الحكومة العراقية والبداية المتأخرة لمواجهة ظاهرة الاستهتار السياسي

 

علي آل شفاف

Talib70@hotmail.com

كلت الأفكار, وبليت الأقلام, وبحت الأصوات, في مطالبة الحكومة العراقية والسياسيين العراقيين بكشف حقائق ما يجري وراء كواليس الحكومة والبرلمان. وعلى الرغم من أن الكثير منها ليس خافيا على الرأي العام العراقي, لكن كشفها من قبل مصدر حكومي رسمي, أو أي مصدر سياسي (عال) ومسؤول, له آثار وتداعيات سياسية وأمنية واقتصادية ـ فيما بعد ـ يمكن من خلالها معالجة ودرء آفات الإرهاب والفساد والأمراض السياسية التي ألمت بالعراق.

مثلت ظاهرة الاستهتار السياسي أبرز ملامح السلوك السياسي لدى جبهة التوافق. وقد تفاقمت هذه الظاهرة, حتى تحولت إلى ملكة تلبست بشخصيات الكثير منهم, وتجسدت بأفعالهم وسلوكياتهم. وعندما لم تجابه من قبل الحكومة بالجدية والصرامة المناسبة, تحولت إلى منهج سياسي جديد, هو "منهج الاستهتار السياسي" أو "سياسة الاستهتار".

أصبح ـ هذا الاستهتار ـ وصفة ناجعة لتغطية الجرائم البشعة التي يرتكبها البعثيون و(الكفريون) بحق الشعب العراقي, وهذا هو الهدف الرئيسي منه, ومن دخول الكثير من أعضاء جبهة التوافق ـ ناهيك عن جبهة المطلك والعليان البعثية ـ للحكومة والبرلمان. كما أن ـ هذا الاستهتار ـ مثل ملاذا آمنا وكهفا حصينا للاختباء والهروب من عواقب الأعمال الإجرامية التي يرتكبها بعض أعضاء هاتين الجبهتين ـ أنفسهم.  

 فما إن يرتكب بعثي أو كفري جريمته, حتى يبدأ الهاشمي والديـلمي والعليان والمطلك, ومن ورائهم الضاري, بالاستهتار السياسي والإعلامي. وسرعان ما يغرق الرأي العام بسيل جارف من التصريحات والخطب والتهديدات, التي تبدو في ظاهرها نارية, لكنها تعبر ـ لمن يفهمها ـ عن خوف ورعب كبيرين من عواقب تلك الجريمة. ومحاولة للهجوم الاستباقي من أجل التغطية على الجريمة, خوفا وحفاظا على  مرتكبيها.

وتحت ضغط إعلامي جارف ومخادع من هذا النوع, وضع سياسيونا أنفسهم ـ غالبا ـ في موضع المتهم, الذي عليه أن يدافع عن نفسه, بدلا من تطبيق سلطة القانون ومعاقبة الجناة. فيستعطفون بعثيي الحكومة والبرلمان لدفع تهمة الطائفية ـ مثلا, ويتناسون جرائم هؤلاء البعثيين المتواصلة, ثم يقدمون لهم التنازلات تلو التنازلات تحت ذريعة الحفاظ على (الوحدة الوطنية).

 وهكذا يضرب البعثيون عشرات العصافير بحجر واحد, ويعودون أقوى مما كانوا. بل ويزيدهم سياسيونا من الشرعية باعا, بعد أن لم يستطيعوا ستر جرائمهم بذراع. مما أعطى دفعا قويا لهؤلاء من أجل مواصلة استهتارهم السياسي والإعلامي. وبالتالي تشجيع المجرمين على الاستمرار بجرائمهم, بل وزيادة بشاعتها وخستها؛ إذ لا عقوبة تخشى, ولا رد يخاف.

هكذا نمت وترعرعت "سياسة الاستهتار" التي يمارسها البعثيون الذين اخترقوا لب السلطة في برلمانها وحكومتها. لم تنبع هذه السياسة  ـ  أبدا ـ من شجاعة لدى الديـلمي المتهم بدعم الإرهاب, ولا لدى العليان الهارب من سطوة الشعب وبطشه, ولا عند المطلك الذي ينافس (الصافر) في أبرز ميزاته؛ وإنما هي نتيجة طبيعية لضعف رد فعل السلطة التي لا تقابل الجريمة بما تستحق من العقاب, ولا تفعل القانون لكي يعاقب المسيء. بل ـ حتى ـ لم تحاول الرد الإعلامي الحازم على هذا النوع من التصريحات والتهديدات بأقوى منه, أو بمثله على الأقل.

من هنا جاء رد الحكومة العراقية الشرعية المنتخبة الحازم والصريح والجرئ على تهديدات وشروط جبهة التوافق, مفرحا للبعض, ومفاجئا للبعض الآخر, ومفرحا ومفاجئا ـ في نفس الوقت ـ لبعض ثالث. فقد كان على درجة كبيرة من الجدية والصرامة النابعة من الإحساس ـ المتأخر ـ بحراجة وخطورة المرحلة التي مر ويمر بها الشعب العراقي.

 كان على الحكومة المنتخبة أن تكشف كل ما يجري على الساحة السياسية, ووراء كواليسها المعتمة, أمام الرأي العام, والشعب العراقي. ليكون الشعب لها ظهيرا عند الحاجة, لأنها خياره الذي بذل من أجل اختياره الدماء والأموال. وقد دعا الكثير من الشرفاء الحكومة ـ ومنذ وقت مبكر جدا ـ لمصارحة الشعب والاعتماد عليه في مواجهة التحديات الكبيرة والكثيرة التي تواجهها, سواء من الإرهاب والفساد أو من الضغوط الأمريكية والإقليمية.

 ونحن هنا ندعو الحكومة إلى أن تكون أكثر صراحة مع شعبها, فهناك الكثير مما ينتظر كشفه للرأي العام العراقي والعالمي.

 أن كشف ما يجري وراء الكواليس المعتمة, وخلف جدران الغرف المغلقة, من ملابسات متشابكة, وضغوط خطرة, سيؤدي إلى نتائج إيجابية كثيرة للشعب والحكومة على السواء, منها:

 1. زيادة ثقة الشعب العراقي بحكومته الشرعية المنتخبة, ومصداقيها.

2. زيادة تلاحم الشعب مع الحكومة المنتخبة, في مواجهتها للتحديات المختلفة.

3. سيتيح لوسائل الإعلام الوطنية العراقية, القيام بكشف زيف الإعلام المعادي للشعب العراقي.

4. سيتيح للمثقفين والإعلاميين ـ كأفراد ـ القيام بدورهم, وقيادة حملات إعلامية لدعم الحكومة المنتخبة, وكشف المؤامرات التي تحيط بها.

5. سيعري المعادين للشعب العراقي, وسيكشف زيف ادعاءاتهم؛ وبالتالي ستبحث قواعدهم عن بدلاء لهم, لعدم مصداقيتهم, أو لعدم كفاءتهم. كما جرى لعدنان, ومشعان, وغيرهم.

6. القضاء على ظاهرة "الاستهتار السياسي" التي شاعت بين هذه الأوساط, بسبب عدم كشف الحقائق للشعب والرأي العام.

7. تقوية الحكومة أمام القوات الأجنبية المتواجدة في العراق, وأمام الضغوطات العربية والإقليمية. لأن قيام الشعب بدوره الداعم لحكومته المنتخبة, سيؤدي ـ بالتأكيد ـ إلى تغيير المعادلات السياسية, وبالتالي صمود الحكومة أمام التدخلات المختلفة, وتعزيز القرار الوطني.

 وعلى الرغم من أن بيانها الأخير حول شروط وتهديدات جبهة التوافق, جاء متأخرا؛ إلا أنه لا يزال أمام الحكومة فرصة حقيقية لتأكيد وتعزيز سلطتها على كافة أرجاء العراق.

لذا ندعوا الحكومة للتعامل بجدية عالية, وبصرامة وقوة؛ من أجل حفظ دماء وأموال الشعب العراقي. لأن طريقة تعاملها السابقة كانت غير مرضية, ولا ترقى إلى مستوى التحديات. ولن يقبل الشعب العراقي بعد الآن أي ضعف أو تقصير أو قصور, حيث ستكون له ـ حينها ـ كلمة الفصل.

 ونحن بالانتظار.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com