|
يقبع قادة العراق المعاصرون من رئيس وأعضاء الحكومة في مكاتبهم الوثيرة والمكيفة والمضيئة والمزودة بالماء البارد والحار، وهم منهمكون في صرف المليارات من الدولارات على مشاريع ورقية، ولا يكاد ينقضي يوم من دون إنجازهم عدد من البيانات والتصريحات الواعدة بتحسن الوضع الأمني وتوفير الخدمات وتوظيف العاطلين عن العمل إضافة إلى استنكار العمليات الإرهابية، فيما يستلقي أعضاء البرلمان العراقي على أرائك أفخم من عرش الهاشميين البائد، أعداءً لا أخواناً ولا متقابلين، ولم ينزع الغل من قلوبهم التي امتلأت قيحاً على بعضهم البعض، حتى وصل الأمر بينهم إلى الشتم والصفع والاختطاف والقتل أحياناً، ولو افترض أحد بأن هؤلاء الحكام من أعضاء الحكومة والبرلمان عينة إحصائية ممثلة لشعب العراق لحق له الاستنتاج علمياً وموضوعياً بأن العراقيين أسوء أمة أُخرجت للناس. عندما يتجرأ أحد العراقيين على انتقاد الحكومة أو البرلمان يأتيه جواب من أحدهم بأننا مبتدئون في السياسة، أي صف أول سياسة، لذا عليكم ان تصبروا علينا حتى نتعلم فنون الصنعة ونكتسب المهارات اللازمة لأداء مهامنا على أحسن وجه، وللبرهان بأنهم صف أول من الطلاب النجباء وظفوا أعداداً هائلة من المستشارين ليتعلموا منهم إدارة دفة الحكم العراقي، ولو افترضنا صدق ادعائهم هذا فهل صحيح أيضاً بأنهم أحسن الصفوف؟ حتى نصدقهم تماماً سنزورهم لنرى بأم أعيننا الصف الأول سياسة في الحكومة والبرلمان. وجدنا صف الحكومة مداوماً، يتصدره رئيس الحكومة المالكي، وهو معلم متمرس، ولكن المالكي حزين، لأن ستة أو سبعة من مقاعد الدراسة في صفه فارغة بعد انسحاب شاغليها، إقراراً منهم بعدم جدارتهم بهذه المقاعد، وأحد الطلاب متغيب أو هارب بعد ورود شكوى حول مسئوليته عن جرائم إرهابية، وبقية الطلاب أقرب إلى اللعب من الجد، فلو قيمنا مدى تعلمهم خلال فترة الدراسة على مقياس الإنجازات لتوصلنا إلى نتيجة بأنهم ازدادوا جهلاً فوق جهل، فالأمن متدهور، والخدمات متناقصة، والغلاء أفحش، والبطالة متصاعدة، والهجرة والتهجير في ازدياد، ولا موعد منظور لانسحاب قوات الاحتلال، لذا يحق لنا أن نقول بأن الحكومة ليست صف أول سياسة وهي بالتأكيد ليست أول الصفوف. عرجنا بعد ذلك على البرلمان العراقي، وهو أقرب من حيث عدد أعضائه إلى مدرسة منه إلى صف، وقياساً على القاعدة الإحصائية القائلة بأنه كلما ازداد حجم العينة كانت أكثر تمثيلاً للمجتمع توقعنا وجود نوعية أفضل من طلاب السياسة، ولكن توقعاتنا تبددت بعد رؤيتنا العدد الكبير من المقاعد الشاغرة بسبب انقطاع أصحابها عن الحضور احتجاجاً، أو لانشغالهم بأمورهم الخاصة، وأصبنا بالاحباط التام بعد حضورنا جانب من إحدى الجلسات أو الدروس، فالمعلم الأول الذي يتصدر القاعة أقرب في سلوكه للمهرج منه إلى المربي الفاضل والقدوة الحسنة، وفي الماضي كان بعض الملوك والقادة يصطفون مهرجين لاضحاكهم وادخال السرور على أنفسهم، وليس مستغرباً أن يتفوه هؤلاء المهرجون بالسخف واحياناً بالبذيء من الكلام في سبيل تسلية أسيادهم، ولكننا وجدنا في البرلمان انقلاباً في الأدوار، فقد أصبح المهرج رئيساً، فلا تنقضي جلسة بدون ارتجاله لفصل كوميدي، ويبدوا بأن هذا المهرج متخصص بالكوميديا السوداء، التي يصفها علماء النفس بأنها نزعة عدائية مستترة، وياليته يمتلك ذرات من حكمة وإخلاص المهرج في مسرحية شكسبير العظيمة الملك لير، وقد استاء الكثيرون من فصول رئيس البرلمان الهزلية والمؤذية إلى درجة المطالبة بإقالته واستبداله، والظاهر بأنه إذا كان رب البرلمان مهرجاً فشيمة أعضاءه الضحك على ذقون الناخبين، فقد انقضت الأشهر والأيام واقتربت العطلة الصيفية، وهم لم يتعلموا سوى كيفية زيادة مخصاصاتهم من اليومية و"العيدية"، وأفضل ما يستطيعون القيام به التظاهر بالجد كلما سمعوا تهديداً من المفتش الأشقر الآت من وراء البحار لاستكمال ما بدأه سلفه الطاغوتي العبثي، لذا نقول لهم كما قلنا للحكومة لقد اختبركم الناخبون، وبما إنكم لا تستحقون التكريم فأنتم بالتأكيد فاشلون. ياحكومة وبرلمان العراق أنتم صف أول من دون شك، في البدائية لا الإبتدائية، وأنتم أسوء الصفوف، بل أنتم مشاغبون لا تحسنون حتى الاصطفاف، وتلح على عقلي بعض التشبيهات والأمثال الشعية المهينة، لكني سأترفع عن ذكرها احتراماً لشعبنا العراقي الكريم الذي أكرمكم بانتخابكم ممثلين وحاكمين، فقابلتم تلك المنة العظمى والثقة الغالية ليس بتقبيل أصابع الناخبين البنفسجية ووضعها فوق رؤوسكم بل بغرس أنياب جشعكم وأنانيتكم وفسادكم وجهلكم وتعاليكم فيها.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |