|
ليس رثاءا وانما هي صرخة احتجاج بوجوه القتلة .. ورفض للوضع العراقي المتدهور ليس هنالك جرحا اشد ايلاما للقلب من قتل انسان بريء ، همه الوحيد نقل الحقيقة المرة ، والاحداث التي تشيب لها رؤوس الاطفال ، تلك الاحداث وهذه التي عصفت وتعصف بالبلد ، وجعلته قشة في مهب الريح . باستشهاد اطوار بهجت مراسلة قناة تلفزيون العربية، فقد الوسط الاعلامي والثقافي العراقي والعربي ، طاقة حركية وعقلية متنورة خلاقة في متابعة الحدث الساخن اول بأول وتقديمه للراي العام بموضوعية وحرفة اعلامية مبهرة. ان عملية اختطاف وقتل اعلامي وصحفي اعزل، الا من عدته الاعلامية، هي عملية جبانة ومقرفة تحركها اياد خفية من وراء الظلام، وتنفذ بأياد ليس في قاموسها معنى للرحمة، اياد ملطخة بدماء بشرية بريئة بعيدة عن أي ذنب. ما يحز في نفوسنا كاعلاميين وصحفيين، ويدعونا الى سؤال ملح ، هو هذا الانفلات الامني المرعب، والقتل المجاني على الهوية او العنوان الوظيفي . انها الهمجية بعينها شاخصة الينا، وفاغرة فاها لابتلاعنا، وهي شريعة الغاب التي تمادت في خطف الارواح البريئة، دون حواجز او قيود، والتي وجدت لها ارض خصبة، على مساحة ارض الرافدين، ارض الحضارات. والا بماذا يفسر العقلاء او المجانين ان تقتل اعلامية مثل اطوار بهجت، ويكتم صوتها الى الابد، سوى لأنها مراسلة اعلامية لقناة تلفزيونية؟ ولا علاقة لها بما يجري من اصطراعات سياسية، وتصفية حسابات وضغائن طائفية وعرقية بين اطراف متعددة اتخذت من العراق ساحة مجانية مفتوحة، لتنفيذ اعمالها الاجرامية في الخطف وانتهاك الحرمات وقتل الأنفس التي حرم الله. أي زمن نعيش في اتون محارقه؟ واية حياة هذه التي تسلب الانسان العراقي انسانيته ووجوده وكينونته؟ قطعا انها لعبة قذرة من جهات مشبوهة همها وديدنها ايذاء العراق والشعب العراقي، وادخاله في دوامة دموية مغرقة الخاسر الوحيد فيها هو الشعب. ربما تعجز الجهات الحكومية المختصة في تشخيص الخلل، والا كيف يخطف اعلاميون عزل اثناء ادائهم لواجبهم المهني، من بين حشد من الناس المتجمهرين، لتعثر عليهم الشرطة في صبيحة اليوم التالي وهم جثث هامدة، ملقاة في العراء على قارعة الطريق، تعبث فيها رياح الموت الصفراء؟ بعد ان كانوا اصواتا ناطقة بنقل الاحداث وما يجري من اعمال مسلحة غارقة في امواجها المتلاطمة بلاد الرافدين، واين كانت هذه الشرطة ساعة الاختطاف ، وساعة تنفيذ جريمة القتل الشنيع؟ لقد بات في حكم المؤكد وفي قراءة سريعة للواقع العراقي الشائك، بأن مسلسل خطف وقتل الاعلاميين والصحفيين في العراق، ليس له نهاية او من رادع يوقف هذا المسلسل الدموي الخطير، اليوم اطوار بهجت وزميليها، وكان بالامس احمد آدم ونجم عبد خضر، والقائمة تطول لأسماء اعلاميين وصحفيين عراقيين وعرب واجانب، اختطفوا وقتلوا على ايدي جهات مسلحة مجهولة او معلومة، وغدا ربما القائمة يضاف اليها اسماء مخبأة في لوح القدر، لايعلم بها الا الله. ومهما تكن الجهة الفاعلة ، فان الفعل بحد ذاته جريمة غير اخلاقية لخنق وقتل الكلمة والحقيقة، التي يراد لها من الاطراف الفاعلة ان تكون غائبة عن الرأي العام ، لمآرب شتى، وربما هنالك اسباب اخرى نجهلها لضبابية الاحداث الجارية حد العماء، ولسخونة الاصطراع الذي اخذ يغلي كالمرجل ، والذي ادى الى اكتواء الشعب العراقي، وحرمانه من الامن الذي هو اشد ايلاما ومضاضة. وعودة على بدء نرى ان من واجب الحكومة العراقية ، وقوات الاحتلال التي يترتب عليها، وفق القوانين الدولية، حماية ارواح مواطني وضيوف البلد المحتل من قبلها، ان تتخذ اجراءات سريعة وجدية، لحماية الصحفي وانقاذ رأسه من بطش السياف الذي لايرحم، ولايفرق بين الاعلامي الذي عدته القلم والورقة والمايكرفون والكاميرا، وبين حامل السلاح الناري الذي هو في مواجهته او على خلاف مسلح معه. وبنظرة خاطفة لهذه الاحداث المأساوية المؤلمة التي يتعرض لها الاعلاميون، اصبح هؤلاء مشاريع قتل مؤجلة، ربما يحصل في اية ساعة، وعلى الاعلامي والصحفي ان يتحسس رقبته كلما خرج لأداء عمله، بوجود فاعل مجهول يتربص به لاقتراف جريمته، في ظل غياب القانون الرادع ، وضعف اداء اجهزة الشرطة والقوات الامنية، وتأجيل تطبيق العدالة في بلد بات فيه كل شيء مستباح، والمليشات المسلحة تسرح وتمرح على هواها دون رقيب او حساب. وفي كل الأحوال فان الصحفي والاعلامي الذي هو المرآة العاكسة للاحداث، وما يجري على ارض الواقع ، هو المستهدف وهو الضحية، وهو قربان آلهة الحقيقة، الذي يذبح على دكة الارهاب والقوى الظلامية، لارضاء النفوس المريضة التي تغلفها الأدران وتملؤها الاحقاد والعقد، التي تبتهج لمرأى الدماء وهي تفور من عنق الضحية العزلاء، ولاتفرق ان كانت هذه الضحية التي غضبوا منها ذكرا او انثى، كأطوار بهجت التي اعدت العدة لاستكمال مشوارها في الحياة، لتكوين اسرة دافئة كانت تحلم بها، الا ان يد السياف المتوهجة حقدا اعمى كانت قد سبقتها، فوأدت احلامها واحالتها الى جثة هامدة بوأد حياتها والى الأبد. دعواتنا لها بالاطمئنان والسكينة. * كتبت هذه المقالة يوم اغتيال الاعلامية اطوار بهجت
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |