|
تشير الحكمة التقليدية القائلة (من امن العقاب أساء الأدب) والتي نجدها دائما تتردد على مسامعنا وقلة ممن يعي تلك المقولة وخصوصا في بلدي العراق في عصر الديمقراطية الحديثة التي وردتنا عن طريق قوات الاحتلال الامريكي، الا ان تلك الاساءة التي تبدر في العراق لاتعالج بالتوبيخ او الضرب او الاهانة لانها احد وجوه الارهاب الحديث المتستر باسم الوطنية المتزلفة، واعتقد انه لاعلاج لتلك الاساءة سوى الاقصاء او توجيه الضربات الحازمة. وبما اننا كنا موقنين بان الاستبداد حينما يغادر مكاناً ما تنفتح الأبواب أمام الجماهير لممارسة جميع الحريات بمختلف توجهاتها، بما فيها الحريات السياسية والشخصية وحرية الرأي، شريطة ان لا تجرح مشاعر الاخرين وتكون وفق ضوابط الأدب والاحترام. الا انني اعتقد ان المعادلة معكوسة في هذا البلد، ولا يمكن تطبيقها وفق منهجها الصحيح، حيث سقط صنم بغداد الذي كان قد ضيق الخناق على رقاب العراقيين طيلة ثلاث قرون ونصف، وكان من المتوقع ان تنزاح تلك الغمة السوداء مع انهيار ذلك الجبروت المتغطرس، فتوجه العراقيون لبناء بلد حر ديمقراطي مستند على اسس قوية ورصينة منهجها العدل والمساواة والحرية، ومنبعها الدستور الذي كتبته انامل الوطنيين وصوت عليه ابناء البلد، لكن الملفت للنظر ان بعض اخواننا الساسة الذين استغلوا واقع العراق المتردي من جهة، وطيبة ابناءه من جهة اخرى، فدخلوا العملية السياسية بطرق غير مشروعة واخص بالذكر (جبهة التوافق) الذين اخذوا على عاتقهم اراقة دماء ابناء بلدي، ووضعوا العصي في عجلات تقدمه، بعد ان وجدوا الساحة مفتوحة امامهم ولم يلاقوا رادعا قويا وضربة يد حازمة من حكومتنا الموقرة فأمنوا العقاب واساؤا الادب. ومع هذا المخاض المتعسر الذي يمر به البلد والسنين العجاف التي مر بها طيلة فترة اربع سنوات بعد سقوط نظامه الديكتاتوري البائد، اصبح على الحكومة العراقية ان تبين موقفها وتبتعد عن المجاملة في اتخاذ القرارات على حساب دماء ابناء العراق، كونها جهة وطنية منتخبة تمثل الطيف العراقي. ورغم التخبطات الكثيرة التي شهدها مسار عملها طيلة الفترة المنصرمة الا ان موقفها الاخير باصدار مذكرة الاعتقال بحق بعض شخوص جبهة التوافق وغيرها خطوة جبارة للحد من التمادي، الا انه سرعان ما فسدت تلك الفرحة التي رسمت على وجه ابناء البلد وذلك حينما قام احد المصورين بالتقاط صورة لوزير الداخلة العراقي (جواد البولاني) وهو يصلي خلف الارهابي المدعو حارث الضاري في جنازة (عبد الرحمن عارف)، والمضحك المبكي في هذه القضية ان وزير الداخلية كان قد وقع مذكرة الاعتقال بحق الضاري، واليوم يصلي خلفه، فماهذه المفارقة يا استاذنا العزيز، واحب ان اتسائل لو ان الضاري كان قد قتل احد ابنائك فهل ستقوم بالصلاة خلفه، فما هو تفسير ذلك العمل والى متى الاستهانة بدماء العراقيين، وإلى متى التهاون مع الارهابيين وافساح المجال امامهم ليتمادوا بغيهم واستهتارهم، وهل من وقفة شجاعة للحكومة العراقية تقر بها عيون المظلومين والمحرومين، بابعاد هذا البولاني المتهاون عن وزارة الداخلية، وهو أبسط مطلب يصب في الدفاع عن الشعب وقضيته العادلة، وليست محاباة الطائفيين المجرمين الملطخة أيديهم حتى المرفق بدماء الأبرياء والضاري أحدهم.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |