هل انتهى الغزل الأمريكي مع المالكي

 

 

محمد علي محيي الدين

abu.zahid@yahoo.com

هل هو أول الغيث ، أم أنها سحابة صيف ، فقد دعا عضوا مجلس الشيوخ الأمريكي، كارل ليفين رئيس لجنة القوات المسلحة، والسناتور الجمهوري جون ورنر، البرلمان العراقي إلى سحب الثقة عن الحكومة الحالية، في حال فشل القادة السياسيين في الوصول إلى أتفاق بينهم، وتأتي هذه التصريحات على خلفية لقائهما بمعارضين للحكومة العراقية في عمان، ولقائهم بعدد من المسئولين العراقيين في بغداد، ووصف الحالة العراقية بالميئوس منه، في ظل الخلافات المستشرية بين القادة السياسيين، الذين يتجاهلون الأوضاع المأساوية لشعبهم، وحمامات الدم، واستشراء الفساد وضعف الخدمات، والقتل والتهجير، وهم يعيشون في عالم آخر، بعيدا عن معاناة شعبهم، ويتصارعون لأمور لا تصب في مصلحة البلاد، بسبب التأثيرات الخارجية على الأطراف المتصارعة في العراق، وهيمنة التيارات المتطرفة في توجهاتها الطائفية، وتوجيهات الرجال الدينيين، وعلى البرلمان العراقي اختيار حكومة جديدة تستطيع أعادة التوافق بين العراقيين، وأن الخطة الأمريكية قد استطاعت أعادة الأمن إلى الكثير من المناطق الساخنة، بفضل التحالفات بين العشائر السنية والقوات الأمريكية، فيما فشلت الحكومة العراقية في الجانب السياسي، ولم تتمكن من ألسير بمشروع المصالحة، بما يعيد اللحمة بين أبناء الشعب.والاتفاق على تقاسم السلطة وتوزيع الثروة والمياه.

وبعد زيارة المالكي لطهران، كان الامتعاض الأمريكي واضح، فقد لمح الرئيس الأمريكي، إلى عدم رضاه عن نتائج الزيارة ، وتوجيه اللوم إلى الحكومة الإيرانية لتدخلها السافر في الشأن العراقي، وتدريب وتسليح العناصر المسلحة في العراق، وأثارت هذه الزيارة امتعاض العديد من الأحزاب السياسية، لتوقيته، وعدم رفع العلم العراقي، والاتفاقيات التجارية التي أبرمت بين البلدين، إلى غير ذلك من ردود الأفعال المتشنجة، وكانت قاصمة الظهر زيارته الأخيرة لسوري، التي يبدوا أنها لم تحصل على المباركة الأمريكية، فقد أعلن بوش ردا على الطلبات الأمريكية بالتخلي عن المالكي، أن الشعب العراقي يستطيع تغييره، وتشكيل حكومة جديدة، في أيعاز واضح بسحب تأييده له، بسبب الفشل الذريع في تحقيق مشروع المصالحة الوطنية، وإقرار قانون الاستثمار النفطي، وغيرها من القوانين التي تسعى الإدارة الأمريكية لإقراره، مما أعطى الضوء الأخضر للقوي الساعية لتغييره، إلى الشد في إعلان المعارضة له، فكان سفر الهاشمي إلى تركي، وإعلان العراقية انسحابها من الحكومة بصورة نهائية، وكان رد المالكي أكثر من مزعج للإدارة الأمريكية عندما قال أن هناك الكثير من الحلفاء الذين يمكن الاعتماد عليهم، في حالة تردي العلاقات مع الجانب الأمريكية، وهي رسالة واضحة، لإمكانية قيام علاقات جديدة مع سوريا وإيران، رغم أن تصريح مستشار الدكتور المالكي السيد ألركابي، جاء كتراجع أو ترضيه للإدارة الأمريكية ، عندما قال أن التحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية، لا يمكن أن تؤثر عليه التصريحات أو المواقف السياسية، وهو أشبه باعتذار عن زلة اللسان في التصريح السابق للمالكي.

وفي الشهر التاسع، سيكون لتقرير كروكر- باتيريوس ، أثره في تحديد الموقف الأمريكي من الحكومة الحالية، رغم أن المؤشرات العديدة تشير إلى حتمية استبداله، فقد كان لتقارير الاستخبارات الأمريكية المقدمة إلى البيت الأبيض، أشارات واضحة لعدم الرضا الأمريكي على أدارة المالكي للملفات الساخنة، وعجزه عن الخروج من قوقعته، والتوصل إلى أتفاق مع الأطراف الأخرى، ويمكن مناقشة الأمر ضمن المعطيات التالية:

عند استلام المالكي لمهامه في رئاسة الوزارة العراقية، طرح مشروع المصالحة الوطنية، وأجريت محادثات مكثفة مع العديد من الأطراف، والمجاميع المسلحة بأشراف مباشر من السفارة الأمريكية، ورئاسة الجمهورية، وأقيمت مهرجانات شعبية عديدة في المحافظات العراقية، وقاطعت هذه المهرجانات والمحادثات أطراف فاعلة في الائتلاف رافضة للمصالحة أصل، فكانت مهرجانات تهريجية صرفت عليها ملايين الدولارات، لا تتعدى إلقاء الكلمات والقصائد وتناول المأكولات الدسمة، دون أن يكون لذلك تأثير واضح في مجرى المصالحة، وفشلت لقاءات رئيس الجمهورية ونائبيه في التوصل إلى أتفاق مع أغلب القوى المعارضة للحكومة، ولا زال المشروع معطلا لم يأت ثماره، فيما أستطاع الجانب الأمريكي بمفرده ، أيجاد نوع من العلاقة مع أطراف معارضة، أسهمت في مقاتلة الإرهابيين الأجانب وطردهم من محافظاتهم، وأعيد الأمن إلى الكثير من المناطق الساخنة كالرمادي وديالى وصلاح الدين، ولم تحقق شيئا ملموسا في بغداد، لتعدد سلطة القرار، ووجود خلافات في وجهات النظر بين القائمين على تنفيذ الخطة الأمنية.

سعى السيد المالكي لإصدار قانون المسائلة والعدالة ليكون بديلا لقانون اجتثاث البعث، وجوبه القانون الجديد بالرفض ومعارضة أطراف فاعلة في الائتلاف العراقي، ولم يحصل التوافق عليه لحد الآن، في ظل التجاذب بين القوى المتصارعة في العراق، وهذا القانون ربما يسهم في الوصول إلى شيء من التوافق بين الأطراف المختلفة، ويبدوا أن لا أمل في أصدارة بسبب المعارضة الشديدة له، وأصبح من ضمن اللعبة الهادفة إلى أخراج المالكي من الملعب.

كان الغرض من تطبيق خطة فرض القانون، القضاء على الجماعات المسلحة، وإيقاف أعتد آته، وإنهاء وجوده، وهو ما جرى الاتفاق عليه بين المشتركين بالعملية السياسية، غير أن الواقع أثبت عدم الجدية في أدائه، فالإعلان المسبق عن الخطة، جعل الكثير من المطلوبين، يتسللون إلى المحافظات الأخرى، أو دول الجوار، فيما أوقفت بعض المجاميع نشاطاتها لحين مرور العاصفة، والعودة لساحة العمليات، وقوبلت الحملة بحملة مضادة من بعض القوى المشاركة بالعملية السياسية، مما جعل تأثيرها محدود، ولم تعطي النتائج المرجوة منه، فلا زالت بغداد تعاني من الأعمال الإرهابية، ولا زالت العصابات الإجرامية تمارس أعمالها في وضح النهار، وظلت الكثير من المناطق بعيدة عن سلطة الدولة، يهيمن عليها المسلحون، ولم تنحسر عمليات القتل والخطف، بل أخذت أبعادا جديدة، وقام المسلحون بمهاجمة مؤسسات الدولة، واختطاف كبار المسئولين، بهجمات متواصلة ومتكررة، دون أن يكون للقوى الأمنية القدرة على ملاحقتها أو إيقافه، بل هناك تعاون وثيق بين المسلحين وقوات حماية المنشآت، وهذا مؤشر خطير، على فشل الخطة الأمنية ، وعدم جديتها في تطبيق القانون، أو قدرتها على مواجهة الإرهابيين.

فشل السيد المالكي في تحقيق التوافق داخل حكومته، فكانت الانسحابات المتوالية لأطراف فاعلة في الحكومة، في ظل عجز واضح عن أيجاد البديل، فقد انسحبت الكتلة الصدرية من الحكومة، وأوكلت إليه تعيين وزراء تكنوقراط بدلا عن وزرائهم على أن يكونوا من العناصر المستقلة، وفشل في أيجاد بدلاء يحضون بموافقة الكتلة وأطراف أخرى، ثم أنسحب وزراء التوافق، تلتهم العراقية بسحب وزرائه، مما جعل مجلس الوزراء عاجز عن تحقيق النصاب القانوني، وبالتالي أصبح السيد المالكي يعمل بنصف طاقمه الوزاري، ما جعله ينفرد باتخاذ القرارات دون الرجوع للوزراء، وخلق شرخا كبيرا مع القوى السياسية الأخرى، التي ساءها انفراده باتخاذ القرارات أو الاعتماد على المستشارين، ووزراء مقربين منه، وتهميش الآخرين.

على صعيد العلاقات مع دول الجوار، كانت زيارة المالكي لطهران أكثر من مخيبة، لأن العلاقة مع طهران تثير حساسية الكثير من الأطراف، التي تجد فيها تدخلا في الشأن العراقي، وكان لتصريحات الرئيس الإيراني، والسيد على خامنئي ، أثرها في ردود الفعل العنيفة لأطراف عراقية، رأوا فيها استفزاز مباشر وتدخل سافر في الشأن العراقي، فيما أثارت زيارته لتركيا امتعاض الجانب الكردي، الذي رأى فيها تمييع لقضية كركوك، وتجميد للمادة140 من الدستور، وهو ما يعتبر خطا أحمر للقيادة الكردية، وكانت زيارته لسوري، وتصريحاته ضد الإدارة الأمريكية، ما جعل الغزل الأمريكي يتحول إلى ردود أفعال عنيفة، ظهرت في تصريحات الرئيس بوش، وكان رد السيد المالكي أكثر من مفاجئ، ويفتقر للدبلوماسية التي يجب أن يتحلى بها القادة السياسيين، بأننا لا نقبل تهديدات من أحد، أو توقيتات خارجية، في إيحاء ظاهر للتقرير المزمع تقديمه أواسط أيلول المقبل، إلى الإدارة الأمريكية حول التقدم في الإستراتيجية الأمريكية في العراق، مما دفع أعضاء في مجلس الشيوخ والنواب الأمريكي إلى شن حملة على الأداء السيئ للمالكي، والطلب باستبداله وتغيير حكومته.

هناك صراع ظاهر ومكشوف بين أطراف في الائتلاف العراقي، جعل السيد المالكي في موقف هش، فالكتلة الصدرية التي كانت وراء اختياره لرئاسة الوزراء، سحبت تأييدها له، ووضعته في خانة المعادين له، وأخذت تسعى لإسقاطه، من خلال تصريحات أعضائه، وتصريحات مرشدها الأعلى، والمجلس الإسلامي العراقي، يتحين الفرص لترشيح السيد عادل عبد المهدي لرئاسة الوزارة، وهو أكثر المرشحين قبولا من الأطراف الأخرى، وحزب الفضيلة كان رافضا منذ البداية لترشيح المالكي، وحزب الدعوة تنظيم العراق وقف بالضد منه لاستبعاده من التشكيلة الرباعية، والسيد الجعفري جاهر بخلافه معه، مما أدى إلى حدوث انشقاق في حزب الدعوة، لذلك فهو لا يحضا في الوقت الراهن بأي تأييد من الائتلاف، بسبب العزلة الخانقة التي فرضت عليه، وانفضاض القوى التي كانت تسانده، واتخاذها مواقف مضادة له.

نستخلص مما تقدم أن أيام المالكي باتت معدودة، وحكومته بانتظار طلقة الرحمة، وعسى أن يكون البديل القادم ، قادر على أيجاد التوافق اللازم لبناء الدولة الجديدة، رغم أن جميع المعطيات تشير إلى عدم أمكانية الأطراف الحالية بناء حكومة ديمقراطية، بسبب انعدام الثقة بين أطرافه، ومحاولات الإقصاء والتهميش التي أصبحت السمة الغالبة للتعامل مع الأطراف العراقية، وعدم أيمان الكثير من الأطراف بالجوهر الديمقراطي، لعدم أيمانهم بالديمقراطية أساس، فهي طريق للوصول إلى السلطة، تمهيدا لأحكام قبضتهم عليه، وإعادة النظام المركزي الشمولي، واعتماد المحاصصة الطائفية القومية التي ثبت فشلها خلال السنوات الماضية، وما يحتاجه العراق في الوقت الحاضر، أقامة حكومة انتقالية قوية بعيدة عن الطائفية والعرقية والحزبية، وتمهيد الأجواء لبناء ديمقراطي سليم، وأجراء انتخابات عامة بعد أربعة سنوات للحكم الانتقالي ، وهو ما لا يمكن حدوثه، إلا بإعادة الاحتلال مجدد، ومحق التيارات المعادية للديمقراطية، وإنهاء هيمنتها على المفاصل الاجتماعية، التي أنشئت في السنوات الأربعة الماضية، وأبعاد الدين عن التدخل في الشأن السياسي، للفشل الذي منيت به التيارات الدينية خلال الفترة الماضية، وقصورها الواضح في أدارة البلاد.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com