توظيف الشائعات مرض مبارك نموذجا

 

 

سيد يوسف

 تباينت مواقف الناس من شائعة وفاة الرئيس مبارك لا من حيث فرحة المصريين ولا من حيث خشيتهم من المستقبل لا سيما مع رفض التوريث ولا من حيث التصديق أو التكذيب وإنما من ناحية المبالاة أو اللامبالاة ذلك أن كثيرا من المصريين يدركون أن مصر لم يعد يحكمها من كان يحكمها مذ خمس سنوات خلت مثلا، ليس هذا فحسب بل لم يعد متواجدا على الساحة إلا فى مناسبات تتطلب ظهوره خشية القيل والقال لا سيما وقد رأى المصريون أن ملف الداخل وكل إلى النجل، وملف الخارج وكل للمخابرات، ولا مانع من ظهور الحاكم كل حين لتبيان أنه ما زال يحكم، لكن هذه الأوضاع لا يمكن أن تستمر هكذا دونما تساؤلات من قبيل : من يحكم مصر؟ أين مؤسسات الدولة؟ كيف تنزوى مؤسسات سيادية( كالجيش والمخابرات والقضاء)  لتحل محلها مؤسسات أمنية- شديدة البطش والغباء- أضاعت مصر وجمدت الحياة السياسية والاجتماعية وكانت سببا فى تفشى ظاهرة البلطجة وانتشار العنف فى قطاعات كثيرة  لم تكن موجودة هكذا من قبل ؟

 والحق أن توظيف الشائعات عمل أمنى (مخابراتى فى الأساس) لرفع الواقع وقياس الرأى العام تمهيدا لاتخاذ الإجراء المناسب فى التوقيت المناسب لصانع القرار، ولنا فى كشف زيارة نجل مبارك لأمريكا ما نستأنس به ههنا.

 وفى ظل غياب الشفافية، واعتبار صحة الرئيس سرا لا يجوز الكشف عنه، ووجود إحساس شعبى عام بكذب الصحف القومية بله أن الناس حين تصرح وسائل الإعلام العامة بأمر فإن الناس تلقائيا تميل لتصديق عكسه ...علمهم كذب النظام الحاكم ذلك مرارا وتكرارا .....أقول فى ظل هذا المناخ فإن انتشار الشائعات وتنوعها أمر وارد ويمكن توظيفه من قبل صانع القرار.

 

لماذا يميل الناس لتصديق شائعة مرض مبارك؟

 هناك عدة عوامل تميل بالناس نحو تصديق تلك الشائعة منها : الأمنيات وأثرها اللاشعوري فى اتجاهات الناس نحو التصديق، حاجة الناس إلى الفرح باستبدال الطغاة، الرغبة فى التشفى من المنافقين، آثار الشيخوخة سواء النفسية أو الجسمية، ارتقاب الموت لمن بلغ السبعين فما فوق فأعمار هذه الأمة هكذا، القلق الذى يكتنف الناس على مصير البلاد لا سيما مع غياب نائب للرئيس وأثر ذلك على التفكير السوداوى للذين يعايشون القهر وغلاء الأسعار، ومنها عدم ظهور الرئيس فى لقاءات حية( على الهواء مباشرة) غير ممنتجة، ومنها ما رواه بعض الناس من وجود حوامات كثيرة وإجراءات أمن بلا مناسبة، ومنها أن زيارة الرئيس للقرية الذكية كانت محددة لرئيس الوزراء وليس لرئيس الجمهورية وحين أظهرها الإعلام المصرى أظهرها ممنتجة مما حدا بالناس إلى الميل إلى تصديق أنها صور أرشيفية، ومنها ما يراه الناس من تسارع خطى التوريث ورغبة نجل مبارك فيما يبدو من الانتهاء من هذا الأمر.

 ولكن تبقى كل تلك العوامل مجرد تخمينات لا مصادر توثيق فكيف نتعامل مع مثل تلك الشائعات؟

 

كيف نتعامل مع مثل تلك الشائعات؟

 الأصل أن يتثبت المرء مما يرد إليه من أخبار عملا بالقاعدة القرآنية((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) فالعاقل لا يثق فيما يلقى إليه من أخبار دون تمحيص وتثبت والبحث عن مصادر موثوقة تؤكد أو تنفى الخبر ولا سيما مع مراعاة  تحديد نوع/وجنسية/وزمن/ووسيلة/وعنوان/ومصدر الخبر وناقله كلما أمكن ذلك مع تصنيف مصادر الأخبار حسب الصدق /المبالغة/ الكذب، حتى إذا جاء خبر منها عرفنا كيف نزن صحة الخبر، وحبذا عدم التحمس بالتعليق الإثباتى أو الإنكاري للخبر حتى نتبين صدقه، وإن كان ولابد من التعليق فليكن بافتراض تخمينات لا توكيدات وكنموذج على ذلك حينما جاء الهدهد نبى الله سليمان بخبر بلقيس قال نبى الله سليمان قولته العاقلة التى سجلها القرآن كقاعدة عامة نرجو لها التعميم قال تعالى (قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ) ويوضح القرآن تلك القاعدة بجلاء حين يقرر(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) وفى الأثر كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع .

 وفى هذا الصدد نشير إلى جملة قواعد نرجو بها مراعاة التعامل مع الشائعات نذكرها عرضا لا شرحا من ذلك مثلا:

* التثبت من أن تلك الأخبار صادقة صادرة عن ثقة وليست وليدة أمنيات أو رغبات.

* البعد عن المبالغة والتعسف فى الإثبات: إنى لأعلم أناسا مولعين بالمبالغة والإثبات من أجل زيادة وقع الكلام على نفوس السامعين أو القارئين أو ترويجا لمواقع محددة.

* عدم إصدار أحكام قاطعة بناء على ظنون وأوهام أو رغبات وأمانى.

*مراعاة المصلحة العليا للوطن على المصالح الشخصية فقد يتسبب إذاعة خبر ما (وهو فى طور الإشاعة) فى بلبلة اجتماعية ثم يتضح لنا عدم صدقه بعد ذلك  فيذهب ذلك بمصداقية الناقل.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com