|
"العزة بالأثم" والخوف من الاعتراف بالفشل تنسحب على الاحزاب والمنظمات أكثر مما يتستر خلفها الافراد, وبالذات الاحزاب التي نشأت في ظل الظروف السرية, وفي مجتمعات لاتزال تحبوا في طريق التطور والتحضر مثل مجتمعنا, ان الوضعية البائسة التي وصلنا اليها ليس لها شبيه في ترديها على الارض قاطبة. ولا شك ان تظافر عدة عوامل متميزة في نوعيتها خلقت هذه الحالة الفريدة, مثل وجود النفط وما يحويه العراق من ثروات طبيعية وبشرية تثير شهية لصوص العالم قبل لصوص ابنائه, وتسلط النظام الصدامي الفريد في قسوته ودمويته لفترة طويلة, ثم تسلط قوات الاحتلال الامريكي بصورة لم تترك من كعكة السلطة الااقلها للعراقيين, والجرائم الدموية المرعبة في بشاعتها للعصابات البعثية والسنية والمليشيات الشيعية, والتدخل غير المسبوق في العالم لدول الجوار, وبعضها في صراع مصيري مع الامريكان ويجري تصفية حسابه على الارض العراقية. كل هذا مفهوم, ولكن غير المفهوم والأهم من كل ما سبق, انحطاط التفكير السياسي لأغلب الاحزاب العراقية التي طالما تشدقت بالوطنية وحب العراق. وعودةالى "العزة بالاثم" يقول التصريح الصحفي لأجتماع حزب الدعوة الاسلامية في جميع المحافظات العراقية, وبرئاسة السيد نوري المالكي يوم 20070803 ان" تمتين التلاحم بين المواطنين والدولة بأتجاه تقديم مزيد من الخدمات ومحاربة الفساد وتوفير الرفاه الاقتصادي الى الطبقات المحرومة وعوائل الشهداء وضحايا التفجيرات الارهابية التي تطال الابرياء من ابناء شعبنا" . والسؤال هو: ما حاجة حزب الدعوة العريق بتاريخه السياسي, وشهدائه الذين سقطوا تحت سياط التعذيب الفاشي, وشهد لهم العراقيون بحبهم لوطنهم , الى الدجل في هذا التصريح؟! وفقط, لكونه يقود السلطة بشخص رئيسه رئيس الوزراء, والعراقيون يعرفون بكل طوائفهم, والعالم كله يعرف من اليابان الى كلفورنيا بالفشل الكبير لحكومة المحاصصة الطائفية التي يقودها السيد المالكي, وبدل البحث عن وسائل حقيقية تنقذ الوضع الحالي يتشدق التصريح ب" تمتين التلاحم بين المواطنين (المنكوبين) والدولة (المسؤولة عن نكبتهم) بأتجاه تقديم المزيد من خدمات (الذبح والاختطاف والتفجيرات) ومحاربة الفساد (الذي وصل الى قيادات الصف الاول) وتوفير الرفاه الاقتصادي (للملاين المهجرة في الداخل والخارج وملايين الايتام والارامل) من ابناء شعبنا" . وفي الوقت الذي تشكلت فيه حكومة المالكي من اغلب المشاركين في العملية السياسية, وحصلت على تأييد الراعي الامريكي. لم تتمكن من تحقيق اي نجاح ينقذ العراق ويخفف من ثقل التخبط الدموي الذي ينوء تحته, وبالعكس ازدادت الحالة سوءاً, وبات الانحدار الى الهاوية هو الطريق الوحيد الواضح. وبدل البحث عن طريق ينقذ الوضع صرح وليد الحلي القيادي في حزب الدعوة لصحيفة "الشرق الاوسط" يوم 20070808 ان "رئيس الوزراء يسعى للأستمرار بحكومة الوحدة الوطنية, وفي حال تعذر ذلك فسيضطر الى تشكيل حكومة الاكثرية البرلمانية , فليس هناك بديل آخر والاكراد يدعمون هذا التوجه". وهذا يعني الاستمرار في قاعدة المحاصصة لمجمل العملية السياسية, وتشكيل الحكومة– وهو الجزء الاهم في العملية السياسية- ان لم يستمرالتوافق عليها, فسيستأثر بها المجال الأكثر ضيقاً من المحاصصة, وهو تحالف الحزبين الشيعيين المجلس والدعوة مع الحزبين الكرديين الرئيسيين . وماذا ستكون النتيجة؟ هل بأمكان هذه الاحزاب الاربعة ان تنقذ العراق؟ وهي الاساس في التحاصص المشكلة, والمتهمة بالذات في محاولاتها تفكيك العراق. وسؤال اقل من المحافظة على وحدة العراق: هل بأمكان هذه الاحزاب المحافظة على سلامة نفسها وجماهيرها في حالة انفرادها بالقرار؟ أم سيكون جوابها مثل جواب السيد مسعود البرزاني رئيس الاقليم عندما هدد الاتراك بتحريك الاكراد داخل تركيا, وجاء الجواب التركي قاطعا, فعاد السيد رئيس الاقليم ليقول اننا عراقيون. ماذا سيفعل الاربعة في وسط داخلي متفكك, واقليمي ودولي يعاديها؟ عدى ايران التي تبغي استمرار حالة عدم الاستقرار لمشاغلة اميركا في العراق, وليس حباً بالأكراد وفيدراليتهم التي تعتبرها ايران التشريع الأخطر على وحدة الاراضي الايرانية. ان السبب الاساس في حالة الانغلاق الحالي للعملية السياسية كما يؤكده بعض المراقبين, هو اعتقاد الشيعة والاكراد على ان تحقيق النصر لكل منهما اصبح في متناول اليد, وهذا ما يجعلهم غير راغبين في تقديم التنازلات التي تتطلبها التسويةالسياسية. ولو تيسر لهذه الاحزاب الاستمرار في تمشية توجهاتها, فالعراق قادم على مذبحة لايعرف نتائجها الا الله.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |