|
المنظر السياسي العراقي الحالي معقد وباعث على السخرية والألم معا، فالعراق بعد اربعة سنوات من الاحتلال يبدو وكأنه غير قابل للتقسيم وفقا للخطة الامريكية المبيته وغير قابل للتوحيد أيضا مثلما يريده الوطنيون من العراقيين، والعراق وفقا للمعايير القانون الدولي دولة وغير دولة في ان واحد، وهومستقر وغير مستقر في الوقت نفسه... الى مالا نهاية له من جملة متناقضات صارخة ... غير ان الواقع السياسي يؤشر وجود ثلاثة دول متشكلة أو في طريقها للتشكل في العراق: الدولة الشمالية التي يريد الاخوة الاكراد تحويلها الى نواة لكردستان الكبرى بعد ان يتم سلخ شمال غربي ايران وشرق تركيا، ودولة الجنوب الشيعية والتي يراد منها ان تكون نواة لدولة شيعية عربية نفطية غنية واسعة الارجاء بعد ان تبتلع دول الخليج الصغيرة وعربستان الايرانية، ودولة الوسط السنية والتي يراد منها ان تكون نواة لدولة سنية جديدة فقيرة بالموارد الطبيعية بعد ان تندمج مع الاردن وشمال السعودية وتشكل منطقة حاجزة ضعيفة تفصل اسرائيل عن الدولة العربية الشيعية الاكثر غنى وقوة. هذا هو المنظر المؤلم للعراق والمنطقة في ان واحد ،منظر مؤلم لنا لاننا نحن ندفع يوميا ثمن تحققه المئات من حياة مواطنينا واحباءنا، ومفرح لحكام العالم ومخططي استراتيجياتها الذين لايهتمون بكم وكيف ومتى يتحقق خططهم؟ نحن فقط، وللوقت الحالي على الاقل، مواطنوا العراق نبقى المعنيون بالاجابة عن الاسئلة المطروحة. ولكي تتحقق هذه الخطة الشاملة (خطة بناء الشرق الاوسط الكبير) عبر الزمن لابد من اشغالنا بتفاصيل معقدة وطويلة ودموية، فكما الليل الطويل لكي ينجلي لابد للنائم من احلام يستعين به. احلام ابتدأت من اشاعات اضافة اللحم والدجاج الى قائمة الحصة الغذائية الفقيرة الى احلام الديمقراطية والرفاهية التي ستحيل العراق الى جنة أجمل من جنان باريس وفيننا! فلو حاولنا ان نتجرد من التفاصيل اليومية المؤلمة والتي تحجب عنا الرؤية فأغمضنا اعيننا لبرهة لنسترجع شريط الاحداث في العراق لنرى كيف وصلنا الى ما وصلنا اليه، ونتصور الى اين نحن مدفوعون فسوف نرى ان الدولة الشمالية قد تم تأسيسها فعلا بعد حرب الكويت مباشرة بدعوى حماية الاخوة الاكراد من صدام حسين، ودولة الجنوب الشيعية العائمة على بحر من النفط تأسست عقب سقوط صدام، اما دولة الوسط السنية الفقيرة فقد كانت ولادتها عسيرة ومعقدة كتعقيد الافلام الامريكية، فلقد تم زرع القاعدة فيها زرعا لكي تقاتلها القوات الامريكية فتكون الحرب ذريعة لتحطيم البنية التحتية للمنطقة وتشريد موسريها انتهاءا بالقضاء على الالة العسكرية العراقية الحقيقية، صمام امان الوحدة العراقية. لقد انتهت هذه الحرب الغير المتكافئة بتفاهم الامريكان مع رافعي راية العروبة من البعثيين القدامى والمرهقين من حرب الاستنزاف الامريكية الطويلة للقضاء على القاعدة مقابل السلام الامريكي المشروط بالتخلي عن الافكار الوحدوية العراقية والاكتفاء بحكم البعثيين( ثوار الصحوة) لمنطقة الدليم والجزيرة. لقد كنا فيما مضى، اي قبل الاحتلال الامريكي نسمع من خلال وسائل الاعلام بجملتين اثنتين فقط (تقسيم العراق الى ثلاثة مناطق والحرب الاهلية). وها هي الدول الثلاث قد تم تأسيسها، اما الحرب الاهلية فوقوعها لم يكن لها علاقة مع تأسيس هذه الدول مباشرة، بل هي حروب متفرقة حدثت وتحدث في مناطق التخوم، اي المناطق التي تفصل حدود هذه الدول الثلاثة، فمعركة بغداد التي استمدت شعلتها الاولى من تفجير مرقد الامامين العسكري والهادي معركة جرت وتجري بين الدولة الشيعية الجنوبية والدولة السنية الوسطى للسيطرة عليها ويبدو ان الحرب تميل لصالح الشيعة بعد ان فاق تعداد النازحين السنة الى الاردن وسوريا المليونين. وتؤشر الاحداث الاخيرة انتقال الحرب السنية الشيعية الى منطقة ديالى، حيث يتوقع ان تحدث هناك حرب اخرى بين الشيعة والاكراد ( الدولة الشيعية ودولة الشمال) بعد تصفية السنة. اما التفجيرات الاخيرة والتي ابتدأت بتفجير امرلي التركمانية واخرها تفجير القحطانية اليزيدية، فهي بداية لحرب اهلية جديدة بين دولة الوسط السنية ودولة الشمال والتي سوف يتم حسم الجولة الاخيرة من سلسلة هذه الحروب الاهلية بمعركة كركوك والتي سوف لن تكون اقل عنفا من معركة بغداد. وما التفجيرات الغريبة التي حدثت في المناطق الكردية من كركوك الا ايذان لقرب احتلالها من قبل بيشمركة الحزب الديمقراطي الكردستاني بدعوى نشر الامن وحماية الاكراد في كركوك . هذا الاحتلال،الذي ماانفك يتوعد به السيد مسعود البرزاني اذاما لم تسلم كركوك الى دولته بالاستفتاء المزور المزيف. واذا ماتم احتلال كركوك فستكون بادئة لسلسلة حروب جديدة ومعقدة الهدف منها تقسيم كركوك بين الاخوة الاكراد انفسهم (الحزب الوطني الكردستاني الحاكم الفعلي لكركوك والحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يطمع في احتلال كركوك لتكرار تجربة احتلال اربيل)، ومذبحة كبرى للتركمان وعمليات تهجير واسعة للعرب ومن يسلم بجلده من التركمان. وةقد تكون هذه الحرب فخ لسحب دول اخرى لميدان المعركة. ان المهم حسب اعتقادي بأن معركة كركوك قد بدأت بأحتلال الخط الاستراتيجي الذي نوهت عنه مرارا، وستكون هذه الحرب الجولة الاخيرة لاستكمال بناء واعلان قيام الدول النواتية الثلاث بانتظارتنفيذ المرحلة الثانية من المشروع الامريكي الذي بدأ الضباط الامريكان متعمدين بنشر خارطته امام الضباط الاتراك ولمراة عدة في الندوات العسكرية بغية تعويد حليفتهم على تركيا مقسمة مثل العراق.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |