((المستقلون وضياع الهوية))

 

محمد جودة الفحام

من أقصى اليمين المتشدد إلى أقصى اليسار المتطرف، لا بد من قضية، ولابد من هوية. أنا أفكر إذاً أنا صاحب قضية، وأنت تفكر إذاً أنت تحمل هوية ، لذا فإن الفكر والقضية- الهوية متلازمان. قد نكون مستقلين سياسياً وتنظيمياً ولكنا بالتأكيد لسنا مستقلين فكرياً. كل منا يحمل هما، دينياً كان هذا الهم أم علمانياً، قومياً كان أم كان وطنياً فنحن نحسه، نعيشه، نتنفسه، نعشقه، يسير بنا ويسيّرنا، نسير به ونسيره. ولكنه يبقى صوتاً منفرداً، بقدر ما يحمل من أصالة وصدق وعمق يحمل من التفرد الشيء الكثير. فعندما يتحدث المستقل (سياسياً وتنظيمياً) يتحدث عن همه فقط ، عن فكره فقط عن أصالته وصدقه فقط، وبقدر ما يكون صادقاً وأصيلاً، لا يمكن أن يتحدث باسم الآخرين، ليس من حقه ذلك، إذ لم يخوله أحد، ولم يكلفه أحد. وهنا تكمن الخطورة.

فهل هذه الاستقلالية مصدر قوة أم دليل ضعف؟ أعتقد إنها الاثنين معاً. عندما يصطاد الفكرة-القضية ويختار الخطاب المناسب لها يكون صادقاً وأصيلاً مع نفسه أولاً وهذا مصدر قوته، كونه لا يخضع لضغط خارجي من أي نوع ومن أي جهة. ولكن وعلى الشاطئ الآخر والطرف الثاني من النفق يكمن ضعفه، فليس من طرف سياسي يدعمه، يحميه، يدافع عنه، فبوجوده مع هذا الطرف (الغطاء-الخيمة) يفقد هويته المستقلة وأصبح منتمياً سياسياً وبالتالي قد ينتمي تنظيمياً. هل يصح أن نسمي هذا مأزقاً؟ هل هو نهاية (بسبب العنف والإجهاد واللاجدوى) لشوط طويل من الانتماء السياسي والتنظيمي؟ أم قد يكون بداية لهذا الانتماء؟ هل هو محطة على مفترق الطرق للاختيار؟ في اللانتماء يفوز بالاستقلالية (مصدر قوته) ويخسر دعم وحماية الغطاء-الخيمة. وفي الانتماء تضيع الهوية.

الغالبية العظمى من العراقيين مستقلون سياسياً وبالرغم من ضخامة عددهم تبقى أصواتهم منفردة. فهل من حل؟ خاصة ونحن على أبواب فترة حرجة قد تفضي إلى انتخابات مبكرة بما نشهده من اصطفافات جديدة وتحالفات غاية في التعقيد طائفيا وقوميا ووطنيا بعد أن خبرنا القوم وكشف كل طرف منهم عن كل أوراقه خلال الفترة الماضية، فالإسلاميون وعلى امتداد الساحة السياسية متخندقون طائفيا الأمر الذي يؤثر سلبا على وحدة التراب العراقي والتلاحم الوطني أما قوى اليسار عموما فإنها تفتقد للخطاب السياسي الناضج والمؤثر، لذا فإن المواطن المستقل في حيرة من أمره تتجاذبه عوامل شتى بين هذا وذاك، فاليوم المضمار وغدا السبق .

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com