الله لا يجعلها شماتة يا قيادات الحزب الشيوعي...!

 

 

محسن الجيلاوي

Mohsen_Khashan@hotmail.com

لقد دوختنا قيادة الحزب الشيوعي أواسط السبعينات بمذكرات بهاء الدين نوري (أيام صعبة)، ورغم أن بهاء الدين نوري شخصية لا تختلف عن باقي قيادات الحزب الشيوعي بذلك التاريخ المشترك من الاستهتار بمصير الناس والوطن لكن وللحق يختلف عنهم كونه شخصية غير تقليدية، تحب المغامرة وعدم الثبات والمكر السياسي لهذا ممكن تصديق بعض النتف من مغامراته ودونكوشياته التي سطرها والتي تُوصف (أيامه النضالية) نهاية الأربعينات من القرن الماضي..لكن ما ان اختلف بهاء الدين نوري مع الحزب حتى كذبوها جملة وتفصيلا وكنت أسمع في كوردستان التهكم والاستهزاء بكل ما جاء فيها...واليوم تتكاثر علينا المذكرات من قيادات الحزب السابقة والحالية وجميعها تشترك في شيء مضحك واحد هي البطولة الفردية التي تسمو فوق الجميع كونها الوحيدة التي صنعت مجدا أبيضا وكل ما فيها يتماهى مع أيام صعبة والتأمل فيها يكتشف بسهولة كونها تستهزئ في المقام الأول بعقول الناس حيث الوقائع تدل على فشل الحزب في كل سياساته السابقة والتي ساهمت ببروز أنظمة دكتاتورية منذ ما يسمى ثورة 58 التي جلبت عقلية الثكنة التي داست ولزمن طويل على حرية وكرامة أمّة بشكل عجيب واستثنائي حتى سقوط النظام ومجيء الاحتلال..ولو كان هؤلاء كما تصف المذكرات والمناقشات الجارية بينهم بهذه الشفافية وبهذه الروحية وبهذا الصدق وبهذه الانتصارات التي صنعوها لأنفسهم وبهذا المجد الفارع فمن أين جاءت إذن كل هذه الانتكاسات المتلاحقة وذلك الإفراغ للناس؟ وأنا لا أتحدث عن الفكر فقد أثبتت الحياة فشله بشكل مؤكد...ولكن أقصد الهزائم السياسة والممارسة العملية التي أدت إلى خداع الناس عبر تاليه القتل والقاتل وبالتالي قيادة كان همها الحفاظ على المراكز التي كانت (بوجود ما يسمى المنظومة الاشتراكية) تدر ذهبا لهم ولعوائلهم وعشائرهم وبالتالي اللعب بمصير أحلامنا ودماء شبيبتنا التي ذهبت بحروب وتحالفات العبث لهذا الحزب المسروق من شلة لا تعترف بأي معايير وسلوك يجعل من احترام البشر فوق كل القضايا والمشاريع...فبدل المحاسبات المطلوبة عن دماء سفحت غدرا وعبثا نتيجة أخطاء قاتلة وبؤس تحليلات جوفاء، مثل دور البرجوازية ودفعها للأمام، التطور اللاراسمالي، التحالفات نرى هؤلاء يخرجون دوما ببضع وثائق انشائية عن الخطا الذي حدث مع بعض جمل خرقاء من أن الحزب سيعود أقوى واشد عودا ولكن تحت قيادتهم بالضرورة لأنهم وحدهم الذين سيرسمون خطى الانتصارات القادمة ولكنها كانت كالسراب فشل بعد فشل وباقتدار عجيب....!

ولكن ما أن يختلفون مع بعضهم البعض وليس كما يشاع صراع بين يسار ويمين فشكل هكذا صراع يحتاج إلى عمق فكري وسياسي وقدرات من الجدل الواضح وهو ظاهرة صحية مطلوب إنمائها والمحافظة عليها كما في سائر أحزاب هذه الدنيا بل على المراكز والنفوذ حتى نجد كل ذلك الصدأ والزيف وذلك التاريخ الأسود والاتهامات المتبادلة والشتائم وتلك العقلية الرخيصة والساذجة التي يعجب المرء كيف من غفلة من هذا الزمن استطاعت أن تقودنا وان تتحكم بعقولنا ودمائنا كل هذا الزمن الطويل وبالطبع كنت أنا واحد من هؤلاء الذين انطلت عيهم لعبة الايدولوجيا ورجالها المنضبطون في الصرامة والأحاطة بهالة من الغلو الممسرح على أنهم صفوة جاء بها عقل الحزب والشعب والوطن لكي تقودنا إلى أياما زاهية من شيوعية توزع حتى شيف البطيخ بالتساوي وهم وزعوه دائما وأخيرا أيضا في التقاعدات ومخيلة الرتب التي باضت دولارات.. معترفا أن اكتشاف خفايا هذه اللعبة المميتة يحتاج إلى زمن وعوامل داخلية وخارجية تساعد على التخلص منها وبالتالي جعل المصير الإنساني رهن عقلية تفكر وتحدد الأشياء بشكل مستقل وحر وهذا ما كان يشغل على تغييبه رجال الأحزاب التلوتارية فهم أميون في مناحي عديدة ولكنهم بارعون وذوي إمكانيات عالية مكرسة في نقطة واحدة جعل البشر كقطعة من مكوناتهم الخاصة يلهون بها كما يشتهون ويأمرون...ولكن ما أن دخلنا إلى عمق هذه اللعبة الساذجة حتى اكتشفنا أن هذه المساواة والحرية والوطن والإنسان إلا شعارات تداس بقوة وسط من يفترض انه مركز إشعاع للناس على ذلك المتخيل من مجتمع عادل ومثالي قادم...كان الشيوعيون في مستوى حلم أجيالهم الأولى يكسبون الناس على مثالهم الأخلاقي..ولكن في تقادم الزمن تعزز مفهوم السلطة، والسلطة تفسد الأخلاق والذمم والضمائر وهذا ما حدث بفعل تراكم التاريخ ومعها الخبرة للمتحكمين بمصيره كشكل من الأحزاب التي ضاع فيها النقد والصرامة في تحديد المسؤولية التي ضيعت أهم مادة للتقدم وللحرية إلا وهي البشر الموضوع الذي لا يمكن المساومة عليه وفق أي معايير وقيم دينية أو دنيوية...!

في أيام معدودة قرئنا شتائم أطرافها من هذه القيادة (عادل حبة، جاسم الحلوائي، كاظم حبيب، ارا خاجدور، باقر إبراهيم ومعها مذكرات لعبد الرزاق الصافي وقبلها للمرحوم زكي خيري وعن مذكرات للقريب من التاريخ عن الأنصار وحركتهم..الخ) وتحقق ما كنا نمزح فيه أيام كوردستان من أن(المعلومة أم الفلوس اليوم ستصبح غدا ببلاش) ها هم يوزعون علينا عقليتهم وطرق تعامل بعضهم البعض وليعرف الناس من هذا (المال حملنا جمال)، هؤلاء على بعضهم بهذه العقلية فكيف مع بسطاء الحزب أو من الذين أقل متهم موقعا وشانا حزبيا...؟؟؟!!

  أنا شخصيا لا استثني أي واحد من هؤلاء فكل المذكرات تحاكي أشياء حكم عليها التاريخ بالنهاية ولم يعد من خزعبلات مثل حل الحزب أو جماعة راية الشغيلة أو الى الأمام أو الى الفوق أو عن السجون والبطولات والأمجاد فكل هذه الأشياء تتبخر في الاختلاف بل تتحول الى تهم من أن فلان كان موقفه ضعيفا في السجن أو إنهار أنهم يطمطون على فضائح بعضهم البعض طالما هم في كنف البحبوحة لكن ما أن يختلفوا على تقاسم الغنائم حتى تتعالى صيحات الشتائم وفضح المخفي عبر استخدام دلالات التاريخ الحزبي المشترك وهو لازال أعظم، ولكن مذكراتهم ومعاركهم تعطينا مادة دسمة عن الشكل القيادي الذي كان سائدا ولازال..فبطل التطور اللارأسمالي أصبح يشتغل على مفهوم بعيد عن الوطنية والآخر كان يبيع الزمالات للمهجرين في إيران والاخر كان بيته مقر لأخيه رجل المخابرات القادم من العراق ومعها تتسرب وثائق المنظمة الحزبية ولسنوات طويلة الى السفارة العراقية وشخصيا صدمت عندما وصلت بلغاريا عن تناول القاعدة الحزبية لذلك ولكن دون أي إجراءات تذكر، والآخر الذي أصبح ثوريا اليوم أراد أن يسلم العوائل الأنصارية الى إيران بل سلم البعض منهم، ليست المشكلة لدي من الذي يوصف اليوم كونه معادي للحزب أم معه..جميعهم في المركز الحزبي كانوا رواد في خنق الحرية وأي حوار فكري حقيقي وأي شكل مبادر وأي نفس يفكر بشكل متقدم عليهم لهذا أصبح توارث النهج والمواصفات القيادية ومعها شكل مشترك أخلاقي وتفكيري متشابه ويُورث..والمضحك المبكي عندما يُحمل أكثرهم باقر إبراهيم مسؤولية التحالف مع البعث، كيف استطاع شخص بمفردة من جعل طاقم قيادي كامل (أطرش بالزفة)؟ أليس ذلك دليلا على فقر سياسي حقيقي وأين كان دور السكرتير السابق للحزب يا ترى والذي كان يعتقد انه مالئ الدنيا وشاغل الناس ولكن بغياب المركز عنه ومنه تحول الى كويتب في مكتب لأحد القوميين الجدد..؟

لم يعد لهذه القيادات سوى هذه القصص من الخرافات في محاولة لإعادة تبييض ماض هش أنتج لنا ناسا يتراكضون وراء الأضواء وراء مستشاريات لصاحب هذه السلطة أو تلك، لتزعم منظمات أو امتهان صحافة المذكرات عسى أن تديم الجاه والوجاهة..ولكن ذلك لم يعد ينطلي على الناس كما سالف الأزمان..فالحياة ومفرداتها وأفقها في المعرفة والتحليل قد تغيرت عميقا..ولكني أقول غير متردد تشفيا مع هكذا صنف من البشر مزيدا من نفض ماضيكم وكلها ستصبح مثل أيام صعبة مجرد كتب لا يذكرها أحد وان ذكرت ففي محل تهكم وازدراء من قبل الأجيال القادمة.. تلك هي حوبة الشهداء وذوبهم وأحلامهم وعذاباتهم التي ضيعتموها بتلك الأفكار والرؤى والمغامرات العقيمة...! 

إن كتابة التأريخ والحديث عن الماضي في الشأن السياسي أو غيره يحتاج إلى صدق وأمانة وحيادية وعقل منفتح وثقافة عالية تقوم على ذكر الحقائق بشكلها الذي جرى وبعيد عن التسييس الساذج..فملايين من كتب السيرة كتبت ولكن لم يبقى منها إلا ذلك القليل الذي أحترم عقل الإنسان والذاكرة والشواهد والذي كُتب بثقافة ترنو إلى خدمة القادم وهذا بعيد كليا عن شكل هذه المذكرات البائسة وعن عقلية كتبتها..!

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com