|
لقد سئمتُ من متابعة نشرات الأخبار وما تتناقله من أنباء: القتل، والانفجارات، والكوارث والنكسات السياسية المتتابعة، وتيقنتُ ان لاجدوى من متابعتها فهي تسبب الأرق وفقدان الشهية وتشعرني بعدم الرغبة في الحياة وتودي بي الى إحباطات نفسية مزمنة، ويصيبني احساسٌ بالعجز بسبب الصراعات السياسية والتي سرعان ما تتحول الى صراعات نفسية فما ان تلوح في الافق بارقة أمل حتى يتحول ذلك البصيص الى يأسٍ كبير يُعَمِّر في النفوس. كنت أتمنى لو انني امتلك عصا سحرية الغي بها نشرات الأخبار التي راح ضحيتها اعدادٌ كبيرة من القتلى والجرحى وخلفت الأرامل والأيتام ، فأزمة سياسية صغيرة تتحول بقدرة نشرات الأخبار الى صراع دامي ينتهي بكوارث بشرية. اتمنى ان استبدل تلك نشرات السياسية بأنباء الأفراح والأتراح والليالي الملاح ، ربما لن نحتاج الى نشرات متعددة ومحطات تلفازية متخصصة تقتات على موت الآخرين وتتطفل على الكوارث والحروب وتطلب زيادة الرزق بانباء الدمار، بل سنحتاج الى نشرة شهرية تورد لنا خبر او خبرين سعيدين في كل شهر. منذ ُمن اكثر عشرين عاماً وانا أتابع نشرات الأخبار وأدون كل خبرٍ غريب يورد فيها وقد صار عندي سجلاً كاملاً أسميته (الغريب والمثير في عالم الأخبار). فمن تلك الأنباء التي دونتها (انفجار سيارة مفخخة في الصين أدى إلى مقتل شخصين وجرح عشرة آخرين) والغريب في الآمر ليس انفجار سيارة مفخخة في بلدٍ مسالم مثل الصين فالسيارات المفخخة صارت تنفجر حتى في مقر منظمة السلام الأخضر العالمية لكن الغريب في الآمر هو عدد قتلى ذلك الانفجار في بلدٍ مزدحم يشكل سكانه خُمْسَ سكان العالم. وان سر الغرابة يكمن حين تسقط قذيفة هاون صغيرة عيار 82 ملم في العراق فتخلف عشرات القتلى والجرحى. ومن الطرائف التي تناقلتها نشرات الأخبار هي رسالة عبر البريد الإلكتروني بعثتها الممثلة بروجيت باردو إلى الرئيس المصري تحثه على التدخل لوقف إطلاق النار العشوائي الموجه ضد الكلاب السائبة في مصر لأن ذلك يضر بالسياحة المصرية .وجاء في فحوى تلك الرسالة إنّ عدم احترام الحيوان يؤدي بالنتيجة إلى عدم احترام الإنسان. كنت أتتمنى أن تبعث مثل هذه الرسالة إلى الكتل المتصارعة والمتحاربة لوقف نزيف الدم العراقي ، ولكن أعود أقول ما جدوى مثل هذه الرسالة إذا كانت هناك رغبة ملحة من قبل أطراف دولية وعربية وكتل وطنية لسفك وإراقة الدم العراقي وان هناك تجار يمولون ذلك النزف بمبالغ طائلة وأنها تدفع الأجور مقابل عدد الرؤوس التي تحصد بغض النظر عن القومية والمذهبية . ومن الأخبار التي دونتها خبرٌ صغير مفاده انتحار وزير الزراعة الياباني حين حاول البرلمان استجوابه بأمور تتعلق بالفساد المالي. والغريب في الأمر إن البرلمان العراقي متهم كله بالفساد المالي والإداري وان الفساد شمل أعضاء المجالس المحلية ورؤساء الدوائر الحكومية (فهل من منتحر؟) ... لم أجد في تاريخ العراق شخصية شبيهة بشخصية الوزير الياباني (النزيه) عدا شخصية عبد المحسن السعدون الذي أطلق على نفسه النار بمجرد اتهامه بالعمالة لبريطانيا واعتبر هذا الاتهام انتقاص من وطنيته. نحن نعيش في زمنٍ غريب نفتقد فيه الإحساس فلقد ولى زمن نوري السعيد ومصطفى النحاس التي تتهاوى فيه الحكومة على اثر مقالٍ سياسي يصفها بالعجز والخذلان. أو تحقيقٌ صحفي يؤدي إلى انسحاب القوات الأمريكية من فيتنام. لقد وضعت الأنظمة السابقة كمامة على أفواهنا فكنا لا نستطيع الكلام وجاءت الأنظمة الحالية لترفع الكمامة من أفواهنا ووضعوا القطن في آذانهم فنحن نتكلم وهم لا يسمعون. فالمقالات والأخبار السياسية صارت لا تجدِ نفعاً لذلك أحاول أن اهرب من قنوات الأخبار إلى مشاهدة أفلام الاكشن والمسلسلات العربية والمدبلجة لكن أنباء القتل والدمار والانفجار تلاحقني عبر خبر عاجل يظهر في اسفل الشاشة . فكان الحل عندي أن اهرب من كل هذه القنوات الى البحث عن توم وجيري عبر قنوات ( Space Toon & MBC3) فهنا لا يفسد متعتي شئ واجد نفسي أترحم على الذين اخترعوا هذا الاختراع العظيم الذي اسمه أفلام كارتون . وبين الحين والآخر تعتريني رغبة ملحة في ان اقتني فأرٌ جميل مثل جيري وقط مثل توماس _ الاسم الدلع لتوم _ لأمتع ناظري بمشاهدة مغامراتهما على الطبيعة . لقد سرح الخيال بصانعي توم وجيري أن يجعلا من خُصماء الدهر اصدقاء يتناولون طعامهم على مائدة مستديرة واحدة دون أن يعتدي أحدهما على الآخر فرسم لوحةٌ رائعة للمحبة والسلام والوئام . ذات يوم يقرر جيري أن يغادر بيته متوجهاً إلى مدينة مينهاتن الأمريكية فيترك رسالة يودع فيها صديقه العزيز توم فيستقل عربات القطار فتأخذه إلى تلك المدينة ، فتسحره المناظر الخلابة، وتبهره مناظر ناطحات السحاب ، غير ان صخب المدينة وزحمتها والحنين الى الوطن يجعل جيري يعود مسرعاً الى بيته فيجد توم يغط في نوم عميق فيطبع قبلةً على وجه توم لانه لم يجد قلباً اطيب من قلبه ، ويستيقظ توم مذهولاً من حرارة تلك القبلة وهولا يدري ما هو السر وراءها . ويتفق توم وجيري على نسيان خلافاتهم من اجل الوقوف بوجه الكلب المشاكس وهنا تخطر في بال جيري (المحتال) مكيدة للايقاع بـ(الكلب) والذي سرعان ما يقع في مصيدة الخيوط التي نسجها ببراعة متناهية الفار جيري . ويسرح خيال الكاتب مرة اخرى وهو يصور لنا علاقة محبة ومؤدة للاخوة الأعداء مخالفاً لطبائعها الفطرية فيجعل من توم وجيري والكلب اخوة تغمرهم المحبة والوئام يعشق بعضهم البعض وبخاف بعضهم على البعض الآخر غير ان تلك المحبة لا تدوم طويلاً فيبدأ الاختلاف حول حصصهم في شريحة لحم سقطت من سيارة مسرعة مرت أمامهم .فكل واحد يريد ان يأخذ الجزء الأكبر من تلك الغنيمة وهي طبيعة حيوانية يشترك فيها الإنسان ايضاً . ارجو من القارئ الكريم ان يتمتع بمشاهدة طيبة بحلقات توم وجيري وان لا يفسد متعته بتفسيرات سياسية وان يودع نشرات الاخبار التي تسبب الارق والصداع وداء الشقيقة .
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |