|
كشفت أحداث كربلاء الصورة الحقيقية للتيارات الإسلامية، وأزالت الأصباغ والمساحيق، فظهرت على حقيقته، وبانت التجاعيد والغضون لعجوز شمطاء، لا تسر الناظر، وتعافها النفوس، وبانت للناس حقيقة الصراعات بين الأطراف المختلفة، وأنها لا تعدو المغانم والمكاسب لهذا الطرف أو ذاك، دون اعتبار للأديان والعقائد التي أصدعوا رؤوسنا بالدفاع عنه، والجهاد في سبيله، وظهرت القيم الحقيقية للمتلبسين بأردية الدين، فكانت لا تعدو الهيمنة والاستحواذ وبسط النفوذ، في صراع سافر رغم محاولتهم أخفاء الصورة الحقيقية، بإلقاء اللوم على التكفيريين والصداميين، محاولين أخفاء فشلهم بإلقاء التبعة على الآخرين، ولا أعتقد أن هذه الأمور تنطلي على أحد، فقد بانت الحقيقة المرة للجماهير المخدوعة بالشعارات الجوفاء، وظهر أن نادبي الحسين، لا يبكون على مصيبته، وجعلوها قميص عثمان، للوصول إلى السلطة والحكم، وما جرى من سلب ونهب للمحلات خير دليل على بعد هؤلاء عن القيم والمفاهيم الدينية. وقد تباينت تصريحات كبار المسئولين حول الأحداث، وظهرت التناقضات جلية واضحة، تشير إلى عمق الانقسام، وفقدان الترابط بين المكونات والأحزاب الدينية، فقد ألقى السيد رئيس الوزراء بالمسئولية على عاتق بقايا النظام السابق والتكفيريين، فيما صرح مستشار الأمن القومي بضلوع دولة عربية في الأحداث، في أشارة خجولة إلى السعودية، وذكر ثالث وجود صراعات بين مرجعية السيد السيستاني والزعيم مقتدى الصدر، ودلت الأحداث على الفشل الذريع للقوى الأمنية، وعدم قدرتها على ضبط الأوضاع، وعجزها عن توفير الأمن أو معالجة الأحداث الطارئة، بسبب الفساد المستشري فيها وضعف قياداتها التي اختيرت بسبب الولاء القبلي والحزبي، دون توفر أي كفاءة أو قدرة على القيادة، وقد كشف بيان صادر عن السيد مهدي الكر بلائي معتمد العتبات، ضلوع القوى الأمنية ومشاركتها في الأحداث، ما يعني أنها ليست قوات نظامية، بل تجمعات بعيدة عن الضبط والنظام العسكري، الذي عليه القوات الحكومية في العالم، فهذه القوى ترتبط بقياداتها الحزبية مباشرة، دون الرجوع إلى قياداتها الميدانية، إضافة لانتشار الفساد فيه، وتغلغل الكثير من العناصر النفعية في أوساطه، مما يدفعنا إلى القول دون خشية، ضرورة أعادة النظر في جميع الأجهزة الأمنية، وتشكيل لجنة وطنية بعيدة عن التشكيلة الحاكمة، تأخذ على عاتقها بناء قوات جديدة قادرة على معالجة الأحداث، بعيدا عن تصورات الأحزاب الحاكمة، وأن تكون لها استقلالية تامة في اتخاذ القرار، وتتحلى بالمهنية العالية، والضبط الحديدي، وتحريم النشاط السياسي والديني في أوساطه، أو السماح للقوى السياسية والدينية التدخل في عمله، واختيار قيادات ميدانية مهنية بعيدا عن الطائفية والمحاصصة والحزبية، ولعل من الأجدى لهذه القوات أن تكون من محافظة أخرى، غير المحافظة التي تسكنه، حتى لا يكون لها ارتباط بهذه الجهة أو تلك. أن تشكيل القوى الأمنية واختيارها تم بطريقة بعيدة عن المهنية، وكانت الأحزاب الحاكمة صاحبة القول الفصل في تعيين هذا أو ذاك، ووزعت بنسب متفاوتة بينه، بحسب نفوذه، فكانت خليطا من النفعيين الذين تسيرهم الأهواء والمطامع، ويقفون إلى جانب القوي المهيمن، دون أدنى شعور بالمسؤولية الوطنية، ويجري أعداد هؤلاء فكري، بمحاضرات تغرس فيهم روح العداء للآخر، والتعصب المذهبي، مما يبعدهم عن المهنية المطلوبة للعاملين في السلك الأمني، لذلك لا يمكن اعتبارها مهنية قادرة على ضبط الأمن في البلاد، بل أنها تساعد على تردي الأوضاع بما تحمل في داخلها من أوضار، وانحيازها السافر، وارتباطها المشبوه، مما يؤدي إلى حدوث مثل هذه الاضطرابات، لذلك يتوجب على القوى الوطنية الساعية لاستقرار البلاد وتحسين أوضاعه، العمل على تنقيتها من العناصر السيئة وغير الكفوءة، والاعتماد على المخضرمين المعروفين بخطهم الوطني البعيد عن الانحياز الطائفي والقومي، ومهنيتهم وكفاءتهم، وتسريح العناصر الفاسدة التي أثبتت فشله، لأن الكثرة العددية التي عليها القوى الأمنية، لا تتناسب وقدراتها القتالية، ولعل ما ذكره أحد المسئولين في محافظة ذي قار في لقاء تلفزيوني بوجود ضابط لا يزيد طوله على المتر، وآخر أخرس لا يستطيع الكلام، من المفارقات التي لا تحدث إلا في العراق الجديد، فمثل هؤلاء غير مؤهلين أصلا لمثل هذه المهام، ولهم مجالهم المهني الآخر، ناهيك عن وجود الآلاف من المتخاذلين الذين لا يصلحون للعمل في القوات المسلحة، التي يجب أن يتحلى منتسبيها بالجرأة والشجاعة والأقدام، لذلك نرى الكثيرين منهم ينهزمون عند المواجهة، أو يستسلمون للعدو، وقد قتل الآلاف بسبب جبنهم واستسلامهم، ومثل هؤلاء يصلحون لمجالات أخرى غير المجال الأمني ، وهناك الكثير من النماذج التي لا علاقة لها بالجيش أو الشرطة، قد منحت رتب اعتباطية، وبدرجات عالية، بسبب أنتمائتها الحزبية، وبعضهم كان نجارا أو خبازا أو قصابا أو بقال، لا يمتلك أي مؤهل عسكري يجعله في عداد الضباط، أو القادة الأمنيين، بل أن بعضهم قدم شهادات مزورة تثبت أهليته، مما أثر سلبا على أداء هذه القوى، لافتقار هؤلاء للكفاءة المطلوبة في قيادة العمليات، وانجاز الواجبات، وقد أخرج الآلاف لهذه الأسباب، إلا أن آلافا أخرى لا تزال تحتفظ بمراكزه، لم ينالها التغيير أو التبديل...ولعل الأجدى للعراق في هذا الظرف تطبيق التجنيد الإلزامي، فذلك كفيل بإدخال دماء جديدة للجيش، لا ترتبط بهذا الطرف أو ذاك، ولا تعطي في المجال لإدخال عناصر ذات ارتباطات بجهات حزبية، ولا تحتاج لمطالبات القوى الطائفية بالتوازنات في المؤسسات الأمنية، على أن يوكل قيادها إلى عناصر وطنية كفوءة. أن المشكلة الأمنية في العراق، تعود في الأساس لضعف بناء القوى الأمنية، واختراقها من الجماعات المسلحة، وعدم أهليته، مما يدفعنا لاختيار شباب واع، بمواصفات أهمها السلامة البدنية، والمستوى العلمي، والأخلاق، والاستقلالية، وأن يتحلى بشجاعة يمكن اختبارها بطرق فنية يعرفها العسكر، والاستعانة بضباط أكفاء من الجيش السابق، لتدريبهم تدريبا عنيفا يجعلهم أكثر صلابة وقوة في مواجهة التحديات، وبدون ذلك لا يمكن لنا القول أن العراق يمتلك جهاز أمني قادر على ضبط الأمن، إذا اعتمدنا على الموجود حاليا بما يحمل في طياته من أمراض وعلل، لا تجعله بمستوى مقبول في أداء المهام الموكلة إليه، وإذا ظل الحال على هذا المستوى المتردي، فسنحتاج إلى القوى الأجنبية لعشرات السنين، وهو ما يصب في مصلحة الاحتلال، والعملاء الراغبين بإطالة أمد بقائه، وكما يقول المثل الشعبي (إلف عصفور ما يترس قدر)فعصافير هذه الأيام لا تستطيع الوقوف بوجه الباشق، وعلينا أعادة بنائه، بما يكفل عودة الأمن للعراق.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |