|
أبوغريب ـ ح29 ـ سرب حمام في المعتقل!!
جلال جرمكا/ كاتب وصحفي عراقي/ سويسرا عضو ألأتحاد الدولي للصحافة وعضو منظمة العفو الدولية
من دفتر ذكرياتي في معتقل/ أبوغريب الحلقة التاسعة والعشرون، عنوان الحلقة/ سرب حمام في المعتقل!!. لعل عنوان الحلقة فيه شىء من الغرابة.. ولرب سائل من يسأل: ياترى لماذا هذا السرب من الحمام في ذلك المعتقل السىء الصيت..؟؟. وياترى هل كانت الحمائم من ضمن المعتقلين؟؟ وماذا أرتكبوا؟؟. في الرد أقول: نعم كانت هنالك سرب من الحمام.. حالهم حال المعتقلين.. ولكنهم كانوا في المساء ينطلقون الى فضاء الحرية، ثم يعودوا الى المعتقل وتغلق ألأبواب عليهم!!!. طيب... لنرى: في حلقات سابقة تطرقت الى الكثير.. منها: ياترى كيف يقضي المعتقل أوقاته؟؟.. فراغ قاتل.. هل ممكن أن يقضي عقود من الزمن داخل الغرف مستلقي على الفراش ليل نهار..؟؟. للرد: لاء.. لايمكن أطلاقاً..!!. إذن لابد من وجود بعض الوسائل ليقضي بها أوقاته وفراغه القاتل!!. المعضلة.. أن المعتقل حتى في ذلك المكان هنالك جدولاً طويلاً من الممنوعات.. نعم لقد حرموا الشباب من: ـ ممارسة الرياضة، حيث غلقوا كافة الملاعب. ـ التمارين الرياضية. ـ تمليك آلآت موسيقية للتدريب وألأستعمال. ـ ممنوع .. ممنوع.. ممنوع.. طيب السبب..؟؟ من غير سبب.. هكذا ممنوع وبس.. من غير ليه..؟؟. لذلك كان الشباب يلجأون الى أبتكار وسائل قد تكون قريبة من هواياتهم حينما كانوا في فضاء الحرية ومنها: ـ الحياكة بأنواعها... ولكن المعضلة، ممارسة تلك المهنة ومع مرور الزمن (تضعف البصر).. لذلك كانت هواية غير محببة، ومع ذلك كان الكثيرون يمارسوها لكسب الرزق ومساعدة أهاليهم المحتاجين.. نعم كانوا فنانون بمعنى الكلمة حيث يعملون أشياءً جميلة بواسطة الخيوط والنمنم وألألوان.. كعمل (محافظ النقود والقلائد وألأقراط وأحذية وصناديق لحفظ المصوغات الذهبية والمكياج) وغيرها من التفاصيل!!. ـ تعلم القرأة والكتابة (للأميين).. والكتابة والمطالعة بالنسبة للأخرين . ـ نشاطات وفعاليات أخرى.. كتعليم أصول تجويد القرأن وفتح دورات لتعليم ألأنكليزية والتركية وقواعد اللغة العربية!!. من بين مئات الشباب كان هنالك شاب في مقتبل العمر ، وهو من أهالي السليمانية ويدعى (نزار جلال).. سبق وأن أشرت الى قضيته مع مجموعة من رفاقه من تنظيمات/ ألأتحاد الوطني الكوردستاني.. كانوا بعمر الزهور حين أعتقلوا بتهمة المشاركة في أغتيال عدد من رجال أمن السليمانية. يعتقلون ويحاكمون من قبل (محكمة الثورة) وقبل ذلك ( يكبروا) أعمارهم لكونهم كانوا دون سن الثامنة عشر.. وبعدها يحاكموا بتلك التهمة ولمدة 15 عاماً لكل منهم وهم: 1 / ريبوار عمر. 2 / نزار جلال. 3 / كامران عبدالله. 4 / أسفنديار محمد. 5 / برهان رؤوف. قضوا هؤلاء الشباب المدة كلها الا كم شهر.. حينها خرجوا مع الجميع في العفو العام الذي صدر قبل سقوط النظام بفترة قصيرة جداً. للعلم فقط كنت شخصياً مشترك في الطعام مع ألأخوة (ريبوار وأسفنديار) وكنا ندعي ريبوار بالحاج ريبوار.. لحد اليوم حينما أتصل به أناديه بالحاج!!. للعودة الى هواية ألأخ/ نزار جلال... نزار.. كان من عائلة تمتهن تصليح وبيع الساعات.. فوالده (جلال) من المهرة في هذا المجال.. لهم محل في شارع/ مولوي في سوق العصري.. على الشارع العام. نزار كانت لديه ورشة صغيرة.. يقدم خدماته للجميع ومجانا.. كان ماهراً في تلك المهنة.. أمتنهها منذ الصغر مع والده . عدى تصليح الساعات كانت هوايته الرئيسية.. الطيور.. طيور الحمام!!. بعد فترة طويلة من ألأنتظار والترقب والتوسط.. أستطاع الحصول على الموافقات الشفهية بأن يمتلك عدد من الطيور.. نعم لقد عمل لطيوره (بيت) من الخشب وألأسلاك وألأقمشة ووضعها في الساحة ألأمامية.. في أحد الزوايا.. رويداً رويداً تكثر الحمام.. ومعها يكبر البيت.. نعم في ألأخير أصبح لنزار سرب من مختلف أنواع الحمام.. الوان وأشكال مختلفة!!. كان حريصاً على ألأهتمام بطيوره.. تارة يفتش عن أجود الحبوب.. تارة يعالج الحر الشديد والبرودة.. وهكذا هيأ أجواء لكل الفصول. كان كل عصر.. يخرج الحمام الى الخارج ليطيروا فوق القسم لساعات وهو ونحن نتمتع بذلك المنظر البديع.. كم تمنيننا لو كانت لنا أجنحة؟؟؟. حول نزار.. وطيور نزار.. هنالك حادثتان لم ولن أنساهما أطلاقاٌ.. وهما: 1/ كنا في كل يوم.. بالأخص في فصل الصيف نبقى في الساحة ألأمامية لغاية المغرب.. لذلك كان ألأخ/ نزار (يحسب حسابه) قبل أدخالنا الى الغرف كان (يرتب) حاله.. يدخل الطيور الى البيت ويقفل الباب.. وهكذا كل يوم!!. في أحد ألأيام.. أدخلونا الى غرفنا قبل الموعد بساعتان.. لم نعرف السبب!!. طبعاً في هذه الحالة (طيور/ نزار) في السماء!!.. طيب.. ما العمل؟؟. نزار كان يتصرف بشكل (هيستري).. لايستطيع لا الجلوس ولا الكلام.. من خلال الشباك ينظر الى السماء ويدق يد بيد.. ويدخن بشراهة!!. أستمرت الحالة لأكثر من ساعة.. حينها وطوعياً نزلت الطيور ودخلوا القفص.. بعدها كلفنا أحد الحرس (بعد دفع رشوة) قام بغلق الباب.. حينها تنفس/ نزار الصعداء وأرتاح!!. 2/ في صباح أحد ألأيام ، كان نزار منشغل بتصليح (قفص الطيور).. السيكارة في فمه ومنهمك ومشغول عالأخر.. كان أحدهم يقف خلفه ويسأله: ـ ماذا تفعل؟؟. لم يرد عليه نزار.... بعد لحظة كرر السؤال: ـ ماذا تفعل..؟؟ لماذا ماترد؟؟؟... (ولكن بهدؤ)!!. نزار أعتقد أن أحد النزلاء يريد تعطيله من عمله ويلاطفه!!! .. حينها صرخ نزار قائلاً: ـ ماداتشوف شدا أسوي؟؟ يعني : الا ترى ماذا أفعل؟؟. التفت نزار وإذا المتحدث كان مدير ألأمن/ العقيد حسن العامري!!. تبسمر المسكين/ نزار في مكانه.. المذكور كان خنزيراً.. لايتفاهم.. قلنا والله أكلها/ نزار سوف يعاقب!!. نزار ظل في مكانه فاقد النطق.. حينها وضع المدير يده على كتف نزار وقال: ـ ولايهمك.. أردت أن أمزح معاك.. بالمناسبة هل عندك مشاكل ومعوقات مع طيورك؟؟ وماذا تريد؟؟. نزار لم يصدق مايسمع.. قال : ـ أريد عدد أكثر.. ولكنها بحاجة الى موافقة. قال المدير: ـ وأنا موافق أجلب العشرات من الطيور.. ولايهمك!!!. قال هذا وأنصرف المدير.. والجميع ينظرون من الشبابيك.. كنا نخاف على نزار وكلامه الخشن.. لكن الله سبحانه وتعالى ستر.. وأنتهت ألأزمة بمكافأة نزار!!!. بعدها ولأيام نضحك على تصرفه.. ورده الخشن على المدير!!. كانت أيام صعبة... ياناس.. لاتنسى..!!. هنالك حلقات أخرى بأذنه تعالى.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |