|
أطلعت على ما كتبه الأستاذ الكريم صباح زيارة الموسوي في مقاله الموسوم"اعتراف..المقالة ال200 للقاريء400000" المنشورة في موقعكم والمواقع الأخرى، ولست في مجال الرد والتفنيد، أو الدفاع والتمجيد لهذا الطرف أو ذاك، ولكنه رأي قد يجانبه الحق وقد يحالفه الصواب، وأتمنى أن أكون بعيدا عن الشطط وهجر القول، وان لا يكون في رأيي إساءة لطرف من الأطراف، ف(الحوار المتمدن) تعني مقارعة الحجة بالحجة، والرأي بالرأي الآخر، لا أن تحمل الحجارة وترجم هذا أو ذاك، فالطريق يسع الجميع، ومن يستطيع السير يواصل طريقه، ويصل إلى هدفه، والعاجز يلوذ في جانب منه ينتظر من يعينه على الوصول، أو يقتنع بقدرته، فيقتعد الجادة يتفرج على السائرين. والجوانب التي تطرق إليها الأخ الكريم لا تنبئ عن جديد، فما أكثر الذين أدلوا بآراء قد تكون أكثر تطرفا مما قال، ولكن لم نشاهد جديدهم في ساحة النضال، وكانت كلمات عابرة ذهبت صرخة في واد، ألقت بها الرياح خارج دورة الزمن، والحوار المتمدن سيدي العزيز يتطلب المرونة الزائدة، والشفافية الحقيقية، لا شفافية قادة العراق الجديد، لذلك على الحوار أن تكون منبرا للرأي والرأي الأخر، وميدانا لكل اليساريين، لا للمتطرفين منهم فقط، فيدلي كل منهم برأيه، وللناس أن تختار أشهى الأطباق، أما الادعاء بالحقائق المطلقة، فهذا زمن ولى نتركه لمن دخلوا ساحة النضال هذه الأيام، فحقيقتهم أثبتت زيفها وفشلهم، ولنا في الشمولية الدينية خير مثال، ولعل التصويت لهذا أو ذاك يثبت من هو الأجدر بالبقاء، أما محاولة الفرض فهذه لم تعد واردة في القاموس الجديد، وعلى المتشددين في أرائهم الانزواء في الجحور القصية، أو الاختباء في الكهوف والمغاور، فلا أحد يمتلك الحقيقة المطلقة، وللجميع الحق بطرح آرائهم على بساط البحث، ليختار الآخرين ما هو جدير بالاختيار، والكثير من الهويات لا تتطابق مع مسمياته، فاليسار يضم أخلاطا شتى قد تتفق أو تفترق في الكثير من الأمور، فلا يستطيع أحد أن يفرض يساريته المقننة على الآخرين، فالكثير ممن يدعى يسارا صار في أقصى اليمين، وأن ادعى اليسار وتلبس لبوسه، ويساريتك التي تدعوا إليها سيدي الكريم، قد تكون يمينية مهلهلة في نظر الآخرين، فلا نستطيع إجبارهم على الأخذ به، أو التطبيل له، فكل يصفق لنفسه، والأيام كفيلة بفرز السليم عن الأجرب، والغث من السمين، ولعل في القادم من الأيام ما يجعلك تتراجع عما قلت وتتمنى أن يكون لك رقبة البعير حتى يختمر الكلام ولا يكون فطيرا يمجه الآخرين، والمطالع للحوار يجد فيه الرأي المعتدل، إلى جانب الرأي المتطرف، وهذه الاستقلالية التي وسم به، من مزايا العصر التي تجعله في القمة بين المواقع، ولعل تزايد قرائها دليل نموها وانتشاره، لذلك لا ضير إذا تنوعت الأوراد وتباينت الأزاهير، وللجميع اختيار العطر الذي يناسبهم، لا أن تفرض عليهم العطر الذي تريد، ولا أخال سيدي الكريم قادر على أكل البطاطس على مدار العام. أما الحقوق التي يتكلم عنها السيد الكريم، ويحاول من خلالها تفصيل الأمور على مقاسه، فهذه دكتاتورية مقرفة يرفضها الجميع، ويربأ اليساري التحلي بها أو الدعوة إليه، فقولك"أن هيئة الحوار المتمدن تمتلك الحق الكامل في اختيار ما تراه صالحا للنشر، ورفض ما تراه غير صالح ، لكنها بالتأكيد لا تمتلك الحق في مواصلة الادعاء بأنها صحيفة الكترونية مستقلة يسارية علمانية ديمقراطية سياسية فكرية عامة، فهل من الديمقراطية التي تصدرت أسمها كم الأفواه، وحجر الأصوات، وهل من اليسارية أن تتخذ نهجا متطرفا يبعدها عن استقلاليتها في تبني الفكر اليساري، فهي علمانية فكرية، أي أنها ليست حكرا لفكر يساري معين، وإنما ميدان لتلاقح الأفكار بشتى اتجاهاتها الفكرية، وهذا لعمري هو الصواب، وأن نقدك للمنابر اللبرالية التي تتحاشى أفكار اليسار، لا يبرر لك الدعوة بالتشبه به، فأنت تنتقد هذه الظاهرة وتدينه، فكيف لك أن تدعوا الآخرين للسير عليه، وهل يبرر لك الدعوة لأن تكون الحوار المتمدن منغلقة على نفسه، منكفئة على ذاتها تمثل لونا واحدا من اليسار، في الوقت الذي للألوان الأخرى من يراها جديرة بتصدر ما في الحوار، فهل هي شمولية جديدة تحاول تمريرها للتشبه بالآخرين، وإذا كانت المنابر اللبرالية في نظر الأخ اليساري الكريم شمولية لرفضها نشر الرأي اليساري، فهل يرتضي للحوار شموليتها في إلغاء اليسار الآخر الذي لا يتماشى مع توجهات اليساريين الآخرين، وإذا كنا ونحن في أول الطريق من أعادة البناء في العراق المهدم وندخل في غمار هذا الصراع أينا يملك الحقيقة المطلقة، فكيف لنا أقناع الآخرين بتبني فكر لم يتفق رادته ودعاته على أمر سواء. أما امتناع زيد أو عمر عن النشر، أو عزوفهم عن الكتابة، فقد تكون لذلك أسباب أخرى غير التي يراها الكاتب الجليل، فالذي لا يملك ما يقول ليس له إلا الصمت، بدلا من العزف على أوتار باتت بالية لا يستسيغها الآخرون، ولعل هناك الكثير ممن يرون في بعض الأسماء تطرفا لا يواكب العصر، عليهم مراجعة حساباتهم والكتابة بلغة توائم المرحلة الراهنة، فالكتابة المسمارية لم تعد سائدة هذه الأيام، وعلينا الكتابة بحروف يفهمها الجميع، وأن تكون كتابتنا لمن يفهمه، لا أن تكون لمجرد الكتابة، فالكتابة وسيلة لا غاية، والغاية هي إيصال الرأي للآخرين، فإذا كان الرأي بعيدا عن مداركهم تجاوزوه لما ينفعهم ، وهذه الحقيقة ليست خافية على السيد الكريم. ونعود إلى بيت القصيد فيما كتبه السيد الموسوي، وقوله"أن عدم إعلان هيئة الحوار المتمدن عن هويتها الجديدة، سوف لا يمكن تبويبه إلا في أطار انتقال عدوى الموقف الأزدواجي المنافق، ذلك الموقف الذي تحترف ممارسته، المدرسة اليمينية الانتهازية في الحركة الشيوعية العراقية، تلك المدرسة التزيفية التي كانت قد أعلنت بالأمس، الفاشي صدام حسين كاسترو العراق، وهي ذاتها التي تعلن اليوم أن الاحتلال الامبريالي لبلادنا خيار لابد منه"وانأ أنعى على الأخ قوله هذ، فانتمائه للحزب الشيوعي العراقي كان في أوج التمترس اليميني للحزب كما يقول، وخروجه من الحزب كان بعد انهيار التحالف ألبعثي الشيوعي، أليس هو من يتحمل المسئولية في هذه السياسة اليمينية لمشاركته الفاعلة فيه، وانتمائه إليها في أوج يمينيتها وانحرافه، فلماذا ينحى عليها باللائمة بعد أن كان من المروجين له، والسائرين في ركابه، نعم كانت تلك التحالفات من الأخطاء المميتة، والتكتيكات الهزيلة، ولكن الجميع صفق له، ورقص على أنغامه، وهوس في ساحاته، وعليه وزر أخطائها وعقابيلها. أما الموقف الحالي من الاحتلال الامبريالي، فالأخ الكريم كما يبدو عاد إلى العراق، وعمل في الساحة السياسية، فهل له أن يخبرني ما قدم خلال هذه السنوات الأربعة، هل أستطاع بناء حزب شيوعي يمتلك قاعدة جماهيرية واسعة، قادرة على تغيير العملية السياسية، أو تحريك مسارها باتجاه وطني سليم، وأين القواعد الشعبية التي يستند إليها السيد الجليل في نضاله الوطني، لقد رأينا الأحزاب الشيوعية الأخرى العاملة في الساحة العراقية، فكانت وبالا على الشيوعية والشيوعيين بتصرفاتها التي أثارت الشارع العراقي، لمخاطبتهم الناس بلغة لم تعد مقبولة في الظرف الراهن، ولعل الأخ الكريم لم يلمس السخط العارم والنكبات المتوالية على الحركة الوطنية عندما يصرح السيد ألمرادي ، أو ينظر الربيعي، ولم أسمع أن شعبه العظيم قد خرج مؤيدا لتصريحات مفكريه هؤلاء، لقد جنا هؤلاء على الحركة الوطنية جناية كبرى بتصريحاتهم تلك، وقدموا خدمة عظيمة لقوى الإسلام السياسي في الانتخابات الأولى والأخيرة ، عندما خرج الملايين صبيحة الانتخابات بمظاهرات عارمة مؤيدة للإسلام الذي تطاول عليه الربيعي، وغير من قناعات الناس في توجههم الانتخابي، ولا أدري ما هو الثمن الذي أستلمه الربيعي من قناة الجزيرة، أو القوى الإسلامية، حتى يقول ما يسيء إلى القوى التقدمية في العراق، فإساءة الربيعي تلك قدمت السلطة على طبق من ذهب لقوى الإسلام السياسي، والعراقيون في الداخل يعرفون ما لا يعرفه الأخ الكريم الذي لا أدري في أي بلد امبريالي يعيش الآن، ولعله لا يدري أن الضرر الذي أحاق بالتيار اليساري جراء تلك التصريحات كان أشد تأثيرا من التزوير الذي جرى، ، وكانت الضربة الربيعية أكثر شدة وضراوة من الضربة التي وجهت للحزب في 8 شباط الأسود، أو بعد انهيار الجبهة، فالأحزاب الدينية زجت بكل طاقاتها في ساعات الصمت الانتخابي للتنديد بتصريحات الجزيرة، التي لم يسمعها أحد، ولكن الشعب العظيم كما يقول السيد الموسوي، خرج بعظمته تلك للرد على تصريحات رصيفه المثيرة، فهل من خرج جهلة أم عظماء، والربيعي الذي يعرفه الكثيرين عراب التحالف ألبعثي في التسعينات عندما حاول وزمرة من الشيوعيين المفصولين، تشكيل حزب شيوعي بمظلة بعثية لبناء معارضة وطنية برئاسة عزت الدوري، تعارض الحكم ألصدامي، واليوم عاد من جديد مع أولئك لتأسيس حزب جديد باسم اتحاد الشعب العظيم، ويخوض معركته من بلاد الشام. أن ما يردده السيد الموسوي ومن هم على شاكلته ممن لا يعرفون الواقع العراقي اليوم، يدل دلالة قاطعة على جهلهم بما يجري في الداخل، وبعدهم عن التكتيك الماركسي والفكر الشيوعي، فالمرحلة الراهنة سيدي الكريم تتطلب تعاملا جديد، وآليات جديدة، لكي يتمكن الشيوعيين العراقيين من بناء حزبهم من جديد، ولعل السيد الموسوي الذي يعيش في الخارج طبع، لا يدري أن الشيوعيين يعملون ليل نهار لبناء حزبهم وامتداده في أقاصي الريف، وأن الشعبية التي يحضا بها الحزب ستجعل الآخرين ينحنون أجلالا كيف أستطاع في مثل هذه الظروف أن يقف على قدميه، في ظل أصطفافات تمتلك إمكانات مادية وعسكرية لا يمكن الوقوف بوجهها أو العمل معه، وكنا نأمل من السيد الموسوي ومن هم على شاكلته، أن يشدوا أزرنا ويقفوا إلى جانبنا في أعادة البناء، لا أن يتخذوا المواقف المتشنجة التي أضرت بالحركة الشيوعية في العراق، ولعله يدري أو لا يدري أن مواقفهم المتطرفة التي تصلح لعصور ما قبل التاريخ، كانت وراء الكثير من الإخفاقات التي مني بها شيوعيو الداخل، أن الشيوعي الحقيقي سيدي الكريم من يقف بوجه الرياح العاتية، لا أن ينأى بنفسه عن الخطر لينظر وهو جالس على التل يتفرج، وأنو أدعو "زيارة"لزيارة العراق، فلا أعتقد انه سيجد له مكانا ليقف فيه، لذلك علينا العمل بفن الممكن، لا أن نبقى أسرى الفكر الحالم، وعليه أن كان ماركسيا أن لا يكتفي بتفسير الواقع، بل يسعى لتغييره، ولا أعتقد أنه يستطيع بعقليته هذه تغيير أي شيء. ويقول" بل وصلت الصفاقة السياسية إلى اتهام الشعب العراقي العظيم بالجهل تبريرا لهزيمتها الانتخابية الشنيعة، وسط "الهتافة أليا هو الجان" الذين غلبوا مصالحهم الأنانية الشخصية على حساب مصالح الطبقات العراقية الكادحة"وهل ترى سيدي الكريم أن الناس انتخبت بعقوله، وسعت لمصالحه، وعملت بوعيها الطبقي، الظاهر أن السيد الكريم يعيش في برج عاجي، أو غرفة مغلقة لا يرى ما حوله، فالانتخابات التي جرت في العراق لم تكن انتخابات طبيعية سليمة، أو حسب المعايير التي عليها الشعوب الأخرى، فالشعب سيدي الكريم أنتخب دون أن يدري ما هو الانتخاب، أو من ينتخب، أو لماذا ينتخب، فالأساليب التي أتبعت أقل ما يقال فيها الجهل، ولعلها كلمة مهذبة كان الأولى أن تكون أشد منه، وتوصيفها لا يرقى إلى مصاف الحقيقة، فالناخب العراقي كان مدفوعا بهوس طائفي ألغى عقله وكيانه ووجوده، وصوت بالضد من مصالحه، ولولا التزوير المفضوح، والأساليب الهمجية التي رافقت الانتخابات، وتصريحات أعداء الشيوعية المتلبسين بلباسه، والهيمنة المفرطة لقوى الإسلام السياسي، لكان للحزب الشيوعي في تلك الانتخابات أضعاف ما حصل عليه، وكنا نتوسم بشيوعي الخارج أن يكونوا بمستوى وعيهم وإدراكهم، ولكن ظهر أن الخارج لا يفهم ما في الداخل، وكان وبالا علينا بتصريحاته غير المسئولة التي أدت إلى كارثة ما كان أغنانا عنها لو أخرست تلك الألسن التي قدمت – من حيث تدري أو لا تدري – خدمة جلا للكتل الطائفية، فالشارع العراقي قبل الانتخابات كانت له توجهات تصب في صالح الحركة الوطنية، ولكنه أنقلب 180 درجة بعد تصريحات ألمرادي والربيعي، التي أخذوا ثمنا باهظا عليها. أن السيد الموسوي، مدعو لمراجعة نفسه، والنأي بها عن التطرف الممجوج، وله أن يعرف قيمته ووزنه الشعبي إذا جاء إلى العراق وعمل في أوساط الجماهير ورشح نفسه عن مدينته الثورة ، مدينة الطبقات الشعبية الفقيرة، فسيجدون في أفكاره الرشيدة ما يدفعهم لانتخابه، وأنصحه أن يصطحب معه الرفاق الأعزاء ألمرادي والربيعي ومن هم على شاكلتهم، ليعرفوا وزنهم الحقيقي، وأن أفكارهم البعيدة عن الواقع ليس لها مكان في عراق اليوم، ولو جمع الموسوي كل السائرين في دربه، لما تمكن من الفوز بمقعد واحد، وله أن يقول عندها إن الشعب العراقي العظيم مدرك لما يريد، ويمتلك وعيا يجعله في مقدمة الشعوب المتمدنة، وله أن يقس وعي الشعب وجهله بعدد قراء جريدته عندما كانت تصدر في بغداد.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |