|
في كل يوم يطلع علينا مسئول حكومي رفيع، بأن حكومته قد عقدت اتفاقيات مع دولة من الدول لتدريب القوات الأمنية،وزيادة قابليتها على الدفاع والمناورة،وأساليب القتال الحديثة،على أحدث ما وصلت إليه الدول المتقدمة في الفنون القتالية،وأبرمت صفقات مع شركات عالمية لتوريد الأسلحة المتطورة،وتجهيز قوى الأمن،والقوات المسلحة بأحدث التجهيزات العسكرية،وآخر ما وصل إليه العلم العسكري من تطور في ميدان التجهيز،ويطلع علينا خبير في وزارة الدفاع ليقول لنا أن وزارته استوردت أجهزة متطورة لكشف العبوات الناسفة والسيارات المفخخة،وأن العمليات الإرهابية ستنخفض إلى أدنى مستوياتها في الأيام القادمة،ويصرح رابع بأن المدرعات الحديثة المستوردة من أميركا لا تؤثر فيها الأسلحة الموجودة لدى الإرهابيين،وبين هدير التصريحات،وما عليه الواقع،ضاعت الحقائق،فلا ندري هل نصدق ما يقوله المسئولون ،أم نصدق ما نراه بأعيننا من أعمال إرهابية لم تستطع القوى الأمنية لجمها وكبح جماحها،لقد عملنا في القوات المسلحة،وخضنا الحروب والمعارك،وعرفنا أن السرية في أعداد الخطط،وفي أنواع الأسلحة وأعدادها،وماهية التجهيزات العسكرية،فقد منع العسكري أيام زمان من التصريح باسم وحدته،وأستعيض عنها برقم رمزي،ومنع العسكريون من وضع العلامات التي تميز صنوفهم،خشية معرفة الجواسيس بأنواع الوحدات المرابطة في المناطق الساخنة،وفرض على الجيش نوع من السرية كان له أثره في التعمية على الأعداء،ولكن ربما تطورت الجيوش في القرن الواحد والعشرين،وأصبحت العقيدة الجديدة للجيوش النظامية،الإعلان عن أسلحتها وخططها،فقبيل البدء بخطة فرض القانون بشهور،طبلت وسائل الأعلام عن بدء تنفيذ خطة جديدة،عين ألأسبوع الأول لتطبيقها،والساعة المحددة للمباشرة بها،وهذا لعمري من أعجب العجب،فلو كنت إرهابيا،وعلمت أن القوى الأمنية أعدت خططها لمحاربتي،لاختفيت حتى مرور العاصفة،وأعددت ما يمكن أعداده لمواجهة الهجوم،ولعل القادة العسكريين قد ابتدعوا عقيدة جديدة في التخطيط والعمليات بالإعلان عنها،ناسين أو متناسين أن عنصر المباغتة هو الحاسم في كسب المعركة،ولا أدري أين هي الخبرات المكتنزة لقادتنا العسكريين،وأين درسوا العلوم العسكرية،وكان عليهم إفهام القادة السياسيين بخطورة التصريحات الدعائية في أنجاح الخطة العسكرية،لأن معظم قادتنا الحاليين،ممن لم ينخرطوا في القوات المسلحة،وجلهم أن لم يكن أكثرهم يجهلون السياقات العسكرية المتبعة في قيادة العمليات،وأكثرهم لم يخدم في الجيش أو كان هاربا من أداء خدمة العلم،ولعلهم تصوروا أن مجرد الإعلان عن وصول سلاح جديد،أو عن قيام عملية عسكرية واسعة،سيجعل الإرهابيين يلقون بأسلحتهم ويعلنون استسلامهم ويتركون ساحة المعركة،كما فعلوا هم أيام البعث الفاشي. ولا أدري ما هو موقف وزير الدفاع،العسكري المهني المحترف،الذي تدرج في سلم الرتب العسكرية حتى وصل إلى رتبته الحالية،وعمل عندما كان ملازما آمرا لفصيل،وتدرج حتى وصل إلى رتبة أمير لواء،ويتناسى أبسط ما تعلمه في حياته العسكرية،وينساق خلف السياسيين الذين يجهلون هذه الأمور. أن من يتحمل مسؤولية هذا التخبط إضافة للسياسيين القادة العسكريين الذين تناسوا القيم والمبادئ الأصيلة للجيوش،وتركوا الحبل على الغارب لمن هب ودب،أن يدخل صفوفهم ويمنح من الرتب،ما يجعله متحكما بمصير المئات من الجنود،رغم عدم تخرجه من كلية عسكري’،أو يدري ما هي العسكرية،ولكن زكاه من لا ترد شفاعته،وأهله من وجبت طاعته،فامتلأ الجيش بالكثير من مزوري الرتب والشهادات الذين جلبوا معهم كل الأمراض الوبيلة التي أبتلي بها العراق،ولا يصلح أمر القوات المسلحة العراقية،إلا العودة للأنظمة والقوانين العسكرية القديمة،في الطاعة،والضبط الحديدي والنظام لأنه عمود الجيوش ،وأن تطهر القوات العسكرية من العناصر الدخيلة الجاهلة التي أهلتها ارتباطاتها السياسية الوصول لهذه المكانة. وأحب أن أهمس قليلا في آذان السادة السياسيين،أن البطولات الزائفة التي ينسبونها لأنفسهم قد توصل العراق إلى كوارث أكثر من الكوارث التي هو عليها الآن،فقد خرج أحد القادة الجدد قبل أيام في قناة الحرة،وقال متبجحا،أن حزبه العتيد كانت له مليشيات وفيرة العدد،قاومت السلطة الصدامية،وقد حلت هذه المليشيات بعد سقوط النظام،وللأمانة والتاريخ أبين أن حزبه العتيد،عندما اتفقت المعارضة العراقية على فتح مكاتب لها في الشمال،لتنسيق عملها لم يستطع حزبه المناضل توفير أكثر من ثلاثة أشخاص أفردت لهم غرفة في قواطع الأنصار،ثم انسحبوا بعد أيام،ولم يكن لهم أثر أو وجود في أي من العمليات العسكرية التي خاضتها المعارضة العراقية. أن هذه المواقف العنترية تذكرني بالحكاية الشائعة التي تقول ،أن هناك رجلا أسمه أبو عليان كان يمتلك(جراز)هراوة من النوع الجيد،وكان يدهنها كل يوم بالزيت حتى يقوى عودها فلا تتهشم عند المنازلة،فقالت له زوجته،إذا بقيت كل يوم تأخذ من زيتنا فسوف لا تمضي أيام حتى ينفذ ما لدينا من زيت،وكان يخرج كل يوم بحجة السرقة،فينتبذ ركنا يختبئ فيه،ويعود في الصباح التالي خالي الوفاض،وقد عرفت زوجته ذلك،وأنه يتظاهر أمامها بالشجاعة والأقدام ،وذات يوم أمطرت الدنيا مطرا غزيرا،فقالت له اليوم يومك يا أبو عليان،فلا يخرج غيرك في هذا اليوم الممطر وستعوض علينا الأيام السابقة،،فأخذ هراوته التي يسميها المدهون وخرج وهو يقول سترين مني الأعاجيب،وسوف أجلب لك الكثير من الغنائم،وبعد خروجه بقليل ارتدت ملابس رجالية،وأحكمت لثامها،وأخذت عمود خشبي كبير،وسلكت الطريق الذي سلكه زوجها،فلحقت به ورأته خائفا يتلفت ذات اليمين وذات الشمال،وقد أخذ منه الخوف مأخذه،فصاحت به طالبة منه الوقوف،وضربت الأرض بعمودها،فأخذ يرتجف من الخوف وسقط سلاحه من يده،فأخذته وطلبت منه أن ينزع ملابسه فأخذتها وتركته يرتجف من الخوف والبرد،وعادت إلى البيت،وبعد قليل طرق الباب فسألت عن الطارق فقال لها أنا أبو عليان،فقالت له أبشر بماذا أتيت،قالت(أجيت معره)ففتحت له الباب وسألته عن الحال،فأخبرها أن أكثر من ثلاثون شخصا قد هاجموه وعندما ضربهم بهراوته انكسرت وأخذوا ملابسه،لأن الكثرة تغلب الشجاعة،فقالت لقد رأيتهم وهم أقل من العدد الذي ذكرت،فقال لها أنهم كثيرون ولم أتأكد من عددهم،فقالت له خذ ملابسك فأنا التي قابلتك وحدي ،وعليك بعد اليوم ترك هذه الأمور والانصراف لما فيه مصلحتنا،فأنت لا تصلح للسرقة والقتال. هذه دعوة مخلصة لمن لا يعرفون قدر أنفسهم ،أن يتعاملوا مع الأمور بواقعية،وعلى الحكومة العراقية وضع الرجل المناسب في المكان المناسب،فلا نحتاج إلى أبو عليان وأشباهه،فهؤلاء (ما يخلون بالسدانه رقي) ....!!
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |