|
لا أدري هل ما أكتبه يدخل ضمن المحظورات، وهل في قانون الصحافة السائد، الذي صدر قبل التحرير، ما يمنع الصحفي من نشر الحقائق، فأذا قال أن السماء ملبدة بالغيوم، وتنذر بمطر غزير، خلافا لما أصدرته الأنواء الجوية العراقية، وأن المديرية قاصرة عن معرفة التقلبات الجوية، بسبب افتقارها إلى المختصين، والجميع يعلم أن المطر قد تساقط على رؤوسهم، وأغرق دورهم، فهل يعتبر هذا الصحفي خارجا عن القانون بتهجمه على دائرة ترفع علم العراق، لا أدري، فقد أجريت الكثير من التعديلات على القوانين عبر عشرات السنين حتى بت أجهل ما تضم من مواد، لعدم متابعتي لتلك التغييرات، لذلك فوضت أمري لله، مالك الملك ، مجري الفلك ، مسخر الرياح، فالق الإصباح، لينجيني من هذه الورطة التي سأضع نفسي فيه، وأملي في الأخوة المحامين أن يسارعوا إلى نجدتي ان نالني رذاذ القانون، وعذرهم في ذلك جهلي ، رغم ان القانون لا يحمي المغفلين، ووجد لحماية النابهين والراسخين في العلم، ولهم أن ينسبوني إلى الجنون أو الهبل أو البله، فلعل في القانون منجاة لفاقدي العقول، فمستشفى المجانين أرحم من السين والجيم، وهراوات الشرطة المستوردة بأحدث المواصفات العالمية، وآخر التقنيات الحديثة. الموضوع سادتي الكرام ، بسيط بساطة الحقيقة، ذلك أن المسئول مهما كانت مسؤوليته ، عليه من الواجبات بقدر ما له من الحقوق، فأذا أساء أوقصر في عمله وجب عليه المسائلة والعقاب، ولا ينجيه أنه من بني الأصفر أو بني الأحمر، فالكل سواسية أمام القانون، ولا تمايز بين زيد أو عمر، والجميع متساوون في الحقوق والواجبات، والخالق العظيم يقول(أتوني بأعمالكم ، ولا تأتوني بأحسابكم) وكلنا لأدم وأدم من تراب، ولا يوجد معصوم، فأذا كان القانون على الحكم الإلهي، فلا عفو عن مسيء، ولا منجاة لمجرم من العقاب، وإذا كان على حكم قراقوش، فللاجتهاد مجاله في تبرير المحرمات، وتفسير القوانين، بما يخدم الأقوياء في بلاد الضعفاء. لقد أنتخب الشعب العراقي ممثليه بانتخابات حرة ديموقراطية نزيهة، لا يرقى إليها الشك، ولا يأتيها الباطل من خلفها من أو أمامه، ولا تحتمل الظنون، وتميزت بمشاركة شعبية واسعة، تفتقر إليها أعرق الديمقراطيات في العالم، وقد أشرفت عليها ألأمم المتحدة، وغيرها من المنظمات العالمية، لذلك لا مجال للطعن بشرعيته، والتثريب عليه، وأختار ممثلو الشعب الحكومة القادرة على إدارة شؤون البلاد، وتسيير الأمور، وتمشية الأعمال، بما توفر لهم من اختصاصات نادرة تفتقر إليها الكثير من دول العالم المتقدمة، وباشرت الوزارة أعمالها منذ شهور، لخدمة الجماهير التي ذاقت الأمرين خلال عقود من السنين، وقد آن لهم أن ينعموا بما ينعم به عباد الله الآخرين، ولكن ـ ولعن الله هذه أللكن البغيضة، فأنها كالسياسة ما دخلت شيء ألا أفسدته ـ رأينا الإخفاقات الفظيعة لمعظم الوزارات الخدمية، وشللها وعدم قدرتها على أداء واجباتها على الوجه الأكمل، مما أدى إلى تفاقم الأزمات ، وانحسار الخدمات، والعودة إلى الوراء في مختلف مناحي الحياة، ولذلك أسباب عديدة لعل أهمها: 1ـ عدم اختصاص الوزراء في الوزارات التي كلفوا بإدارته، لبعد اختصاصاتهم، بعد السماء عن الأرض ، مما حدا بأحدهم ـوأحمد له جرأته ـأن يقدم استقالته لعدم اختصاصه فيما نسب إليه، ففي إحصائية بسيطة يظهر لنا أن الكثير من الأطباء قد تنسموا وزارات بعيدة عن اختصاصهم، نعم أن الوزارات مصابة بأمراض خطيرة ومستعصية، ومنها الخبيث الذي لا يمكن لأبرع الجراحين استئصاله، فهل يستطيع هؤلاء ، وجلهم من غير ذوي الخبرة، أيجاد الدواء الناجع لهذه الأمراض، ألا يوجد في عراقنا العظيم الذي يجمع الكثيرون على أنه بلد الحضارات، وصاحب أقدم حضارة عرفتها البشرية، ألا يوجد فيه كفا آت ذات اختصاص قادرة على معالجة التجارة، أو مشاكل البلديات، أو أدواء التربية، أو.....أو! 2ـقيام الوزراء الجدد بتغيير كادر الوزارة، بآخرين لا يملكون من المؤهلات ما يجعلهم قادرين على إدارة شؤون أنفسهم ، ناهيك عن إدارة مديرياتهم، لا لشيء ألا أنهم بمقاسات خاصة تتواءم ومقاسات السيد الوزير، أو من حزبه أو طائفته، أو أبناء عمومته، ومن المعارف ومعارف المعارف، وربما من الذين يعرفون كيف تؤكل الكتف، والخبراء في الطبطبة على الأكتاف ، وهز الأرداف، كراقصات ملاهي علاء الدين، ثم تسري الأمور بشكل تدريجي على مفاصل الوزارة الأخرى، لتتحول إلى وزارة لها طعمها الخاص، ولونها المخصص، ولا مكان للألوان الأخرى فيه، وأن وجدت فهي مهمشة مهملة ، لا تشارك باتخاذ القرار، فأذا حضرت لا تعد وأن غابت لا تفتقد، والشواهد على ذلك كثيرة يعرفها الكثير من العراقيين، وذاق مرارتها أصحاب المواهب والكفاآت الذين يغيظهم ما وصل إليه الحال، وكأنه صورة مستنسخة لما كان عليه النظام السابق ، عندما يعهد بالمسؤوليات لمن هم دون مستوى الطموح، تزكيهم أروماتهم، وطوائفهم، ودرجاتهم الحزبية أو المخابراتية أو مدى قربهم أو بعدهم من صناع القرار، ولو أجرينا إحصاء نزيه لواقع الوزارات العراقية ، لفوجئنا بنتائج مروعة، أقل ما يقال عنها أنها تنذر بكارثة فظيعة، لما سيئول إليه الأمر إذا أستمرت هذه الممارسات. 3ـقيام الوزراء حال استلامهم مهام وزاراتهم، بإلغاء كافة الخطط التي بذلت جهود مضنية، وأموال كثيرة لأعداده، وأعداد خطط جديدة تختلف عن خطط الوزير السابق لأنها تمثل عقلية تختلف عن عقلية الوزير الجديد، ويتم استبدالها كما يستبدل المترفون ملابسهم بأخرى من الرأس إلى أخمص القدم، لأنها لا تلائم ذوقه، أو توافق مزاجه، رغم أن الوزير السابق صرف الكثير من المال والجهد والوقت لأعدادها في تسيير أمور وزارته، فيشطب الثاني عليها بجرة قلم، ثم يبدأ من جديد في أعداد خطط أخرى تمهيدا لإبدالها من قبل الوزير القادم، وكما يقول المثل الشعبي(على ها لرنه ، طحينچ ناعم) وهكذا تبقى الأمور تسير في حلقة مفرغة، لا طائل من وراءها. 4ـ وتأتي الطامة الكبرى في مسألة التعيينات ، فالوزير الجديد عليه التزامات كثيرة يجب الالتزام بها أمام من أختاره لهذا المنصب، وله أقارب وأرحام، وأصدقاء وأصهار، ورفاق في العقيدة والنضال، عليه العناية بمصالحهم، والنظر في شؤونهم، فتبدأ المسيرة الطويلة بتعيين الأقارب والأصهار والأنصار والمؤيدين، ويأخذون طريقهم إلى هذه الوزارة تزكيهم علاقاتهم بالسادة المسؤولين ، أو عبر وسطاء معروفين لهم اليد الطولى في هذه الأمور لقاء مبالغ معلومة ، وتجري بصورة مكشوفة ومفضوحة، وليذهب الآخرون إلى الجحيم، فالاقربون أولى بالمعروف، والشجرة التي لا تظلل أهلها تستحق القطع، ومن ليس له قريب، فهو غريب وعليه التسول في الأزقة، أو الذهاب إلى دول الجوار للعمل جرسونا في مطاعمها وفنادقه، ويخدم في بلدان لا تملك جزء مما نملك من ثروات طبيعية، يتنعم بها الأغراب ممن لم يؤثر فيهم رحم العراق، وقد ينعى العاطل على نفسه أنه ولد في بلد كالعراق، لا يزال رهين العقلية الضيقة، والحكم المبني على أسس لا علاقة لها بالإنسانية والوطنية، كما يقول الشاعر: والحكم ليس جبايات موزعة في الآل نثرا وفي الأنصار تعيينا ولكن هل يتنكر الإنسان لوطنه، ذلك أمر بعيد عن التصديق، فمن عجن دمه بأديم العراق يبقى عراقيا حتى النخاع، ولا يتنكر لبلاد الرافدين رغم العقوق والحرمان، ورغم ما واجه فيها من حيف وظلم، ولسان حاله يقول: بلادي وأن جارت علي عزيزة وأهلي وان شحوا علي كرام ورحم الله أبا ذر الغفاري عندما قال(عجبت لمن لا يمتلك قوت يومه كيف لا يمتشق حسامه) وأقول لقد أمتشقنا سيوفنا ، وواجهنا الظلم بما يستحقه، ولكن حصد جناها ، من لم يكتووا بلظاه، (وأبن العفيفة خسر، وأبن اللئيمة فاز). 5 استشراء الفساد المالي والإداري في الوزارات العراقية بشكل خطير، بحيث شكل ظاهرة خطيرة لم يكن لها مثيل في تاريخ العراق الحديث، مما جعل الوزارات مكبلة بقيود مميتة تعيق حركته، وتحد من فاعليته، بسبب جهل الكثيرين منهم بأساليب الإدارة الناجحة، لعدم تمرسهم بالعمل الوظيفي، وأصول الإدارة، وعدم أشغالهم مناصب دنيا تؤهلهم للوصول إلى المناصب العلي، وتمنحهم المعرفة بأساليب العمل، ومعالجة الأخطاء والخروقات، مما جعل مافيات الوزارات تلتف على هؤلاء، وتقوم بمباشرة أعمالها الخارجة عن القانون، بعلم الوزراء أو بدونه، والأدلة على الفساد المالي والإداري كثيرة، والمعلن عنها لا يتعدى3%، وجرى الإعلان عنه لأسباب سياسية بعيدة عن الحرص والمسؤولية، وما خفي كان أعظم، وأصبح الفساد ديدن الأغلبية في العراق الجديد، ويتفننون في ابتكار الأساليب بسرقة المال العام، مما أدى إلى تعطيل مشاريع البناء والأعمار، وأن عدم الخبرة والأهلية والكفاءة وراء الكثير من هذه الإخفاقات الخطيرة. وهناك الكثير مما يمكن الإشارة إليه في هذا المجال، ولكن، قد تهون كل الأمور ألا أن ما يحدث الآن بعيد عن التصديق، ولا يقبله العقل أو يقره المنطق، فقد ظهر علينا أحد ألأولياء الأ كارم، من على شاشة قناته الفضائية، طيلة أيام الشهر الفضيل، رمضان الخير والعطاء، وهو يصدع رؤوسنا بمحاضرات إرشادية ووعظية على مدى ساعة كاملة، يتحدث فيها عن أمور لا علاقة لها بوزارته، أو مشاكل بلده، أو معانات شعبه، فالوزير الكريم في أحدى هذه المحاضرات، التي أستمرت أكثر من ساعة، يسعى جاهدا لإثبات وحدانية الله، ووجود خالق لهذا الكون، ولكن من أنكر وجوده يا سيدي الكريم، والى من تتوجه بكلامك هذ، هل توجهه إلى الصينيين أو الهندوس أو اليابانيين، أو غيرهم من عباد الله ، وهم لا يفقهون كلامك هذ، أو يفهمون لغتك العربية السليمة، ولا يشاهدون فضائيتك المحترمة، أم توجهه إلينا معشر العراقيين وليس فينا الملحد الذي ينكر مثل هذه البديهية التي لا تحتاج إلى أجهاد فكر، ثم هل أديت ما عليك من مهام في وزارتك، وحاربت الفساد المستشري فيه، وأجدت أدارته، وجملت صورته، وأوصلتها إلى منتهى الكمال حتى تتحفنا بمحاضراتك القيمة وأفكارك الرائعة، وهل تتصور أن واجبك الوزاري يجعل منك واعظا ديني، أننا نحتاج إلى الإداري الكفء الذي يستطيع تأدية واجباته المهنية ، ولسنا بحاجة إلى الوعاظ والزهاد، وما أكثرهم منذ سقوط النظام الدكتاتوري في العراق، فأينما وليت وجهك فثمة مكبرات صوت تشنف أسماعنا أناء الليل وأطراف النهار بالمواعظ والإرشادات، والمبشرون يصلون إلى أقاصي الريف العراقي وهم ينشرون مباديء الإسلام الحنيف، أما أنت يا سيدي الوزير فلست واعظا أو مرشدا ديني، حتى تهدر وقتك في أمور لا تعنيك من قريب أو بعيد، وأحب أن الفت انتباهك إلى أن وزارتك الكريمة قد وصلت إلى أردئ مستوياتها في الرشوة والمحسوبية والمنسوبية، وجأر الناس بالشكوى إلى رب العالمين، الذي يؤمنون بوجوده ، ويركنون إلى عدله، ويعلمون أنه بالمرصاد للظلمة والمرتشين والمتقاعسين، يسمع دعوة الداعي إذا دعاه، ويعلم ما تخفي الصدور، وهم يرفعون أكفهم بالدعاء للخلاص منك، عسى أن يأتي من ينصف المظلوم، ويرد الحيف، ويرفع عنهم ظلامتهم، عارفين بأن الله ليس بغافل عما يعمل الظالمون. وإذا أردت أن تكون واعظا أو مرشد، فبها ونعمت، فأترك وزارتك لمن يحسن أدارته، والجأ إلى أحدى التكايا وما أكثرها في العراق، وستجد الكثير ممن يستمعون إليك، وبصرهم بأمور دينهم ودنياهم، فمن يهدي أحدا فكأنما هدى الناس جميع، وأنا أضمن لك الفوز والنجح، لأنك تحسن الوعظ والإرشاد، ولا تحسن الإدارة بما ينفع العباد، وهنيئا لمن عرف قدر نفسه، فأراح واستراح، وترك الدنيا لأهله، وأنصرف لما ينفعه في أخرته، وأصبح من الزاهدين.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |