أحسنتم الاختيار ولكن....؟

محمد علي محيي الدين

abu.zahid@yahoo.com

لعل من أعقد القضايا التي تواجه العملية السياسية في العراق هي قضية كركوك، هذه القنبلة الموقوتة التي إذا لم يحسن أدارتها فستكون لها نتائج وخيمة على مستقبل العراق والمنطقة، وربما تشعل أتون حرب أهلية ، تكون لها امتداداتها الإقليمية التي لا يمكن التكهن بنتائجه، وقد تؤدي إلى إسالة أنهار من الدماء،  ولا أريد العودة إلى جذور المشكلة،  وأحقية هذا الطرف أو ذاك، فالأحزاب العراقية المعارضة قبل سقوط النظام، أعطت للأكراد الضوء الأخضر بإلحاق كركوك والمناطق التي استلبت من كردستان بقرارات تعسفية من النظام السابق، إلا أن الأمور أخذت طابعا آخر بعد سقوط النظام، فقد استعملت قضية كركوك، لابتزاز الجانب الكردي في تأييد توجهاتهم لإسقاط الآخرين، أما الأطراف التي لم تكن مشاركة في المعارضة العراقية، أو كانت داخل العراق، فهذه الإطراف قد صوتت للدستور العراقي، وكانت نسبة الموافقة على الدستور تزيد على80%فيما عارضه 20%، وهذا يعني أن هذه المادة أقرت في الدستور العراقي، فلا يمكن تجاوزها أو تعطيلها أو إلغائها أو تعديله، إلا من خلال التوافقيات التي تتوصل إليها اللجنة المكلفة بإعادة صياغة الدستور، وحصول الاستفتاء على التغيرات الطارئة، فإذا حضت بالقبول صارت هي المعول عليها في أدارة البلاد، فإذا كان 80% الذين صوتوا بالموافقة على الدستور ويضمنه هذه المادة، فعلى الآخرين عدم وضع العراقيل  أمامه، والعمل بمقتضى الدستور، وهذه هي الديمقراطية التي يلهج بها الجميع، أو الاعتراف بأن التصويت لعبة، وأن الذين صوتوا لصالح الدستور لم يقرؤوا الدستور أو يطلعوا عليه – وهذا ما حدث -، وأن عملية التصويت فبركة ذكية، فالقانون لا يحمي المغفلين، وعلى الذين لطخوا أيديهم بالصبغة البنفسجية الإذعان للأمر الواقع وتنفيذ المادة بصيغتها الحالية، أو العمل لتغييرها بالآليات الديمقراطية، لا أن تستعمل ورقة ابتزاز، أو وسيلة لتحقيق مكاسب سياسية على حساب مصلحة العراق، فالأخوة في التوافق، أو الجبهة الكردستانية، أو العرب الذين يعارضون في تطبيقه، عليهم الالتزام بثوابت الدستور الذي لم يستطيعوا إفشاله بالطرق الرسمية، ولم يتمكنوا من التحشيد الشعبي لعدم أقراره، والمعروف للجميع أن التدخل الإقليمي، وبالذات التدخل التركي، والتخريب العربي، هو وراء ما يحدث في كركوك من تداعيات وأعمال إرهابية لزعزعة استقراره، لا حبا بالعراقيين أو لمصلحة هذه الجهة أو تلك، بل لغايات تفصح عن أهداف تحاول النيل من وحدة العراق وتقدمه، فالكورد الحاصلين على الاستقلال الذاتي عن الحكومة العراقية لأكثر من عقد من السنين، طلبوا بمحض أرادتهم الاتحاد مع العراق، وشاركوا في العملية السياسية بفاعلية، وكان لمواقفهم أثرها في تقريب وجهات النظر بين الأطراف المتخاصمة، أما حقوقهم وأمانيهم القومية، فهذا حق مشروع على الجميع أقراره والاعتراف به، والنظر إليه من زاويته الحقيقية، ، فكما للآخرين أهدافهم التي يناضلون ويقاتلون من أجل تحقيقه، فللكورد قضيتهم العادلة التي من حقهم السعي له، وكما نطالب نحن العرب بالوحدة العربية من المحيط إلى الخليج، فللكورد تحقيق حلمهم القومي في بناء دولتهم الكردية، وفي الوقت الذي تسعى فيه دول العالم للاتحاد فيما بينه، فكان الاتحاد الأوربي والاتحاد الأفريقي، فنحن نسير بعكس التيار ونحاول دفع الكرد للانفصال عن العراق، وتكوين أمارات متنازعة، على الحدود والثروات والهيمنة.

 ونعود إلى جوهر المشكلة فقد اتفقت الأطراف العراقية، على حل مشكلة كركوك حسب المادة(58) من الدستور المؤقت، ثم جرى أقرارها بصيغة جديدة في الدستور الدائم، تحت نص المادة(140) ونسب الأستاذ حميد مجيد موسى عضو الجمعية الوطنية السابقة، وسكرتير عام الحزب الشيوعي العراقي من قبل رئيس الوزراء العراقي الأسبق أياد علاوي، ليكون رئيسا للجنة تطبيع الأوضاع في كركوك، والعمل على تنفيذ بنوده، إلا أن حكومة الدكتور الجعفري، أخت بالتماهي عن طلبات اللجنة، ووضعت العراقيل أمام عمله، وجمدت نشاطه، بعدم توفير المستلزمات الضرورية للقيام بعمله، إلى درجة عدم تخصيص غرفة أو ملاك وظيفي، أو مالية للقيام بالأجراآت اللازمة للتنفيذ، وقد طرح السيد رئيس اللجنة التصورات المبدئية لعمله التي قوبلت بالترحيب من جميع الجهات، وتنبي عن نزعة وطنية بعيدة عن الانحياز لهذه الجهة أو تلك، رغم تعقيدات القضية، فكانت النظرة الوطنية الشاملة الأساس لعمل اللجنة المستقبلي، بعيدا عن التدخلات الإقليمية والإرادات الجهوية، فكان أن جوبه عمله بالتهميش والإهمال، من السلطة التنفيذية، فلم تستطع اللجنة التقدم خطوة واحدة إلى الأمام بسبب القيود المفروضة عليها من الحكومة، وعدم توفر النية الحقيقية لسلطة القرار لانجاز هذه المهمة، فكان أن صدر قرار الحكومة العراقية بتنحيته، وتنصيب الدكتور برهم صالح لرأستها.

 وقد أحس التحالف الكردستاني بتوجهات السيد الجعفري لتعطيل القضية، وعدم العمل به، فكان ما كان من الإصرار على عدم تجديد ولايته ، بسبب كركوك وأمور أخرى، ثم قام السيد رئيس الوزراء نوري المالكي بتنصيب الدكتور هاشم ألشبلي وزير العدل لرئاسة اللجنة، ووفر له ما يعينه على أكمال المهمة، إلا أن التدخلات المختلفة دعت الدكتور ألشبلي للاستقالة من الوزارة واللجنة للعقبات الكثيرة التي واجهته، والأملائات المتعددة التي تعرض له، ثم نسب لها رئيس جديد، ومن المفارقات العجيبة أن السيد الجعفري في زيارته الأخيرة إلى كردستان، صرح بتأييده المطلق للمادة(140) الخاصة بكركوك، وهو ما فسر من قبيل المراقبين، غزل يحاول من خلاله استمالة الأكراد لصالحه عند الترشيح لرئاسة الوزراء، بعد إسقاط حكومة المالكي، وهذه التذبذبات في القيادة العراقية من العجائب في العمل السياسي، وتدل على السوفان المبدئي لهؤلاء المتصدين للقضايا الوطنية، لتعاملهم بميكيافلية مقرفة مع الأحداث، دون الاهتمام بالاعتبارات المبدئية والأهداف الوطنية، ونقاء المواقف.

  وفي ضوء التطورات الأخيرة، والصراعات والتجاذبات القوية بين الأطراف السياسية، أبدى السيد مسعود البر زاني رئيس إقليم كردستان، من خلال لقاء مع قناة الحرة، إصرار الكورد على تطبيق المادة(140)من الدستور، أو تكون الحرب الأهلية الحقيقية، وهذا التصعيد في الخطاب الكردي جاء على خلفية، بعض الأطروحات التركية والعربية، لإلغاء المادة أو تعديلها أو جعل كركوك إقليما قائما بذاته، أو تأجيل الاستفتاء لمدة عشر سنوات، ، فكانت تصريحات السيد البر زاني تحمل في طياتها أكثر من تهديد بسرعة تفعيل المادة وتطبيق آلياتها حسب الدستور، فكان أقدام الحكومة العراقية على تكليف الدكتور رائد فهمي ، عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي، وزير  العلوم والتكنولوجيا في الحكومة الحالية، وكان هذا ألاختيار في محله، ويقدر له النجاح إذا حسنت النواي، ولكن.....أقولها بصراحة أحسنتم الاختيار ولكن، كونوا  على حذر أيها الشيوعيون، وليكن تعاملكم مع هذه القضية واضحا وأمام الرأي العام، وبدون أي لبس أو أبهام، واستعمال الشفافية المطلقة،  التي تضع النقاط على الحروف، والتعامل مع الحقائق بحذر، فهي مؤامرة كبرى لأطراف عدة، تحاول وضع الحزب الشيوعي وتاريخه أمام منعطف خطير، والمطلوب التعامل مع الأمور بوضوح، وكشف كل شيء وفضح التدخلات والأملائات ، والجهات التي تحاول أعاقة تنفيذ المادة، وأن تكون النتائج  مطروحة أمام الرأي العام، وعقد طاولة مستديرة لكل الأطراف ذات العلاقة بقضية كركوك، ووضعهم أمام الأمر الواقع، بعدم إخضاع القضية للرأي السياسي ، والتعامل معها على أساس قانوني بحت، بموجب منطق الدستور، وإلزام الحكومة العراقية، بتخصيص ميزانية استثنائية مفتوحة للتعويض وإعادة التطبيع وأعمال اللجنة، ومنحها صلاحيات تنفيذية وإدارية، وإلزام الدوائر المعنية بتنفيذه، دون المرور بالروتين الحكومي والمخاطبات المملة، واختيار كادر أداري كفء ومؤهل، وبعيد عن تعقيدات المحافظة القومية، ومحاصصاته، أو المحاصصة الحكومية، حتى لا يكون هناك انحياز إلى جهة م، وتكون لها الاستقلالية التامة في تنفيذ القرارات وفق الأسس القانونية.

 أن الدكتور فهمي، والحزب الشيوعي، أمام مهمة شاقة وامتحان عسير، وقضية شائكة تحتاج إلى طريقة خاصة للتعامل، وعهدي بالدكتور الفاضل شخصية وطنية ملتزمة ذات نهج وطني، عليه أن يثبت حياديته التامة، ومنهجيته العالية، والخروج من هذه المشكلة المعقدة، بما عرف عن الشيوعيين من وطنية عالية، وروح بعيدة عن الانحياز، بما يعود بالنفع على العراقيين جميعا.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com