رحم الله الشيخ عبد الجبار الاعظمي كان بعيدا عن الطائفية وكنا ندعوه... من الضباط الاحرار

 

 

توما شماني– تورونتو/ عضو اتحاد المؤرخين العرب

tshamani@rogers.com

 شخبطة على الحائط

هذا المقال نشرته قبلا ليقيني بانه يشفي بعض الجراح التي نعانيها نحن هنا في هذه الديار التي تمنحنا العطف والتوادد في وقت يعاني فيه اهلينا واحبائنا في العراق من جراح واسى لاحد لهما، دون ان يفكر في لحظة اصحاب العمائم واللحى بانهم اذا ما تواددوا وتصاحبوا فان العراق سيسير على درب آمن يلعب فيه الاطفال والامهات والآباء والشيوخ بعطف وحنان فيمشون الطريق آمنين دون تفجير.

 جمعتني والشيخ عبد الجبار الاعظمي قبل اكثر من نصف قرن، الصحافة الاسبوعية وشارع المتنبي، وكان آنذاك شارع الصحافة والذي كان وربما ما يزال شارعا للمطابع في بغداد وهو المؤدي الى سراي الحكومة الذي كان قلعة (عصملية). وكان السراي يضم وزارة المالية، التي تقابلها متصرفية بغداد، ثم تأتي مديرية الشرطة العامة فشارع حسان بن ثابت الممتد من شارع المتنبي وسوق السراي الذي كان متخصصا بالكتب والمجلات والقرطاسية، وهو الذي يمكن اعتباره سوق الوراقين في الماضي العباسي واتذكر هناك خاصة المكتبة العصرية التي كانت مصدرا فريدا للكتب والمجلات الصادرة من بيروت والقاهرة مذ كنت تلميذا في البصرة، كنا في البصرة ننتظر وصول القطار الذي كان يحمل لنا جرائد الامس من بغداد وكأنها آخر اخبار الساعة وقبل ذلك كان القطار يستغرق 24 ساعة ليصل البصرة، حتى جاءت بعدئذ (وكالة فرج الله) التي اخذت تتولى توزيع الصحف والمجلات الاتية من البلاد العربية.

 وحيث كان شارع الرشيد الشارع التجاري لبغداد و شارع السمؤال الشارع المالي، وقد كان شارع المتنبي يدور ثم ينتهي في مقهى الزهاوي وقد كانت المنطقة مدينة صغرى هي مدينة الحكومة الا انها كان يمكن تسميتها بمدينة الصحافة ايضا فقد كانت تضم جريدة الاهالي ومقر حزب المرحوم كامل الجادرجي. وكانت تتواجد هناك (جريدة الرأي العام) التي يراس تحريرها المرحوم الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري قبل ان ينتقل الى بيت عتيق في (عقد النصارى) بالاضافة الى جرائد اخرى شهدتها العاصمة العراقية، حيث ما ان تبدا الجريدة بالصدور حتى يلحقها ساطور الغاء الامتياز من المحكمة العرفية او سيف المديرية العامة حتى اصبحت وزارة. وكانت هناك ايضا جريدة (الحوادث) التي يصدرها عادل عوني وكانت مسائية تصدر في اربع صفحات وكان اهم مافيها عمود اول على الصفحة الثانية وفيه قدح لاذع بالعديد من اعضاء البرلمان من شيوخ العشائر الذين لم يكونوا يعرفون القراءة والكتابة. ومن هؤلاء الشيخ على الشبوط من الكوت والشيخ دوهان الحسن من الحلة. عرفت الشيخ دوهان الحسن يوم كنت اعمل في الحلة فكنا نذهب الي ديوانه ليذبح لنا جدي ولنأكل القوزي، ومما ذكره يوما عادل عوني في الحوادث ان الشيخ دوهان الحسن كان مرة نائما في المجلس وعندما ايقضوه رفع اصبعه وقال موافج موافج.

 كان المرحوم الشيخ عبد الجبار الاعظمي يصدر آنذاك اسبوعيته (الثقافة الاسلامية) وكنت اصدر اسبوعيتي (الزراعة والصناعة) ثم (عالم اليوم). كان الشيخ عبد الجبار تقدميا يزوره رجال دين من السنة والشيعة والمسيحيين وكافة الطوائف وكنا من باب الجد والهزل ننسبه الى جماعة الضباط الاحرار. كان من انصار الوحدة العراقية التي اشد ما نحتاجها في هذا الظرف الدقيق الذي نمر به اليوم. كان الشيخ عبد الجبار الاعظمي (رحمة الله) على نقيض اخيه الشيخ عبد الوهاب الاعظمي الذي اوقد فتنة عمياء في عهد عبد السلام عارف ولابد ان يكون قد اوقدها بالاتفاق مع ذلك العارف لعنه الله. فقد كان الشيخ عبد الوهاب الاعظمي انذاك اماما في جامع الاورفلي اي موظفا في مديرية الاوقاف العامة ولا يعقل ان يقوم بهذا العمل الخسيس دون علم سيده عارف. اتذكره في يوم اسود وكنت جالسا كالعادة في المقهى البرازيلي القريب من جامع الاورفلي احتسي القهوة واذا بصوت الشيخ عبد الوهاب الاعظمي عبر المكروفون ينطلق في خطبة الجمعة بموعظة بداها بـ (يا عملاء الفاتيكان) والمعنى واضح فيما كان يقصده بالخطبة وهذا ما كان يريده طبعا عارف. كان الامر تحرش واهانة مدبرة للمسيحيين الا ان الامر انتهى الى ما هو اكبر فقد امتد التلاسن والهجمات بين جوامع والكاظمية والكرادة الشرقية والاعظمية بشكل سافر وعلني وبقي لفترة من الزمن حتى انتهى بمساعي الخيرين من العراقيين واشتعال عبد السلام بالنار في هليكوبتر محطمة بالقرب من القرنه شمال البصرة.

 وفي يوم استيلاء صاحب العبقرة صدام على وزارة الدفاع كنت والشيخ عبد الجبار الاعظمي جالسين في (مطبعة الشباب) الملاصقة لمقهى الزهاوي في شارع حسان بن ثابت وكنا يومذاك شريكان مناصفة قي المطبعة، وكان ذلك يوم جمعة حسب ظني وكنا نجتمع للتداول في شؤون المطبعة ونستقبل الاصدقاء واذ كنا نتسامر ونتضاحك واذا بالقنابل تتفجر في وزارة الدفاع القريبة منا فقفلنا المطبعة متسارعين راكضين الى بيوتنا، كان ذلك مايسمى بثورة رمضان حيث قضي على عهد عبد الكريم قاسم فاعدموه، تلك الحركة التي اوقد نارها عبد الناصر بتحريضات القذر الشيطان احمد سعيد في ما سمي باذاعة صوت العرب. ومالبث ان اعتقل اثرها الشيخ عبد الجبار واختفيت انا لاكثر من ثلاثة اشهر.

 ثم مرت الايام فعاد الشيخ عبد الجبار الاعظمي الى العمل في مديرية الاوقاف العامة بمساعي اخيه الشيخ عبد الوهاب ثم جاءت فترة امتلاك صاحب العفرتة صدام للعراق وهي الفترة التي شهدت استمرار الثورة الكردية ومحاولات السلام لانهائها بالنيات غير الحسنة. وفي يوم من الايام حلت فكرة جهنمية في راس صدام حيث انتقى اشخاصا لايفادهم الى كلالة حيث مقر الملا مصطفى البرزاني وكنت آ نذاك اعمل في جريدة التآخي للحزب الوطني الكردستاني، وكان من بين افراد البعثة السلمية الشيخ عبد الجبار الاعظمي واخيه الشيخ عبد الوهاب الاعظمي. وبدأت دقيقة الصفر عندما التقت البعثة الملا مصطفى البرزاني، فانفجرت احدى الحقائب المفخخة التي حملها احد اعضاء البعثة في قاعة الاجتماع فلقي حتفه كل من كان في القاعة ما عدا الملا مصطفى البرزاني وهكذا رحل الشيخ عبد الجبار الاعظمي واخيه الشيخ عبد الوهاب الاعظمي. فالف رحمة للشيخ عبد الجبار الاعظمي ورحمة للشيخ عبد الوهاب الاعظمي ان كان يستحقها واللعنة على عبد السلام عارف.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com