|
درسنا في المراحل الاولى من التعليم ، الحديث النبوي الشريف الذي يقول (علامات المنافق ثلاث: اذا حدّث كذب وإذا وعد اخلف وإذا اؤتمن خان). وقد كنا نفرح كثيرا اذا كان هذا الحديث الشريف ضمن اسئلة الامتحان لأنه بسيط ومفهوم ولا يحتاج الى طول قراءة وحفظ رغم ان اعمارنا آنذاك كانت صغيرة وليست لنا تجربة في الحياة بعد إلا ان عقولنا كانت متفتحة بحيث اننا ابتعدنا عن تلك الصفات (العلامات) لئلا ينعتنا احد زملاؤنا التلاميذ بكلمة منافق فنصبح منبوذين وشواذا في المدرسة. في هذا الزمن العجيب الغريب في كل شيء، اصبح من لا يتصف بإحدى هذه العلامات هو من الشواذ في المجتمع ولا يمكن تصديق وجود شخص يتمكن من العيش بدون ان يكذب او يحنث بوعد او يخون امانة مهما كانت صغيرة . إلا ان الاعجب والأغرب ان يتصف بتلك العلامات شخص مهم في الدولة وعضو بارز في الحكومة وتقع عليه اكبر المسؤوليات بل اشدها خطورة وحساسية وتأثير في مستقبل الحكومة من حيث النجاح والفشل . واهم هؤلاء بطبيعة الحال هم الوزراء وخصوصا من تقع عليهم الامور الخدمية كالصحة والبلديات والكهرباء والنفط ... وباستفتاء بسيط اعد لهذا الغرض وجدنا ان اكثر وزير وعد واخلف هو وزير النفط الذي طالما صرّح ان ليس هناك زيادة في اسعار المشتقات النفطية وان الايام القادمة ستكون نهاية للشحة في تلك المشتقات، وفي الصباح يفاجئ المواطن ان الاسعار قد زادت والطوابير قد كبرت وكثرت وحين يخبر صاحب المحطة ان الوزير قد نفى اية زيادة يأتي الجواب تهكميا: ان الوزير ليهجر ! اما اكثر الوزارات التي انطبقت عليها العلامات الثلاث فهي وزارة الكهرباء وبلا منازع ، فبعد ان افتضح امر الوزيرين السابقين في حكومتي علاوي والجعفري (ايهم السامرائي ومحسن شلاش)الذين هربا بالجمل وما حمل، جاء دور الرفيق كريم وحيد (مرشح حزب الدعوة الاسلامية)المشمول بقرار اجتثاث البعث ليجرب حظه في هذه الوزارة السيادية! بدأ الرفيق كريم بإطلاق وعوده منذ الايام الاولى لتعيينه وزيرا وقال ان الصيف القادم سيشهد تحسنا كبيرا في الكهرباء إلا ان الشعب الذي انتظر تنفيذ الوعود المتلاحقة حتى وصل الى الشهر السادس حيث تفتح ابواب جهنم على العراقيين من شدة الحر لم ير شيئا من ذلك، ثم اطلق وعده الاخير بان منتصف الشهر الحالي سيكون نهاية لمشكلة الكهرباء! وانتهى الشهر السادس وبدا تموز (اللي يموت الشاب والعجوز) ولا من تنفيذ للعهود والوعود وهذا شهر آب اللهّاب (اللي يذوب المسمار بالباب) على الابواب ولا من مغيث يغيث العراقيين في محنتهم التي زادها الانقطاع المستمر للماء (وكملت السبحة) وأين تفر يا شعبي المسكين! بعد ان رأى الرفيق كريم ان لا فائدة من الوعود التي اصبحت ورقة محترقة، بدأ بمحاولات تحسين صورته امام الحكومة وأمام الشعب خصوصا المحافظات (السيادية) في الغربية والشمالية حيث ابتكر عذرا غريبا لا ينطلي إلا على المغفل والمجنون، وهو ان محافظات الجنوب تتجاوز على حصتها المقررة فتؤثر على حصص بقية المحافظات! إلا ان تلك الحيلة سرعان ما انكشفت بعد اعتراف مجموعة من المهندسين والفنيين والعاملين في محطات توليد الطاقة في تلك المحافظات الذين اكدوا ان أي محافظة لا يمكن ان تتعدى الحد المقرر لها وان اطفاء التيار عن المناطق يتم عبر الهاتف المركزي من الوزارة وبأسماء وعناوين المهندسين ونحن لا نستطيع إلا ان نتقيد وننفذ الاوامر رغم الاجحاف الذي نشعر به تجاه محافظاتنا المظلومة سابقا وحاليا فأوامر الفصل والعقوبات جاهزة وموقعة! اما اخر لعبة قام بها الوزير البعثي والتي تنم عن طبيعة تفكيره وحقيقة نواياه المشبوهة هي اثارة الفتنة الطائفية بين المحافظات حيث اضاف محافظات الفرات الاوسط لمحافظات الجنوب في اتهامه الاخير وقال انها تشترك في سرقة حصص المحافظات الغربية بالإضافة الى بغداد، فتأمل عزيزي القارئ واعرف من يتسلط علينا! ولكي لا نظلم الرجل قمنا باتصالات مكثفة بمعارفنا وأصدقاءنا في محافظات الجنوب والفرات الاوسط (كربلاء والبصرة والناصرية والديوانية والحلة) وسألناهم عن اتهامات الوزير، اجابوا بأعصاب مشدودة وحزن عميق: ان كل ما يقوله الوزير محض افتراء لتغطية فشله الذريع في مهمته الخطيرة واقسموا ان افضل اوقات استمرار الكهرباء هو ساعة متواصلة !! اعتقد ان السيد الوزير لم يكن بمستوى الامانة التي وضعت في عنقه من قبل رئيس الوزراء (المحاصر) الذي لم يحسن اختيار وزراءه او على الاقل من كان قادرا على اختيارهم . فهل يعقل ان تسلم وزارة حساسة وخطيرة اشبه ما تكون بالصاعق الذي سينفجر ليهدم كل ما يمكن بناؤه في وزارات اخرى بيد شخص مطلوب من قبل هيئة اجتثاث البعث! هل يعقل ذلك يا من خرجت من رحم حزب كان مرشده الروحي يردد (لو كان اصبعي بعثيا لقطعته)!! هل عقم العراق عن انجاب كفاءات وطنية نزيهة لمثل هكذا مناصب! وان قلت ان المحاصصة والتوافق وحكومة الوحدة الوطنية لم تترك لنا حرية اختيار وزراؤنا، فها قد اتتك الفرصة الذهبية بعد ان قاربت حكومتك على الانهيار وسيد البلغاء يقول اغتنم الفرص فإنها تمر مر السحاب، فكل الوزراء تقريبا قد استقالوا وبإمكانك تكوين الحكومة التي تقتنع بها كوّن حكومتك من المهنيين وأصحاب الكفاءة ولا تدع مكانا لأيتام النظام وأذنابهم في حكومتك لأنهم السبب في المشاكل .. انها فرصتك الاخيرة فأما ان تستغلها والملايين معك وتساندك وأما تستمر على ترددك وقلقك من هذا وذاك (وهو ليس عهدنا بك) وحينئذ برئت الذمة ولات حين مندم
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |