|
الدولة العميقة مصطلح بدأنا نسمع به في الاونة الاخيرة بصورة متواترة، والمقصود بهذا المصطلح الهيكل العظمي للدولة، أو لنقل الاركان الاساسية للدولة والتي لاتتغيير بتغير الحكومات فيه. ففي الولايات المتحدة الامريكية يشكل ثالوث البنتاغون والمخابرات المركزية ومركز الاموال (وول ستريت) اسس الدولة العميقة الامريكية. وفي العراق كانت الدولة العميقة العراقية تتشكل من مربع الجيش وجهاز الاستخبارات العراقية ومركز الاموال في الشورجة، والبيروقراط العراقي (اساتذة الجامعات والقضاة ومستشاري الوزارات وغيرهم). وبالرغم من الانقلابات المتواصلة منذ1958 ظلت اركان الدولة العميقة العراقية بعيدة عن التغيير الحاد والجذري مع تغير الحكومات الانقلابية. ومع انقلاب 1968 بدأ هذا الوضع اي (عدم المساس بالاسس الثابته لاركان للدولة العميقة العراقية) تتغير رويدا رويدا، حيث بدأت حملات التصفية لضباط الجيش العراقي من المؤسسة العسكرية واساتذة الجامعات المعروفين وضباط ومراتب اجهزة الاستخبارات العراقي وحملات الاستيلاء على اموال تجار الشورجة من الفيليين ونفيهم خارج الحدود واعدام بعضهم. وعلى مدى عشرين سنة من حملات التصفية المتصاعدة تم تهشيم اركان الدولة العميقة العراقية غير المنتمية لاية جهة حزبية عراقية، وتم احلال كوادر حزبية في كل ركن من هذا المربع. وبذلك تطابقت لاول مرة في تاريخ العراق المؤسسة الحزبية الحاكمة مع اركان الدولة العميقة . ونتيجة لهذا التطابق تبلورت الدكتاتورية وتمت مصادرة الحريات واسكات الراي المقابل . ولقد كان ضربية هذه النتيجة الخطيرة سنوات طويلة من الحروب والحصار الاقتصادي واخرها الاحتلال الاجنبي . ان الدولة العميقة العراقية قبل تخريبها واحتلالها وتصفيتها من قبل المؤسسة الحزبية البعثية كانت معقل ومتنفس عمل الوطنيين العراقيين بغض النظر عن انتماءاتهم المذهبية والقومية ، حيث كان القاسم المشترك بينهم حب العراق والعمل لتوفير الرفاهية لشعبه وحمايته من كل مكروه ، واعلاء كلمته والحفاظ على سيادته . ولما كان العلم العراقي رمز مشترك سامي لهذه السيادة ، لذلك كانت القرارات التي تتخذ لتغييره تتخذ اعتمادا على مبدأ التوافق ما بين اركان هذه المؤسسة والحكومات الحزبية الحاكمة . ان التصفير الذي تعرض له الدولة العراقية ( الدولة العميقة والحكومة المركزية الحزبية معا ) نتيجة للاحتلال ادى الى نتائج افضع من نتائج احتلال الدولة العميقة من قبل الجهاز الحزبي، فاذا كان نتيجة العملية الثانية سلسلة الحروب غير العقلانية والحصار الاقتصادي البغيض، فنتيجة العملية الاولى (الاحتلال الاجنبي) كان تحطيم الهيكل العظمي العراقي (الدولة العميقة) المنخور اصلا بفعل الاحتلال الحزبي. ان تهشيم اي هيكل عظمي مهما كان ضعيفا يؤدي حسب قوانين علم الاحياء والفيزياء الى سقوط الجسد واحتضاره وموته. ولذلك بدأءنا نسمع من يترحم على ايام الحرب العراقية الايرانية وحتى على ايام الحصار. ان منظر العشرات من القتلى العراقيين اليومي وطوابير المهاجرين والمهجرين ومنحنيات الفقر والجوع والعطالة المتصاعدة بوتيرة سريعة دليل على احتضار شعب ودولة . ان عدم موافقة الادارة المحلية في شمال العراق بعد استلام الملف الامني من القوات المحتلة الامريكية لرفع رمز وسيادة العراق بين دول العالم الا وهوالعلم العراقي المزخرف بكلمة "الله اكبر" يوضح بجلاء كيف اصبحت هذه المفاهيم لعبة بيد فئة عراقية تتخد القرارات وتنفذها نتيجة لتحطم اركان الدولة العميقة وسقوط الجسد العراقي بغير حراك... يقول السيد مسعود البرزاني تارة في سياق تبرير رفضه لرفع العلم العراقي ، بان النجوم الثلاثة ترمز الى شعار حزب البعث العربي الاشتراكي المحتل ( ويقصد سيادته المحتل لدولة كردستان): احداها تعني الوحدة ، والثانية تعني الحرية ، والثالثة تعني الاشتراكية وتارة اخرى، يقول سيادته بأنه تم اعدام الاكراد تحت هذا العلم ،وتارة اخرى يقول "ان كلمة الله اكبر كُتبت بيد الطاغية صدام". والحقيقة هذا بعيد كل البعد عن ماذهب اليه السيد البرزاني. اذ (كانت هناك نية لأقامة وحدة عربية بين الجمهورية العراقية وجمهورية مصر العربية وجمهورية سورية العربية) وهذه النجوم الثلاثة كانت ترمز انذاك للعراق ولمصر ولسورية. وفي نفس السياق قال السيد نيجرفان البرزاني وبتاريخ 30 / 5 /2007 لدى تسليم قوات الاحتلال الملف الامني للادارة المحلية في شمال العراق، ان سبب عدم رفع العلم العراقي لايعني بأن الاكراد ليسوا جزءا من العراق، ولكن السبب الرئيسي هو ان كلمة الله اكبر مكتوبة بخط الرئيس العراقي صدام حسين تارة وبالخط الكوفي تارة اخرى. انا اتفق مع ماذهب اليه السيد نجيرفان حول خرق صدام حسين لاسس الدولة العميقة العراقية وهي ضرورة التوافق على تغير العلم ، وعدم جواز استخدام خط يده في كتابة لفظة " الله اكبر" ولكن (الله اكبر) ان كانت مكتوبة بيد صدام حسين او بيد اي شخص اخر هل سيغير قدسيته ومفهومه لكي يتخد ذريعة لعدم رفع العلم ثم تغييره، وبنفس منطق صدام حسين المحتل للدولة العميقة العراقية. الايحق لنا كمواطنين ان نسأل السؤال التالي: ان كنتم صادقين وابناء بررة لهذا البلد فلماذا تطبقون كافة القوانين والتعليمات الصادرة من مجلس قيادة الثورة المنحل وبتوقيع رئيسه صدام حسين اذن ، فلقد اصدر مجلس الوزراء قرارا بان يتم العمل بكافة القوانين والتعليمات الصادرة في العهد البائد لحين اصدار قوانين وتعليمات جديدة. ولماذا التأكيد على تطبيق المادة (140) من الدستور، واهمال تطبيق مواد اخرى مذكورة فيه، ومن ضمنها اعتماد العلم العراقي رمزا للبلد ولحين اصدار علم جديد. ان الجواب على جملة هذه التساولات بسيط في غاية البساطة ان جسد العراق الذي انهار تحت الاقدام نتيجة لتحطم هيكله العظمي هو الذي يغري ايا كان لاقتسامه والتمثيل به!
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |