|
دخلت العملية السياسية الجارية في العراق منعطف خطير، وأزمة خانقة بسبب التجاذبات المختلفة للكتل الرئيسية في البرلمان، ويبدو إن الصراع أخذ أبعادا جديدة داخل الكتل نفسها أو الأحزاب المشكلة لتلك الكتل فحزب الدعوة على سبيل المثال دخل في صراعات عنيفة بين "دعاته "الرئيسين مما ينذر بحدوث إنشقاق قد يحدث إنفراجا في الصراع الطائفي والأحزاب المشكلة للائتلاف العراقي الموحد في تقاطعات وصراعات خفية وعلنية قد تنذر بانفراط عقدها رغم المحاولات لاحتواء الأزمات الداخلية لمواجهة الأعداء الآخرين فيما أخذت الخلافات الداخلية في التوافق تنذر بانشطارها أو انقسامها رغم مواقفهم الموحدة باتجاه الآخرين، والعراقية ليست بأفضل حالا من هؤلاء فالمشارب الفكرية المتعددة والسياسات المختلفة لإطراف القائمة لعبت دورا خطيرا في تذبذب توجهاتها وتقاسم الخلافات داخلها باستثناء التحالف الكردستاني الذي لا يزال قويا متماسكا لوضوح منهجه ووحدة غايته ومعرفته للهدف الأسمى الذي يسعى له،رغم ما يعتو ره من خلافات لم تؤثر على تماسكه . ولعل من المضحك المبكي أن تدعوا الأطراف المشاركة في العملية السياسية إلى معالجة وطنية شاملة بغية إشراك الأطراف الخارجة من العملية لإنجاحها متناسين أن الأطراف المشاركة نفسها لديها من الخلافات ما يجعلها تحتاج إلى أكثر من مصالحة فالمناطحة بين الكتلتين المتصارعتين وراء الإخفاقات والتداعيات في مجمل العملية السياسية لسعي كل طرف لتهميش الآخر وإنهائه وعدم توفير الجدية للبناء السليم . وتتسارع التطورات لإنشاء تكتلات وتحالفات جديدة قد لا تصب في الاتجاهات السليمة لمسار العملية السياسية لما تحوي في داخلها من تناقضات فهي لا تختلف من حيث الجوهر عن المبادئ السابقة التي قامت عليها العملية السياسية بعد السقوط، ومجرد أبعاد أطراف وتهميش أخرى مما قد يحمل في داخله تداعيات جديدة مضرة بالعملية السياسية لذلك يتطلب الأمر حلولا جذرية بدلا من الترقيعات الجارية، وهذه الحلول تحتاج لقرارات جريئة ليس بوسع الأطراف الحالية اتخاذها أو في نيتهم العمل بها فالكتلتين المتناطحتين والتحالف المتفرج والعراقية المهمشة لا يزالون ينتظرون معجزة من السماء للخروج من هذا المأزق، أو تدخل أمريكي مباشر يسوق هذه الأطراف إلى جادة الصواب، فإذا تركت الأمور لتصوراتهم فستظل الأمور تراوح في محلها دون إيجاد أي حل جذري فالقادة الأبطال إذا ادلهمت الأجواء وهبت العاصفة يتحصنون في المنطقة الخضراء أو يسكنون الدول المجاورة لإدارتها من الخارج تاركين الأمور لمعالجات آنية تزيد من المشكلة دون أن تعالجها، ففي هذا الظرف العصيب الذي يمر به الوطن وجل القادة الكبار يستلهمون العون من الخارج، وكلٌ ذهب إلى سادته يلتمس النصح والمشورة، تاركين الأمر للقادة المكبلين الذين لا يستطيعون اتخاذ قرار وقد مضى أكثر من شهرين ووسائل الإعلام تعلن عن قرب وصول زعيم كردستان إلى بغداد لعقد الاجتماع الخماسي لتقرير المصير ولكن لم يجر هذا اللقاء بل إن القادة في سفر دائم تاركين الشعب لمصيره يئن تحت سطوة الإرهاب الأعمى الذي أوجده هؤلاء الزعماء . إن أمام القادة العراقيين في هذا الظرف العصيب إما الاتفاق على ثوابت توافقية لإخراج البلاد من أزمتها، ونبذ المحاصصات المقيتة التي أثبتت ضررها خلال الأعوام المنصرمة أو الاكتفاء بالأرباح المادية الهائلة التي جنوها خلال هذه السنوات وترك الساحة السياسية والانصراف لتجارتهم وإدارة أموالهم خارج العراق أو قيام الجانب الأمريكي الذي يمتلك جميع خيوط اللعبة باتخاذ الإجراء الحاسم الذي يعيد الأمور إلى نصابها بتشكيل حكومة تكنوقراط بعيدة عن التخندق المذهبي والقومي وجلب قوات دولية لضبط الحدود وتصفية العناصر المسلحة بغض النظر عن دينها أو قوميتها وبناء قوات وطنية جديدة تكون القوات الحالية بعد تنقيتها نواة لهذا الجيش، وأحب إثارة نقطة لا أعتقد إنها خافية عن الجميع ،إن ما يسمى بالاختراقات، أو العناصر الموالية لجهات أخرى، إذا وجدت إن هذه الجهات قد فقدت سلطتها، فسوف توالي السلطة الجديدة بغض النظر عن توجهاتها فالعراقي بطبيعته مع السلطة القوية أو الجهة المهيمنة التي توفر له الدعم والإسناد، وليس عقائديا مؤمنا بفكر أو توجه، والأدلة على ذلك كثيرة ،فعندما تولى الدكتور علاوي رئاسة الوزراء ،كانت القوى الأمنية من جيش وشرطة مؤيدة له ملتزمة بأوامره، وقد أعطته أصواتها في الانتخابات الأولى بعد أن منحهم زيادات شهرية، وعيديات وإكراميات، وعلى هذا سواد العراقيون ، يلهثون وراء المادة أيا كان مصدرها ولا يعنيهم نوع الحاكم إذا وفر لهم ما يعينهم على الحياة، وهيأ لهم وسائل العيش الكريم، ولهم القدرة على صناعة الحاكم المستبد والدكتاتور المطلق، فهم يردسون لكل من يعطيهم أو يلمسون فيه قوة واقتدارا، والشواهد التاريخية على ذلك كثيرة ،لذلك فإن تشكيل حكومة شريفة قوية وليست كالحكومة الأولى التي شكلها بريمر وضمت في صفوفها الكثير من النفعيين والانتهازيين واللصوص، تستطيع هذه الحكومة السير بالبلاد إلى الأمام بعد أن توضع المبادئ التي لا تلائم العراقيين على الرفوف العالية، فلم يكن العراقيين في يوم من الأيام طائفيون أو متعصبون في أديانهم ومعتقداتهم ولو سبرنا أغوار المجتمع العراقي، لوجدناه شعب أكثر علمانية من العلمانيين، ولكن هيمنة رجال الدين التي أوجدها صدام، وأفرزها الاحتلال الأمريكي هي التي جعلت الناس يركضون وراءهم بعد أن أصبحت بأيديهم مقاليد السلطة والتحكم بالمجتمع . إن العراق في الوقت الحاضر بحاجة إلى حكومة قوية ليست لديها توجهات طائفية أو قومية، مسندة بقوات عسكرية لا تؤمن بطائفة أو قومية، بل تؤمن بالعراق وواجبها المهني الذي وجدت من أجله، فالقوى الأمنية عليها توفير الأمن لا حماية هذه الطائفة أو تلك أو تبني قومية دون أخرى، واختيار قوات على هذا الأساس كفيل بحل الكثير من الإشكالات التي نعاني منها وأهمها المحاصصة الطائفية التي أوصلت البلاد إلى الهاوية . وإن فتح صفحة جديدة من العلاقات بين الأطراف العراقية دون النظر إلى الماضي وملابساته الخطيرة وإنجاح مشروع المصالحة الوطنية الحقيقية، بعيدا عن المؤتمرات الكاذبة، وتفعيل القانون، وإعطاءه دورا بعيدا عن القرار السياسي، سيعيد الأمور إلى نصابها ، ويسرع في إعادة الاستقرار فالمعادين للعملية السياسية أثبتت الأعوام الأربعة قدراتهم الكبيرة على إعاقة البناء وعلى الآخرين الاعتراف بهم والتعامل معهم إذا أرادوا النجاح أما إغماض العين عن الوقائع ،والاتكاء على الاسطوانات القديمة، ونظرية المؤامرة التي يبررون بها فشلهم ،فهذا لا ينطلي على الشعب وجميع العراقيون يدركون دواعي الفشل وأسبابه ومن يقف ورائه، فالتدخل الإقليمي والفساد الحكومي والمحاصصة وهيمنة الجماعات المسلحة والتهميش والإقصاء وامتلاك المطلق وأمور أخرى وراء الإخفاقات التي تعاني منها العملية السياسية وعلى الجميع إدراك هذه الأمور لتلافيها والسير بالبلاد بطريق سليم بعيد عن التعرجات التي رافقت الأعوام الأربعة وسيكون للشعب كلمته ولو بعد حين .
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |