|
بعد التغيير السياسي الذي حصل في العراق وانهيار نظام الحزب الواحد المستبد المتفرد بالقرار والذي حكم وفق مبدأ من لم يكن معي فهو ضدي ، ابتدأت مرحلة سياسية جديدة ونظام حكم لم تشهده المجتمعات العراقية سابقا . فقد انطلقت الحريات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية التي انتجت التعددية الحزبية التي جاءت بأحزاب وحركات ومسميات لم تك معروفة قبل الان . إلا اننا ومن خلال مجريات الاحداث التي تلت التغيير أي منذ بداية تشكيل مجلس الحكم ولحد هذه الحكومة المنتخبة لم نر ما يوحي بان تلك التعددية قد جاءت بايجابيات للواقع العراقي بل العكس وان سياسيينا (الجدد) لم يكونوا بمستوى المسؤولية الكبرى التي تنتظر هم فلم يعتبروا بالأحداث الماضية ولم يستفيدوا من تاريخ الانقلابات التي مر بها العراق . لقد رأينا تخبطهم منذ اجتماعاتهم الاولى مع الحاكم المدني بريمر وكيف كانوا يتسابقون على ارضاءه وإرضاء الادارة الامريكية حتى لو لم تتماشى افعالهم مع مبادئهم! لقد كان جل همهم هو تقاسم ما يسمى بالكعكة العراقية الكبرى حتى لو تقاسمها معهم البعثيون الذين عادوا الى الواجهة بأسماء وأثواب وصفات جديدة اتخذت من شعار المقاومة لباسا لها لتقنع الجهلاء والسذج العرب بعدالة قضيتهم ونبل مطالبهم. وبدأ هؤلاء يحوكون المؤامرات على الحكومة والشعب وساستنا نائمون في العسل ولا يعلمون ماذا يخبئ لهم اولئك الذين تعودوا الغدر طيلة حياتهم (وهذا الخطأ الاكبر في حكم الجعفري). فالضغط مستمر والتنازل من قبل الحكومة مستمر ايضا حتى بلغ حده الغريب العجيب حين تنازلوا عن حقهم الدستوري في ترشيح الدكتور الجعفري بسبب اعتراض عدنان الدليمي وخلف العليان ومحمد الدايني الذين تمتلك حكومتنا (الرشيدة) ادلة دامغة على تورطهم في القتل والتفجير والتهجير الطائفي!! وتستمر سلسلة التنازلات من قبل (قائمة المرجعية) ويتغير الدستور (الدائم) ويعاد اعضاء البعث الكبار ورجال الامن والمخابرات وفدائيي صدام!! ويتم تسليح العشائر السنية المعروفة بعدائها للشيعة وإتباعها الاعمى لصدام ويسحب السلاح من القوات الامنية (الشيعية) وتلقى جميع تهم التفجيرات والقتل على جيش المهدي وفيلق بدر الذين تعتبرهم الادارة الامريكية منظمات ارهابية! كل ذلك يحدث وحكومتنا (العجيبة الغريبة) لا تتخذ أي اجراء بل ان افضل ما تفعله هو الاعتراض الخجول على تلك القرارات الامريكية المرسومة والمدروسة . كيف دخل البعثيون الى احزابنا؟ لقد حذرنا منذ الايام الاولى (للعهد الجديد) من عصابة البعث وكررنا التحذيرات والنصائح في غير مناسبة، إلا اننا اسمعنا ان نادينا احياء ولكن الظاهر ان من ننادي لا حياة لهم وللأسف الشديد. لقد اوضحنا ان الشعب العراقي وعلى مرور فترة حكم البعث عانى ما عانى من ذلك النظام الجائر الذي مثلناه بالجرباء وقلنا لا تربطوها بالقرب من الصحيحة خوفا على تلك الصحيحة من الجرب ، وللأسف بدأت فعلا تلك الجرباء تلملم (اعضائها) المتناثرة والمتبعثرة هنا وهناك بعد ان كانت تعتقد ان هناك زلزالا مدمرا سيصبه الشعب العراقي ضدها، ولكن حدث ما لم يكن متوقعا وان شيئا من ذلك لم يحصل وطبق الشعب كعادته شعار عفا الله عما سلف الذي دمر العراق ايام الزعيم عبد الكريم . نعم لم ينتقم الشعب ولم يثأر للدماء والأحزان والدموع والآهات التي زرعها البعث الفاشي في كل بيت لأنه ببساطته المعهودة وسذاجته اللانهائية صدق وعود الساسة بان الانتقام سيكون عبر القانون فشرعوا قانون حماية البعثيين وأسموه اجتثاث البعث كذبا وزورا مضاف الى ذلك الفتوى التي اطلقتها المرجعية العليا بضبط النفس والهدوء وعدم الانتقام والثأر!! فكان ذلك مدعاة للتحرك بحرية اكثر والعودة الى ممارسة النشاطات السابقة بدون خوف او قلق فالشعب يتبع مرجعيته ويحترم القانون اذا لا خوف منه اطلاقا . وبمباركة وتوصيات من قادة تلك الجرباء بدأ اعضاؤها يتسللون الى داخل الاحزاب والتيارات والحركات الاسلامية منها والعلمانية وبدون قيد او شرط بعد ان شرّعت تلك الاحزاب ابوابها لاستقبال عناصر البعث (المظلومين) او من يحملون الكارت الاخضر او لان ذاك الحزب او هذه الحركة تخشى ان يذهب هذا العضو البعثي الى غيرها فتخسر صوتا في الانتخابات (وهذا هو المهم) بل ان بعض الاحزاب تشكلت اساسا من مجموع ابناء البعثيين السابقين الذين عرفوا كيف ومن اين تؤكل الكتف فبمجرد ان تصلي ركعتين خلف امام ذاك الحزب او ان تحضر ندوتين لتلك الحركة فقد اصبحت احد ابرز الاعضاء بل انك ستكون مرشحهم لمجلس المحافظة او مجلس النواب او حتى رئاسة الوزراء!! ومن هنا ابتدأت الخروقات والاختراقات في صفوف اغلب الوزارات وأهمها بطبيعة الحال الدفاع والداخلية، وصرنا نجد ان ضباط الجيش والشرطة هم الممولون والمنسقون للعمليات الارهابية التي حدثت ولازالت تحدث في العراق حتى وصل الامر ان اخترقت عملياتهم اكثر المواقع تحصنا وشاهدنا كيف تمت عمليات اغتيال قادة سياسيين ودينيين كبار ومن ابرزهم رئيس مجلس الحكم السيد عز الدين سليم ورئيس المجلس الاعلى للثورة الاسلامية السيد محمد باقر الحكيم ومجموعة من امراء وقادة الجيش والشرطة . اضافة الى استهداف مقرات مهمة ومواقع غاية في التحصين كمجلس النواب ومجلس الوزراء والوزارات وبيوت الوزراء وغيرها، وطبعا اغلب تلك العمليات تمت بواسطة زراعة عناصر من النظام السابق في جميع مفاصل الدولة وعن طريق قادة وسياسيون كبار في الحكومة لعدم وجود مراقبة او مساءلة حول تلك العناصر وكيفية دخولها وما الذي اوصلها الى مواقع مهمة كهذه!! ان الخطأ والخلل الكبير الذي يرافق الانظمة الديمقراطية هي عدم قدرتها على محاسبة المتهمين او المشبوهين إلا بطرق ديمقراطية واحترام حقوق الانسان وغيرها من الاساليب التي لا تنفع مع مجتمعات ينخر في جسدها الارهاب من كل مكان فالحكم الديمقراطي لا يؤسس ولا يطبق إلا مع شعب او مجتمع يعرف ماهيته ويدرك قوانينه ويفهم ما له من حقوق و يعلم ما عليه من واجبات وهذا لا ينطبق بتاتا على شعب العراق الذي ارضع الدكتاتورية منذ ولادته ولم يعرف ولم ير ولم يسمع بأي نظام اخر فقد كان حبيسا في سجن كبير سمي (العراق العظيم). لقد استغلت قوى الشر من الدول العربية ذلك النظام (وتساهله مع المجرمين)فبدأت بمحاربة الحكومات المتعاقبة والعملية السياسية برمتها واستخدمت جميع الوسائل لتجهض جنين الديمقراطية في الدولة العراقية الجديدة ومن اهم تلك الوسائل طبعا هو الاعلام الذي استخدمته بصورة قبيحة لا تمت للعمل الصحفي بأية صلة وحكوماتنا غارقة بمشاكلها الداخلية ولا تعلم ماذا يخطط العربان من وراء الحدود . بدأت تلك الدول (الشقيقة) ارسال العديد من قوافل الهمج الرعاع المفخخين بكل حقد الشياطين على بني آدم والمحملين بآلاف بل ملايين الدولارات لمن يؤويهم حتى ينفذوا ( جهادهم المزعوم) وهنا برز دور اعضاء الجرباء (البعث) وأيتام النظام البائد فكانت صفقة مربحة لم يكونوا ليحلموا بها يوما حتى مع سيدهم جرذ العوجة (الذي اذاقهم الذل والهوان). فمن العرب يقبضون الاموال الطائلة ومن حكوماتنا ( المتسامحة) مصالحات تسرق من حق الشعب الذي يتحسّر على ما يحدث والأرامل والثكالى والأيتام لازالت تبكي قتلاها الذين لم يعثر على مقابرهم لحد الان ولم يخصص لهم حتى شهادة وفاة فضلا عن اية امتيازات اخرى. هكذا استغل البعثيون ضعف وتساهل حكوماتنا خصوصا حكومة المصالحة وكذلك استغلوا الغباء والنفاق السياسي لبعض الاحزاب فأصبحوا هم الحكام مرة اخرى وهم الذين يفرضون الشروط على ( مجاهدينا) وهم من بيده الحل والعقد وسط ذهول ابناء الشعب المظلوم الذي انتظر طويلا يوم محاكمتهم جميعا وإنزال القصاص العادل بهم (كما وعدت المرجعية ووعدت الحكومة) الا ان شيئا من ذلك لم يحصل فلم نكن بقدر المسؤولية ولم يكن ساستنا (القادمون) (الحالمون) ( المرتاحون) بمستوى جهاد المجاهدين وتضحيات الاولين فقد جاؤوا ليأخذوا منا لا ليعطونا. لكنهم... في نهاية الامر... راحلون .. ما دامت الجنسية الثانية سالمة ومحفوظة ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |