|
الرصافي اول من كشف الطائفية المغطاة في العراق بقيت تحت الغطاء حتى اشعلها الصفيق عبد السلام عارف
توما شماني– تورونتو/ عضو اتحاد المؤرخين العرب شخبطة على الحائط الشاعر معروف عبد الغني الرصافي شخصية عراقية لامعة في الشعر والتاريخ والفكر الحر، لو عاش عصور التاريخ الاولى او عصرنا العراقي الحالي لعلقوه على جسر بغداد كما علقوا الحلاج من قبله، لكنه عاش العهد الملكي الذي بدأ مفتوحا بعد عصر عثماني متقوقع غامق السواد. عاش حياته غاضباً على التقوقع المذهبي والممارسات الدينية وعلى الفكر القومي العربي المؤدي الى الانقسامات في العراق المتعدد القوميات، الذي جاء به العهد الملكي حاملا شلة من الوزراء والضباط العرب خريجي الاستانة وعلى الزعامات السياسية والعشائرية وعلى العلاقات الاجتماعية عموما. وفي المحاصصة الطائفية شبه الرصافي الدولة العراقية، بأنها (كالنعامة لا طير ولا جمل). وقد مثل الرصافي الدولة العراقية آنذاك بـ (الطفل الهرم)، وانها ولدت من البغاء السياسي باختيار فيصل الأول ملكا على العراق وهو الحجازي الاصل، ولهذا ان الدولة قامت على قاعدة خاطئة وكان الرصافي يرى ان تلك السياسة تحمل وزر التقسيم الطائفي والقومي، الى عرب وأكراد وتُرك ثم الى تقسيم اخطر إلى شيعة وسُنَّة، وكان يرى أن الدولة التي بنيت على هذا الأساس، ولدت هرمة وتنتظر موتها في أي لحظة. معروف الرصافي (1875 - 1945 م ) ولد في الفلوجة، المدينة التي اشتق اسمها من إنفلاج نهر الفرات فيها، من أب كردي و أم تركمانية من عشائر القرغول والتي يرجع أصولها إلى قبيلة تنتمي سابقا الى (دولة الخروف الاسود) التركمانية التي حكمت العراق و قسماً من إيران قبل حلول العثمانيين, عاش الرصافي في مدينة بغداد، ثم انتقل إلى اسطنبول، وبعد إتمام دراسته عاد إلى بغداد، في مقابلة اجراها له كامل الجادرجي متسائلا عن حياته فقال الرصافي ولدت وعشت فقيرا، اشعر بضنك العيش فيصادف طعامنا غير الخبز والخيار، وذكر الرصافي في جواب للجادرجي، حسب تذكرة النفوس التي تدعى بالعثمانية ولدت سنة 1291هجرية، ولكن والدتي تقول انني ولدت عندما اعلن الجهاد، اي حرب الدولة العثمانية مع روسيا وهو العهد الذي يسمونه بـ (السفر بر) في العراق حيث كان الجندرمة العثمانيون يلتفون على الشباب لاخذهم للعسكر وفي الموصل كانوا يقولون عن الهارب (انكفد بالبعغ) ويعنى اختبأ في كوم البعرور الذي كانوا يشترونه كوقود قبل حلول النفط. كانت الفلوجة للرصافي مثوى للراحة والهدوء من بغداد التي كانت تضج بالسياسة وبقي فيها ثماني سنوات نظم فيها الشعر كعادته وكتب فيها كتابيه اللذان اثارا ضجة الشكوك والريبة نحوه، وهما (الشخصية المحمدية أو اللغز المقدس) و(الرسالة العراقية) وكتاب (الشخصية المحمدية) لم ينشره لامتناع من يقوم بنشره خوفا مما سيثير من ضجة وغضب من الدوائر الدينية على اختلاف مناحلها، حتى ظهر في ما بعد، أن جامعة هارفرد حصلت على نسخة من المخطوطة ونشرتها في نسخ قليلة. كتابات الرصافي المتفرقة، مليئة بالشكوك من طقوس الدين السائدة، التي يعتقدها منافية للإسلام، وعودة إلى الجاهلية. كان الرصافي ساخطا على الملكية التي فرضها الانكليز على العراق باختيارهم الملك فيصل الاول لها وهو من سلالة حجازية تدعي نسبها الى الهاشميين وكان الملك فيصل قد عين ملكا على سوريا ثم سقطت الملكية هناك فجاء به الانكليز ملكا على العراق. والجدير بالذكر ان والد الملك فيصل في الحجاز كان يخشى على ولده فيصل من ان يقتله اهل العراق كما فعلوا بالامام الحسين في كربلاء. وكان رؤساء العشائر الذين كانوا يمانعون ولاية فيصل للعراق يهزجون ضد فيصل الأول هاتفين في أحد انواع التمرد (كَبلَّك اي قبلك بحسين اشسوينه). عندما حل فيصل الاول في بغداد صحب معه فريق من الرجال العرب من خريجي الاستانة آنذاك وعدد ممن كانوا يحملون معهم افكار العوربة ومنهم ساطع الحصري الذي اصطدم معه أعيان الشيعة ودرويش المقدادي الذي كتب (تاريخ الامة العربية) للمرحلة الثانوية الكتاب المملوء فخارا واعتدادا. كان الرصافي يرى إعادة النظر في ما كُتب حول المرحلة النبوية، من الولادة وحتى الوفاة. فالسيرة لأبي بكر محمد بن إسحاق (ت151هـ)، تعرضت، كما يرى الرصافي، إلى التشويه، من قبل المؤرخ والإخباري عبد الملك بن هشام (213هـ). بل أعتمد السـيرة الحلبية (إنسان العيون في سيرة النبي المأمون)، لأبي الفرج نور الدين علي بن إبراهيم الحلبي (1635م)، وهي من المدونات المتأخرة. كتب الرصافي (لئن أرضيت الحقيقة بما أكتبه لها لقد أسخطت الناس عليَّ، ولكن لا يضرني سخطهم إذا أنا أرضيتها، كما لا ينفعهم رضاها إذا كانت على أبصارهم غشاوة من سخطهم عليَّ، وعلى قلوبهم أكنة من بغضهم إياي... فإن كنت في قيد الحياة فسيؤذيني ذلك منهم، ولكن سأتحمل الأذى في سبيل الحقيقة، وإلا فليس لي أن أهتف باسمها، ولا أن أدعي حبها كما يدعيه الأحرار، وإن كنت ميتاً فلا ينالني من سبابهم خير، كما لا ينالهم من خير، فإن سب الميت، لا يؤذي الحي ولا يضر الميت، كما قال محمد بن عبد الله عظيم عظماء البشر 5 تموز 1933) كان الرصافي نصير المرأة في زمن جاء سليلا لعصر عثماني اسود ولهذا كانت كتابات الرصافي قد اثارت جنون السلفيين والمتقوقعين الموتورين حول حرية المرأة، ففي احدى نشريات الانترنيت قرأت هذا العنوان لمأفون (هذه هي حقيقة الشاعر العراقي الخبيث معروف الرصافي) ثم قال (تناول في شعره قضية المرأة وأكثر من الحديث عنها حتى أفرد لها في ديوانه بابا خاصا أطلق عليه "النسائيات" كان صدى لدعوة قاسم أمين إلى ما أسماه تحرير المرأة). حول (المرأة في الشرق) قال ذلك المأفون ايضا (أرجع فيها تأخر الشرقيين واضطراب أحوالهم وتدهور أوضاعهم إلى سلب حرية المرأة وجلوسها في بيتها وتمسكها بحجابها بحيث غدت هذه العادات أغلالا ترسف في إسارها) وفي هذا اعتراف منه رغم قوله (هذه هي حقيقة الشاعر العراقي الخبيث معروف الرصافي). قال الرصافي (ألا ما لأهل الشرق في برجاء - يعيشون في ذل به وشقاء) ثم (لقد غمطوا حق النساء فشددوا - عليهن في حبس وطول ثواء) ثم (وقد ألزموهن الحجاب وأنكروا - عليهن إلا خرجة بغطاء). كان ممثلوا المسرح آنذاك في العراق لا يجدون فتاة لاداء دور المرأة في الحياة فكانوا يعهدون المهمة الى رجل لذا قال الرصافي (وما العار أن تبدو الفتاة بمسرح - تمثل حالي عزة وإباء) ثم (ولكن عارا أن تزيا رجالكم - على مسرح التمثيل زي نساء.) المرأة شبهها بالحمامة واعتبر حجب وجهها كنتف ريشها ومن كانت كذلك فهل يطيب لها التغريد بعد حرمانها من أعز ما تملك فيقول (أفي الشرع إعدام الحمامة ريشها - وإسكاتها فوق الغصون عن السجع) ثم (وقد أطلق الخلاق منها جناحها - وعلمها كيف الوقوع على الزرع) ثم يقول (فتلك التي ما زلت أبكي لأجلها - بكاء إذا مااشتد أدى إلى الصرع) وفي قصيدة أخرى ( حرية الزواج عندنا) قال (تركوا النساء بحالة يرثى لها - وقضوا عليها بالحجاب تعصبا) ثم (فالشرق ليس بناهض إلا إذا - أدنى النساء من الرجال وقـربـا) وفي قصيدة ( التربية والأمهات) اشار الى ان المجتمع يقبر البنات قبل الممات ورمى طباعهم باللؤم لحجبهم النساء وأثنى على الأعراب الذين تبرز نساؤهم حاسرات بحكم البداوة التي يعيشون فيها فقال (لئن وأدوا البنات فقد قبرنا - جميع نسائنا قبل الممات)، (ولو عدمت طباع القوم لؤما - لما عدت النساء محجبات)، (وما ضر العفيفة كشف وجه- بدا بين الأعفاء الأٌٌباة.). سخر الرصافي لأن المملكة العراقية أعلنت الإسلام ديناً رسمياً في دستورها، والإسلام لا يقر بالعروبة ولا بالملوكية، فعلامَ هذا الرياء؟ وسخر الرصافي بخطاب نوري سعيد في ذكرى (تاسوعا شعبان)، السنة 1940، الذي أصبح عيداً للعروبة، وهو يوم إعلان الشريف الحسين (ت 1931) في الحجاز ثورته على الدولة العثمانية من أجل إقامة دولة عربية. ووفق ما جاء في كتاب (الرسالة العراقية)، لم يكن الرصافي مؤيداً للعروبة، ولا للوحدة العربية. وكان له موقفا صريحا من دعوة شريف مملكة عربية، يضمن بها المُلك له ولأولاده، إنه قال اعتقلوه في قبر، وظل حاله كحال التي (لا حِظت برجيله ولا خذت سيد علي) أي لم يحتفظ بمُلك الحجاز ولم حصل على مملكة العرب! وقول الرصافي (لا حِظت برجيله ولا خذت سيد علي) يُضرب لمَنْ أفلس من الأمرين، ذلك أن امرأة متزوجة عشقت سيد علي، طلبت الطلاق من زوجها فطلقها، ثم وجدت سيد علي متزوجاً، فأفلست من زوجها والعشيق. هاجم الرصافي في (الرسالة) الملك فيصل الأول، ونوري السعيد، كان هجومه على وزيرالمالية رستم حيدر، وياسين الهاشمي واسمه بيس الهاشمي، ولقبه تهكما ً بزعيم العروبة، القادم من طوزخورماتو التركمانية، فما له والعروبة إذن! ويعتقد الرصافي أن رستم حيدر كان وراء ميل فيصل لتعيين شخصيات عشائرية غير كفوءة، وكان يعيب التعيين على الاساس الطائفي حتى أصبحت رئاسة الوزراء للسنُة، ورئاسة البرلمان للشيعية في أغلب الأحوال. كان الرصافي يرى ان رستم العلوي السوري، جعل فيصل يسير باتجاه الطائفية، وكان يذهب إلى النجف (وصلى معهم على تربة، وما أدري هل سب عمر بن الخطاب!). كان الرصافي يرى أن (المسلم الصحيح يجب أن يكون وأن يتسمى مسلماً لا غير، فلا هو شيعي ولا هو سُنَّي). ويرى ان القسمة أو المحاصصة الطائفية في الدولة العراقية، كانت وكأنها (كالنعامة لا طير ولا جمل) والآن يدفع الشعب العراقي ثمن تلك السياسة، وهاجم شخصيات كانت مؤثرة في العقلية القومية والثورية العربية لها منزلتها، في النضال الفلسطيني، مفتي كمفتي القدس أمين الحسيني أو ما كان يُعرف بالمفتي الأكبر فقد عَرف الرصافي الحسيني يوم كان مدرساً بالقدس ويومها كان المفتي هاوياً لفن التمثيل. ثم درس بمصر لستة أشهر، ولما توفي أخوه المفتي الأكبر، سعت جماعة من أهل القدس لتعيين أمين، كي لا يذهب منصب الإفتاء عن عائلة آل الحسيني. قال الرصافي كشاهد عيان (لم تكلفه عملية اجلاسه على منصب الإفتاء أكثر من إلباسه جبة وتعميمه عمامة) لذا فهو (لا مفتياً أكبر ولا أصغر). سجل الرصافي فخارا له في دعوته لتحرير المرأة من قيودها اذ كانت اسيرة قيودها الا ان الرصافي كان في بعض مواقفه السياسية غضا تجاه الملكية فقد كان العراق قبل العهد الملكي أقليما من اقاليم الدولة العثمانية البائدة التي لم تسجل على صفحات التاريخ عزا، غير ان الرصافي كان يظهر حنينا للعهد العثماني لانه كان على مقربا من (الباب العالي) والصدر الأعظم (رئيس الوزراء) والحلقات السياسية في الاستانة، اذ كان عضواً في البرلمان العثماني ممثلا للعراق. وقد اضمر العداء العميق لفيصل الأول منذ كان أميراً، ولما صار ملكاً قال فيه (ليت شعري أبلاط أم مَلاط .. أم مليك بالمخانيث يُحاط) ثم (غضب الله على ساكنه.. فتداعى ساقطاً ذاك البلاط) ربما كان السبب لهذا الكره ان الملك فيصل اهمل الرصافي وهو العراقي الاصيل وكان عضوا في البرلمان العثماني والسبب الاكبر هو ان الرصافي قبل حصول العراق على الاستقلال هو ان الرصافي كان ضد والد الملك فيصل، الملك حسين الذي دعى للوحدة العربية. وقيل ان السبب الاكبر كما ذكر الملك فيصل في بعض المدونات (أخلاق الرصافي وشذوذه الجنسي، وسكناه مع العاهرات، وعدم محافظته على الأدب العام كلها صفات تجعلني اعترض على تنصيبه أو ترشيحه إلى منصب خاص). وكان الرصافي قد فشل في الحصول عضوية المجلس التأسيسي، حيث لم يحصل على أكثر من أربعة أصوات. الرصافي أصبح نائباً في البرلمان العراقي، ولم يحفظ لسانه من نقد الوجهاء والسخرية منهم، ولكتاباته غضب عليه السنه والشيعة ورؤساء القبائل. ومما قاله مرة وكان مثيرا للسخط عليه (إنني لا أؤمن باستقلالكم حتى يقوم في وزارة المعارف وزير يهودي أو نصراني، لا مسلم شيعي أو سُنَّي) وفسر مقصده في احد كتبه بالقول (أنا أريد بذلك التعريض بسياستهم الطائفية، التي يجب أن تكون وزارة المعارف أبعد الوزارات عنها)، ان هذا القول يمكن لاعدائه ان يقولوا عن الرصافي بانه مجنون. اورد الرصافي في كتبه حقائق بقيت خافية على العالم منها نشره ماقاله ابن طاووس أحد فقهاء مدينة الحلة الذي شاهد العهد المغولي، وقوله بعدالة تلك الفترة قياساً بالظلم والجور العباسي. فالمغول وإن ظلوا على ديانتهم السابقة إلا أنهم خلاف ما اشتهر عنهم من تحويلهم مياه دجلة إلى دم وحبر، لم يسوقوا الناس بظلم المذهبية، وحاولوا تعمير البلاد، وإنصاف العباد. ومن الغريب ان الرصافي لم يحب مؤذن الرسول بلال الحبشي، لأنه تطاول على وجهاء العرب لشرفهم، وهو لا يملك سوى علو طبقات صوته. (لكن الدهر يومان يوم لأسياد قريش وآخر لعبيدها!). سخر وانتقد الرصافي الكثير كبار المعصومين في التاريخ، ولم يسلم حتى الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب الموصوف بعمر العادل، فقد كان عمر شرسا على المسلمين قبل اعتناقه الاسلام ولما اعتنق الاسلام اصبح شرسا على غير المسلمين. وسخر الرصافي من وجهاء وأحوال ذلك الزمن في القول في أحدهم (لا يملك رزانة عنـزة ولا عقل وزة)، وعن آخر (تحول من شواك، بائع شوك، إلى ملاك أراضٍ كبير). وقال في سخرية عن ياسين الهاشمي ونعته من بابً بـ (زعيم العروبة، القادم من طوزخورماتو)، وهي منطقة تركمانية، فما له والعروبة!). مات الرصافي ولم يترك في وصيته أثراً طائفياً، يحدد موقع قبره أفي مقابر السنِّة أم الشيعة؟ جاء في وصيته (أدفن في أي مقبرة كانت، على أن يكون قبري في طرف منها، وان يكون في أرض مظلومة، وهي التي لم تحفر قبلاً) فمثلما عاش الرصافي وحيداً فانه لا يريد الاجتماع في لحد كان لحدا من قبل. ولربما استرشادا بما قاله المعري)ًربَّ لحدٍ قد صار لحداً مراراً - ضاحك من تزاحم الأضداد) ثم (ودفيـن على بقـايا دفينٍ- فـي طول الأزمـان والآباد). كان على رأس مشيعي عضور مجلس الاعيان الشيخ محمد رضا الشبيبي (ت 1965) زهز من كبار الشيعة، وامتدحه ورثاه الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري (ت 1997) في أكثر من رائعة، وهو حفيد الشيخ محمد حسن النجفي صاحب أكبر موسوعة في الفقه الشيعي (جواهر الكلام). اشترك الرصافي والجواهري في صداقة صدوقة وطيدة حميمة فكلاهما كان من اشد اعداء الطائفية التي تقتل العراق الآن، على اي حال ان الرصافي والجواهري يشكلان ظاهرة لن يكررها التاريخ.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |