لن يُصلح العراق سياسيا حتى يتم الإنقضاض على خصوم إيران من العراقيين سياسيا وفقهيا ..

 ويتم الإتفاق على بلع البصرة

 

 

د. سمير عبيد

list@wifaq.com

تحليل سياسي

لا توجد أسباب للتشنج، ولا حتى للتكابر عندما نقول القول المؤلم (لقد أصبح العراق من حصة إيران!!) فقول الحقيقة يساوي ذهبا في أيام المحنة، وأن الحقيقة أصبحت واضحة وجليّة، وهي أن العراق أصبح حديقة خلفيّة لإيران من الناحية السياسية واللوجستية والتعبوية، ومن الناحية الديموغرافية الطائفية، ولقد شعرت الولايات المتحدة بهذه الحقيقة، ولهذا إنبطحت أمام إيران في العراق، لأنها شعرت أن التقرّب من إيران هو أكثر فائدة لها من الناحية العسكرية والسياسية والإستراتيجية، وعلى الأقل في الوقت الراهن ،لأن الولايات المتحدة ضعيفة أمام إيران في العراق، وأنها بين الكماشة الإيرانية.

لهذا أعادت حساباتها وتيقنت من أن الحرب لا فائدة منها ضد إيران، وكذلك لا فائدة من الحرب الإستخبارية ضدها، لأن المجسات الإستخبارية الأميركية في العراق محاصرة ومكشوفة للإيرانيين الذين أصبحوا في كل قرية وقصبة ومحافظة عراقية، وهنا نتحدث عن الأرض.

أما من الجو والأقمار الإصطناعية فالتفوق لصالح الولايات المتحدة ، ولكن الحرب لا تُحسم عادة من خلال الجو بل من خلال الأرض، وحتى من خلال الجو ذهبت إيران بعيدا في هذا المجال، وأنها بصدد إطلاق أقمار إصطناعية لأغراض تجسسية قريبا، ولقد أبلغت دول المنطقة بهذا الأمر، وحينها ستكون إيران ندا للولايات المتحدة وإسرائيل في هذا المجال؟

وهناك نقطة لابد من الإشارة اليها، وهي أن إيران تستلم تقاريرا إستخبارية دقيقة عن الولايات المتحدة الأميركية وتحركاتها في المنطقة من دول صديقة لإيران، ومن مصلحتها إضعاف الولايات المتحدة، وكذلك تشتري هكذا معلومات من المافيا الدولية التي تعمل في مجال الإستخبارات، وبعلم دول كبيرة ومهمة.

لهذا فأن ماحصل ويحصل في العراق يتحمل مسؤوليته الشعب العراقي الذي تم أسره بفتاوى رجال الدين الغرباء، والذين تبينوا أنهم على علاقات وطيدة مع الدوائر الأميركية والغربية ،فلقد تخدّر الشعب العراقي عندما صدّق الخزعبلات والروحانيات ولم يفكر أو يتحرك لإنقاذ نفسه، ثم أدخل في نفق البطالة والجوع والمخدرات والإعتقال والتغييب والتهجير والمطاردة والقتل، فوجد نفسه فريسة للتثقيف الطائفي والإثني، فترك الوطن وتشبث بالطائفة والمنطقة والقبيلة والمرجعيّة، والتي كلها تم إختراقها من قبل الولايات المتحدة وإيران.

ولكن الذي يتحمل المسؤولية الكبرى هم العرب، أي الأنظمة والحكومات العربية التي تقاعست عن نجدة العراق، بل أن هناك من تآمر ودفع ملايين الدولارات، بل مليارات الدولارات في سبيل تحطيم العراق، وكسر إرادة وشوكة العراقيين، وهناك أنظمة عربية لا زالت تدعم العدوان الأميركي ماليا ولوجستا وعسكريا وسياسيا، وتدعم الخراب السياسي في العراق، وكذلك تدعم الفاشلين سياسيا ودينيا ووطنيا من خلال دعمهم ماديا وتجاريا وسياسيا،والهدف هو القضاء على جميع مقومات النهوض العراقي كوطن وكأنسان.

وبهذا قدموا خدمة جليلة الى الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران، لأنها الدول الطامعة بالعراق، ومن مصلحتها أن يكون العراق ضعيفا منهكا من أجل بسط مشاريعها عليه وفيه، ولكن هيهات أن يفلت الحكام العرب من لعنة العراق والعراقيين والتاريخ، فالمسلسل قادم اليهم أميركيا وإسرائيليا وإيرانيا، فلقد أصبحنا نتوقع ونتخيل الآلاف من الشعوب الخليجية الهاربة واللاجئة الى دول العالم ،وأنه ليس من باب التشفي ـ معاذ الله

ـ بل من باب التحليل والتوقع الذي أصبح في حكم المنظور،ولكن حتى هذه المآساة الخليجية (والتي هي على الأبواب) ونتمنى أن لا تحدث، فمن يتحمل مسؤوليتها هم حكام وأنظمة تلك الدول، والذين وضعوا بيضهم وأسرارهم وأموالهم ومقتنياتهم ودولهم وشعوبهم رهينة عند الولايات المتحدة، بل عند مجموعة ديك تشيني ورايس (المحافظون الجُدد) ومعهم شركات السلاح.

وبالعودة للإنبطاح الأميركي أمام إيران في العراق وحول العراق والملفات الأخرى، أصبحت هناك مؤشرات خطيرة حول عملية إقتطاع البصرة ،أو جعلها محمية دولية و بإشراف أميركي إيراني، ولكن إيران تناور بهذا الموضوع، لأن لديها حلم تطبيق سيناريو الأحواز عى البصرة، أي (الإقليم العربي) الذي بلعته إيران مقابل الصمت العربي، وحتى تطبيق سيناريو (أمارة المحمرة) التي بلعتها بترتيب مع الإنجليز وبخيانة عربية وأولها من الكويت (راجع الوثائق التاريخية) عندما تنصل أمير الكويت من الإتفاقيات ومعاهدة الدفاع المشترك والنجده و التي كانت مبرمة بينه وبين أمير المحمرة الشيخ خزعل الكعبي، فتم إستدراجه هو وأنجاله نحو مركبه الخاص وبلعبة إنجليزية إيرانية كويتية فتم إسره وخطفه ومن ثم سجنه ، والإستيلاء على المركب ،ومصادرة ملكه وأملاكه، وتقرر بلع أمارة المحمرة لصالح إيران عام 1925، لهذا فهناك مفاوضات سرية على البصرة بين إيران والولايات المتحدة والإنجليز، وأيضا التاريخ يعيد نفسه، فهناك دور كويتي خطير في هذا الموضوع.

وبما أن اللاعب القوي في العراق هو إيران ،لذا هي من يعكّر الصفو السياسي والوطني في العراق، ولأهداف سياسية وإستراتيجية كثيرة ومنها:

ـ لغرض ( تدويخ) وإضعاف الولايات المتحدة في العراق أمام العالم والشعب الأميركي، وجعل الإدارة الأميركية أسيرة لها في العراق.

ـ تطويق إسرائيل في العراق تجاريا وسياسيا وإستراتيجيا كي تحاصرها أو تبعدها، أو تفرض المشاركة عليها بصورة وبأخرى، وتبتزها من أجل مساومتها على ملفات دولية وإقليمية تخص إيران.

ـ كي تُفشل جميع السياسيين العراقيين الذين يدورون في الفلك الأميركي بنسبة 100% ، وإفشال السياسيين العراقيين القوميين والعروبيين، وكذلك إفشال السياسيين الإسلاميين العراقيين الذين يعارضون مبدأ ولاية الفقيه، وإفشال السياسيين العراقيين الذين كانوا على خصام مع إيران ومع المجموعات السياسية التي توالي إيران وفي مقدمتها المجلس الأعلى وقوات بدر ( الثأر السياسي).

ـ كي تستهلك السياسيين العراقيين في النقطة أعلاه سياسيا ووطنيا وشعبيا ،ومن خلال إعاقة جميع الإنجازات على الأرض، و إعاقة تحقيق المنجزات الوطنية والسياسية والشعبية والإقتصادية والتنموية، وبفعل لعبة خلط الأوراق في الشارع العراقي مذهبيا وسياسيا من خلال التفجيرات وإرتفاع نسبة العنف والسطو والخطف والمطاردة والتهجير الداخلي والخارجي، والهدف هو زيادة الإحتقان الطائفي والمناطقي كي يكون من هم في الفريق الحكومي فاشلين بنظر العراقيين، وسوف يستمر هذا المسلسل لحين إستهلاك جميع الذين يشكلون على إيران تهديدا أو تنغيصّا أو نقدا.

فإيران لديها خطة رُسمت على ضوء الخطط الأميركية بالضبط ، فبما أن السياسة الأميركية تُرسم و تُسيّر على شكل مراحل فذهبت إيران لتستخدم الإسلوب نفسه وجعلت سياستها في العراق على شكل مراحل هي الأخرى ، وكذلك بما أن الولايات المتحدة جعلت لكل مرحله أسلوبها وقوانينها وخططها ورجالها وإعلامها وخارطتها ،فذهبت إيران للعمل على نفس الخطط، فجعلت لكل مرحلة رجالها وخططها وإسلوبها وخارطتها أيضا ،لهذا تعب الأميركان جدا ،لأنهم تفاجأوا بوجود خصم ذكي بهذه الطريقة، وفي منطقة كانوا يظنونها تخلو من الأنداد والخصوم.

لهذا فإيران مصممة على مشروعها الذي يعتمد على إستراتيجية ثلاثية ( ثلاثة + واحد) والتي تعتمد على:

ـ العمل على إضعاف وإفشال السياسيين والفقهاء ورجال الدين العراقيين الذين يخاصمون إيران .

ـ إضعاف وتطويق ومراقبة إسرائيل في العراق.

ـ إضعاف وتطويق الولايات المتحدة في العراق.

ـ مراقبة التحرك العربي ووضع الخطط لمحاصرة أي توجه ومشروع عربي في العراق، وبوسائل الترهيب والترغيب.

لهذا فعندما أفشلوا إيراهيم الجعفري من خلال زجه في المشروع الطائفي حتى أذنيه لم يكن إعتباطا ،بل جاء ضمن خطة محكمة للقضاء عليه وعلى حزب الدعوة، وعلى مستقبله السياسي، ولقد تحقق لهم هذا، وهكذا فعندما تم ترشيح عادل عبد المهدي ، و حسين الشهرستاني، وأبو بلال الأديب ليكون أحدهم خليفة للجعفري، لم تدعم إيران هذا التوجه، علما أن إسم نوري المالكي لم يكن مطروحا للمنافسه في بداية الأمر، ولكن بقدرة قادر قرر الأئتلاف بزعامة عزيز الحكيم دعم ترشيح نوري المالكي وبلعبة مسرحية (الصوت الواحد) أي أنه فاز على عادل عبد المهدي بصوت واحد، وكأنهم فعلا ينهجون النهج الديموقراطي، ولكن الحقيقة ومن معلومات من داخل أيران، ومن داخل الأئتلاف الموحد (الشيعي) نفسه، فأن إيران نصحت الشهرستاني (إيراني) بالإبتعاد عن المنافسه لأنه من رجال إيران، وليذهب صوب وزارة النفط كي يقوم بالمهمة المرسومة له ، وهكذا تم إبلاغ أبو بلال الأديب (إيراني) على الإبتعاد عن المنافسة أيضا والتريث، علما أنه كان يشغل رئيس لجنة المصالحة في البرلمان العراقي بزمن حكومة إبراهيم الجعفري، كي تربطوا الخيوط ببعضها البعض وتشاهدوا الخطط الإيرانية المحكمة، وهكذا جعلوا المنافسة عربية عربية ،أي بين (المالكي وعبد المهدي) وكانت إيران قد وضعت الخطة لإفشال المالكي إستباقيا، ولقد نسفت مشروعه الوطني (المصالحة الوطنية) عندما فرضت عضو المجلس الأعلى ـ أكرم الحكيم ـ وزيرا للحوار الوطني ومشرفا على المصالحة.

ومن الجانب الآخر أخترقت الجانب السني تماما، وأفشلت معظم الأطراف السنية التي إشتركت في حكومة المالكي وطنيا وسياسيا ومذهبيا، لهذا فالطريق معبّد الآن الى عادل عبد المهدي كي يقوم بالمهمة بعد المالكي حسب المخطط الإيراني ولمرحلة معينة، ولأسباب خاصة، وسيتم إفشاله أيضا أو تغييبه بطريقة ما ليكون الطريق مفتوحا الى الشهرستاني أو أبو بلال الأديب، وحينها ستتحقق الإنجازات على الأرض، وإن حدث جدلا سياسيا سيتم حلها عن طريق طرح اسم (أحمد الجلبي )كحل وسط ودون الرجوع الى أن الجلبي لم يفز بالإنتخابات، ولم يحصل على مقعد في البرلمان، فعندما يريدون شيء يجدون له مختلف التبريرات، ومثلما حصل الأمر مع علي الدباغ الذي خسر الإنتخابات عندما أسس تجمع كفاءات، فدس مع حزب الفضيلة ،وعندما قرر الفضيلة عدم الإشتراك في الحكومة تم دسه ناطقا باسم الحكومة، فالقضية كلها لا ديموقراطية ولا بطيخ بل هي حسابات طائفية ونفعية خاضعة لمصالح خاصة، ولمديات خدمة الشخص للمشروع الطائفي وللمشروع الإيراني، وحينما يصل الأمر الى جماعة إيران سيخف العنف والإحتقان الطائفي، وستجيّر كلها لرجال إيران أي الأديب أو الشهرستاني أو شخص آخر ربما يُعد الآن إعدادا خاصا لإنجاز المهمة، فهذا كله يعني لا أمان ولا نجاحات ولا إنجازات في العراق مادام رجال إيران ليسوا هم من يقود حكومة العراق. .

لهذا فأمام الشعب العراقي خيارات مرّة جدا ،خصوصا وإن المقاومة العراقية مشتته، ولم تجتمع فصائلها على برنامج موحد وأن سبب تشتتها هو الفارق بينها وبين المحتل، الذي يمتلك التكنلوجيا والطائرات والدبابات والجواسيس، ومختلف الأسلحة العادية والفتاكة والمحرمة دوليا، وكذلك مشتته نتيجة البذخ المالي الهائل من قبل المحتل على بعض شيوخ القبائل وشيوخ الدين والوجهاء والهدف تجفيف خطوط إمداد المقاومة العراقية ،ومحاصرتها وكشف خططها وخطوط إمدادها.

ومن الجانب الآخر فهناك المعارضة السياسية للإحتلال، هي الأخرى ضعيفة ومخترقة تماما، وهناك من تبوأ المعارضة سواء كانوا شخصيات أو أحزاب أخذوا يكيلون بمكيالين من خلال التجارة السياسية والنفاقية والإنهازية ،لهذا تطوق الشرفاء في الطيف المعارض، وأصبحوا ضعفاء نتيجة حصار الإنتهازيين العراقيين لهم، ونتيجة الحصار العربي لهم، ناهيك عن الحصار الأميركي وحصار حكومة الإحتلال في العراق.

لهذا فالخيارات صعبه ،وخوفنا الشديد من تطبيق إستراتيجية المثل القديم (اليد التي لا تقدر على ليّها قبّلها !!) ولكن هل تُقبّل اليد الإيرانية أم الأـميركية أو الإسرائيلية أم يد الحكومة؟

فكم نتمنى الموت ،ولا نرى أو نسمع أو نقرأ عن هذا اليوم الذي يحدث به هذا الأمر.

لأن الصورة أصبحت واضحة أمامنا في العراق وهي:ـ إما صراع مذهبي ( سني شيعي):- وسني وبدعم من بعض الدول الخليجية والحركات السلفيّة في العراق والمنطقة وقسم من تنظيم القاعدة ... ضد الشيعي الذي ستدعمه إيران وقسم القاعدة الذي تحالف مع إيران، ومعهما الحركات الشيعية التي توالي إيران في العراق والمنطقة.

ـ أو إنسحاب أميركي نحو القواعد داخل العراق، وكذلك نحو دول الخليج . وترك العراق لصراع إيراني عربي.

ـ أو من خلال الإنسحاب الأميركي خارج المدن والقصبات العراقية ،وترك الساحة الى تنظيم القاعدة ضد التنظيمات الشيعية.

ـ أو الإتفاق الإيراني الأميركي في العراق سياسيا وإستراتيجيا والإلتفات لتصفية المقاومة العراقية ومطاردتها

ـ أو دخول الأمم المتحدة وقوات عربية وإسلامية نحو العراق، وحينها سيكون العراق في مهب الريح كدولة ومجتمع إن لم تكن هناك إتفاقيات صارمة يعرف من خلالها الشعب العراقي دوره ومستقبله.

ـ أو الحرب الأميركية ضد سوريا وإيران وحينها سيكون الشعب العراقي حطبا لهذه الحرب ولردات الفعل من إيران وغيرها..

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com