الحزب الشيوعي العراقي: أين يقف..؟!

 

 

باقر الفضلي

المشروع الوطني الديمقراطي

 لعل من أبرز معالم أزمة الحكم في العراق، وبعد مضي عام ونصف على تشكيل حكومة \"الوحدة الوطنية\" ، ما تتنادى إليه معظم أطراف العملية السياسية العراقية اليوم، من تداول مشاريعها السياسية الإنقاذية، للخروج من براثن الأزمة الخانقة، ومحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه من ثوابت العملية السياسية، التي أجمعت يوما ما على الإلتزام بها.. ولست هنا في وارد البحث في تفاصيل هذه الأزمة أو في أسبابها ونتائجها، فقد أشبع ذلك بحثاّ من قبل جميع من يهمهم الشأن العراقي من عراقيين وأجانب..!

 ولعل آخر من تقدم بمشروعه الوطني الديمقراطي للخروج من الأزمة، هو الحزب الشيوعي العراقي، بإعتباره أحد الداعمين لمسيرة العملية السياسية وفق الأهداف والتطلعات المفترضة لبناء عراق إتحادي ديموقراطي فيدرالي، وهذا ما يدفعني للتوقف أمام مشروعه الوطني الديمقراطي المقترح وإنعكاساته وبعض ردود الفعل عليه..!

 من نافل القول، بل من الواجب، أن يتقدم الحزب الشيوعي العراقي بأية صيغة لمشروع سياسي يخرج البلاد من أزمتها السياسية الخانقة، طالما يضع نفسه في موضع المسؤولية المشتركة مع الآخرين، وهو يرى بأم عينيه، حجم الكارثة التي تحيق بالبلاد، ويتلمس بنفسه ومن قلب الأحداث، حقيقة ما يدور من تداعيات الصراع السياسي بين أطراف العملية السياسية، ويدرك كافة معطيات اللعبة السياسية وأهدافها، وبالتالي فليس من عجب أن يطرح مشروعه الوطني الديمقراطي، واضعاّ الآخرين أمام تحمل مسؤولياتهم التأريخية إتجاه الشعب والوطن..!

 قد يختلف المرء في الأفكار والمضامين، ولكنه من غير المعقول أن يختلف في أمر إتخاذ موقف من الخطر الداهم، ولعل ما دفع بالحزب الشيوعي العراقي، وهذا ما أفترضه، بعد أن أدرك أن كافة مواقف الحوار والتهدئة وعدم دفع الأمور الى التأزم، قد وصلت جميعها الى طريق مسدود؛ أن يقول كلمته في الأوضاع المأساوية التي تمر بها البلاد، وأن يعلن بصريح العبارة، الإنذار بدنو المخاطر وأن لاسبيل للخروج من المأزق الحالي، غير الركون الى منطق العقل والتفاهم ، وفق أسس المشروع المطروح من قبله الى الجماهير وقيادات أطراف العملية السياسية.

 فليس بعد، ثمة ما يقال حول التأخر في الطرح، أو عقم المشاركة في العملية السياسية كما يراها البعض من المنتقدين؛ فالبلاد تتمزق والإرهاب يتفرعن ونزيف الدم لا ينقطع، وليس ثمة بصيص ضوء في النفق المظلم..!؟

 حينما يدرك الحزب الشيوعي العراقي مسؤوليته التأريخية أمام تفاقم الأوضاع في البلاد، تبدو هزيلةّ تلك المواقف التي تنبري في مثل هذا الوقت بالذات، لتوجيه سهام النقد والتقليل من شأن هذه المبادرة الشجاعة، حارفة بذلك وجهة النقد نحو تخرصات، أقل ما فيها، أنها لا تخدم أو تساعد، لا من قريب ولا من بعيد، في الأنعتاق من براثن الكارثة التي يتعرض لها الوطن والشعب، والأنكى من ذلك عدم تناولها لمفردات المشروع بالتحليل والمناقشة، بل على العكس من ذلك، فإنها تلقي ظلالا من الشك والريبة على النوايا التي تختفي وراء حملة النقد والتشهير هذه، والتي يتعرض لها الحزب الشيوعي العراقي في هذا الوقت بالذات..!؟؟

 وليس من قبيل الحدس أو الإفتراض، أن لا يدرك المرء الموقع الذي يحتله الحزب الشيوعي العراقي بين صفوف الشعب العراقي وطبيعة العلاقة القائمة بينه وبين الجماهير طيلة ما يزبد على سبعين عاما؛ فالموقف الذي دأب العراقيون على إتخاذه من الحزب الشيوعي العراقي ، تميز وفي جميع الأحوال بالإحترام والإحتضان، وقد وجدت فيه الجماهير ذلك الحزب الذي كان وفياّ لشعاراته، وصادقاّ ثابتاّ في مواقفه الوطنية، وقد حضي وبإسترار، بإحترام وإعتزاز جميع أحزاب الحركة الوطنية العراقية على مختلف مشاربها، ولم يقلل من أهمية هذه الحضوة بين صفوف الجماهير، تلك المواقف التي شكلت إلتباساّ لدى البعض حول حقيقة ما أقدم عليه الحزب الشيوعي العراقي من علاقاته الجبهوية خلال فترة الجبهة الوطنية التقدمية/1973 . وما كان يقف وراء هذه الثقة، هو تيقن الجماهير بصدق النوايا التي كانت تقف وراء موقف الحزب من ذلك، وغير قليل ما قدمه الحزب الشيوعي العراقي من الضحايا من الشهداء على يد الدكتاتورية ..!

 وكي لا يذهب الحديث بعيداّ في التفسير بإتجاه الإطراء، أقول ومن تجربتي الحياتية الشخصية الطويلة، وبعيداّ عن المبالغة، بأن جماهير الشعب العراقي في موقفها من الحزب الشيوعي العراقي، خلال عقوده السبعة من السنين، كانت تنظر الى الحزب، ليس من خلال ما يدور بين قادته من صراعات داخلية أو خلافات وحسب، بل جل ما كان يهمها هو نشاط الحزب ومواقفه المعلنة من النضال ضد الإستبداد والدفاع عن الحرية، ونضالاته من أجل مصالحها المطلبية وحقوقها المشروعة في حياة كريمة، في نفس الوقت الذي كانت تقف فيه موقف إجلال وإحترام وإكرام لقادته الميامين الذين ضحوا بحياتهم من أجل هذه المطالب..!

 فما يوجهه اليوم، بعض القادة الحزبيين السابقين، ممن كان لهم شأو ومكانة رفيعة في صفوفه القيادية، من سهام النقد الموجعة، والتي لا تخرج من دائرة الخلافات الحزبية الداخلية الضيقة، فإن هذا لا يعني من قريب أو بعيد، إثارة إهتمام الجماهير، ولا يغني معارفها بشيء، بل على العكس من ذلك؛ فإنه يسجل حالة إحباط في نظرة هذه الجماهير أزاء هؤلاء القادة ومن شاكلهم، بحيث يصبح الموقف منهم موقف الريبة والتشكيك في حقيقة ما يضمرونه إتجاه الحزب الشيوعي العراقي، الذي تكن له هذه الجماهير حباّ وإحتراماّ بالغين، بل ومن الصعب على فرد أو مجموعة أفراد أن يحرفوا نظرة تلك الجماهير إتجاه الحزب الذي خبروه وعاسنوه ، مهما بلغوا من مكنة البلاغة واللف والدوران..!

 وللوقوف على حقيقة ما تنطوي عليه حملات النقد القاسية وما تأخذه على قيادات الحزب من موقف \"المهادنة\" مع الإحتلال، وما تبطنه من وراء ذلك، فليس أمام المرء إلا التوقف أمام المشروع الوطني الديمقراطي للخروج من الأزمة، الذي تقدم به الحزب مؤخراّ، ليكتشف خطل تلك التقولات وإفتقارها الى أساس موثق يمكن إعتماده لتبرير هذه الإنتقادات.

 لقد أكدت الفقرة (ثامنا) من أهداف المشروع، وبكل وضوح وجلاء لا يقبل اللبس، على وطنية موقف الحزب العراقي من القضايا الجوهرية والأساسية، التي تعتبر محكاّ حقيقياّ لقياس مدى وطنية هذا الحزب أوذاك منها، ولعل الموقف من الثروة الوطنية النفطية وحده كاف ليضع جداراّ عازلاّ أمام جميع التخرصات التي تحاول الطعن بوطنية الحزب الشيوعي العراقي حتى لو كان ذلك بالغمز، ويكفي فقط قراءة نص هذه الفقرة من المشروع ليتثبت المرء بنفسه حقيقة ما أشرت إليه:

 (ثامنا: إعادة اعمار البلاد، وتحقيق تنمية اقتصادية – اجتماعية متوازنة، واعادة هيكلة الاقتصاد لصالح تطوير وتحديث القطاعات الانتاجية السلعية والخدمية، وحماية الثروات الوطنية، لا سيما النفطية، والاعتماد أساساً على الاستثمار الوطني المباشر في استغلالها وادارتها، وتوظيف هذه الثروات في تنمية الاقتصاد الوطني وتحقيق العدالة الاجتماعية.)

 وبنظرة فاحصة حيادية، يمكن للمرء أن يكتشف؛ أين تكمن نقطة المقاومة في هذه الفقرة، التي يبديها الحزب الشيوعي العراقي بدافع المصلحة الوطنية، ضد عوامل الضغط الهائلة التي تمارسها أوساط الشركات النفطية الإحتكارية ومن وراءها الإدارة الأمريكية، فيما يتعلق بمحاولة تمرير مسودة قانون النفط والغاز التي عارضتها الأغلبية الشعبية، لتتعمق لديه القناعة بصواب موقف الحزب الشيوعي العراقي من هذه المسألة الحساسة من جهة، ويجد فيها دحضاّ لما يقال من إتهام ب"مهادنة" مشكوك في صدق مروجيها من جهة أخرى؛ حيث جسد الحزب في هذه الفقرة موقفه الواضح والجلي من قضايا الوطن الأساسية، دون لبس أو غموض..!

 أما ما تضمنته باقي نصوص المشروع الديمقراطي للخروج من الأزمة الطاحنة، فأقل ما يقال عنها؛ أنها تصب في نفس الإتجاه الوطني، الذي يضع مصلحة الشعب والوطن في المقدمة؛ ولا يتلمس فيها القاريء، ما يوحي لوجود مصالح فئوية أو طائفية أو حزبية، كما وأنها لا تحتاج الى الكثير من الجهد والعناء لمعرفة حقيقة وطنية الحزب الشيوعي العراقي، الذي في تقديري بمشروعه الحالي قد وضع بوصلة يمكن الركون اليها في إكتشاف الطريق الصحيح للخروج من الأزمة الخانقة..!

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com