إلى أين يمضي العراق...؟

 

محمد علي محيي الدين

abu.zahid@yahoo.com

العراق كما يعرف الجميع بلد الأزمات، مر عبر تاريخه المديد بأشكال متعددة منها، ليخرج بعدها ويغرق في بحر جديد من الأزمات، فقد تنفس العراقيون الصعداء بعد الخلاص من النظام البائد، وتوسموا الخير بالقادم من الأيام، فهاهم المعارضون القادمون من الخارج يحملون في أكفهم أكاليل النصر، ويحملون في رؤوسهم الأفكار السليمة لإدارة العراق، فبعضهم أن لم يكن جلهم من ساح العالم، ورأى ما عليه الشعوب الأخرى من أساليب مبتكرة في الإدارة، فلابد لهم أن يستلهموا منها ما يعينهم على البناء السليم للعراق الجديد، ولكن يبدوا أنهم لم يتعلموا من سياحتهم الطويلة غير التزوير والابتزاز والغش والفساد ونهب المال العام، وتناسوا ما لا يجب أن ينساه الإنسان،وهو انتماءه الوطني للعراق،ووجوب الحرص لبناء دولته على أسس متينة، على أحدث ما وصل إليه العالم في بناء الدولة الحديثة التي تعتمد الشفافية والوضوح في التعامل في الصعد المختلفة،فكان الكثير منهم غريبا عن العراق،بعيدا عنه في الهوى والتصور والطموح، ويحمل في داخله جينات جديدة لا تمت إلى الوطنية بصلة بل أن بعضهم لا يشعر بأي انتماء وطني، وقد أضاع هويته الوطنية في الدهاليز والأزقة التي عاشها،وعاد بوجه عراقي يخفي وراءه وجوه متعددة،لذلك تعددت الولاآت، وتباينت الإرادات،فكل يغني على ليلاه، ويسعى ليكون في الصدارة، ليرد الدين لمن كفله في سنين الحرمان والضياع،مما جعل أكثرهم يلهثون لتحقيق المصالح الخارجية البعيدة عن الأماني الوطنية، والأدلة على ذلك أكثر من أن تذكر،فالخلافات الحالية بين الكتل المتصارعة لا تحمل في  الكثير منها التوجه الوطني السليم، وتصب في خدمة أطراف خارجية ليس من مصلحتها استقرار العراق،واللاعبين الأساسيين في العراق كل له أجندته التي تخدم طرف ما،أما مصالح العراقيين فلا مكان لها في لعبة المصالح في العراق،وعليهم تقع أوزار الخلافات الخارجية والمصالح المتضاربة للدول الإقليمية والأجنبية،فالعراق مصلحته في الاستقرار والبناء الذي لا تستطيع توفيره القوى الحالية لارتباطاتها المشبوهة،وتصرفاتها البعيدة عن الهم الوطني، والبناء الجديد للعراق.

    لقد أثيرت في الآونة الأخيرة زوبعة ما كان لها أن تحدث، لو تحلى لاعبيها بالروح الوطنية البناءة، وسعوا لرأب الصدع ورتق الفتق،بدلا من التمادي وتوسيعه،ومحاولة السير به لغايات بعيدة عن المصلحة الوطنية،ولعل الأخوة في التوافق أسرفوا في مطالبهم، وتجاوزوا الحدود المطلوبة للتعامل،فكان الحوار المتأني السبيل الأنسب لمعالجة الأمر،بدلا من الاندفاع بما يزيد الطين بله،ويؤدي إلى أثارة أزمة هلل وصفق لها الكثيرون،في محاولة للاستفادة منها في تعميق الشرخ، وتفاقم المشكلة، والتصعيد في التصريحات المتشنجة، من الأطراف المختلفة، مما يؤدي إلى غليان الشارع العراقي، ودفعه لمزيد من التناحر،بما يخدم أعداء العراق، الذين يراهنون على أذكاء الفتنة وتوسيع رقعة الاختلاف، والغريب أن الكثير من الأطراف حاولت استثمارها بما يخدم مصالحها الضيقة،فكانت تصب الزيت على النار في أطار الحرص على أنجاح العملية السياسية والسير بها الى أمام، فيما كان لبعض الأطراف مواقفها الداعية الى لملمة الأمور، باللجوء الى المباحثات التي تحيط بالأزمة وتحد من انتشارها،ويحاول آخرون أذكائها بالأنحاء باللائمة على إحدى الجهات بوصفها السبب المباشر في حدوثها،وحاول آخرون التنصل منها وإلقائها على عاتق رئيس الوراء،لعدم اطلاعهم  على البيان الصادر عن مكتبه،فيما تلقي أطراف من العراقية باللوم على الجانبين لسلوكهم الطريق الخاطئ في معالجة الأزمات،باعتماد الطائفية التي هي السبب وراء الإخفاقات الحاصلة في العملية السياسية،وهي وراء التشنجات والتقاطعات والخلافات بين الكتلتين المتصارعتين،وتحاول أطراف أخرى في العراقية النزوع بالأزمة الى آخر النفق،بانحيازها الى جانب التوافق،في توجه طائفي مريب،يجب أن تنأى القائمة عنه،لأنها تمثل التيار الوطني البعيد عن الطائفية،ولعل تصريح السيد النجيفي لا يمثل رأي القائمة، ويعبر عن توجه شخصي،ويسعى رئيس كتلة الائتلاف لتلافي الأزمة، حيث دعا الأطراف الأخرى في الائتلاف لدراسة طلبات التوافق، ومحاولة ثنيها عن الانسحاب من العملية السياسية.

 إن معالجة الأزمة بهذه الطريقة المتشنجة،ومحاولة الأطراف الأخرى توظيفها لمصالحها،وما يخدم توجهاتها،يعطي انطباعا بعدم أهلية المتصدين للإدارة في العراق وعدم قدرتهم على أدارة الأحداث ومعالجتها بطرق سليمة،بسبب الانحياز وإخضاع القرارات لتوجهات طائفية مقيتة،وحشر هذه التصورات في جميع المجالات وتغليبها على الحس الوطني الكفيل بالتقريب بين المتصارعين،فالطائفية المتشنجة ألقت بظلالها على الواقع العراقي،وجعلته خاضعا لمقاييسها في شتى الميادين، ولم يترك هؤلاء الطائفيين مجالا إلا ألغموه بتصوراتهم المريضة،في محاولة لفرض هذه التصورات،واعتمادها سياقات ثابتة في بناء الدولة العراقية،وإخضاع شتى الميادين بما فيها الفنون الجميلة والآداب والرياضة لها،في الوقت الذي يجب أن تنأى هذه المجالات عن سيطرة الدولة والأطراف السياسية والدينية،فكانت الاختطافات المتبادلة،والقتل اليومي لنجوم الفن والرياضة والأدب والصحافة والكفاآت الأخرى، وإذا ظلت الديوك المهجنة في عراكها المخزي، فسوف نشهد في المستقبل تصعيد جديد قد ينسف العملية السياسية ويعيدها الى المربع

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com