دواعي وأهداف وآفاق "انتفاضة المهجر" ضد الإرهاب الوهابي السعودي

 

علي آل شفاف

Talib70@hotmail.com

لكل حدث حكاية, ولكل حكاية بداية. وبداية حكايتنا جراح تنزف, ورقاب تنحر, ورؤوس تفصل عن أجسادها, وأوصال مقطعة, وأطراف مقمعة.. وتستمر حكايتنا هذه وكأنها لم تزل في البداية.. لكن ـ وككل حكايةـ لا بد أن تكون لها نهاية. وكانت انتفاضة العراقيين في المهجر, ضد إرهاب الوهابيين المدعوم من قبل آل سعود, محاولة لوضع حد لهذه الحكاية. لأن حكايتناـ على عكس ما يتصور البعض, أو يريد أن يتصورـ بسيطة وواضحة جدا, بشخوصها, وأحداثها, ورواتها.

نطالع بين الحين والآخر الكثير من الدعوات للوقوف مع معاناة هذا الكاتب, أو ذاك الشاعر, أو ذلك المثقف, أو غيرهم. فأحدهم منع من طباعة ديوانه, وآخر منع من نشر قصته, وثالث سجن بسبب رأيه؛ وغيره لسبب آخر, وهذا كله يستحق الوقوف معه. لكن.. ما بال أصحاب هذه الدعوات يصمتون ويخرسون أمام فتاوى تدعو إلى إبادة مجاميع بشرية هائلة, تعد بعشرات ومئات الملايين, لا لشئ إلا لاختلاف الرأي والرؤية!

الغريب أن أحدا لم يحاول إظهار هذه الفتاوى ـ على حقيقتها ـ إلى الرأي العام العالمي, أو يفضح مرتكبيها أمام العالم الحر وغير الحر. لاسيما وأن العالم ـ بأجمعه ـ يعاني من ويلات الإرهاب, الذي يستند إلى نفس الفتاوى التي أباحت دماء الكثير من المسلمين والشيعة منهم على الخصوص, وغير المسلمين أيضا, في العراق وفي غير العراق, ولنفس (المتعالمين) من شيوخ ومتطرفي الوهابية, ومن نفس الأراضي الخاضعة لسلطان آل سعود, وتحت درايتهم ورعايتهم وغطائهم المالي والسياسي. وبالرغم من هول الفجيعة, وفداحة الجريمة, لم يتحرك ضمير, ولم يهتز جفن!

من هنا كانت انتفاضة العراقيين في المهجر, تعبير عن وعي حقيقي ـ وإن كان متأخرا ـ  بخطورة التهديد الحقيقي الذي تواجهه الإنسانية, المسجاة على مذبح الإرهاب الأسود, وعلى مذبح فقهاء الحقد والكراهية والإلغاء, ومصادرة حق الحياة؛ الذين يحضون بدعم ورعاية ومساندة, من مملكة آل سعود حصرا. إذ لم تخرج أية فتوى أخرى من أية بقعة أخرى من بقاع العالم, إلا ممن كان من تلامذتهم. وهذا ما لا يختلف فيه إنسان مع إنسان. لهذا فالتكفيرية الوهابية ـ بهذا المعنى ـ تشكل خطرا حقيقيا على الإنسانية, والوقوف ضد تهديدها يمثل انتصارا للإنسانية بكل معنى الكلمة.

 لعل قدر المنفيين من شرفاء العراق, أن يصونوا كرامة الإنسان عن معرة الامتهان, ويتجافوا بها عن شريعة الحيوان, فيضعوا حدا لعار الإنسانية هذا. ثم ليشد أخوتهم الشرفاء في أرض الوطن أزرهم. ثم ليتعاطف معهم الشرفاء في كل العالم. لأن مأساة الإنسان واحدة, في كل مكان. ثم لتتصاعد الانتفاضة, ولتتسارع, بما لم يتوقعه أحد. فكانت بحق غضبة الإنسان لأخيه الإنسان. فما إن بادر من بادر, حتى هب الشرفاء . . فمن ألمانيا إلى أمريكا, ومن إنكلترا إلى استراليا إلى كندا, ومن السويد إلى النرويج إلى الدنمارك إلى هولندا, إلى غيرها... لتخرج كل الآهات المحبوسة, والصرخات المكبوتة, والحشرجات التي تختلج في الصدور؛ وتتسع دائرة الصرخات, وتسري الرغبة الجامحة في العمل من أجل خلاص الإنسانية, سريان النار في الهشيم. 

 تميزت هذه الانتفاضة بأنها شعبية عفوية بحق, رغم أنوف خزمها العار, وجباه جللها الصَّغار، إنسانية الأبعاد, غير مسيسة؛ لا تحركها أية جهة سياسية, أو غير سياسية. وهنا تكمن قوتها, ومن هنا ـ أيضا ـ يظهر ضعف أعدائها, من المجرمين والمتعالمين ودعاتهم ورعاتهم. فهم يبحثون عن أحد ليضغطوا عليه, أو يرشوه, أو يهددوه.. لكن, دون جدوى! فكل عراقي شريف ـ بل كل إنسان شريف ـ هو قائد للانتفاضة.. هو سداتها ولحمتها, وفرس رهانها. عليه اعتمدت, وبه تصاعدت, ومن غيرته استعرت والتهبت. ولأن العراقي الشريف هو رائدها وسائقها وداعمها, خابت وخفتت كل الجهود التي تأمل أن تعرقلها, أو تضع العصي في عجلاتها.

 بعد أن نجح المنتفضون في فضح جرائم الإرهاب الوهابي المدعوم والموجه من آل سعود, من خلال موجات الاعتصامات والتظاهرات التي شملت أرجاء العالم. وبعد أن حارت مخابرات آل سعود, في مواجهة افتضاح بشاعة صورتهم ـ الحقيقية ـ أمام العالم, والتي صنعوها بأنفسهم لأنفسهم, وبعد أن فشلت محاولات أبواقهم التي تنتشر على أمتداد أذرع أخطبوطهم الإعلامي في تشويه صورة الانتفاضة, عن طريق سيل التهم البعثية والوهابية الجاهزة, التي تحاول المس بنقاء ونظافة الشعب العراقي. حق لكل ـ وحق على كل ـ إنسان شريف يحترم إنسانيته, أن يساهم بدوره, ومن موقعه في إدامتها وتعضيدها وتقويتها, حتى الوصول إلى غايتنا المنشودة, وهي حماية أبنائنا وأجيالنا القادمة والإنسانية أجمع من سيل الفتاوى الإجرامية التي تبث سموم الحقد والبغض والكراهية بين البشر, انطلاقا من أوكار آل سعود.

 يخطئ من يضع هذه الإنتفاضة في أية (خانة) أو قيد مصطنع, لأنها إنسانية الدافع والطابع والآفاق. ودافعها ما ذكرته في بداية هذه الحكاية, من مآس هي عار على الإنسانية أجمع, ولا أظن أن هناك إنسان لا يهزه ما يحدث في العراق, بغض النظر عن كافة التوصيفات. لأنه يجري على الإنسان, بما هو إنسان أولا. أما من يكبله  القيد الديني المصطنع أو المذهبي المصطنع, حتى ينسيه إنسانيته أو بشريته, وبالتالي ينسيه حتى أصل دينه الذي يكرم بني آدم "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً", فهذا ليس معنيا بكلماتنا هذه. لأنها موجهة للإنسان, بما هو إنسان كرمه الله وحمله ورزقه وفضله تفضيلا. أما الآخر فله شأن آخر, وكلام آخر, ليس هذا محله.

من هنا تتبين سعة أفق هذا التحرك أو هذه الانتفاضة الحقيقية, بوجه القتلة والسفاحين والذباحين والجلادين؛ لتحتضن كل إنسان مفعم بإنسانيته, وكل ضمير حي, وكل داعية لاحترام حقوق الإنسان, ولاحترام حرية الرأي والمعتقد, ولاحترام حرمة الدم الإنساني, ولاحترام كرامة الإنسان. وننتظر من كل هؤلاء الدعم والمساندة القلمية أو الإعلامية أو العملية من خلال الدعوة الجامعة للوقوف بوجه أعداء الإنسان والإنسانية. فهذه هي ـ إذا ـ معركتنا مع التكفير والتطرف والهمجية.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com