المهجرون والمهاجرون
العراقيون قضية العراق الوطنية الكبرى وسيف الإرهاب
الحقيقي القديم المتجدد الجدي المسلط على رقبة الرهينة
المختطفة العراق، من الخارج لإبتزازه وطنا وشعبا ومقدرات
أجيال ضيعتها عصابة البعث منذ عودتها الأخيرة سنة
1968م،ففي هذه السنة ذاتها أقر المجتمع الأتفاقية الدولية
التي تنص على مبدأ عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم
المرتكبة ضد الإنسانية. كما وكّدت هذه الإتفاقية على
مسؤولية ممثلي سلطة الدولة والأفراد الذين يقومون، بوصفهم
فاعلين أصليين أو شركاء، بالمساهمة في ارتكاب أية جريمة من
تلك الجرائم أو بتحريض الغير تحريضاً مباشراً على
ارتكابها، أو الذين يتآمرون لإرتكابها، بصرف النظر عن درجة
التنفيذ، وعلى ممثلي سلطة الدولة الذين يتسامحون في
ارتكابها. وتعهدت الدول الأطراف في هذه الاتفاقية باتخاذ
جميع التدابير الداخلية، التشريعية أو غير التشريعية،
اللازمة لكي يصبح في الإمكان القيام، وفقاً للقانون
الدولي، بتسليم هؤلاء المجرمين لينالوا جزائهم العادل. ثمة
11 نصاً دولياً تعرّف الجرائم ضد الإنسانية وآخرها النظام
الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، فقد نصت الفقرة د/1 من
المادة السابعة من النظام الأساسي على إعتبار إبعاد السكان
أو النقل القسري للسكان جريمة ضد الإنسانية متى ارتكب في
إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من
السكان المدنيين، وعن علم بالهجوم. وفسّرت المادة إبعاد
السكان أو النقل القسري للسكان بإنه (نقل الأشخاص المعنيين
قسراً من المنطقة التي يوجدون فيها بصفة مشروعة, بالطرد أو
بأي فعل قسري آخر , دون مبررات يسمح بها القانون الدولي).
وتعريف الجرائم ضد الإنسانية هذا ينطبق تماما على عملية
التهجير القسري للعراقيين. وبصدد جريمة الإبادة الجماعية،
فقد نصّت المادة الثانية من اتفاقية الأمم المتحدة
"اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها "
لعام 1948 على :
تعني الإبادة الجماعية
أياً من الأفعال التالية، المرتكبة على قصد التدمير الكلي
أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية،
بصفتها هذه:
(أ) قتل أعضاء من
الجماعة.
(ب) إلحاق أذى جسدي أو
روحي خطير بأعضاء من الجماعة.
(ج) إخضاع الجماعة،
عمداً، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كلياً أو
جزئياً.
(د) فرض تدابير تستهدف
الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة.
(هـ) نقل أطفال من
الجماعة، عنوة، إلى جماعة أخرى.
أن كل هذه الجرائم
بضمنها إخضاع العراقيين لظروف معيشية يراد بها تدميرهم أو
إجبارهم على ترك بيوتهم والهجرة قسرا. في شهر آذار م1991م،
وبعد أن إندحر عصابة البعث الجبانة أمام إنتفاضة شعبان
الشعبية المغدورة، واثناء تقدمها وفق شروط الإذعان
المتزلزلة المذلة في خيمة سفوان(بين ممثلي بوش الأب وعصابة
صدام الماثلة اليوم أمام القضاء) لإستعادة تسلطها على مدن
السليمانية واربيل ودهوك، حذر الأكراد سكان تلك المدن أن
الجيش العراقي سيقصفها بالأسلحة الكيمياوية. فتسبب ذلك في
هجرة جماعية من هذه المدن الى المناطق الجبلية على الحدود
العراقية التركية والعراقية الإيرانية. وسارعت الولايات
المتحدة الى إستغلال هذه الهجرة الجماعية وتردي الحالة
الإنسانية للمهجرين في المناطق الجبلية، ونسقت مع إيران
وتركيا لحث مجلس الأمن للتحرك إزاء كارثة إنسانية تهدد
السلم والأمن الدولي سسبها قمع عصابة البعث لشعبها ووجهت
إيران في 4 نيسان 1991 م رسالة الى الأمين العام للأمم
المتحدة (الوئيقة أس/ 22447) وجهت فيها إهتمام مجلس الأمن
الى الأوضاع البائسة للمدنيين العراقيين الذين يعبرون
الحدود الى الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وأضافت
الرسالة:"لقد أدت الأحداث الأخيرة الجارية في العراق
والطريقة التي يعالج بها العسكريون العراقيون ثورة السكان
العراقيين الى إقتلاع مئات الآلاف منهم من أماكنهم ودفعهم
نحو البلدان المجاورة. حتى ظهر اليوم كان 110,000 من
العراقيين المدنيين قد عبروا الحدود بالفعل الى إيران. إن
من شأن إطالة أمد هذه الأوضاع، مع ما يرتبه من آثار
بالنسبة لجيران العراق، أن يؤدي الى عواقب وخيمة تهدد بشكل
جدي السلم والأمن في المنطقة، وإن ضخامة حجم معاناة
اللاجئين العراقيين وطابعها الدولي وعواقبها بالنسبة للسلم
والأمن في المنطقة يجعل إتخاذ إجراء دولي منسق من مجلس
الأمن التابع للأمم المتحدة ضرورة سياسية وإنسانية حتمية).
كما وجهت تركيا رسالة
الى رئيس مجلس الأمن مؤرخة في 3 نيسان 1991م (الوثيقة
أس/22435)ذكرت فيها أن زهاء 330,000 مواطن عراقي يحتشدون
على طول الحدود العراقية التركية نتيجة الإجراءات التي
يتخذها الجيش العراقي ضد السكان المحليين في شمال العراق،
وأن هذه الأعمال تشكل خرقا لجميع مباديء السلوك إزاء
السكان المدنيين وتمثل إستخداما مفرطا للقوة وتهديدا لسلم
المنطقة وأمنها. وطلبت تركيا عقد إجتماع فوري لمجلس الأمن
للنظر في هذه الحالة وإتخاذ الإجراءات اللازمة لوضع نهاية
لهذا القمع اللا إنساني الذي يمارس على نطاق واسع.
ووجهت فرنسا رسالة
مقتضبة الى رئيس مجلس الأمن في 4 نيسان 1991 (الوثيقة
أس/22442) طلبت فيه عقد جلسة طارئة للمجلس (من أجل بحث
الحالة الخطيرة الناجمة عن أعمال العسف التي ترتكب بحق
المجموعات السكانية).
وإجتمع مجلس الأمن يوم
5 نيسان 1991م وأصدر القرار 688 الذي جاء في فقرته
الأولى(يدين القمع الذي يتعرض له السكان المدنيون
العراقيون في أجزاء كثيرة من العراق وتهدد نتائجه السلم
والأمن الدوليين في المنطقة). وتضمنت بقية الفقرات مطالبة
العراق بوقف هذا العنف والسماح بوصول المنظمات الإنسانية
الدولية الى جميع من يحتاجون للمساعدة في العراق.
وقعت عصابة البعث مذكرة
تفاهم مع الأمم المتحدة لتنسيق مشاركتها في إعادة النازحين
والمهجّرين وسمحت بتشكيل (حراس الأمم المتحدة) للمساعدة في
حماية النازحين والمهجّرين. وعاد سكان المدن الكردية
جميعهم تقريبا الى مدنهم قبل نهاية شهر نيسان 1991. لكن
قمع عصابة البعث للسكان المدنيين وتهجيرهم تواصل وواصلت
الولايات المتحدة إستخدام قرار مجلس الأمن 688 غطاء
لسياستها، وفرضت منطقة حظر للطيران شمال خط العرض 36 ثم
تلتها بمنطقة حظر للطيران جنوب خط العرض 32 لحماية الأكراد
في الشمال والشيعة في الجنوب. ثم في أيلول عام 1996م، وبعد
أن دخل الجيش العراقي أربيل إستجابة لإستغائة مسعود
بارزاني وسّع الأميركان منطقة حظر الطيران جنوبي العراقي
الى خط العرض 33. وإستمرت أميركا حتى غزوها العراق في آذار
2003، بموجب قرار مجلس الأمن 688 (1991).
رد الفعل الدولي
والعربي إزاء جريمة التهجير القسري للعراقيين:
رغم أن المفوضية
السامية للاجئين أقرّت بأن التهجير القسري للعراقيين هو
أكبر هجرة قسرية يشهدها العالم المعاصر، ورغم المعاناة
الهائلة ل 5 ملايين عراقي هجّروا في الداخل والخارج، ورغم
المخاطر التي تمثلها هذه الهجرة على وحدة أراضي العراق
وعلى النسيج الإجتماعي لشعبه وعلى السلم والأمن الدولي
وعلى الأمن العربي، إلا أن هذه الجريمة لم تنل من المجتمع
الدولي ومؤسساته ولا من الدول العربية ومؤسسات العمل
العربي المشترك إهتماما جدّيا. وإنحصر رد الفعل الدولي
والإسلامي والعربي ببيانات خجولة وإجراءات أقل ما يقال
عنها أنها لا تتناسب مطلقا مع حجم الجريمة. لم تفكر أي
دولة عضو في الأمم المتحدة لحد الآن في أن تلفت إنتباه
مجلس الأمن الى ما تمثله هذه القضية من تهديد خطير للسلم
وللأمن الدولي والإقليمي. ولم يبادر المؤتمر الإسلامي ولم
تبادر الجامعة العربية لعقد إجتماع طاريء لوزراء الخارجية
لمناقشة ما يمثله التهجير القسري للعراقيين من تهدبد
خطيرلهوبة العراق وللأمن. ولم تفكر منظمات الأمم المتحدة
المتخصصة(اليونيسف / برنامج الغذاء العالمي /مفوضية الأمم
المتحدة لحقوق الإنسان/ المفوضية السامية للاجئين / منظمة
الهجرة الدولية/ اليونسكو/ وغيرها) في إعداد برنامج إغاثة
واسع يتناسب مع حجم الكارثة. ولم ينشط الصليب الأحمر، الذي
عهد له المجتمع الدولي بالسهر على التطبيق الدقيق للقانون
الدولي الإنساني ومراقبة تنفيذ الدول إلتزاماتها بموجبه،
لكشف أبعاد هذه الجريمة والمطالبة بالوقف الفوري لها
وإعادة المهجّرين الى مساكنهم. بل وحتى الدول العربية
المستقبلة للمهجّرين العراقيين، وبالذات سوريا والأردن
ومصر، لم تتحرك بالقوة والصرامة المطلوبة لوضع المجتمع
الدولي ومؤسساته أمام مسؤولياته إزاء هذه الكارثة وإزاء ما
تتعرض له مواردها المحدودة من إستنفاذ نتيجة إستقبالها
لإعداد هائلة من المهجرين العراقيين.
ويجري هذه التجاهل
المقصود وغير المقصود لأكبر جريمة تهجير قسري يشهدها
العالم المعاصر في الوقت الذي شهدنا فيه قضايا تهجير قسري
أقل بكثيرفي الحجم والنتائج لكنها إعتبرت تهديدا خطيرا
للسلم والأمن الدولي والإقليمي وإتخذت حيالها إجراءات
عديدة، كما حصل في العراق ذاته منذ عودة عصابة البعث
الأخيرة للتسلط الغاشم بشهادة وتحت أنظار المجتمع الدولي
وحتى فرار عصابة البعث عام 2003م مع بدء مشكل دارفور
المماثل الماثل منذ عام 2003م فقط ويحظى بالإهتمام العالمي
الأمثل(في عام 2005م إعتصم ثلاثة آلاف لاجيء سوداني أمام
مقر المفوضية العليا للاجئين في القاهرة وأسمعوا العالم
قضيتهم). قبل قرنين من الزمن سنة 1907م، هنا في لاهاي عرفت
لائحة، الإحتلال في مادتها 42: تعتبر أرضا محتلة حين تكون
تحت السلطة الفعلية لجيش العدو(الصديق لحكومة المالكي
المنتجبة). ولايشمل الإحتلال سوى الأراضي التي أقيمت عليها
مثل هذه السلطة ويمكن أن تمارس فيها(المنطقة الخضراء). في
28 حزيران 2004م قرار مجلس الأمن الدولي التابع لمنظمة
الأمم المتحدة المرقم 1546 نص على نقل السيادة الى الحكومة
العراقية المنتخبة، لكن الولايات المتحدة الأميركية حتى
الآن ، بشهادة رئيس جمهورية العراق طالباني في السعودية،
نمارس نفوذا عسكريا يشكو منه المالكي وسياسيا يقبله
وإقتصاديا يدور حول ألغاز السياسة ومحوره إقرار البرلمان
العراقي لقانون النفط والغاز !. والحال، بناء على هذه
المعطيات إن دول العالم مطالبة بموجب مسؤولياتها وفق ميثاق
الأمم المتحدة والمعاهدات الدولية العديدة التي هي أطراف
فيها أن تطالب أجهزة الأمم المتحدة والولايات المتحدة
الأميركية وشريكتها المملكة المتحدة والحكومة العراقية
المنتخبة في ظل الإحتلال إتخاذ الإجراءات الكفيلة بمنع
أعمال التهجير القسري للعراقيين. أن جميع الدول ترفع شعار
الدفاع عن القانون الدولي وتتعهد بإحترامه، لكنها في
الواقع تدافع عنه وتحترمه بالقدر الذي يخدم مصالحها فقط،
واحيانا تلوي القانون لكي يخدم مصالحها. وإنطلاقا من هذه
الحقيقة المرّة فإن صاحب القضية عليه أن لا يتوقع أن
يتنادى المنصفون للدفاع عن قضيته لمجرد أنها قضية عادلة،
بل عليه أن يقوم بذلك وعندها سيؤازره المنصفون.