أبوغريب ـ ح 24 ـ الدكتور قاسم مهاوي!!

 

 

جلال جرمكا/ كاتب وصحفي عراقي/ سويسرا

عضو ألأتحاد الدولي للصحافة وعضو منظمة العفو الدولية

tcharmaga@hotmail.com

من دفتر ذكرياتي في معتقل/ أبوغريب ـ الحلقة الرابعة والعشرون ـ عنوان الحلقة

الدكتور/ قاسم مهاوي!!.

ياترى من هو الدكتور قاسم مهاوي؟؟ هل هو طبيب ؟؟ أم دكتوراه في مجال أخر؟؟.

للرد أقول أنه ليس طبيباً.. بل كان عالماً من علماء العراق.. أنه من مدينة البصرة.. ثغر العراق.. تلك المدينة الباسلة العظيمة التي أنجبت الكثير من الشعراء والعلماء والمثقفين... أنها البصرة!!.

لنرى من هو الدكتور مهاوي.. وهل فعلاً إن قصته أغرب من الخيال؟؟؟ ..لنرى :  

الدكتور/ قاسم مهوي (أبو محمد) ظابط في قيادة القوة البحرية والدفاع الساحلي في البصرة.. أكمل دراساته العليا في بريطانيا، وعلى نفقة وزارة الدفاع... كان من المتميزين في مجال عمله.. نظراً لنشاطه وأخلاصه في العمل كان له كذا كتاب شكر وترقية من شخص/ وزير الدفاع ألأسبق/ المرحوم عدنان خيرالله .

أختصاصه كان في ألألكترونيات.. عدى الدكتوراه في ذلك المجال ومن أرقى جامعة بريطانية كان له عدد من شهادات (دبلوم) من دول مختلفة كالأتحاد السوفيتي والبرازيل ودولة أخرى .

في العام/ 1982 كان برتبة مقدم في البحرية العراقية.. وطبيعي في تلك الفترة كانت الحرب مشتعلة بين العراق وأيران.

كان ضمن وفد عسكري رفيع المستوى لزيارة/ البرازيل لشراء أسلحة ومعدات عسكرية، أستغرقت الرحلة بحدود شهر.. وكان الوفد من مختلف الصنوف.. كان الدكتور/ قاسم يمثل القوة البحرية .

بعد عودته الى البصرة، سمع من أهله أن جارهم مريض منذ فترة.. ومن الواجب زيارته!!.

فعلاٌ في مساء أحد ألأيام قام بزيارة الجار.. فوجد عدد من الضيوف جاؤا لنفس الغرض.

بعد التحية والسلام والحمدلله عالسلامة.. وجه الدكتور قاسم ، كلامه الى الجار المريض وهو يقول له:

ـ يا أبو فلان.. أعتذر .. تأخرت عليك.. في الحقيقة كنت ضمن وفد رسمي خارج العراق.. تأخرت ولم أعلم بمرضكم إلا اليوم.. فأقدم أعتذاري!!.

جلس بحدود نصف ساعة.. بعد تناول الشاي وقليل من المجاملة.. غادر المجلس عائداً الى البيت!!.

بعد أسبوع يتلقى كتاب من (مديرية أمن البصرة) يطلبوه بالسرعة الممكنة لأمر مهم.!! وتم تبليغه من قبل (أستخبارات البحرية)!!.

لم يخطر بباله أي شىء.. ولكنه أستغرب من الدعوة.. حينها راجع مدير أستخبارات القوة البحرية يستفسر منه ألأمر.. أجابه المدير :

ـ مسألة بسيطة.. لديهم بعض ألأسئلة حول سفرتك!!.

رد عليه الدكتور : وماعلاقة آلآمن بسفرتي الرسمية؟؟.

قال المدير: في الحقيقة لا أعرف.. شخصياً تحدثت مع مدير ألأمن .. هكذا أخبرني.. روح دكتور وأرجع بسرعة عندنا أجتماع مع القائد!!.

فعلاً.. أخذ الدكتور سيارة وسائق وتوجه الى مديرية ألأمن!!.. هنالك وجد من في أستقباله ومرافقته الى غرفة مدير ألأمن.

عند الدخول والسلام، رحب به المدير.. وتناولا الشاي.. حينها سأله:

ـ كيف كانت الرحلة دكتور..؟؟

أجابه الدكتور: الحمدلله.. كأية مهمة رسمية.. تعب ومتابعة.. المهم أدينا الواجب!!.

سأله المدير: وهل المهمة سرية؟؟.

قال الدكتور: بالتأكيد.. سرية للغاية.. كان معنا ضباط من القيادة وألأستخبارات وكل الصنوف!!.

رد عليه مدير ألأمن: طيب إذا كانت زيارتكم سرية.. كيف تتحدث بتلك ألأسرار في مجلس عام؟؟.

تعجب الدكتور.. ماذا يقول هذا ؟؟.

فقال: أي مجلس؟؟ وأي حديث؟؟ لا أفهم قصدك؟؟ ثم أني هذه المرة العاشرة أكون ضمن الوفود.. متى تحدثت عنها؟؟ ثم أنا ألأعرف منك وأحرص على هذه ألأسرار!!.

غضب مدير ألأمن على رده وقال له بالحرف الواحد:

ـ شوف دكتور.. أنت موقوف بأمر القيادة.. وسنبدأ التحقيق معك منذ آلآن!!.

هنا نادى جماعته.. أخذوا الدكتور ووضعوه في غرفة وبدأوا التحقيق معه!!.

المحققون كانوا من بغداد من (مديرية ألأمن العامة) .. طيب الرجل عسكري( ضابط) من المفروض أن يحقق معه في ألأستخبارات العسكرية وليس في ألأمن!!.

ولكن تبين إن المسالة كالأتي:

في زيارة الدكتور لجاره المريض.. كان أحد وكلاء (أمن البصرة) في المجلس.. سمع إن الدكتور يعتذر لجاره ويخبره بأنه كان في مهمة خارج العراق.. أسرع المخبر وكبر القضية وأوصلها الى آلآمن.. بدورهم كبروا المسألة أكبر وحصلت الموافقة على أعتقاله والتحقيق معه بأسرع وقت!!.

يتأخر الدكتور حتى المساء.. حينها تتصل العائلة بدائرته ، وبدورهم يستغربون من التأخير.. تبدأ ألأتصالات وعندها يكونون على علم بأن الدكتور موقوف في ألأمن بتهمة كبيرة والتحقيق جاري معاه!!.

يستمر التحقيق مع الدكتور لثلاثة أيام أو أكثر.. والدكتور لايقول غير الوقائع.. ولكن على مايبدو أن كلامه كان كالهواء في الشبك!!.

حينها يتم نقله الى/ ألأمن العامة.. وتبدأ عمليات التعذيب والتحقيق معاً!!.

في هذه الفترة تبدأ/ قيادة البحرية بالأتصالات لمعرفة مصير الدكتور.. ومن مرجع الى أعلى لحين أن يصل الخبر الى وزير الدفاع/ عدنان خيرالله ، الذي يعرف الدكتور شخصياً!!.

يبدأ وزير الدفاع بالأتصالات.. ويتصل بمدير ألأمن العام.. ويأمر بأطلاق سراحه فورا!!.

لكن مدير ألأمن العام يرد عليه وبالنص:

ـ هل ترضى ياسيدي أن نطلق سراح جاسوس يعمل لصالح آيران؟؟؟.

الخبر كان بمثابة صاعقة على رأس وزير الدفاع.. حينها يقول :

ـ طيب لتشترك لجنة من ألأستخبارات العسكرية في التحقيق!!!.

يكتفي الوزير بهذا التوجيه.. وينتظر نتيجة التحقيق!!.

هنا ألأمن العامة تورطت.. لن تسمح بلجنة ألأستخبارات بالتدخل.. ولكنهم قاموا بمواجهة الدكتور.. وبدوره قام ألأخير( الدكتور) بقص القضية من ألأول والى ألأخير.. ولكن الشىء المؤلم مشاهدتهم لأثار التعذيب على جسم الدكتور!!.

عادت اللجنة ورفعت تقريراً الى وزير الدفاع.. حاول الوزير بكل ثقله لم يستطع ألأفراج عن الدكتور.. وكانت حجة ألأمن العامة أن الدكتور أعترف بكونه (جاسوس) وقد وقع على أفادته!!.

هنا ينسحب الوزير أمام أدعاءات ألأمن العامة.. وتلك كانت غطلة كبيرة.. لو أستمرت ألأستخبارات بمتابعة الدكتور واللقاء به مرة أخرى لأتضح ألأمر وظهرت الحقائق.. ولكنهم تراجعوا.. والسبب كانت الحرب على أشدها مع أيران والجميع منشغلون!!.

بعد أشهر من أعتقاله.. يحكم على الدكتور بالأعدام رمياً بالرصاص .. ويودع الى / قسم ألأعدام في أبو غريب بأنتظار تنفيذ الحكم بحقه!!.

أغرب شىء.. أو الكارثة.. يبقى الدكتور/ قاسم مهاوي البرىء (ثمانية سنوات) في غرفة ألأعدام بأنتظار التنفيذ.. وفي كل مرة يتم التأجيل.. وهكذا لمدة ثمانية سنوات وعدد من ألأشهر!!!.

في عفو عام.. يخفض الحكم الى المؤبد/ عشرون عاماً وينقل الى/ قسم ألأحكام الخاصة!!.

بقى الدكتور قاسم/ لغاية عام/ 2002 أي أكمل عشرون عاماً من عمره وشبابه في السجون والمعتقلات وكان يرسل لي الرسائل بأستمرار بواسطة العائلة الى سويسرا.. وأرد على رسائله بواسطة عنوان مسكن العائلة في/ حي العامريةـ شارع العمل الشعبي!!.. ولازلت أحتفظ برسائله الى آلآن.. وسأحتفظ بها الى مدى الحياة!!.

بعد أزالة النظام.. عين الدكتور قاسم/ وكيل لوزارة المواصلات.. أو النقل .. بعد سنة يصبح/ مدير عام دائرة أتصالات الكرخ .

في العام/ 2005 وفي منطقة حي العدل وقع في كمين للأرهابيون الكفرة ويستشهد مع حمايته وينتقل الى جنات الخلد!!.

شاهدت الخبر من على شاشة التلفاز في الشريط ألأخباري.. بكيت بحرارة.. للأسف لم يرى الراحة.. من 1982 ولغاية 2002 في السجون والمعتقلات.. سنتان وكم شهر كان حراً.. بعدها نال الشهادة !!.

ملاحظة:

هذه الشهادة رواها لي/ الشهيد نفسه عشرات المرات.. كان سريري ولأكثر من سنة بجوار سريره.. كان يشجعني على كتابة قصصي ويصحح لي الكثير... رحم الله الدكتور الشهيد وأسكنه الباري فسيح جناته .

كانت أيام مرة .. لاتنسى.. ذكرياتها لاتفارقني..!!.

هنالك حلقات أخرى بأذنه تعالى .

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com