قانون آخر، طرحت مسودته أمام مجلس النواب، هو \"قانون الموارد المالية\"، والذي تعول عليه الإدارة الأمريكية وشركات النفط الإحتكارية الكثير من الآمال في تحقيق \"المصالحة الوطنية\" وتحقيق \"الأمن\" من خلال توزيع العائدات (بشكل عادل على الشعب وينظم ذلك بقانون)، فهي الآخرى لم تخلو من المثالب والنواقص، وترتبط عضوياّ بنفس الأسس التي بنيت عليها مسودة قانون النفط والغاز. وخير ما قيل بهذا الشأن؛ المقالة القيمة والمهمة، للخبير المالي الدولي الأستاذ الفاضل الدكتور كامل العضاض المنشورة بتأريخ 21/7/2007 في مواقع عديدة، والموسومة ب(ملاحظات أساسية حول مسودة قانون الموارد المالية) والتي إعتبرها مكملة لمسودة قانون النفط والغاز لتعلقها بتوزيع الموارد الناشئة عن إنتاج وتوزيع النفط والغاز. ثانيا: • ومن المثير للإستغراب أن يتجرد مجلس النواب العراقي من مسؤوليته الدستورية في الإشراف والمراقبة على أداء السلطة التنفيذية في مجال إدارتها للثروة النفطية، وأهم جانب منها، وهو عقود الإستثمار التي بموجبها يتم تحديد طبيعة الإستثمار وآثاره، وحدود تحقيق المنفعة العامة، وحماية المال العام، حيث ضيقت المسودة نطاق نشاط مجلس النواب الرقابي في حدود : اولا - تشريع القوانين الاتحادية للعمليات المرتبطة بقطاع النفط والغاز. ثانيا- الموافقة على الاتفاقيات الدولية ذات العلاقة بقطاع النفط والغاز./ المادة/7 من المسودة . • وفي تقديري إن هذا التقييد، يتعارض مع ما تلزمه روح المادة/27 من الدستور، ، من حيث القصد الذي إستوجب فرض الحماية من أجله، وهو حرمة المال العام ، وبالتالي فإن عقود الإستثمار تدخل ضمناّ في نطاق الإشراف والمراقبة والتدقيق لكون تأثيرها ينصب على تلك الثروة مباشرة وهي من المال العام، ولخصوصية هذه الثروة فإن مسؤولية مجلس النواب في ضمان حمايتها، إنما تجسد مسؤولية المواطن الشخصية في هذه الحماية. ومن هنا ، يصبح إفتراضاّ منطقياّ تدقيق مجلس النواب لعقود الإستثمار التي تبرمها الحكومة مع \"شركات النفط العالمية\" كمبدأ أساس؛ من حيث مدى مطابقتها لأحكام المصلحة الوطنية في الحفاظ على الملكية العامة للثروة النفطية وعدم المساس بها من خلال إبرام عقود تنتهك شرعية هذه الملكية وتفقدها حرمتها أو تضعها تحت هيمنة وإدارة الشركات النفطية الإحتكارية؛ بحيث لا تصبح هذه العقود نافذة إلا بعد إقرارها من قبل مجلس النواب، لإهميتها الإستثنائية. وذلك ضمن صلاحيات المجلس الدستورية/ المادة/58/ثانياّ، وواجبات أعضاء المجلس/ المادة/48، إذا ما كان الهدف حماية الثروة النفطية من إساءة الإستخدام وهدر المال العام، وتبعات الفساد الإداري. • ولعل من دواعي إنتقاد بل ورفض مسودة قانون النفط والغاز موضوع النقاش، هو شبهة تضمنها صراحة تبني مثل هذه العقود المرفوضة وطنياّ، والتي تخل بالسيادة الوطنية وترهن ملكية الثروة النفطية تحت تحكم الشركات الإحتكارية النفطية العالمية لآجال بعيدة، من خلال عقود التنقيب والتطوير والإنتاج حصرياّ(عقود المشاركة)./ المادة/21/البند/ أولا - ثالثا ، بالإضافة الى مثالب كثيرة أخرى تناولتها العديد من الدراسات المهنية من قبل المتخصصين في الحقل النفطي والإقتصادي من عراقيين وغير عراقيين، وكان من أبرزها الموقف من القطاع الصناعي النفطي للبتروكيمياويت الذي أغفلته المسودة كليا، والتركيز على قطاع الإستخراج والتصدير.(3) ثالثاّ: حيث أن الإشكالية الرئيسة لمسودة قانون النفط والغاز على المستوى الشكلي الدستوري، تتجسد بكونها قد بنيت وأسست على ضوء وبموجب نصوص دستورية خلافية لم يجر الإتفاق عليها وأحيلت الى لجنة التعديلات الدستورية في مجلس النواب، وهي لا زالت في معرض النقاش لإجراء التعديلات المناسبة عليها طبقاّ للمادة/142 من الدستور ، فنتيجة لذلك؛ يصبح من السابق لأوانه مناقشة مسودة القانون في مجلس النواب حالياّ، بل إن المناقشة نفسها لا تحوز على الشرعية شكلياّ، في وقت لم تحسم فيه بعد إشكالية الخلاف نفسها دستورياّ وهذا ما يراه الكثيرون؛ هذا في وقت يمتلك فيه مجلس النواب من الأسباب الشكلية والموضوعية ما يمنحه كل المسوغات، لرفض المسودة وردها للأسباب المذكورة..! فهل سيقدم نوابنا المحترمون على رفض هذه المسودة المشبوهة..؟؟ سؤال لايجيب عليه إلا النواب..؟؟ أما الشعب فقد قالها منذ فجر 14 تموز/1958
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |