|
التأمر العربي على العراق ... ودوره في تخريب هذا البلد ...
محمد جودة الفحام/مؤسسة اليوم الموعود الثقافية لقد كان استقدام (فيصل الاول) هو اول واكبر مؤامرة دولية عربية ضد العراق..!! لم يكن تدخل العرب في الشأن العراقي والذي يصل في كثير من الاحيان الى حد التأمر جديدا ولامفتعلا فهو متأصل في نفوسهم لانه التوأم للنظام العراقي منذ التأسيس الاول للدولة العراقية ومجيء فيصل الاول ملكا على العراق. من هنا كانت البداية المأساوية التي نعيشها حتى اليوم والتي لانظن بانها ستنتهي بالزمن المنظور طالما هناك من يتواطأ ويستعدي اخوانه) العرب على ابناء جلدته تارة باسم القومية والتلاحم القومي وتارة بغطاء طائفي مكشوف مرة ومستور مرة اخرى. لذلك فأن استقدام فيصل الاول هو اول واكبر مؤامرة دولية وعربية ضد العراق وكأن ارض الرافدين لم تنجب من يستحق ان يكون ملكا, وكانت الحجة المعلنة هو عدم وجود شخصية يتفق عليها الجميع مما سيؤدي الى التنافس والتناحر بين مكونات الشعب العراقي علما بأن الجميع لم يتفق او يوافق على فيصل فالاجماع من الامور المستحيلة, والحقيقة هي ان الانكليز قد اتفقوا مسبقا مع فيصل لتنفيذ سياستهم الاستعمارية في العراق ولهذا السبب تم تنصيبه. والرجل لم يأت وحده الى العراق فقد اصطحب معه مجموعة من العرب لمساعدته ومعاونته في ادارة شؤون البلاد تحت الاشراف البريطاني وكان احدهم (ساطع الحصري) وهو اخطرهم لانه تولى اخطر المفاصل وهو التعليم وقد مارس خلاله دوراً تأمريا لازلنا نعاني منه لحد الان . والتأمر العربي على العراق لم يأخذ شكلا واحا فهو متعدد الجوانب منها الفكري والاقتصادي والعسكري ومحاولات قلب انظمة الحكم وغيرها , مع ملاحظة ان كل هذا كان يتم عبر التنسيق والتعاون مع عراقيين ذو نفوذ عن طريق تقديم الدعم المادي والمعلوماتي واللوجستي والتنفيذي كانهم ادوات مسخرة بيد الاجنبي لذلك فأن اللوم لايقع علىالعرب وحدهم بقدر مايتحمله هؤلاء المهزوزون من اصحاب الشخصيات الضئيلة. وليس بالامكان تعداد كل صيغ التأمر فهي كثيرة تمتد عبر قرن من الزمان ولكننا سنكتفي بايراد ثلاثة امثلة فقط. الاول/ هو الدور التخريبي التأمري الذي مارسه الحاج محمد امين الحسيني مفتي فلسطين , فقد دخل هذا الرجل الى العراق خلسة بجواز سفر مزور وتحت اسم مستعار واصبحت الحكومة العراقية امام الامر الواقع فرحبت به وقامت بافضل واجبات الضيافة الا ان تركيبته النفسية لم تسمح له باحترام هذا الكرم, فأخذ يمارس الاعيبه باسم قضية فلسطين (قبل قيام دولة اسرائيل ) وتحت شعار معاداة الانكليز وهو الشعار الرائج والمعروف عنه بانه كان عميلا لالمانيا وقد يكون والله اعلم عميلا مزدوجا للالمان والبريطانين لانه لم يمسسه اذى بعد انتهاء الحرب الثانية بانتصار الحلفاء هو ورشيد عالي الكيلاتي ووصلوا الى اماكن امنية بقدرة قادر وعلى طريقة السوبر مان الامريكي. المهم ان الحسيني استقطب بعض العراقيين عند وصوله الى بغداد وألف عصبة من سبعة اشخاص اضافة الى رشيد عالي الكيلاني وناجي شوكت والضباط صلاح الدين الصباغ (لبناني الاصل والمولد في بعلبك) وفهمي سعيد ومحمود سلمان ويونس السبعاوي واخذت هذه المجموعة تسعى بكل الوسائل لاسقاط الحكومة وهي تمتلك قوة الجيش عن طريق هؤلاء الضباط واخيرا نجحوا باجبار رئيس الوزراء طه الهاشمي على تقديم استقالته من الوزارة تحت تهديد السلاح, وكان الوصي على عرش العراق قد هرب من بغداد , وهكذا اصبح العراق يعيش حالة فراغ دستوري بلا رئيس دولة وبلا حكومة. تم بعدها ملأ الفراغ بحكومة الانقاذ الوطني برأسة الكيلاني واختيار الشريف شرف وصيا على العرش واستمرت تخبطاتهم بادارة الدولة على مدى شهرين كاملين انتهت بمأساة احتلال العراق للمرة الثانية من قبل بريطانيا. اما المثال الثاني/ فهو ماقام به فرعون مصر في العصر الحديث جمال عبد الناصر الذي لم يترك دولة عربية لم يتأمر عليها من السعودية الى الاردن وسوريا واليمن والسودان وتونس والجزائر ولبنان, الا ان مايهمنا هو دوره التأمري على العراق وسنكتفي بفترة حكم الزعيم الشهيد (عبد الكريم قاسم) فقد بدأ التأمر يوم 18 تموز 1958 أي بعد مرور اربعة ايام فقط على قيام ثورة تموز عندما قام الوفد العراقي برئاسة عبد السلام عارف (الرجل الثاني في السلطة) بزيارة عبد الناصر في دمشق (ايام الوحدة) ففي اليوم السابق للزيارة أي 17 تموز زار القائم باعمال السفارة جمال عبد الناصر العقيد عبد السلام عارف في مقره ليتأكد من حاجات ومطاليب الوفد ووقت السفر وعند عودته الى مقر السفارة صاغ البرقية التالية وبعث بها الى وزارة خارجيته (ذكر العقيد عبد السلام بانه سيموت دفاعا عن هدفه في المناداة بالعروبة والوحدة بشكل عام حتى يستتب الامر نهائيا, وان الزعيم عبد الكريم قاسم لايستطيع الوقوف في وجه هذه الفكرة وقد يضطر (أي عبد السلام) في أي وقت الى التخلص منه أي (عبد الكريم) وان كان يعتقد انه سيخضع له في النهاية ويرجو العقيد عبد السلام ان تدعم بكافة الوسائل جريدة الجمهورية التي تعبر عن الحركة وان يفتح مكتب استعلامات للجمهورية العربية المتحدة في بغداد ووعد بنشر كل مايصدر عنه وطلب تزويد السفارة بخبراء من المقاومة الشعبية والدفاع المدني وايضا ابقاء سرب من الطائرات في تدمر على اتم الاستعداد) وبعد ان عاد الوفد حضر عبد الكريم قاسم الى مديرية الاستخبارات العسكرية على عادته اليومية وقال لهم بالحرف الواحد (ان وزيرا من اعضاء الوفد نقل اليه ان عبد السلام عارف اختلى بعبد الناصر وباع العراق اليه ولما سأله عن موقفي (أي موقف عبد الكريم من هذا البيع) اجابه عبد السلام انه بامكانه ازالتي (أي عبد الكريم قاسم بعشرة فلوس). ويقول العقيد صبيح علي غالب (احد الضباط الاحرار وعضو اللجنة العليا) تقرر التحاقي بمنصبي الجديد كملحق عسكري في انقره يوم 9/9/1958 وبينما انا في المطار واذا بضابط المطار يخبرني قائلا ان عبد السلام يطلبك على التلفون فذهبت وما ان اخذت التلفون الا وكلمني قائلا اني اعتذر لعدم مجيئي الى المطار لتوديعكم لكثرة اشغالي واضاف قل له ان الوضع اصبح متوترا بين قم (1) ورقم (2) وان رقم (2) سوف لاينتظر طويلا وانه اذا استمر الوضع سازيل رقم (1) لاتنس, لاتنس قل له وكرر ذلك مرتين. فتعجبت لاسلوب مكالمته بهذه الرموز التي لااعرف معناها وسألته انا ذاهب الى تركيا ماذا تعني برقم واحد ورقم 2 ؟ فقال من انت ؟ فاجبته انا صبيح علي غالب فاعتذر ايضا لعدم كجيئه لتوديعي في المطار وقال ارجو ان تبعث لي صبحي عبد الحميد وفعلا ارسلته له). اما صبحي عبد الحميد فيقول (في صباح 9 ايلول كنا في المطار نستعد للسفر الى القاهرة وصادف ان كان العقيد الركن صبيح علي غالب وقبل صعودنا الى الطائرة بدقائق جاء الضابط المسؤول وقال لصبيح ان العقيد عبد السلام ينتظر على التلفون فذهب وعاد بعد قليل وهو يضحك وقال لي انته المطلوب ولست ان فذهبت وكامني بعد السلام قائلا: يبدو ان حظك عاثر بالثورات لانك كنت في يوم 14 تموز بالاردن واليوم تسافر الى القاهرة وستفوتك الفرصة للمشاركة بتنحية عبد الكريم قاسم لاني انفقت مساء امس مع ضباط اللواء العشرين على تنحيته يوم 14 ايلول وعندما ستعود سترى ان الامور قد تبدلت. فقلت له ان هذا كلام خطير لايقال في التلفون فقال لاتخف فليس هناك من يراقبني لان جماعتنا يسيطرون على اجهزة المراقبة) الا انه تم تسجيل المكالمتين وتسليمهما للزعيم عبد الكريم قاسم . وقد رفع الملحق العسكري العراقي في القاهرة العقيد الركن عبد الوهاب الامين تقريرا الى عبد الكريم قاسم جاء فيه (ان العميد فلان– لم يذكر اسمه– اخبرني التالي– ان الرئيس عبد الناصر بعد عودته من موسكو جمع مجلس قيادة الثورة وبحث ثورة العراق في 16 تموز وفي نتيجة بحثهم لثورة العراق كان رأي عبد الناصر ان العراق قام بثورة لم تجارها ثورة 23 يوليو في مصر ويعني ذلك ان قادة الثورة رجال اكفاء (يقصد العراقيين) وبامكانياتهم ونجاح ثورتهم بهذا الشكل الخاطف فالاحتمال انه سيقوم العراق (لامكانياته الكبيرة) ويقود الامة العربية وتصبح مصر في الخلف , واذا فيجب تدمير الثورة العراقية بأي ثمن) الا ان المصير الذي كان ينتظر عبد السلام عارف هو الاقالة من جميع مناصبه واحالته الى محكمة المهداوي والحكم عليه بالاعدام . ولكن عبد الناصر لم يكن يعمل على خط واحد او يعتمد على طرف واحد بتأمره . ففي الاول من ايلول 1958 عاد الكيلاني الى العراق واتضح بعد شهرين فقط من قدومه انه كان يحمل مشروعا تأمريا ناصريا اخر تم الكشف عنه واحيل الى محكمة المهداوي ايضا وحكم عليه بالاعدام هو وابن اخيه حيدر والمحامي عبد الرحيم الراوي الا ان عبد الكريم قاسم كان قد رفع شعار عفا الله عما سلف فلم تنفذ الاحكام بهم , وقد صرح عبد الكريم المحاولة التي تحمل الرقم 28 قد نجحت يوم 8 شباط الاسود عام 1963 وذلك بتعاون امريكا وبريطانيا وايران الشاه ومصر وكل قوى الظلام في الداخل والخارج . لايفوتنا هنا ان نذكر مؤامرة الشواف وذللك بالتخطيط وتزويد المتأمرين بمحطة اذاعة والاسلحة الخفيفة واستعداد الطائرات على الحدود العراقية السورية الا ان المؤامرة قبرت في مهدها ولايمكننا معالجتها فهي تحتاج الى سلسلة من المقالات لتغطية مداخلاتها وملابساتها ومارافقها من احداث مأساوية وما تمخضت عنه من نتائج. اما المثال الثالث/ والذي ابتدأ في نهاية عقد السبعينات من القرن الماضي ولازال مستمرا لحد اليوم والذي تجاوز التأمر على الانظمة وانتقل الى مرحلة التأمر على الشعب العراقي بكافة مكوناته , وكانت البداية هي دعم المخبول صدام بحربه مع ايران فقد كانت هذه الحرب باسلحة امريكية واوربية واموال عربية (سعودية وكويتية) وبدماء عراقية وبعد انتهاء الحرب اخذ التأمر شكلا اقتصاديا تخريبيا موجها ضد العراقيين وقامت حرب الخليج الثانية ومارافقها من قمع وماتبعها من حصار دفع ثمنه الشعب العراقي وليس النظام والعرب يعلمون ذلك علم القين. وكشّر العرب عن انيابهم بعد احتلال العراق عام 2003 ودخلت القوات المحتلة عن طريق الكويت (هذه العلقة السامة الملتصقة بالجسد العراقي) واتحد العرب لاول مرة في تاريخهم الحديث ضد العراق ارضا وشعبا ونظاما, فرصدت المليارات من الدولارات وجند الالاف من المخبولين الانتحاريين اضافة الى المقاطعة والحصار السياسي والدبلوماسي هذه المرة, والكل يتباكى على العراقيين بوضعهم المأساوي الحاليوالكل ساهم بايصالنا اليه, ترى ماهي الاسباب المنطقية والمعقولة لهذا التأمر المستمر؟ هل هي الخشية من ان يكون العراق قائدا للامة بامكاناته الهائلة كما صرح عبد الناصر عام 1958؟ ام هل هو الطمع بثروات العراق وخيراته؟ هل هناك بعدا طائفيا يحرك هذا التوجه؟ رغم ترفعنا عن الانجرار لهذا المستنقع الآسن الا ان هناك الكثير من الدلائل والشواهد تؤكده . هل هو الخوف من التجربة الديموقراطية كما تسميها الولايات المتحدة والتي لم نحصد منها سوى الخيبة والخسران والفوضى؟ قد تكون كل هذه الاسباب مجتمعة وقد تكون هناك اسباب اخرى نجهلها والله اعلم. المهم لايسعنا الا ان نردد ماقاله احد الفلاسفة (اللهم اكـفني شـر اصدقـائي (واقول اخـواني) اما اعدائـي فانأكـفيل بـهم).
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |