|
العراق: العملية السياسية - الشروط والإلتزامات..!؟
باقر الفضلي ((الله كتب لنا ان يأتي الامريكان والتحالف لتحريرنا من الدكتاتورية التي سيطرت علينا لعشرات السنين وقاتلنا في الجبال وفي الاهوار ولم نستطع ازاحته، كلكم تعلموا انه لم يكن من الممكن ازاحة الدكتاتورية لولا هذا التحالف الذي جاء لتحريرنا منه. ولكن بعد ذلك جرت انتخابات في العراق كلكم تعرفون نتيجة هذه الانتخابات تشكل المجلس النيابي..)) جلال الطالباني (!) "العملية السياسية"؛ هي اليوم في الميزان، وعلى الجميع أن يقول كلمته بدون مداهنة أو مواراة..! لقد كان السيد رئيس الجمهورية الأستاذ جلال الطالباني في غاية الوضوح عند إستقباله وفد التجمع الإسلامي للإصلاح يوم 8/8/2007 حينما تحدث ويصريح العبارة عن حقيقة نشوء العملية السياسية، راداّ ذلك الى جبروت الدكتاتورية وإستحالة إزالتها من قبل قوى المعارضة، فكان لابد من الإستعانة ب\"العامل الخارجي\"..! ولا أظن أن الرئيس الطالباني وحده من يقول ذلك، بل يشاركه الرأي نفسه، كل أطراف "العملية السياسية" ممن شاركوا في أعمال مؤتمر لندن – الأب الروحي للعملية السياسية - برعاية الولايات المتحدة الامريكية 13-15/12/2002 ولجنة (الخبراء العراقيين-32 خبيراّ ) التي عملت تحت إشراف لجنة خاصة من وزارة الخارجية الأمريكية للفترة (2001-2002)،. وتعزيزاّ لتلك الجهود تحقق إنعقاد الإجتماع الأول للجنة التنسيق والمتابعة للمعارضة العراقية في صلاح الدين في 26/2-1/3/2003 ..وهو آخر إجتماع للمعارضة قبل الإحتلال..!؟ ليس المهم هنا مجرد التذكير بالتأريخ، ولكن الأهم من ذلك، هو التذكير بجذور ما يصطلح عليه الآن ب\"العملية السياسية\" القائمة في العراق منذ أربع سنوات ونيف، وما ترتب عليها من نتائج وما صاحبها من تداعيات. كما وفي الوقت نفسه التأكيد على أن مظاهرها الشاخصة الآن، سبق وأن تم رسم مقدماتها وأسسها ومضامينها،ووضعت خطوطها الرئيسة وسبل ووسائل تنفيذها، منذ ذلك الحين، وهيأ لها قبل إنعقاد المؤتمر المذكور بوقت مناسب..! وليس من الغرابة بمكان، أن يؤكد الرئيس الطالباني هذه الحقيقة الآن، فإن حزبه (الإتحاد الوطني الكوردستاني) وباقي ما عرفت ب(مجموعة السته)(2) أثناء المؤتمر، وآخرين غيرهم من أطراف المعارضة الوطنية العراقية، كانوا من المشاركين وإن الغالبية من هذه الأطراف السياسية هم من المشاركين في الحكومة الحالية برئاسة السيد نوري المالكي. أما البعض الآخر من غير المشاركين في المؤتمر والمشاركين حالياّ في الحكومة "حكومة الوحدة الوطنية " وفي مقدمتهم رئيس الوزراء نفسه، فليس بخاف عليهم تفاصيل ما جرى داخل جلسات المؤتمر، وطبيعة ومضامين القرارات والتوصيات التي إتخذها، والأسس التي بنيت عليها هذه القرارات، والتي كان في مقدمتها إحتساب النسب السكانية على أسس "مذهبية وقومية" ليجري بموجبها فيما بعد، بناء الهياكل التنظيمية للعملية السياسية(السلطة) والدولة، والتي تعارف عليها اليوم ب"المحاصصة الطائفية"، كما وأنهم على إطلاع تام على طبيعة العلاقات القائمة بين الولايات المتحدة الأمريكية من جهة وقوى المعارضة العراقية من جهة أخرى، وما ترافق معها من تنسيق وتحضير لاحق..!؟ فالمشهد العراقي بكل إيجابياته وسلبياته مبني على قاعدة توافقية إرتضاها الجميع من مشاركين في المؤتمر أو ممن أسهموا فيما بعد، أو إلتحقوا ب\"العملية السياسية\" الحالية وبغض النظر عن خطأها أوصوابها ، هم جميعاّ يتحملون قسطهم من النجاح أو الفشل الذي لحق بها أو ما رافقها من تداعيات أضرت بالمجتمع العراقي، ولديهم من الوسائل والاليات الدستورية، والتي أقروها بأنفسهم، ما يكفي لمعالجة النواقص والأخطاء والإختلافات التي تجابه مسيرة هذه العملية التي أوجدوها وبعثوا فيها الحياة..! كما وللزيادة في الأيضاح؛ ولإستجلاء الحقيقة، فإن بعض القوى الإقليمية من دول الجوار وفي مقدمتهم الجمهورية الإيرانية الإسلامية كانت في مقدمة المساهمين والداعين لإنجاح المؤتمر من خلال المشاركة أو دعم ودفع قوى الإسلام السياسي للقبول بالمشاركة فيه..! كما كانت على علم، ولو إفتراضاّ، بالخطط الأمريكية المقصودة من وراء رعايتها المؤتمر..! كما هي الأخرى دول الجوار، فإنها ليس فقط تتحمل مسؤولية أخلاقية عما وصل اليه الحال في العراق بسبب من محاولاتها إستثمار الساحة العراقية، بعد إنهيار الركائز والبنى التحتية للدولة، وإستخدامها منطلقاّ لتنفيذ أجنداتها المتعلقة بالمنطقة وفي المقدمة توظيفها من أجل ترتيب حساباتها المستقبلية في رسم علاقاتها بالولايات المتحدة الأمريكية وحسب، بل وحتى التدخل السافر في شؤون العراق الداخلية بشكل لا يمكن التستر عليه..!؟ ومن هذا يمكننا القول بأن كافة القوى التي دعمت مؤتمر لندن أو ساهمت في أن يخرج للوجود، وخاصة بعض دول الجوار، كان لها مشاريعها وأجنداتها المستقبلية الخاصة من وراء تلك المساهمة، ولم يكن المؤتمر بالنسبة لها غير وسيلة لتمرير ذلك؛ وإذ هي اليوم تحاول أن تقف في منأى عن أهداف وتوجهات المؤتمر، وهي من أوائل من أيد وسهل ذلك، وإن تعلن الآن، موقف المعارضة من كل ذلك، \"منددة\" تضليلاّ بالتواجد الأمريكي وتدفع بمعاكسته مادياّ ومعنوياّ، فإنما هي بتصرفها هذا تذهب بعيداّ في التخطيط لتحقيق مصالحها بالذات، غير آبهة بما قد تسببه تلك المخططات من نتائج ضارة على مصالح الشعب العراقي نفسه، ليصبح الخاسر الوحيد في هذه اللعبة..!؟ وليس من الغفلة بمكان، أن لا يدرك المرء بواعث وأسباب ودلائل تلك اللقاءات، التي جرت وتجري في بغداد، بين الولايات المتحدة الأمريكية من جهة وبين الجمهورية الأيرانية الإسلامية من جهة أخرى ، وإرتباطها بما يجري على الأرض العراقية من نزيف الدماء..!؟؟ فإذا كانت \"حركة القوات الأمريكية"، وهي الراعية الأساسية" للعملية السياسية"، تخضع لمحاصرة الجمهورية الإسلامية على حد تعبير السيد (رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام السيد هاشمي رفسنجاني)، فكيف يكون عليه حال الشعب العراقي اليوم..؟؟! (3) أما ما تتعرض له أطراف العملية السياسية نفسها من تفكك وإنفراط في توحدها، فهو لا يعني غير تعبير عن إنجرارها وراء أجنداتها الخاصة التي دفعتها بعيداّ عن عوامل التقاءها وتوحد كلمتها، متناسية التزاماتها وتعهداتها إتجاه الشعب العراقي والوعود التي أخذتها على عاتقها في بناء عراق ديمقراطي فدرالي تعددي وفي ظل حكومة للوحدة الوطنية ذات برنامج متفق عليه..! وربما كان في حديث الرئيس الطالباني ما يوحي لأغلبية هذه الأطراف بأنها نتاج هذه العملية ومن المساهمين في خلقها وعلى مسؤوليتهم تقع تبعاتها؛ فما يجري اليوم من تفكك لعرى حكومة السيد المالكي يعكس حقيقة الصراع الدائر بين أطرافها ، والذي لا يصب في خدمة مصالح الشعب العراقي بقدر ما يعمق أزمته ويطيل أمد نزيف الدم، ويفتح الطريق نهباّ للطامعين بخيراته، الذين يجدون في هذا الصراع الوسيلة الفضلى لتمرير خططهم وتحقيق أهدافهم المرسومة..!؟ لقد أثبتت التجربة العملية للسنوات الأربع الماضية فشل الأسس التي بنيت عليها العملية السياسية الجديدة بعد الإحتلال، وان إستمرار التمسك بتلك الأسس قد أوصل البلاد الى طريق مسدود، وكل ما يطرح اليوم من سيناريوهات وحلول للخروج من الأزمة المتفاقمة، يبقى عاجزاّ عن الإيفاء بالمطلوب، طالما ظل يدور في نفس الرحاب، ويتحرك من نفس المنطلقات، ويخضع لنفس الأجندات..! فمتى ما أدركت جميع هذه الأطراف، إن حسنت النوايا، بأن جوهر المشكلة يكمن في الأسس الخاطئة التي بنيت عليها العملية السياسية، وهي ما ينبغي إعادة النظر فيه قبل غيره، وإن أصبح هذا من عسير الأمور ولكنه ليس من المستحيلات، وبعكسه فإن مقومات الفشل ستظل هي السائدة في التعامل السياسي، وإن من يدفع ثمن كل ذلك، وحده الشعب العراقي..!؟ مما لا جدال فيه، وخلال ما يزيد على السنوات الأربع، فإن كثيراّ من الدماء قد سفكت، وكثيراّ من المصالح قد أفتقدت، وكثيراّ من المصالح قد تحققت، وكل ذلك جرى ولا زال يجري، في خضم معركة قاسية دموية لا ترحم؛ يخوضها الجميع ويستمرؤها الجميع، والكل لا يرى غير مصلحته ولا يربأ إلا بنفسه، ولكن الجميع يتناسون أن هناك مصلحة واحدة لا غيرها، تجمعهم جميعاّ، وبغيابها فلا مصلحة لأي منهم؛ تلك هي مصلحة الجميع في البقاء والإحتفاظ بمصالحهم منفردين، ولا تتحقق هذه المصلحة العامة الجامعة، إلا بالتنازل المشترك من قبل الجميع عن جزء من مصالحهم الخاصة أو التريث في تحقيقها خدمة لهذه المصلحة المشتركة ودرء المخاطر القائمة والمحتملة، وبعكسه فلا سلام ولا طمأنينة للجميع، فالأخطار التي تحدق بالبلاد لا تفرق بين مصلحة زيد عن عمر، وإن الكل أمام الكارثة متساوون..!! فإن لم تقدم جميع أطراف العملية السياسية نفسها على إتخاذ إجراءات عملية مشتركة سريعة ومتفق عليها، تهدف الى تفعيل دور الشعب العراقي من خلال مؤسساته الإجتماعية المختلفة في المشاركة بالحياة السياسية؛ وأن يكن في مقدمة تلك الإجراءات؛ الإعلان والمبادرة الفورية على حل جميع التنظيمات المسلحة "المليشيات" لهذه القوى، وتسليم أسلحتها للسلطات الحكومية، وذلك ضمن إتفاق سياسي ملزم مكتوب، مدعوم ببرنامج حكومي متفق عليه يأخذ في أبعاده ومضامينه أسباب وعوامل الخروج من الأزمة بروح شفافة وعلى جميع المستويات، في إطار حكومة مهنية تأخذ على عاتقها تنفيذ البرنامج المذكور وتحت رقابة برلمانية وشعبية فعالة تشارك فيها كل أطياف الشعب من المواطنين بدون إستثناء..! إنه برنامج للخروج من الأزمة المدمرة في أطر الحياة الدستورية القائمة. وبعكسه فإن الدوران في حلقة مفرغة من الفوضى والدماء سيظل ديدن الجميع وهذا ما لا تحمد عقباه..!؟ إنه اليوم العصيب، حيث يطرح اللاعبون أوراقهم على الطاولة، ولم تعد هناك ثمة أوراق مستورة، سوى وجيف القلوب، وتلاقي العيون؛ هكذا هو اليوم حال "العملية السياسية" في العراق، أما الشعب، فقد قدم الكثير من الصبر والألم ونكران الذات بإنتظار النتيجة، فكان حصاده ما فاق كل التصورات؛ جبل من ركام الضحايا، تخفق فوق قمته راية \"العملية السياسية\"، وهي تقطر دماّ ودموعاّ وعويلاّ ودعاءّ تلتاع له القلوب..!!؟ وإذا كان \"الله قد كتب لنا أن يحررنا الأمريكان من نير الدكتاتورية\"، فلا أظنه قد كتب علينا قتل بعضنا بعضاّ حتى تقوم الساعة..!!؟ (1) http://www.sotaliraq.com/iraq-news.php?id=60939 (2) مجموعة الستة: ( المؤتمر الوطني العراقي, الحزب الديمقراطي الكردستاني, الاتحاد الوطني الكردستاني, الملكية الدستورية, حركة الوفاق الوطني, المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق)*. وهي من شكلت اللجنة التحضيرية للمؤتمر. (3) http://www.kurdistan-times.org/wesima_articles/index-20070811-28954.html * تغير الإسم الى (المجلس الإسلامي الأعلى)
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |