دعوة لتحليل فكر حزب البعث العراقي

 

 

يحيى السماوي

:yahia.alsamawy@gmail.com

    يحاول بعض جلاس الصالونات السياسية ممن سبق وكانوا أوتادا في خيمة حزب البعث العراقي ـ قبل أن تضطرهم ظروفهم االسياسية   والتجارية إلى مغادرة العراق ـ إقناع الادارة الامريكية  وبعض دول المنطقة الاقليمية ، بأن قطيع الذئاب الذي كان يقوده الطاغية المقبور ، يمكن أن يكون خرافا وديعة ، وبالتالي فلا خشية منه في حال عودته الى سدة الحكم  قائدا أو مشاركا ... وقد تجاهل هؤلاء حقيقة أن الشعب العراقي قد لـُدِغ مرتين من جحر واحد ، عبر انقلابَيْ 1963 و1968 وانه قرر وإلى الأبد ألآ يُلدَغ مرة ثالثة ـ اللهمّ إلآ إذا كان يريد الانتحار ..

 والسؤال الذي يطرح نفسه على مائدة الحقيقة هو: هل يمكن إلقاء تبعة الأحداث المأساوية التي عصفت بالعراق، وأدت به الى وطن فجائع ومآس ٍ ومن ثم  وقوعه تحت الاحتلال، على الطاغية المقبور وحده ، بمعزل عن الحزب الذي يحاول بعض سدنته القدامى استصدار عفو دولي وإقليمي عنه ، بعدما عجزوا عن استصدار عفو شعبي عنه؟

   إن الإجابة واضحة... فصدام حسين لم يكن نتاج نفسه، بقدر ما هو نتاج الحزب نفسه... إنه لا يختلف عن بقية تلامذة المدرسة العفلقية، سوى أنه التلميذ الأكثرتطبيقا لتعاليم معلمه، من بين جميع تلاميذ تلك المدرسة... ما يعني أن الحزب الذي أنجب ديكتاتورية صدام، سينجب صداما آخر يصنع ديكتاتورية أخرى.. ولذا فمن الخطأ الفصل بين صدام حسين والحزب الذي أنجبه... ولن يكون بعيدا اليوم الذي سيسطو فيه على السلطة بذات الطريقة التي استخدمها في إنقلابيه التآمريين ـ في حال سـُمِح له بدخول العملية السياسية عضوا، فطبيعته الميكيافيلية تبرر له الغدر بالمتحالفين معه حال توافر الظروف الملائمة .

 إن القراءة الواعية لأفكار حزب البعث ، تكشف عن نزعته الفاشية، وعن استعداده لارتكاب الخطيئات بغية وصوله الى السلطة والانفراد بها، فلا يتردد عن استخدام أدنى الوسائل الخسيسة لتحقيق غاياته، شأنه في ذلك، شأن الفكر النازي إبان دولة الرايخشتاغ  الهتلرية.. ففي الجزء الاول من كتابه " في سبيل البعث " يقول ميشيل عفلق: (إن العمل القومي، عمل مع البشر لا مع الملائكة.. عمل على الارض لا في السماء.. وإن واجبه الاول هو ان  يستهدف النجاح .. ولكي ينجح فلا بدَّ أن تفشل كل الأعمال الأخرى، لأن العمل القومي القابل للنجاح هو العمل الذي دفع الى الكره الشديد حتى الموت نحو الأشخاص الذين تتمثل فيهم الفكرة المعاكسة " .. ... يقول عفلق أيضا: (أن الحروب وحدها الكفيلة بتحقيق أمة البعث .. وعلى الأمة في هذه الحالة أن تبحث عن طريقة لاكتشاف الحروب)...

إن إعادة الاعتبار لحزب البعث العراقي، تعني بالضرورة، إعادة الاعتبار للدسائس ولمجد الديكتاتورية ولفاشية ٍ قومية ٍ ما عادت تصلح للعصر... فالحزب الذي ارتكب بحق الشعب العراقي أبشع الجرائم وأخلَّ بكرامة الانسان، لا يجوز السماح له بممارسة العمل السياسي داخل العراق ـ وليس إشراكه في الحكم فحسب طالما بقي المنهل نفسه ..

 أتمنى على المفكرين والمثقفين والساسة العراقيين إعادة قراءة الفكر العفلقي باعتباره المستنقع الذي نشأت فيه جرثومة صدام حسين، والمرعى الذي تناسلت فيه تلك الذئاب البشرية التي جعلت من العراق وطنا للمقابر الجماعية والسجون والمعتقلات  المزدحمة بأحواض حامض الكبريتيك المركز ...

 أرجو أن لا يفهم من سطوري هذه أنني مع المنادين بالعقاب الكيدي ضد كل مـَنْ انضووا تحت لافتة الحزب.. فالغالبية العظمى يمكنني القول عنهم " إنهم ليسوا بعثيين وإن انتموا "... لكنني بالتأكيد ، مع الرأي القائل بعدم السماح له بالعودة الى العمل السياسي ما لم يُدِنْ  معينه الفكري ويعمل على تنظيفه من الوحول الفاشية والشوفينية ونزعته الميكيافيلية ـ وقبل ذلك : الاعتراف بالخطاياـ وليس الاخطاءـ التي ارتكبها بحق الشعب العراقي .

 لقد لدغ الشعب العراقي من جحر حزب البعث مرتين... وعليه إلآ يلدغ من الجحر ذاته مرة ثالثة... فالديمقراطية لا تعني السماح لنافث السم القاتل ، بالزفير في الهواء الطلق!

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com