|
الهدف الرئيس للسياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية هو تحقيق مصالحها الوطنية، وأول من يعترف بذلك ويفاخر به هي الحكومة الأمريكية، ولا يختلف حول ذلك الحزبان الجمهوري والديمقراطي، ولو تصفحت أي كتاب عن السياسة الأمريكية لتأكد لك ذلك، ولهذا الهدف أولوية مطلقة على كل الأهداف المعلنة الأخرى لسياساتها الخارجية، ولو تعارض مع هدف اخر مثل نشر الديمقراطية لما ترددت أمريكا في الركض وراء مصالحها والتضحية بالأهداف الأخرى، والدليل على ذلك أحلاف الحكومات الأمريكية المتعاقبة ومنذ الحرب العالمية الثانية مع نظم الاستبداد والجور في مختلف بقاع العالم خدمة لمصالحها الوطنية. تتمحور المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط حول أمرين: تأمين إمدادات النفط بمشاركة الشركات النفطية الأمريكية الكبرى، وضمان أمن الكيان الصهيوني، وتعتمد لتحقيق هذه الأهداف وسائل سياسية واقتصادية وعسكرية مثل إسناد الحكومات والجماعات والأحزاب السياسية الموالية لها وتمويلها، وتقديم المساعدات الاقتصادية لها، وتزويدها بالأسلحة الحديثة، وتدريب قواتها، كما تحتفظ الحكومة الأمريكية بأسطول ضخم بالقرب من سواحل المنطقة، ولقواتها قواعد وتسهيلات عسكرية في كافة الدول الدائرة في فلكها مثل مصر والأردن واليمن ودول الخليج العربية، وللأهمية القصوى لهذه المصالح فقد أقدمت الحكومة الأمريكية على الدخول في حربين ضد النظام العراقي البائد، ولا تزال قواتها تحتل الأراضي العراقية تحقيقاً لمصالحها الوطنية. تعجب واستغرب واستنكر بعض الشيعة إقدام قوات الاحتلال الأمريكية على تسليح وإسناد بعض التنظيمات المسلحة الإرهابية بدعوى مشاركتها في محاربة إرهاب القاعدة، وكأنها مفاجأة غير متوقعة، فلم يك خافياً بأن الأمريكان وبعض الأطراف الحكومية غير الشيعية، وعلى رأسهم الطالباني، يجرون اتصالات ومفاوضات مطولة مع هذه التنظيمات المسلحة الطائفية الإرهابية، وكان الهدف المعلن لهذه المفاوضات اقناع هذه التنظيمات بالإنضمام إلى العملية السياسية، ولم يتضح الهدف الحقيقي منها إلا بعد الإعلان عن تزويد أمريكا لهذه التنظيمات الإرهابية بالأسلحة والإسناد، فكيف نفسر إقدام القوات الأمريكية على تسليح مليشيات طائفية ثبت بالأدلة القاطعة قتلها وتشريدها لعشرات الألاف من الشيعة المدنيين العزل من شمال ووسط العراق في الوقت الذي تهاجم يومياً مدن ومناطق الشيعة وتقتل المدنيين بحجة انتمائهم لمليشيات شيعية وتمنع الشيعة من الدفاع عن أنفسهم ضد الإرهابيين الطائفيين؟ إن التناقض بين هاتين السياستين الأمريكيتين في العراق ظاهري بحت، لأن أمريكا ومنذ لحظة احتلالها العراق ساعية بعزم وتصميم على حرمان الشيعة من حقوقهم المترتبة على كونهم الأغلبية السكانية، وقد لجأت إلى كافة الوسائل والسبل السياسية والاقتصادية والعسكرية واستعانت بحلفائها الدوليين والإقليميين في سبيل ذلك، ولو ألقينا نظرة سريعة وفاحصة على حلفاء أمريكا في المنطقة لتأكد لنا اتفاقهم على سياسة واحدة وهي العداء للشيعة ولمطالبهم المشروعة بالحقوق والحريات الأساسية، فمن هم حلفاء أمريكا وما هي مواقفهم المعلنة تجاه الشيعة عموماً وشيعة العراق خصوصاً؟ ·الكيان الصهيوني الحليف الرئيس لأمريكا يجاهر بعداءه للشيعة، قفد أعلن قادته ومن قبل إحتلال العراق بأن عدوهم الحقيقي ليس نظام صدام حسين وإنما الشيعة في إيران ولبنان، ويجمع كافة ساستهم على أن التهديد الوحيد لأمن كيانهم مصدره الشيعة، وقبل عام شن الكيان الصهيوني حرباً مدمرة على شيعة لبنان ومدنهم وقراهم ومناطق سكناهم، فكانت النتيجة هزيمة نكراء للجيش الصهيوني، ولا يزال الصهاينة يهددون إيران بتدمير منشآتها النووية، ويروجون لتحالف يضم أمريكا والنظم العربية السنية وكيانهم ضد إيران وحزب الله وكل الشيعة. ·المملكة العربية السعودية منبع الإرهاب السلفي السني والمصدر الرئيس للإرهابيين عابري الحدود وللتمويل والفتاوى المؤيدة للإرهاب الذي يستهدف الأمريكان والشيعة، وقد غضت أمريكا الطرف عن الإرهاب الوهابي السعودي، وجددت تحالفها معها ضد "التهديد الإيراني" المزعوم، كما تحرض أمريكا السعودية جهاراً على التدخل في الشؤون العراقية، وغني عن القول بأن الوهابية السعودية هي ألد أعداء الشيعة والتشيع. ·مصر موالية للخط الأمريكي في المنطقة ولم يخف رئيسها حسني مبارك عداءه للشيعة عندما انتقص من انتمائهم الوطني مدعياً بأن ولائهم لإيران فقط. ·الأردن حليف قديم لأمريكا، وملك الأردن أول من دعا إلى منع نشوء "هلال شيعي" يضم إيران والعراق وحزب الله وسوريا، وتعج مملكته بالتنظيمات والأفراد المعادين للشيعة والمؤيدين للجماعات الإرهابية والطائفية السنية. ·البحرين رقم صغير في الحلف الأمريكي الصهيوني الأعرابي ضد الشيعة، وحكومتها ماضية في اضطهاد غالبية سكان الجزيرة من الشيعة وفي العمل على تغيير هذا الواقع الديموغرافي من خلال تجنيس غير الشيعة. ·جبهة الأحزاب والحركات اللبنانية المدعومة من أمريكا والسعودية والكيان الصهيوني التي تسعى إلى إقصاء الشيعة في لبنان وحرمانهم من حقوقهم الدستورية، وهي متورطة في تشجيع ودعم هجوم الكيان الصهيوني على معاقل الشيعة في جنوب لبنان والبقاع وضاحية بيروت الجنوبية في تموز 2006م. ومن قبل فقد تحالفت أمريكا مع نظام البعث الطاغوتي في حربه ضد إيران وغضت الطرف عن مجازره المتتالية بحق الشيعة، ووجهت النظم التابعة لها في مصر والأردن ودول الخليج لإسناد الطاغية صدام في حربه العدوانية ضد إيران واضطهاده للشيعة. لم تستنكف أمريكا وأتباعها من الاستعانة بالإرهابيين في حربهم على الشيعة، فليس خاف على أحد مساندة أمريكا للتنظيمات السلفية في أفغانستان، ولم ينقطع هذا الإسناد بسبب حملات القتل التي مارستها هذه التنظيمات على الشيعة، وحتى بعد أن نأت أمريكا بنفسها عن نظام طالبان السلفي والمجاهر بعداءه للشيعة فقد استمر النظامان السعودي والباكستاني الحليفان لأمريكا بدعمه مالياً وسياسياً، وعلى الرغم من إدراج الحكومة الأمريكية لمنظمة مجاهدي خلق على قائمة المنظمات الإرهابية لكنها ترفض إغلاق قواعدها في العراق، وتحمل الحكومتان العراقية والإيرانية هذه المنظمة المعروفة بارتباطاتها بالغرب مسئولية القيام بعمليات إرهابية ضد حكومتي وشعبي البلدين، وبالأمس القريب سرت أنباء وتقارير عن اتصالات وتفاهمات بين حلفاء أمريكا والصهاينة في لبنان ومنظمة فتح الإسلام الإرهابية بهدف محاربة الشيعة، لكن الله جعل كيدهم في أعناقهم. يتهم خصوم الرئيس بوش داخل أمريكا حكومته بالتهاون في مطاردة القاعدة داخل باكستان وأفغانستان، وينتقدون بشده تحويله التركيز من الحرب على إرهاب القاعدة إلى مخططاته الفاشلة في العراق، ويبدوا بأن الكثيرين من الأمريكيين وغيرهم يشككون في جدية إجراءات الإدارة الأمريكية الحالية ضد إرهاب القاعدة والحركات السلفية، مما أعطاها الفرصة لإعادة تنظيم صفوفها وتجميع قواها ، وتؤيد هذه المؤشرات فرضية وجود سياسة أمريكية لبث الروح من جديد في أعداء الشيعة السلفيين في المنطقة. يستدل من كل هذه المعطيات على موقف أمريكا المعادي للشيعة، وقد بلغ ذلك العداء درجة شن حربين عليهم بواسطة النظام البعثي البائد ضد إيران والكيان الصهيوني ضد حزب الله، ولا تزال أمريكا الحليف القوي لنظامين يضطهدان الشيعة علناً هما النظام السعودي الوهابي ونظام آل الخليفة الغاصب للبحرين، فهل من المنطقي أن يفترض بعض شيعة العراق بأن الأمريكان اتوا للعراق لـ"تحريرهم" من طغيان البعث وتمكينهم من الحصول على كافة حقوقهم؟ لقد أجابت أمريكا على هذا السؤال على صعيد أفعالها في العراق بفرضها المصالحة الوطنية مع قتلة الشيعة وإجبار الساسة الشيعة على تشكيل حكومة وطنية مع قادة وحلفاء الإرهابيين، واشترطت إلغاء قانون اجتثاث البعث، وتقتل يومياً العشرات من الشيعة المدنيين، وآخر برهان على عدائها لشيعة العراق تسليح العشائر السنية المعروفة بقتل وتهجير مئات الألاف من الشيعة. أمام قادة الشيعة خياران لا ثالث لهما، أما الانخراط بصفوف المعسكر الأمريكي الذي يضم الكيان الصهيوني و"المعتدلين" المعارضين بشدة لحصول الشيعة على حقوقهم الأساسية مقابل إعطاء الشيعة دوراً سياسياً مقنناً في العراق، والبديل الثاني هو مطالبة قوات الإحتلال بإنسحاب سريع والتصدي للإرهاب وأعداء الشيعة داخل وخارج العراق بكل قوة وحزم، وكل من يقبل بالبديل الأول هو في نظري متشيع بالاسم فقط.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |