مستقبل حكومة المالكي

 

ساهر عريبي

sailhms@yahoo.com

تتعرض الحكومة العراقية اليوم إلى سلسلة من الهزات السياسية التي  تنبؤ بوقوع زلزال سياسي كبير في القريب العاجل, ربما سيعجز حتى مقياس ريختر عن تقدير  شدته إن لم تبادر القوى الوطنية لمنع وقوعه. لقد بدأت سلسلة الهزات هذه بإنسحاب حزب الفضيلة الأمر الذي أضعف كتلة الأئتلاف العراقي الموحد وبالتالي أضعف الدعم البرلماني للحكومة. ثم جاءت خطوة الكتلة الصدرية بسحب وزرائها من الحكومة ,ورغم تخويلها السيد المالكي تعيين من يشاء بدلا عنهم , إلا أن هذه الكتلة رفضت مرشحيه في البرلمان وبالتالي بقيت هذه المناصب شاغرة الأمر الذي أضعف الحكومة وشجع كتل أخرى على أن تحذو حذو الكتلة الصدرية.

 وبالفعل سحبت جبهة التوافق وزرائها من الحكومة فيما أعلنت كتلة العراقية مقاطعة وزرائها لأجتماعات مجلس الوزراء كخطوة أولى للأنسحاب من الحكومة. ولو تحقق ذلك فستصبح الحكومة ممثلة لما تبقى من الأئتلاف والتحالف الكردستاني. ورغم أن هذه الأنسحابات لا يمكنها سحب الشرعية من الحكومة نظرا لتمتعها بالنصاب القانوني ولعدم حجب الثقة عنها برلمانيا, إلا ان هذه التطورات قد تركت الباب مفتوحا أمام جملة من الأحتمالات حول مستقبل حكومة المالكي. ويمكن حصر هذه الأحتمالات بسبع وهي:

 أولا: أن ينجح السيد المالكي ومن ورائه التحالف الحاكم  في حمل كتلة  التوافق على العودة إلى الحكومة, وفي إقناع كتلة العراقية بعدم الأنسحاب ,  غير أن هذا الأمر يبدو بعيد المنال اليوم نظرا للسقف العالي من المطالب الذي وضعته كتلة التوافق كشرط لعودتها الى الحكومة ضمن مدة زمنية محدودة يستحيل فيها تلبية هذه المطالب وقد إنقضت, وهذا الأمر يكشف عن  عزم كتلة التوافق إسقاط الحكومة وإعادة صياغة العملية السياسية, مدعومة  في ذلك من دول إقليمية ومن متغيرات في معادلات الصراع داخل العراق بدأت تميل لصالحها. ولذا فمن المستبعد أن ترمي هذه الكتلة طوق النجاة لحكومة المالكي بالعودة إليها.

 ثانيا: أن تستمر الحكومة الحالية بتسيير أمور البلاد نظرا لتمتعها بالنصاب القانوني اللازم لذلك مالم يحصل إنسحاب أخر يفقد الحكومة نصابها وبالتالي شرعيتها , إلا انها ستكون حكومة هشة ومن الممكن إسقاطها في أي لحظة , وهذا الواقع لاتحبذه الأدارة الأمريكية ولا الشعب العراقي الذي هو بأمس الحاجة اليوم إلى وجود حكومة قوية تستطيع النهوض بمسؤولياتها  وتجابه التحديات الجمة التي يتعرض لها العراق . ولذا فيبدو أن هذا الأحتمال سيصمد حتى حين , بإنتظار أنسحابات أخرى أو بإنتظار ما يقرره البرلمان حال عودته للأنعقاد في أيلول المقبل.

 ثالثا: أن يستمرمسلسل الأنسحابات هذا , بإنسحاب وزراء ينتمون لقائمة الأئتلاف العراقي الموحد من مجموعة المستقلين أو من حزب الدعوة تنظيم العراق او من المجلس الأعلى, وحينها ستفقد الحكومة النصاب القانوني وبالتالي لن تتمكن من إتخاذ أي قرار وهذا يعني سقوطها , إلا أن هذا الأحتمال ورغم كونه ممكنا من الناحية النظرية ورغم حالة التنافس القائمة بين المجلس الأعلى وحزب الدعوة حول منصب رئيس الوزراء, إلا أنه ضعيف عمليا في المرحلة الراهنة خاصة بعد إعلان هذه الأحزاب عزمها تشكيل جبهة المعتدلين, ولتخوف هذه الأحزاب من ضياع المكاسب التي تحققت لها في ظل هذه الحكومة في حال سقوطها, وكذلك خوفها من الشارع الشيعي الذي سيحملها مسؤولية إنهيارها, وستتحول الساحة الشيعية الى ساحة حراب وإقتتال داخلي بين حلفاء الأمس.

 إلا إن إنسحاب كتلة التحالف الكردستاني يبدو أقرب , خاصة مع تلويحها اليوم بذلك في حالة عدم مضي الحكومة قدما بتطبيق المادة 140 من الدستور والمتعلقة بمستقبل مدينة كركوك. ورغم أن الحكومة ماضية في ذلك إلا أن مستقبل التحالف الكردي شيعي مرهون هو الأخر بجملة من المعادلات الأقليمية والدولية خاصة إذا ماعرفنا عمق العلاقة التي تربط القوى الكردية بالأدارة الأمريكية  وعلى العكس من القوى الشيعية التي تبتعد يوما بعد الأخر عن هذه الأدارة رغم سعي المالكي للتقرب منها. ولذا فإن هذا الأنسحاب مرهون أيضا بنظرة الأدارة الأمريكية لحكومة المالكي وهذا ما سيتضح في شهر أيلول المقبل, وكذلك بالضمانات التي يحصل عليها الكرد من الأدارة الأمريكية ومن الاطراف العراقية الأخرى في حال إنسحابهم من الحكومة وتشكيل حكومة جديدة. وسيكون هذا الخيار هو أخر العلاج أي الكي إن إقتضت المعادلات الدولية والأقليمية إسقاط حكومة المالكي.

 رابعا: أن يقدم السيد المالكي مرشحين جدد لشغل المناصب الوزارية الشاغرة  من خارج كتلتي  التوافق والصدرية , وأن ينجح في الحصول على ثقة البرلمان بهم, وحينها  ستكون الحكومة في وضع أقوى دستوريا, إلا أنها ستكون حكومة مطعون بها من حيث تمثيلها للمكون السني الذي تمثله  جبهة  التوافق التي تعتبر ممثلا شرعيا للسنة حاليا بإنتظار إجراء إنتخابات جديدة ستفرز ممثلين للسنة ربما خارج إطار جبهة التوافق. ولايبدو هذا الأحتمال مرجحا خاصة إذا ما أخذنا بنظر ألأعتبار عدم نجاح السيد المالكي في الحصول على ثقة البرلمان لمرشحيه البدلاء لوزراء الكتلة الصدرية المنسحبين , رغم مرور عدة أشهر على ذلك, فكيف يمكنه الحصول على ثقة البرلمان لبدلاء وزراء التوافق وربما العراقية؟ ولا أعتقد أن كتلة التحالف الكردستاني ستصوت على هؤلاء الوزراء المقترحين حيث  ستعلن هذه الكتلة حينها بأنها لايمكنها أن تمارس دور الوصي على السنة ولا على الأخرين.

 خامسا: أن يفشل السيد المالكي في الحصول على ثقة البرلمان لمرشحيه الجدد لشغل المناصب الوزارية وحينها سيعني هذا إما عودة الحكومة إلى المربع الأول وأعني إستمرارها, وذلك  لبقاء شرعيتها و لعدم رفع البرلمان يده عنها, أو أن يقدم المالكي إستقالته لأن حكومته لم تعد ممثلة للجميع ولحاجة العراق لحكومة كاملة وقوية في هذا الظرف الحساس,  وهو امر وارد إلا أنه مستبعد ولحسابات مختلفة داخل الأئتلاف الحاكم وعلى الأقل سيرفض حزب الدعوة تقديم المالكي إستقالته قبل الحصول على ضمانات  من الأطراف الأخرى .

 سادسا: أن لايقدم المالكي إستقالة حكومته وحينها ستتقدم أحد الكتل بطلب حجب الثقة عن حكومته وحينها لابد لهذه الكتلة من حشد الأصوات اللازمة لذلك , وهذا ليس بالأمر الهين لأنه سيعني وبكل بساطة العودة إلى المربع الأول وسيترك البلد في حالة من الفراغ السياسي,  ربما ستترك البلاد بلا حكومة لمدة غير معلومة  لا يعلم أحد مداها, وهذا مالا تحبذه عدد من  القوى السياسية العراقية,  خاصة إذا ما أخذنا بنظر الأعتبار حجم الخلافات التي تعصف بالكتل البرلمانية والتي تمنع تشكيل حكومة في أسرع وقت.

 سابعا: أن يفشل رئيس الوزراء في الحصول على دعم البرلمان لمرشحيه الجدد, وأن يرفض المالكي تقديم إستقالته إتباعا لأوامر حزبه الذي لن يتخلى وبهذه السهولة عن منصب رئيس الوزراء ويترك الأمور للمجهول, وأن تفشل الكتل البرلمانية في حجب الثقة عن حكومته . وحينها ستخوض الكتل البرلمانية سباقا ماراثونيا لأعادة صياغة العملية السياسية  والأتفاق على ثوابت وصيغ جديدة لأدارة الحكم في العراق. وعند ذلك سيطلب من المالكي تقديم إستقالته ليعاد تشكيل حكومة جديدة بعد حصول كل الأطراف على الضمانات المطلوبة. وهذا الأحتمال هو الراجح تحققه في الأشهر القليلة المتبقية من العام الحالي.

 غير أن هذا الأحتمال مرهون بالسياسة الأمريكية في العراق فإن تغيرت وقررت الأدارة الأمريكية سحب قواتها من العراق فسيعني ذلك إنهيار العملية السياسية ودخول العراق في مستقبل مجهول لا يعلمه إلا الله , وسيبقى خيار الأنسحاب الأمريكي هذا هو العصى التي تلوح بها الإدارة الأمريكية بوجه القوى السياسية العراقية  لحملها على الأتفاق والأستمرار بالعملية السياسية.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبعوالنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com