|
ميخائيل عواد المؤرخ قال: (العلم النزيه يعلو دائما علي الأرضيات
توما شماني– تورونتو/ عضو اتحاد المؤرخين العرب شخبطة على الحائط حميد المطبعي من المُوثقين الصحفيين جليلي المقام، عرفته دمث الخلق مرحبا يتحدث وكانه اقرب الاصدقاء ولم اسمع اخباره منذ وقت، عسى ان يكون لايزال على ما كان عليه سابقا لم تأخذ به المحن التي نمر بها الآن. وهو من الصحفيين الذين اجلهم ولا ادري ما حل بهم كشهاب التميمي وسجاد الغازي وحسب الشيخ جعفر وآخرون ولكني اود القول ان الكثير من الصحفيين الذين عرفتهم كانوا من (الجنك) ومنهم سامي مهدي ليت لعنة الله تحل عليه. عل اي حال فهذا المقال استله من مقال (ميخائيل عواد الداعي إلي الوسطية - منقب ساحر في خزانة العراق التراثية) للكاتب الجليل حميد المطبعي. عرفت ميخائيل عواد شخصيا حيث كانتا ابنته بلقيس وزوجتي جوليت تعملان في التدريس في ثانوية الكرادة الشرقية في بغداد. و ميخائيل عواد له شقيق هو كوركيس عواد وكلاهما يحملان كنوزا من المعرفة والتاريخ. هذه نتفة من جاء في المقال (وفي لحظة معاناة قال ميخائيل لرفيقه في المجتمع العلمي العراقي "دعهم ينهشوا، فيا دموع سيحي" بعد ان سمع مغرضا يقول "ما علاقة هذا المسيحي بتراث العرب؟"، وهذا المغرض لا يدري ان ميخائيل قدم باقة من ابحاث تكرس اصالة التراث العربي، والاسلامي وتكشف عن ان المسيحيين في العراق كانوا في القرن الاول الهجري بدأوا يبرزون ماثر الفكر الاسلامي في كتب ورسائل خزنت في الصوامع والكنائس التي في العراق). كان مثلا يقضي عشر سنوات يزيح الغبار عن مخطوطات مكتبة كي يتوصل الى ان العرب المسلمين كانوا اول من استعمل جوازات السفر في العالم، وانهم اول من اخترع الكتابة البارزة للعميان والتي نسبت الي العالم الاوربي "برايل" ظلما وفي عشر سنوات اخري صرف اجتهاده في المصادر التي يغلفها تراب القرون حتي اكتشف ان العراقيين هم اول من اكتشفوا قوانين "الاتيكيت" وقوانين"البروتوكول"، وغير هذا كثير بلغ خمسين اكتشافا في ماضي العراقيين..! وكان لا يقول بالاكتشاف الا ويذيله بمصدر من المصادر التي يجمع عليها المؤرخون الكبار لانه يستحرم تناول المصدر المشكوك به، ويستحرم النقل الذي يختلف عليه، ولانه ايضا "في وثيقته هذه" يريد لبحثه او اكتشافه ان يتصدر الواجهة). كان ميخائيل عواد امينا في البحث حد التصوف ترجمت ابحاثه الي الالمانية والروسية والانكليزية والي لغات شرقية عديدة وقد وضعت "لجنة الروائع العالمية كتابه رسوم دار الخلافة" في خانة العدد المنتخب من روائع الادب العالمي بحسب وثائق منظمة اليونسكو، وهكذا كان شانه في اكثر كتبه الموضوعة وبلغت (14 كتابا) وفي كتبه المحققة، وبلغت (9 كتب) .. وفي مقالاته التي نشرت في الدوريات العربية والعالمية وبلغت (170) مقالة وفي احاديثه التي اذاعها في اذاعات محلية وعالمية وبلغت (160) حديثا.. وفي رده علي اسئلة اذاعة (لندن) 1960 قال: (نعم.. ثلاثة وزراء من تلاميذي، وعشرات الادباء من تلاميذي) وسالته (1980) من هم الوزراء ومن هم الادباء فلم يفصح بل ذهب الي الصمت متواضعا وحتي لا يتهم بالغرور، وفي يوم ارسل عليه ساطع الحصري القومي العربي، يسأله (من اي المسيحيين انت؟) لغرض ان يعينه في مصلحة الاثار العراقية باحثا اثاريا قال (انا عراقي) فلم يفد الحصري بشيء وتركه وشانه، انما كان شأن ميخائيل دائما ان يضخ اجتهاده لوطنه ويؤرخ لحقيقة من حقائقه التراثية والحضارية بعيدا عن الطوائفية التي طالما دغدغت عواطف الحصري واضرابه، وكان شعاره الذي سمع في اروقة المجمع العلمي (العلم النزيه يعلو دائما علي الارضيات) هو الشعار الذي بقي يلازمه في حلة وترحاله منذ كتب مقالته الاولي في مجلة (النجم) الموصلية في بداية ثلاثينات القرن الماضي بعنوان (ماثر القرن التاسع عشر) أهكذا ينبغي ان تكون عين ميخائيل هي عين المؤرخ الذي يكتب وعينه ترنوا الي البعيد..! قال حميد المطبعي كان ميخائيل عواد يتذكر ثلاثة ممن ادخلوا في نفسة حب المعرفة هم اولا والده حنا بن حجي بن الياس بن مراد بن عبد الاحد بن حنا، وعندما توفي سمي (حنا عواد) لانه كان اول من ادخل صناعة العود الي العراق واشتهر به في الشرق الاوسط، ثم امتد لقب (العود) الي اولاده وذريته وهذا الفخر الابوي شغف به ابنه ميخائيل وجعل يذكره في مقالاته ومذكراته (ولنا المجد في ذلك ولنا المجد في صناعة هذا الوتر الشرقي) ولابيه فخر اخر هو براعته في تجويد فنون الخط العربي ولاسيما في خط النسخ واعادة نسخ الكثير من كتب الكنائس بانامله الرشيقة، ومنها كتاب (تاملات الشهر المريمي) حيث احتفظ به ميخائيل في مكتبته كدليل علي مجد ابيه، عليه وعلي التراث العربي..! وقد صنع والد ميخائيل عواد ما مجمله (318) عودا، ومنها اخر عود صنع في عام 1933 وعلقه ميخائيل في احدي زوايا مكتبته متأملا فيه كلما راه وغارقا في بحر ظلاله وهو يتمتم: (ابي.. ابي علمني الموسيقي علمني الجمال ومن الجمال عرفت كيف اكتب) وكان والده ضليعا في صناعة الجنبر، والقانون، ثم صنع (الكمنجة) وهي الكمان كما في الغرب، وصنعها من خشب (الجام)، بدلا من (الماهو كاني) الخشب الاجنبي وكان لا يكتفي بصنع هذه الالات الموسيقية فقط، بل يجيد الغناء واللحن عليها، وتوفي حنا عواد في 1942 وقال (بقي والدي حنجرة تهب لي السماحة..)..! ثانيا كوركيس عواد (1908- 1992) وهو شقيقه، وله من اخيه تاثير اكبر من تاثير والده فيه، لانه علمه كيف يكتب ويحقق في المخطوطات ومتي ينبغي ان يكتب المقالة التي تثير الجدل في القراءة، وكان اذا جاء ميخائيل بمقالة الي شقيقه وقراها امامه اعادها اليه (اكتب كذا ولا تكتب كذا) او يقول له (اين المصدر..) حتي عرفه باصول البحث وباصول تفكيك المخطوطة التراثية لان كوركيس ظليع بمهنته وخبير بادلة البحث العلمي ويعود اليه فضل تنظيم مكتبات دوائر الدولة وهو الذي علم شقيقه ميخائيل قواعد الفهرسة الحديثة وارشفة المراجع وقراءة المخروم والمعمي والمحذوف في عالم المخطوطات، ومنه ايضا تعلم (الصبر التقني) في فرز الاسماء المتشابهة اثناء تصفيح كتب التراث..! ثم علق الباحث حميد المطبعي على ظاهرة تواجد اخوين في التاريخ قائلا (هناك تتكرر ظاهرة الشقيقين) في تاريخنا حيث يجمعهما التأليف والتصنيف الواحد، فقد ظهر (الخالديان) في العصر العباسي ابو بكر محمد (ت 380 هـ) وابو عثمان سعيد (ت 391 هـ) ابنا هاشم بن وعلة، وفي صدر الاسلام ظهر ثلاثة اخوة شعراء هم المزرد بن ضرار والشماخ بن ضرار وجزء بن ضرار وهم من قبيلة غطفان، وهناك ايضا ابناء الاثير الثلاثة عز الدين (ت 630 هـ) وضياء الدين (ت 637 هـ) ومجد الدين (ت 606 هـ). ثالثا (الاب انستاس ماري الكرملي (1866- 1947) وكان هذا الراهب اللغوي الكبير المدرسة الاولي التي تخرج فيها ميخائيل، في معرفة القواميس، وفي معرفة اي المصادر اسرع بتعلم كنوز التراث، وعندما التقاه وهو فتي قال له الاب الكرملي (اخي في الروح تعال الي الدير وتعلم الحكمة من افواه الجالسين في مجلسي) وجاء اليه كل جمعة وقبل انعقاد المجلس ينظم مكتبة دير الاباء الكرمليين ويضع لها فهرسا بحسب ارشادات الاب، وعندما نظمها في سنة اهدي له الاب عشرة كتب في اللغة وفي علم التحقيق كانت هي النواة التي سيؤسس عليها مكتبته الشهيرة ثم علمه ادب الحوار بين الكبار وادب قلب الوجه بين الصغار واشار عليه بداية ان يقرا امامه مخطوطة وكانت معماة، فلم ينهض بها ميخائيل فدله الاب علي اسرار قراءة المخطوط وعرفه علي طريقة ملء الفراغات وصياغة القرائن فصار ميخائيل منذ عهده الاول بالاب يجيد صناعة تحقيق المخطوطات ثم افاده الاب بكتابة مقالة في النقد ومقالة في جغرافيا الاقاليم وما ان اقبلت مرحلة الاربعينات حتي استقامت في ميخائيل عدة الكتابة وراح يتنفس في الرسائل المتبادلة بينه وبين كبار كتاب العربية والمستشرقين وبدأت الصحافة تتعامل معه كاي من رواد مجلس الكرملي..!) كان ميخائيل عواد مهتما بالاستشراق وفي مكتبته خمسة اضابير لرسائل المستشرقين منه واليهم رسائل متبادلة كلها محبة لتراث العراق، يسالونه ويسالهم عن قري اثارية في الموصل، وعن اضرحة مندثرة وعن مصير عواصم لامبراطوريات عراقية مندرسة، وكان لا يكتفي بالاجابة برسائل قصيرة بل يقرنها بمجموعة مصادر يشتريها من السوق لكي يعزز اقواله واجاباته، ومرة ارسل المستشرق الهنغاري ثمن الكتب المرسلة الي ميخائيل فاعادها ميخائيل الي المستشرق وهو الحاج عبد الكريم جرمانوس مع رسالة قال فيها (عزيزي العلامة جرمانوس هل تريدون ان تجعلوا ستارة كثيفة بينا وبينكم وما هذه الكتب المرسلة اليكم سوي عربون محبة دائمة..). وفي اضابيره (200 رسالة) لمستشرقين من انحاء العالم كافة، اقصرها بسطر واحد عبارة عن سؤال يوجهه المستشرق الامريكي برنارد لويس الي ميخائيل عن مكان القرية الاولي التي دفن فيها شيخ اليزيدية (عدي بن مسافر) واكبر هذه الرسائل بطول عشرين صفحة يناقش فيها المستشرق النمساوي كوتشالك ميخائيل عواد حول اثرية الكنائس الاولي في سنجار ودهوك، وكان رد ميخائيل بعشرين صفحة ايضا وكانه فيها يتطرق الي نشاة المسيحية في العراق وكل صفحة كان يشفعها بمصدر مثلما يفعل المستشرقون في رسائلهم...! وهناك عشرة من المستشرقين الذين راسلهم وراسلوه. بالاظافة الى رسائل الكتاب العرب في اضابير خاصة، وهمشها بتعليقات طريفة لا تؤذي احدا، وهي ليست رسائل عواطف متبادلة فيها شروحات لمواقف ادبية وقعت في مرحلة الثلاثينات والاربعينات ومن هؤلاء طه حسين والعقاد والمازني والرفاعي والزيات وحسن حسني وخير الدين الزركاني ومصطفي الشهابي وعارف النكدي ويوسف اسعد داغر وعمر رضا كحاله وعمر فروخ وصلاح الدين المنجد ونبيه عاقل وعبد القادر المغربي وزكي المحاسني وناصر الدين الاسد.. الي اخر قائمة ثلاثمئة رسالة كلها تاريخ وبلدانيات، وشوق وحنين وصراع يثري العقل والوجدان. في ارقة الماضي الجميل. تآليف ميخائيل عواد 9 كتب منها (دير قني موطن الوزراء والكتاب) و(المآصر في بلاد الروم والاسلام) و(رسوم دار الخلافة) وله من المقالات اكثير مما نشر في الدوريات العراقية. يسرني ان اقول هذه المقالة من عندي بل مستلة باكملها من مقالة الصديق القذ حميد المطبعي في مقالته (ميخائيل عواد الداعي إلي الوسطية - منقب ساحر في خزانة العراق التراثية) التي اصطدها من الانترنيت. أملي ان يكون حميد المطبعي في عصر نرى فيه الاصدقاء والخلان يتوارون في حمأة هذا الجنون الذي حل بالعراق.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |