|
سنن الصراع تتطلب أن يكون ثمة قائد استثنائي في المعارك المصيرية وبخلافه فإن الهزيمة سوف تلحق بالأمة وهذا ماشهدته البشرية منذ أن أمر الله بإخراج آدم من الجنة وقرن ذلك الإخراج بسنة ملازمة حيث قال له: (اهبطوا بعضكم لبعض عدو)، وأراد الله أن يلقن المسلمين دروساً في القيادة الإستثنائية التي تتطلبها المعارك الصعبة ، فعندما أرسل النبي أبا بكر ثم أعقبه عمراً ولم يستطيعا أن يحسما معركة فتح خيبر، ارسل القائد الإستثنائي علي ابن أبي طالب فعاد بالنصر دون خسارة أو عناء. فالنصر يصنعه ابطال قوبهم خالية من الخور مملوءة بالإقدام وحب التضحية ، وعقولهم صندوق للحكمة والصدق ليس فيها من حب الدنيا والرئاسة ذرة أو أقل. الذين يصنعون النصر والمجد أولئك الذين خاضوا غمار صراعات وخرجوا منها بتجربة ثرة أكسبتهم قوة على تحمل أعباء المسؤوليات الكبيرة ، ولذا فإن النبي صلى الله عليه وآله عندما سئل عن القائد قال : القائد من أخطأه السيف . لانريد أن نعطي أمثلة أخرى فهي كثيرة والأمر في غاية الوضوح (لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو لبيب)، فالصراع في العراق بعد سقوط النظام العراقي لم يكن تقليديا وأن أطرافه خلقتها ظروف غير طبيعة وامتدت دهرا أتاح (لشياطين الإنس) أن يرسموا لهذا الصراع أبعادا قانية بلون الدم ، وقاسية كريح عاد وثمود، وغذوه بقابلية الإستمرار الى أجل غير محدود، أجل ينتهي في حالة واحدة أن يتوفر للعراق (رجل مرحلة) لايعرف المداهنة أو المصانعة ولا تأخذه في الله أو الحق وحقوق أهله لومة لائم. إن صداما وبعد أربع سنين من التغيير ما زال ماثلاً بيننا بكل خصاله المخيفة وطباعه الشيطانية المتوحشة ينهش أجسادنا بتلك المخالب البعثية العفلقية الطائفية يجول بيننا يتحرك في أوساطنا يزاحمنا في مجالسنا بل ونستمع لما يقول وغالبا ما ننفذ أوامره بإذعان، إنه خلف العليان والمشهداني والزوبعي وطارق الهاشمي والعاني وأمثالهم، كان صداما يقبع في القصر الجمهوري في مكان واحد، يصدر أوامر إبادتنا لكنه اليوم في أكثر من موقع، هو في القصر الجمهوري يمارس معنا لعبة (جر الحبل) وبحرية تامة يصول ويجول داخليا وخارجيا وينتظر أن نكون على حافة الجرف قبل أن يترك طرف الحبل، وهو في مجلس الوزراء يجتهد في إقناعنا بأهمية التصالح مع جلادينا وأن نرضى (بأمره الواقع) ومن أجل أن نثبت له حسن نيتنا طعَّمنا حكومتنا بحفنة من مستشاريه. وهو يتربع على رئاسة برلماننا الديمقراطي، نعم هو في البرلمان واستهان بنا وأنفذ رمحه الناقع بالسم الزعاف أكثر من مرة في وجداننا وكرامتنا (الغافية) لدرجة استفاقت من نومها الثقيل وثارت وعربدت وقررت أن ترميه خارج البرلمان، لكنه يعرف وزن تلك العربدة فضحك منا ثم بصق (على جبين البرلمان) قبل أن يتربع من جديد على رأسه يمارس خطيئته البعثية وليواصل أعضاؤنا (الغيارى!) الإستماع إليه صاغرين. هذه الحفنة التي تتحرك بيننا بعقل صدام ومخالبه وبكل غطرسته التي عصفت بنا من قبل وأوصلت بلادنا الى ما هي عليه من كارثة تنمو بيننا كالمارد ونحن نصغر أمامها في كل يوم، كل ما يصدر عنها يفوح برائحة الموت والخيانة، وخبث السريرة والتآمر، لقد صدحوا (بموقفهم) وفجروه في آذاننا مرات عديدة لكننا لانريد أن نصدقهم. لقد قالها السيد مسعود البرزاني من على شاشة (العربية): لقد دعوتهم أكثر من مرة وقلت لهم أن العالم قد تغير وعراق اليوم غير عراق الأمس، وأن زمن تهميش الشيعة والكرد في العراق قد ولَّى، وليس أمامكم إلا القبول بالواقع الديمقراطي الجديد، وإذا كانت هناك أي محاولة لتهميشكم ، أعدكم أني سوف أكون معكم. لكن وللأسف مازالوا يصرون أنهم الأحق في حكم العراق. هذه الحقيقة قد أدركها الأخوة الكرد واحتاطوا لها ولم يتأثروا بها ، يدركها أيضا كل المثقفين والواعين والمدركين لطبيعة الصراع وخصال أطرافه، وهم يصرحون ويلمحون من على منابرهم الإعلامية ، كما وتدركها كذلك (فطرة) كل المظلومين من أبناء شعبنا، لكن قادة الشيعة ما زالوا بعيدا عن هذا الفهم وتلك الحقيقة وهم سادرين في محاباتهم المقرفة يتعاملون مع الأمر بغير ما تمليه عليهم حكمة القائد وتفاني المخلص وفطنة المؤمن. أقولها صراحة وبغير مواربة، أن بعض برلمانيينا وحكومتنا يدفعون العراق الى كارثة سنكون نحن ضحاياها من خلال سياسة مترهلة لاتتلائم مع طبيعة المرحلة الساخنة ولا هم كفؤء لعدونا صاحب الخبرة في إدارة الصراعات والمعارك لعشرات السنين، ومن المؤسف أن أغلب قادتنا (قادة للمهمات السهلة وحسب)، ويزيد من عمق المأساة أنهم قادة على أمة لم تحسن المطالبة بحقها وقد سحقت سنون الظلم الطويلة أي براعة لديها في محاسبة الحاكم إذا هو أخفق أو خرج عن الطاعة وما زال عرف (الياخذ أمي ايصير عمي) يستحوذ على وجدان وأحاسيس الملايين من شعبنا، عرف أملاه الخوف وعمقه الجهل وأصلته جراحات لم تزل فاغرة نازفة. إن الوحدة الوطنية مفهوم طيب تسعى إليه العقول الكاملة ولا ترفضه النفوس الطاهرة ، والأخوة الإسلامية تطرب لوقعها المجتمعات لأنها الطريق الى السلام والأمان، لكن هذه المفاهيم لاتسير على (عكاز) ولاتطير بجناح واحد، وليس في وسعنا أن نظل ندفع بها الى الأمام وهي خالدة الى الأرض، ومن حقها أن تظل كذلك وهي تمتلك جناحا واحداً وساق واحدة. إن الشعب العراقي قد أفقده النظام الصدامي المقيت من خلال (تعامل دقيق ومدروس) أي مقومة لتلك الوحدة أو الأخوة ، وأنا لا أريد أن أقول أن الوحدة مستحيلة ولا الأخوة عقيمة وأنا من أشد الدعاة إليهما وإصلاح ذات بيننا لنبقى جميعا في بلد يسوده الحب والثقة والتفاهم المبني على أسس من النوايا الإنسانية المخلصة، لكن أسس تلك المفاهيم الإنسانية الخالدة قد نسفها ذلك النظام نسفا ، وحطم أغلب الوشائج التي كانت تربط أهلها، وقد أثبتت السنوات الأربع الماضية أنه ما زال ذلك النظام يمتلك من القوة ما يمكنه على نسف المزيد من خلال رجال هم داخل البيت السياسي يعيثون به ويفسدون إي أمل للإصلاح، ومن أجل أن نشيد بناء تلك المفاهيم علينا أن نضع لها أسس جديدة وهذه الأسس لايمكن لها أن تٌبنى بإرادة طرف واحد، هي بحاجة الى تعاون كل الأكف من كل الطوائف والأعراق والإثنيات، لنضمن عدم تجاوز الآخرين عليها ونسفها من جديد ومن ثم العودة الى البداية. لانريد أن نجتر المحاولات الفاشلة وتبقى دماؤنا نازفة وعراقنا الحبيب معرض للتدمير كل يوم، نحن في مرحلة تسود فيها لغة القوة وتستحوذ عليها رائحة الموت، وهي بحاجة الى رجال أشداء قبضاتهم من حديد وإراداتهم صلبة وعزائمهم لا تلين، لاتلويهم شهوة المناصب ولا تستهويهم رائحة المال يضعون حب الدنيا جانبا ويتمسكون بتلابيب الجد والإخلاص ، متواضعون أباة زهاد مخلصون، هم باختصار ممن خلت دنيانا منهم ويفتقدهم زماننا، وهذا سر ما نعانيه من فوضى سياسية واجتماعية.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |