|
مام صالح في كتابه وه ك خوى: منذ طفولته عاش حياة كادحة صعبة وفي هذا السن المبكرمشى في مناكب الأرض بحثاً عن عمل يساعد أباه الكادح المرهق وتوفير لقمة العيش في ظروف الفقر والعوز، وكان وهو طفل في عمر الزهور عندما تركوا الحياة في قريتهم وسكنوا مدينة كركوك، وهناك ومنـذ بلوغه سـن السادسة والسابعة أخـذ يبيع الورد، وفي العطلة المدرسية يعمـل فـي مقـهى من مقاهي المدينة ليسـاعـد بذلـك والـده وتوفير لقمة العيش للعائلة بعد أن هـاجروا من الـريف الى مـدينة كركوك. وه ك خوى عبارة كوردية، وتعني في العربية: كما كان، أو مثلما حدث، ويمكن ان نسّمي هذه العبارة بـ (الحقيقة) أو كما هي، والحقيقة هي القضية الصادقة، او هي شهادة الشاهد أياً كان الذي يتكلم عمّا رآه أو ما سمعه، والحقيقة تعني الواقع، وللحقيقة قيم. إن الصدق حقيقة ملازمة للمناضل فخرالدين نجم الدين طالباني (مام صالح) منذ طفولته البائسة، والصدق عادة يقتلع الكثير من الأخلاق السيئة، وبالمقابل يساعد على غرس الكثير من الأخلاق الطيبة في نفوس الشباب الذين يريدون خدمة منظماتهم وأفكارهم والإرتقاء بمجتمعاتهم والوصول إلى الأهداف التي كرسّوا حياتهم لها، فالصدق بداية سلسلة الأخلاق الحسنة، وهو منبع كثير من الفضائل الخلقية، ويتشّعب منه الأمانة والوفاء والشجاعة، ومام صالح قولاً وفعلاً هو الأمين والوفي والشجاع. التقيت الرفيق فخر الدين نجم الدين طالباني، أو كما يرد ذكره الرفيق نادر في الحزب، أو مام صالح (العم صالح) في قوات الأنصار لأول مرّة في معتقل (موقف) مديرية شرطة كركوك نهاية عام 1965 وبداية عام 1966 ورأيته شاباً وسيماً وشيوعياً متحمساً وإنساناً رائعاً ومناضلاً عنيداً ومضحياً في سبيل شعبه ووطنه، ونقياً صافياً، وصادقاً مع نفسه وأميناً مع مبادئه. والتقيت به مرة أخرى في بدايات تأسيس وبناء مقر حزبنا الشيوعي العراقي في (به له بزان) بعد الهجمة الهمجية للدكتاتورية المتوحشة على الحزب عام 1979 ورأيته كما كان، وه ك خوى، لم يتغير أبداً، يدافع بكل ما يملك في سبيل أهدافه وأفكاره، وتكررت اللقاءات، وفي كل لقاء يزداد المرء قوةً وإندفاعاً حين يرى وجهاً بشوشاً ومناضلاً في الصف الأمامي ومرشداً من أجل العدالة وحب الناس. في بداية كتابه (وه ك خوى) يشكر مام صالح الأخ ريبوار الشيخ حسين سه رقولى الذي أخذ على عاتقه كتابة النصوص وإعداد الكتاب للطبع، ويذكر أيضاً اسماء ولديه هونه ر ودلير وإبنته بوار الذين قدموا لكثير من العمل، ويشكرهم على سهرهم وحرصهم ومتاعبهم، كما يقدم الشكر لكل من ساهم في تقديم وإخراج الكتاب الذي يروي ذكرياته وحياته الحزبية والسياسية. وخلال هذه الأسطر يرد اسم فخرالدين، نادر، ومام صالح، وهذه الأسماء كلها إشارة إلى الرفيق فخر الدين نجم الدين طالباني. يقول مام صالح ترك والدي القرية وتوجّه إلى كركوك وعشنا مع عوائل تركمانية، وحصل والدي بمساعدة أحد أقاربنا على عمل في بلدية كركوك بصفة بستاني، وعشنا حياة البؤس والفقر، وكانت عائلتنا تتكون من(13) إخوة (8) بنات و(5) اولاد، وكنت أكبرهم، ونظراً لحالة الفقر والعوز توفي (3) من إخواني و (5) من أخواتي وهم أطفال في عمر الزهور، وجميعهم يرقدون في مقبرة المصّلى في وسط مدينة كركوك. كانت المعيشة صعبة للغاية، نحن عائلة كبيرة، وراتب الوالد لا يكفينا، ورغم هذه الحالة وطبقاً للعادات والتقاليد العشائرية كان والدي يدعو الذين يتوجهون من القرية إلى المدينة لقضاء حاجاتهم وإكمال معاملاتهم إلى البيت وهم كثرة وعلى مر الأيام، يأكلون عندنا، وينامون أيضاً دون التوجه إلى الفنادق، وهذه الحالة دفع الوالد أن يجد لي عملاً وعمري (5) سنوات، وكان يأتي بالورود من بستان البلدية، وينظم هذه الورود في سلة، ويأخذني إلى دكان أحد أصدقائه، طالباً منه مراقبتي ومساعدتي عند الحاجة، وكنت أفترش الأرض وأبيع الزهور وأحصل على عدد من العانات (كانت العانة تسوي ـ 4 ـ فلوس) ومن ثمّ أسلم العانات إلى الوالدين. بعد فترة قمت ببيع الشخاط، ولكن مثل هذه الأعمال لم تكن مجدية، عشنا بفقر وكان أكلنا وملبسنا رديئاً جداً، وأتذكر جيداً بأنني كنت أمشي حافي القدمين وألبس دشداشة قديمة فيها الكثير من الرقع. تحت تأثير الفقر ترك والدي عمله بصفة بستاني في بلدية كركوك، وأختار عملاً آخر، إذ إنخرط في أعمال البناء لكي يحصل على راتب أعلى، وكان يعود يومياً منهوك القوى ومتعباً، وقد ظهرت على تقاسيم وجهه آثار التعب والإرهاق، وأراد والدي أن أدرس وأدخل المدرسة، ولكن حالة الفقر كانت عائقاً، وبدلاً من المدرسة أدخلني والدي جامع الملا عزيز شل القريب من بيتنا. قال والدي للملا عزيز شل وهو درويش من دراوشة الشيخ جميل طالباني : هذا هو إبني أريد أن يتعلم عندكم ( لحمه لكم وعظامه لي)، ومن هذا القول أراد والدي أن أكون عبداً مطيعاً للملا عزيز شل، كان عددنا من البنات والأولاد يقترب من (50) وأعمارنا بين التاسعة أو أقل. كان الملا عزيز شه ل مرعبا ومخيفاً في هيكله، كلامه غليظ، ووجهه يشتعل غضباً وله لحية بيضاء كثيفة، وكان الأطفال يخافون منه. بعد (3) أيام أخبرني الملا عزيز شل بأن أبقى في الجامع، وخرج الجميع وبقيت، وأعطاني لقمة أكل، وهنا أمرني أن أحمل مكنسة، وأن أنظف الجامع، وخلال ساعتين أو أكثر استطعت تنظيف الجامع، وأصبح هذا عملي اليومي، وأكثر من هذا أمرني الملا أن أنظف البركة المخصصة للتبول (حفرة دائرية) بدلاً من المرحاض، وكنت أتشوق اللعب مع الأولاد والأصدقاء، ولكن الملا كان مانعاً، فهو يأمر وأنا العبد أنفذ، وكنت أشعر بالإهانة. لم يكتف الملا عزيز شل بتنظيف الجامع وبركة التبول والبقاء تحت أمرته، وفي أحد الأيام أخبرني بانّ علي الذهاب يومياً إلى بيته وأنقل له قوته اليومي، ففي احد الأيام ذهبت إلى بيت الملا وأعطوني سفرطاس (وعاء خاص يشبه السطل) وفي خارج بيت الملا عزيز شل فتحت الوعاء وشاهدت (3) كفتات (الكفتة تعني الكبة) مع شوربة سلق، وقررت أكل الكفتات الثلاث، وقد نفذت قراري حيث جلست في خرابة (كلاوه ى ملا عبدالله) وعند أكل الكفتة الثالثة رآني جارنا التركماني عبدو كبابجي وفي الحال قال لي : عملك هذا منكر، وأدري ان الأكل خاص بالملا، وعليك أن لا تكرر مثل هذا العمل مستقبلاً، وخفت من أعماقي، خفت من والدي الذي هو صديق جارنا عبدو، كما خفت من الملا الذي يعرفه عبدو جيداً، وبعد الإنتهاء من أكل الكفتات أخذت الشوربة فقط للملا. وفي اليوم التالي نادى الملا علي وأدخلني إلى غرفة في الجامع، ونادى أيضاً على أثنين من أصدقائي أن يجلبوا له الفلقة، وبدأ الملا يضرب أسفل قدمي بواسطة جذوع الأشجار وهو يصرخ ويقول هذا جزاء كل من يأكل حصتي من الكفتات، وعندها تذكرت بأنّ جارنا التركماني عبدو كبابجي قد أخبر الملا، ولكن رغم الآلام في قدمي شعرت بالإحراج أمام أصدقائي الذن عرفوا سبب ضربي من قبل الملا. بعد ضربي من قبل الملا عزيز شل لم أذهب في اليوم التالي إلى الجامع وقضيت نهاري باالعب مع أصدقائي في الدرابين والمحلات، وفي اليوم الثالث لم أذهب، وفي البيت كانوا يعتقدون بأنّي أداوم في الجامع، وعندما تكررت غياباتي أرسل الملا طلباً، يريد من والدي الحضور عنده، وعند اللقاء أخبره الملا بالوضع من أكل الكفتات والضرب بواسطة الفلقة وعدم الدوام، وعند عودة الوالد من الجامع وتحريض الملا عزيز شل نلت قسطاً من الضرب وبركات الوالد، ونتيجةً لتصرف الملا تمردت وقلت لوالدي يستحيل العودة إلى الجامع حيث الإهانة اليومية، وقد وقفت والدتي العطوفة والحنونة إلى جانبي، وحصلت على قسط من الحرية وعدم الذهاب إلى جامع الملا عزيز شل. وعندما شاهد جارنا التركماني عبدو أكل الكفتات من قبل فخر الدين أباح أمره إلى الملا، ولكنه يطلب من الملا مناداة تلميذه الطفل بشرط أن ينصحه وأن لا يقدم على عمل مماثل في المستقبل، ويحصل على وعد منه بأن لا يضربه، ولكن الملا عزيز شل لم يكن وفياً لوعوده، وقام بفعلته الدنيئة بضرب الطفل أمام أنظار أقرانه من تلامذته، ولما علم عبدو كبابجي جارنا التركماني بفعلة الملا المشينة يتوجه إلى الجامع ويلتقي بالملا ويَذكره بوعوده، كما يوجه له كلمات الإستخفاف وجمل غير لائقة ويقول له : من اليوم فصاعداً لا أتوجه إلى هذا الجامع، وأخبر جميع أصدقائي بعدم الحضور هنا والصلاة من ورائكم. وفيما بعد علمت بأنّ الملا يأمر تلامذته بتنظيف الجامع وبركة التبول، وأكثر من هذا يخصص عدداً منهم لبيع الجكليت (الشوكلاته)، ويقال بانه كان يجني أرباحاً مثيرة ويتصرف بالأموال حسب رغبته. ان سرد الحقائق يحمل في طيّاتها اللذيذ والمر، وقد يصاب المرء بالدهشة عندما لا يملك شيئاً للصرف على عائلته فيلجأ إلى السرقة حتى من معارفه، وهذا ما حدث للوالد المسكين والفقير عندما سرق بغلاً من محلة تسعين في كركوك، وذهب إلى مدينة خانقين كي يبيعه، ويصرف المال المستحصل لأولاده، ولكن الفرحة لم تدم سوى ساعات، وانكشفت السرقة وأدخل الوالد السجن وأكبر أولاده عمره (6) سنوات. ودخل الطفل فخرالدين نجم الدين طالباني مدرسة ـ يايجي ـ بواسطة الأصدقاء والمعارف من الناس الطيبيين، وفي أحد الأيام يأتي شاب جميل الملبس إلى المدرسة، ويتحدث إلى مديرها، وبعد فترة يطلبون من هذا الطفل مرافقة الشاب الذي هو من أقاربه ويأخذه مع والدته وإخوته إلى قرية ـ باداوه ـ إلى بيت أخواله الذين كانوا عوائل متمكنة وحالتهم المعاشية جيدة في القرية التي كانت بحدود (600) بيت، وان احد أخواله كان يملك أراضي شاسعة هناك، وفي هذه القرية دخل فخرالدين المدرسة، وبواسطة الأقارب أطلق سراح والده وتوجه إلى القرية، ليتلقى سيلاً من الكلمات الجارحة على فعلته الشنيعة، وكان الجميع ينظرون إليه بإستخفاف من الزوجة وأخوانها مع الأقارب، وبعد الأحاديث المطولة يوافق الأخوال على عودة أختهم مع الزوج والأولاد مرة أخرى إلى كركوك، ويعود الوالد من جديد إلى عمله السابق بصفة بستاني في بلدية كركوك، وفي نهاية العام الدراسي أصبح فخرالدين الناجح الأول في مدرسة قلعة كركوك. في العطلة المدرسية (الصيفية) وبعد إستراحة (3) أيام أخذ الوالد الطفل فخرالدين وعمره (7) سنوات تقريباً إلى مقهى السيد كريم جايجي للعمل بأجرة يومية قدرها (80) فلساً، وعند إفتتاح المدارس باشر هذا الطفل المسكين في الصف الثاني وبعد المدرسة كان يذهب رأساً إلى المقهى ويعمل لحد الساعة (11) ليلاً، واستمر على هذه الحالة إلى أن تحوّل إلى صانع عند كبابجي من المعارف بأجرة يومية قدرها (100) فلس، وكأي طفل يميل إلى القيام بتجربة أعمال كثيرة ومنها الأعمال السيئة، ولجأ إلى لعب القمار ولعب الدعبول وطرة و كتبة وغيرها. في أحد الأيام يزور فخرالدين والده في حديقة البلدية المسماة ـ حديقة المجيدية الواقعة في مركز مدينة كركوك، وعن طريق الصدفة يأتي رحيم وهو من أصدقاء والده وصاحب نادي الموظفين، وبعد التعرف على فخرالدين يطلب منه العمل معه لقاء أجر شهري قدره (5) دنانير، ويتم الإتفاق بين الطرفين، وبعد مدة من الزمن يتعلم القمار بانواعه المختلفة. ويتعرف على شخص رزن ومحترم إسمه خليل، ويطلب منه خليل الإقتلاع عن الاعمال السيئة، وفي يوم ما يعرض عليه صورة ويقول هذا سجين سياسي وهو شيوعي، وأعطيك الصورة بشرط أن لا تكشف الأمر عند الآخرين، وتستطيع أن تقدم لنا مساعدة حسب إمكانياتك، وعلى الفور يستلم الصورة منه ويعطي خليل المساعدة، وعند العودة إلى البيت يعلق الصورة على جدارغرفة سكنهم. عن طريق خليل سمع لأول مرة كلمة الشيوعي والحزب الشيوعي العراقي، وكان وقع الكلمة عليه قوياً، وفي كل يوم كان يتشوق رؤية خليل، والإستماع إلى كلماته ونصائحة، ولكن لم يترك لعب القمار نهائياً، وفي بعض الأوقات كان يميل اللعب مع الآخرين، وأخذ يساعد الجيران، وبالأخص جاره عادل خريج الدراسة المتوسطة الذي كان يحاول أن يصبح نائب ضابط في الجيش، وكان يسافر إلى بغداد مرات عديدة لإكمال معاملاته ويحتاج إلى المال. ووصل خبر إشتغال فخرالدين في نادي الموظفين إلى الأسرة الطالبانية الدينية، وكلهم شيوخ ويطلبون منه ترك هذا العمل والتوجه إلى أحد أقربائهم ليجد له عملاً في دائرة حكومية، وبعد الذهاب وجدوا له عملاً بصفة عامل وأجرة شهرية (12) دينار، ولكن في نهاية السنة غيّروا مهنته من عامل إل فراش مع راتب (8) دنانير. طلبت دائرة التجنيد من الذين أعمارهم (18) سنة مراجعتها لسوقهم للخدمة العسكرية، وأراد الشاب فخرالدين التنصل من الخدمة العسكرية، وحاول بمساعدة الأهل والأقارب أن يصبح معيلاً للعائلة بحجة أن والده لا (يستطيع) إعالة نفسه، ويحصل على رسالة من أحد أقربائه المعروفين إلى لجنة الكشف الطبي في بغداد، وعندما يدخل مع والده إلى غرفة الكشف الطبي، يقول الطبيب للوالد: إنك في صحة جيدة وعمرك (50) سنة، ولكن مع هذا لانكم جئتم مع رسالة من صديق نجعل العمر (60) سنة، وأن سن التقاعد (70) سنة، ويعود مع الوالد ويشعران بالفرح والمسرة لأن عملهم قد أنجز مثلما أرادوا، وعند مراجعة دائرة التجنيد بعد أيام يصاب بخيبة أمل إذ أنّ اللجنة الطبية تقول في كتابها الموجه لدائرة التجنيد : انّ والد المكلف نجم الدين محي الدين يتمكن بإعالة نفسه وغيره، ويساق ولده إلى الخدمة العسكرية، ولكنه يسرع إلى الشيخ فاضل طالباني صاحب رسالته إلى اللجنة الطبية في بغداد، ويطرح الأمر عليه، وفي الحال يقول له الشيخ فاضل: لا تحمل هم، أعطيك (50) دينار ودّبر (50) دينار، وتدفع البدل النقدي (100) دينار وبعد (3) أشهر سوف تتسرح، وأنا بدوري أساعدك ولا أقطع عنك راتبك الشهري، وبواسطة الأقارب ومصرف الرهون يكمل المبلغ ويسلمه كبدل نقدي، ويصبح فخرالدين جندياً يذهب صباحاً ويعود ويعمل ليلاً كقاطع تذاكر في أحد دور السينما، وفي العسكرية يتعلم التدخين، وهنا يشير الجندي المسّرح من الخدمة العسكرية إلى قريبه الوفي الشيخ فاضل طالباني الذي ساعده في أمور كثيرة. يسمع فخرالدين، هذا الطفل الكادح وعمره (8) سنوات كلمة الشيوعية من أطفال محلة بريادي في كركوك عندما يظهر شخص ما على دراجة هوائية، وهم يركضون وراءه، ويرددون شيوعي، شيوعي، ويسمع هذه الكلمة مرة أخرى من عزالدين إبن الكبابجي الذي يعمل عنده، وعزالدين له صديق مهنته معلم وأسمه مهدي مردان وهو شيوعي معتقل ومطرود من الوظيفة، ويقال أنّ له أخ أكبر منه وهو كاتب و شيوعي شجاع لا يهاب الموت، والأهم أن والد هذين الشيوعيين رئيس شرطة، والحكومة تعمل ضد الشيوعيين، فهي تطردهم من العمل وتعتقلهم، وتدرون أن هذا الطفل قد سمع كلمة الشيوعية من خليل الذي أعطاه صورة سجين شيوعي لقاء تبرع في لقائهما في نادي الموظفين، وعن طريق تعين شخص تركماني إسمه مراد زكي كان معتقلاً وعاشر الشيوعيين في السجون ويتحدث عن شجاعتهم وإستبسالهم دفاعاً عن قضايا الشعب والوطن. كان فخرالدين يفكر بالشيوعية ليل نهار، ويحاول الوصول إليهم، ولكنه يجهل طريقة الوصول، ويتذكر بأنّه إلتقى مع شاب إيراني إسمه محمد، وأبدى رغبة للإنضمام للشيوعيين وسأل منه كيفية الوصول للحزب الشيوعي، ويقول له محمد إذهب وأكتب رسالة للحزب وسوف أتكفل بإيصالها للشيوعيين. كان مشتاقاً للإلتصاق بالشيوعيين وحزبهم، وعند سماعه (إذهب وأكتب رسالة)، يسرع فخرالدين ويأتي بقلم وورقة، وأمام غرفة رئيس الدائرة التي يعمل فيها يبدأ بكتابة الرسالة للشيوعيين، وعلى فطرته وصدقه الطفولي يكتب إلى : سعادة الحزب الشيوعي، كما يكتب التفاصيل وأثناء الكتابة يقف أحد العمال التركمان خلفه وهو لا يدري به، وأسمه نجاة دامرجي أوغلو، وبعد الإنتهاء يقول له: ماذا تكتب، سأذهب وأخبر الشيخ فاضل طالباني رئيس الدائرة، وفعلاً يدخل إلى غرفة الرئيس، ولكنه لا يخبره ويخرج وهو يضحك، ويسلم فخرالدين الرسالة إلى الإيراني محمد مفتوحة، ويقول محمد عليك غلق الرسالة، ويذهب ويجلب ظرفاً ويغلقه ويسلمه إلى محمد، وينتظر الجواب، وهو يفكر كيف يكون جواب الحزب؟، ولكن محمد لا يعود، وفخرالدين لا يحصل على الجواب، وبالصدفة وبعد ثورة (14) تموز يلتقي من جديد بالإيراني محمد، ويعاتبه ويستفسر عن إختفائه وعدم الرد على رسالته من قبل الحزب، ويبدأ محمد بشرح الحالة ويقول له بأن الحزب قرر عدم الإلتقاء بك، إذ قالوا انّ الطلب ليس طلبكم، ومن الممكن أنها محاولة مدبرة من قبل الأعداء ودوائر الأمن لإيذاء الحزب من خلال طفل، ولكنني أعرف الكثير عن أخباركم ونشاطاتكم، وهنا يقاطعه فخرالدين ويقول له بأني استفدت كثيراً منكم وكان لكلماتكم الوقع الأكبر على حياتي. كان للعامل التركماني مراد زكي عدد من الأصدقاء يزورنه بين فترة وفترة، ومنهم: سيد علي المندلاوي، عبدالرحمن زنكنة، ولأول مرة يحصل فخرالدين على بيان صادر من الحزب الشيوعي العراقي من سيد علي المندلاوي وبالمناسبة يرشده كيفية قراءة البيان وكيفية إيصاله للأصدقاء والمعارف بعيداً عن أنظار الحكومة. وبدون الإنتماء للتنظيم الحزبي ينشط فخرالدين بشرح سياسة الحزب حسب مفاهيمه وطاقاته، ويشكل ركائز ويتصل بالآخرين ويقّوي العلاقة معهم ومنهم: رشيد أمين، غريب جبار طالباني من أقاربه، نوري باخه وان، اسطة طاهر، وكانوا يصغون بشغف لإذاعة موسكو باللغة العربية. في يوم ما يأتي جمال جلال طالباني والشيخ طيب الشيخ سعدون في زيارة إلى بيت فخرالدين، وهما شيوعييان وفي الليل يشرعان في الأحاديث حول الشيوعية، ويدخل فخرالدين في النقاشات، الأمر الذي لا يستسيغه الشيخ طيب ويقول له : إنّك ماتزال طفلاً، وهذا يعني أن لا تتدخل. بعد ثورة (14) تموز يدعو مراد زكي فخرالدين إلي البيت وعند تواجدهما يأتي شخص من الحزب، ويستفسر منهما عن الأسم الثلاثي والعمر ويرشحهما لعضوية الحزب الشيوعي العراقي، وأختار مراد زكي اسماً مستعاراً باسم ـ أصلان ـ وفخرالدين ـ نادرـ ومنذ ذلك الوقت اصبح رفيقاً في الحزب، وبعد عدة إجتماعات يصبح الرفيق نادر عضواَ في اللجنة القيادية للمناطق التالية: إمام قاسم، به ر ته كيه، آخر حسين، كيلجي، الشورجة ومحيطها، بانكاريز، سرشقام وغيرها من المناطق في شرق مدينة كركوك، ولم يتعرف الرفيق نادر على الصوب الآخر من نهر خاصة، وكانت السعادة وعلامات الفرح بادية على تقاسيم وجهه، لكونه مناضلاً يساهم في العمل مع حزب له تاريخ مجيد في العراق، ويتدرج مع مرور الأيام من مسؤولية إلى أخرى حتى يصبح مسؤولاً وسكرتيراً عن الشبيبة الديموقراطية، ويتحدث عن الإشكالات مع الأخوة في الحزب الديموقراطي الكوردستاني حول التسمية للشبيبة، وهذا الأمر أدّى إلى حالة التهيج والغليان بين اوساط الشبيبة وكان كل طرف يهدد الطرف الآخر، ونتيجة الأوضاع السياسية السائدة في البلاد ومن منطق الحرص والحفاظ على مكتسبات الثورة يستطيع الطرفان من حل الإشكالات، وفي الذكرى الأولى للثورة ينظم إتحاد الشبيبة الديموقراطي وإتحاد شباب كوردستان معاً مظاهرة ومسيرة، وقبل المباشرة يتم تعين أعضاء من الطرفين للإشراف والحفاظ عليها ومراقبة الضبط لأنّها تبدأ من محلة الشورجة وستمر في محلتي المصلى وجاي، وأكثر سكان المحلتين من الإخوة التركمان، وأحتشد جمهوركبير، وأخذت الجماهير تأتي من كل صوب وحدب، وحتى من القرى القريبة والنائية، ورفعت المسيرة والتظاهرة شعاراتها المحددة وأنطلقت مع الهتافات، وبعد ساعات وصلت إلى مركز المدينة وأختلطت مع المسيرات الجماهيرية الحاشدة الآتية من المناطق الأخرى، وفي هذا الأثناء سمع الجميع دوي إطلاقات نارية كثيفة، حيث أثرت سلباً على المسيرة، وكان المحامي الشيخ حسين برزنجي مع مسيرة الشورجة الذي إقترب من الرفيق نادر وأخبره بأنّ هذا العمل من أعمال خدم شركات النفط بالإتفاق مع الرجعيين والعنصريين والفوضويين، وهؤلاء يريدون جرنا إلى مستنقع معركة جانبية قذرة، ويحاولون كسبها وأن تكون النتائج في صالحهم، لذا من الضروري سد الطريق عليهم والإنسحاب إلى الشورجة وأن نبتعد، وفعلاً تمّ الإنسحاب بصورة هادئة. حدثت كارثة ومأساة في مدينة كركوك بسبب المعارك الجانبية بين الكورد والتركمان، وتم حرق الدكاكين، ورافقتها عمليات السطو والنهب، وسالت دماء المواطنين الأبرياء، وفي بغداد تقرر قدوم وفد للتحقيق، وجاء الوفد وأتخذ من (ريست هاوس) القريب من محطة السكك الحديدية في كركوك مقراً، وأول عمل للوفد إعتقال رفاق الحزب الشيوعي وفي المقدمة الشيخ حسين برزنجي، وأخوه الشيخ معروف (مارف) برزنجي رئيس بلدية كركوك، والمحامي عبدالجبار بيروزخان وآخرين. كان عمل اللجنة التحقيقية منحازة، وفي عهد قاسم جرت محاكمة كوكبة لامعة دون أي ذنب، وكانت هذه الخطوة تمهيداً لسقوط حكومة عبدالكريم قاسم إذ بقوا في السجون إلى أن جاء البعثيون الفاشيون عام (1963)، وقام هؤلاء بإعدام هذه النخبة المقدامة من أبناء الشعب المخلصين، ليبقى لهم ولكل المجرمين العاروالمذلة. يتحدث مؤلف كتاب (وه ك خؤى ـ الحقيقة) عن التحركات المريبة بعد أحداث كركوك المأساوية، إذ أنّ أعداء ثورة تموز من العرب الشوفينيين والتركمان الرجعيين وبمساعدة الدول العربية التي يتعالى زعيقها في المناداة بالوحدة العربية وجر العراق لها شكّلوا لجان مهمتها إغتيال الكورد والعناصر الوطنية من القوميات الأخرى مستفيدين من القوانين العرفية وتطبيقها، ومن الشهداء الأوائل لأعمال هؤلاء الوحوش الكاسرة (الكوردي حمد أمين شربجتي والتركماني قاسم القصاب) ورش التيزاب على المواطن (فاضل علي ليلاني)، وتشكلت اللجنة بقيادة المدعو (صلاح درزي) وكل من: التركماني نجاة فهمي والتركماني نجم الدين البناء، وكانوا على إتصال دائم بالعرب العنصريين وعدد من الكورد الخونة. ساهم الرفيق نادر في توجيه اللجان الفلاحية وتوعية الفلاحين بالمشاركة مع الشهيد الشيخ شكر طالباني والشيخ حسن طالباني في ريف كركوك، وخاصةً ريف باداوا وبناري كل وكاني قادر، ولأول مرة يصغي إلى الفلاحين ولكل واحد منهم قصة خاصة ومطاليب بلا حدود، وفي هذه الأجواء وبمساعدة الأقارب والمعارف يقدم هذا الشاب الذي يلاحقه الفقر على الزواج في عام (1960). في عام (1961) يأتي إلى الحياة ولده (دلير)، ونظراً لنشاطاته ومثابرته في النضال من أجل ترسيخ الأسس التنظيمية يصبح عضواً في لجنة مدينة كركوك، ويتحمل مسؤولية الخط الحزبي في محلة الشورجة، ويذكر الرفيق نادر الساعات الأولى من تبليغه، فمن جانب مسرور جداً لتشخيصه لإداء مهمة حزبية، ومن جانب آخر يتخوف ويفكر عن كيفية إداء هذه المهمة، وهل ينجح ؟ وبينما يستعد للقيام بدوره، يلقى القبض عليه في 15/3/1961 ليعيش في السجن. ان الفقر يشكل مأساة إنسانية، ويؤّثر سلباً على نمط الحياة والعيش لجمهرة واسعة من الناس، ونظراً لكون الرفيق نادر كادحاً وواحداً من الفقراء يتوجه إلى محل عمله لإستلام الراتب ولا سيما أن أيام العيد على الأبواب، وهو يعلم أنه مطلوب من دوائر الأمن، ولكنه يغامر ويذهب، ويقترب من المدير لإستلام الراتب، ولكن المدير يرفع سماعة التلفون ليخابر أسياده في الأمن والشرطة، ويحاول نادر منعه وعدم الإتصال بهم فيضع أصبعه على التلفون، ولكن دون جدوى حيث يأمر المديرمن أتباعه تطويقه ويخابر ويحضر بسرعة البرق أزلام الأمن ويمسكون به، ويودعونه السجن. وكانت العادة تقتضي تحري منزل من يودع السجن، ومن أجل تلك المهمة القذرة تحركت قوات الشرطة والأمن إلى منزل الموقوف فخرالدين، وهناك في بيت أبن عمه غريب يجدون كتاب: الشيوعية لا يمينية ذيلية، ويسألون ماهذا؟ وفي الحال يقول لهم: هذا كتاب غير محرّم، وهنا يتدخل أحد أقارب زوجته وأسمه حمه خان مجيد وقال: هذه الغرفة غرفة غريب وليست غرفة فخرالدين، وهو أي (حمه خان) قال الحقيقة، ولكن فخرالدين يصّر بأنّ الكتاب يعود له، لكي لا يعتقلون غريب، إلا أن أفراد مفرزة الشرطة والأمن طلبوا منه توقيع مذكرة لكي لا يتنصل من الكتاب أمام المحكمة وحاكم التحقيق ونص المذكرة كالآتي : بعد التحرّي على منزل المتهم عثرنا على كتاب تحت عنوان: الشيوعية لا يمينية ذيلية، للكاتب الشيوعي أبو العيس، وطلبوا من فخرالدين التوقيع عليها، وفعل مثلما أرادوا. في السجن يتذكر دور الرفاق في اللجنة الحزبية الذين وجهوا له إنتقادات حادة للإقلاع عن العادات السيئة، وفي مقدمها القومار، هذا المرض السرطاني الذي يدّمر الإنسان والحياة الاسرية، ويتذكر بالأساس الرفيق صلاح الذي كان طالباَ في القوة الجوية/ الطيران، وهو الذي رفع رسالة للحزب ضده، وهنا يثّمن فخرالدين دور الحزب ورفاقه على مبادرتهم وتركه هذه الآفة الإجتماعية، وقرر أيضاً عدم شرب العرق، ولا يفوته الآن وبعد أكثر من (35) سنة إلى أن يشكر ذلك الإنسان والرفيق الوفي صلاح. ويبدأ فخرالدين مشواراً جديداً في التطوع للعمل الجماهيري وإخضاع طاقاته للحزب، فيجمع تواقيع سكنة محلة الشورجة، ويطالبون بإنشاء مستوصف، ويراجعون المتصرف (المحافظ فيما بعد) ويحققون مطلبهم، كما يدعو الشباب ويشكلون فريق عمل لمساعدة العوائل الفقيرة عند هطول الأمطار ووقوع الكوارث حسب طاقاتهم، ويتبرع براحته وينظم قائمة بالأسماء للذين يشترون الخبز، وخاصةً في شهر رمضان، وبهذه الطريقة ينظم الدور (السره) ويقضي على حالة الفوضى، إذ يشتري الجميع الخبز الحار حسب التسلسل، وفي مرة من المرّات يقف والد فخرالدين لإستلام الخبز، وعندما يصله الدور، يعطي نوري صاحب المخبز الخبز إلى أحد المعارف، ويستاء منه الوالد ويتفّوه بكلمات تجعل من نوري أن يقول له إذهب لا أبيع لك الخبز، وماذا تفعل ، إفعل، ويعود الوالد بدون خبز، ولكنه في اليوم التالي يصمم على حرق المخبز العائد للمواطن نوري، ويتفذ تصميمه ويحرق المخبز، وفي الأثناء يشاهده أحد أقارب نوري، ويهرع سكان المحلة لإخماد النيران، ويذهب الشخص الذي شاهد الوالد إلى نوري ويخبره بالأمر، فيسرع نوري إلى شرطة بيريادي قرب محلة الشورجة ويشتكي، وعند الإستفسار منه عن الشخص الذي قام بإحراق مخبزه يقول: نعم أعرفه، ويرسلون في الحال ضابط شرطة مع عدد من الشرطة، ويصلون بيت فخرالدين ويطرق نوري الباب، وتفتح إلهام أخت فخرالدين الباب، ويشاهد نوري الشخص الذي أحرق مخبزه جالساً ويقول لإلهام: ماذا تفعلين هنا، ونوري صاحب المخزن يعرف بأنّ إلهام أخت فخرالدين، ولكنه يجهل بأنّ من أحرق المخبز هو والد إلهام وفخرالدين، وترد إلهام هذا بيتنا، ويقول نوري: هل هذا الشخص والدكم؟ وتقول : إلهام: نعم إنّه والدنا، وفي الحال يقول لضابط الشرطة أشكركم وأرجو غلق المحضر، ويوقع على المذكرة الخاصة بالتحقيق، ويخرجون، ولكن الوالد يجلس في بيته وكأنّ شيئاً لم يحدث. في السجن يساهم بنشاط وفعاّلية مع الرفاق الآخرين وينظمون أمورهم في جناحهم بشكل جيد، وأبرز النقاط التي تميزهم عن الآخرين هي وجود لجنة حزبية يتحمل مسؤوليتها الرفيق (شليمون كشتو) ولها علاقات مع التنظيم الحزبي في مدينة كركوك، ووجود لجنة إدارية، ولجنة العمل اليومي لتقديم الخدمات، والخفر الليلي، ومراقبة المخزن، وكان من صلب أعمال الخفر الليلي مراقبة الشبابيك التي تطل على السجن، لكي يكونوا يقظين من عناصر الشرطة والأمن بأن لا يرموا الممنوعات والمحرمات، كالمناشير والبيانات الحزبية وما شابه أثناء النوم وخلق مشكلة للموقوفين، ومنع الذين لا ينامون التكلم بصوت عالي. يتحدث الرفيق فخرالدين في فصل خاص عن قدوم الرفيق مصلح مصطفى مسؤول محلية كركوك، والمحكوم بالإعدام عن حوادث كركوك، وفي اللحظات الأولى من قدومه يفكر بالهرب، ويكون حذراً ولا يخالط الشيوعيين علناً، وينام عند الموقوفين الإيرانيين الذين جاؤا إلى العراق بصورة غير شرعية للعمل، وبين فترة وأخرى يلقون القبض عليهم وفي وجبات يسفرونهم عن طريق خانقين ـ المنذرية خسروي إلى إيران، وينسق مصلح مع أحدهم أن يسافر عند إرسال الوجبة بدلاً منه لقاء كمية من المال، وفي الوقت الذي ينادون عليهم للتهيؤ للسفر، يتراجع الشخص وينكث وعده ويعيد المال إلى مصلح، ويفشل في خطته، ثم يأكل مصلح فلفلاً حاراً وترتفع درجة حرارته، وينادون على الطبيب، ولكن القائمين على أمور السجن يبلغون الطبيب بأنّ هذا الشخص لا يخرج من السجن مهما كانت حالته، ويوقعون مذكرة للطبيب الذي يريد إرسال مصلح للمستشفى ويذكرون فيها بأنهم منعوا مصلح بالرغم من طلب الطبيب، وكان مصلح يفكر بالهرب، ولكن هذه الخطة فشلت أيضاَ، ويلجأ إلى حفر جدار السجن، وهنا يتدخل فخرالدين و يقول له بأنّ الجدار قوي ولا يمكن إختراقه، ويرد مصلح هذا شأني، وأطلب منكم فقط مساعدتي، وفي اليوم الذي يبدأ بالعمل ينظم الرفاق حسب طلب الرفيق شليمون حفلاً يشارك فيه الجميع وحتى الطوراني إبن فهمي عرب قاتل الشيوعيين والكورد ومن مرتزقة السلطة، ومن أجل هذه الخطة يجب توفير هيم (عبارة عن قطعة حديدية، ويكون من جانب حاداً) ومن الجانب الآخر معكوفاً، وطريقة جلب الهيم يقتضي تلوينه بصبغ أبيض وأن يوضع في قالب ثلج من القوالب التي من حصة الموقف (السجن) وتمّ جلبه بواسطة حمد أمين وهو شيوعي غير معروف وله معمل ثلج ومقاول لتجهيز الموقف، كما يجب توفير العرق والتيزاب، ويرسل مصلح رسالة إلى الحزب، ويطلب إرسال المادتين في سفرطاس (5) طوابق، في الأول تمن، والثاني مرقة، الثالث خضراوات، الرابع والخامس العرق والتيزاب، ويتحقق طلبه، ويحتاج أيضاً إلى (3) أمتار سلك كهربائي (واير) وينظم بطريقة فنية ويربط بكهرباء قاعة الموقف، وإذا إنكشف الأمر يسحب بقوة من قبل أحد المساعدين ويؤدي إلى الشورت (خلل) يقطع التيار الكهربائي، وفي هذه الحالة يكون مهمة المسؤولين عن السجن الإسراع بتصليح الخلل، ويطلب مصلح جك سيارة (رافعة) صغيرة، وطريقة جلب الجك أن يوضع داخل رقي كبير الحجم بطريقة فنية، وبعد متاعب كثيرة هرب مصلح مصطفى و شخصان آخران، ونجحت الخطة. يذكر الرفيق فخرالدين بأن أحد الأخوة من البارتي (الحزب الديموقراطي الكوردستاني) يخبره بأن أحد رفاقكم يسرق برتقالات من المخزن، وهو يشير إلى الرفيق عبدالرحمن زنكنة، ولكنه لا يصدق، والأخ البارتي يؤكد، ويخبر فخرالدين بدوره الرفيق محسن أحد مسؤولي اللجنة الحزبية، وبينما عبدالرحمن سارق البرتقال يتمّشى في ساحة السجن، يقومون بتفتيش علاقته (علاكة أو زمبيل باللهجة العراقية) ويجدون فيها (12) برتقالة، ويطلب الرفيق محسن إخباره أولاً ومن ثمّ نعاقبه، وعند إخباره ينكر في البداية، ويقول أنا شيوعي وإبن فهد وهذا كذب وإفتراء، ويشرح فخرالدين ويقول له : لا تقل أنا إبن فهد، بل قل أن عملي مدان ولا أكرره واستحق العقاب... في السجن يلتقي فخرالدين مع أحد الملالي، وهذا الملا لم يكن سياسياً، وهو من قرية قيرجة، ولكنه يسكن زرداو في قضاء كفري لأنّ عمله يستوجب ذلك، وقد تمّ توقيفه لأنّه لم ينفذ طلب أزلام الحكومة في التهجم على (لينين) في خطبة الجمعة. يبلغ الحزب الرفيق نادر بأنّه أصبح عضواً في لجنة قضاء دووزخورماتوو (طوزخورماتو) التي تشكلت من الرفاق: خورشيد عزيز، السيد على درويش ـ عربي من الحويجة، فخرالدين من كركوك، رشيد سه يده، محمد به ياتي، زوهدي الداوودي، عدالت الشيخ محمد طالباني من بناركل، ويصبح مسؤولاً عن ناحية قادر كرم، قه ره جيوار، قلعة ميكائيل، كولباغ، قشقه، وكان عملهم صعباً جداً، الحكومة من جهة، والإخوة في البارتي من جهة أخرى، ويتعرف على الكادر الحزبي الملا شكر (مام فتاح ـ 4 من أولاده من المؤنفلين)، وهنا يشير نادر إلى حقيقة واقعية، إذ أن مسؤوله الحزبي خورشيد عزيز يقول له: لنذهب معاً إلى قرى بناركل، لأنّ الحزب قد أبلغه بأنّ حدثاً مشؤوماً وسيئاً سيحدث، وعلينا التنسيق للحفاظ على قوانا وكوادرنا، وفي اليوم التالي المصادف 8 شباط الأسود 1963 حدثت مؤامرة المجرمين بحق ثورة 14 تموز، وأريقت دماء زكية، وتم إعتقال الآلاف من الوطنيين والشيوعيين، وأصدر الحاكم العسكري البيان رقم (13) السيء الصيت والخاص بإبادة الشيوعيين. كان الوضع متأزماً، وتدرون بأنّ الأخوة في الحزب الديموقراطي الكوردستاني في البداية قد أيّدوا المؤامرة القذرة، بقولهم آنذاك: أن ثورتنا تلاقت مع ثورتكم، وقررنا أن يكون مقر حزبنا في قرية قه والي، وأصبح عددنا كبيراً حيث يتوجه إلينا يومياُ أعداد جديدة من رفاقنا الذين نجوا وأستطاعوا الإتصال بنا، وأخذ البارتي يشّدد معنا ويعّقد الأمور، وكان علينا التحرك حسب مذكرات خاصة صادرة منهم، وفي كثير من الأوقات حرمونا من تلك (المكرمات) وبالأخص إذا علموا بأننا نتحرك لتثبيت أقدامنا، وكانوا يعذبون رفاقنا، ويطلبون منهم تقديم البراءات، والإبتعاد من الحزب، وكانت هذه الخطوة تنسجم مع خطط نوري السعيد وزمانه الذي يعتبر أحلك الأيام سوداوية ومرارة، وأدّى هذا التشنج إلى سقوط عدد من الشهداء من حزبنا، سواء بالقتل العمد، أو الغرق في مياه الأنهر، وخاصةً في منطقة جبل به مو في خانقين، وأستمر البارتي يضغط على الحزب حتى أطاح عبدالسلام عارف بحكم البعثيين. يجب عدم نسيان الأخ نجم الدين قاره مان مسؤول البارتي في كرميان نظراً لخلقه المشاكل بيننا وبين البارتي، وفي احد الأيام توجه إلينا رفيق من قيادة حزبنا بورقة خاصة من الخالد الذكر الملا مصطفى بارزاني، وأراد اللقاء بنا في قرية قه والي، وعند عودته وفي قرية كاني قادر الشيخ سعدون، يعترض طريقه العريف محمد ليلاني آمر سرية سبي سه ر لكي يعتقله وسط الإستخفاف والإستهزاء والكلام الخشن، وأمام أنظار الناس، ويسأله محمد ليلاني: من أنت؟ ويرد الرفيق: أنا شيوعي، ويطلب ليلاني التذكرة أو ورقة العبور، وهنا يبرز رفيقنا ورقة القائد بارزاني، ولكن محمد ليلاني لا يعترف بالورقة ويزعم بأنّها مكتوبة بخط يد، ويقول له: أنت تكذب !!، ويطلب منه تسليم سلاحه، وهنا يرد الرفيق عليه : لا تستطيع تجريدي من السلاح، وأحترم نفسك، وأحترم هؤلاء الناس الواقفين هنا، وأكرر بأنّ هذه الورقة من القائد بارزاني، وأنا عضو قيادي في الحزب الشيوعي العراقي، ويتدخل المواطنون وبيشمركة البارتي لتهدئة الأمور، وعن طريق الصدفة يلتقي رفيقنا مع الأخ عادل عزت الشخصية المعروفة والمحبوبة من قبل منطقة جباري وهو من مسؤولي البارتي، وبعد التعرف على تصرفات محمد ليلاني يكتب كاك عزت رسالة إلى محمد ليلاني ويسلمها إلى رفيقنا الذي كان قيادياً في الحزب آنذاك وهو الرفيق (أبو حكمت) ويطلب منه أن يسلم رفاقنا الرسالة إليه، وهذا ما حصل. يقول الرفيق نادر أن الرئيس عبدالسلام عارف وجّه ضربة قاضية لحكم البعث، وقضى على قطعات ""الحرس القومي"" أداة القتل والإجرام ومصدر الخوف والرعب في العراق، وتشبث عبدالسلام منذ اللحظات الأولى لإنقلابه على البعثيين على المطالبة بالوحدة الفورية مع مصر، وشنّ هو الآخر حرباً ضروساً ضد الكورد وكوردستان. في 1966 حدث إنشقاق في صفوف البارتي، وبعد معارك طاحنة هاجر قسم منهم إلى إيران، وأستطاع بارزاني السيطرة على الأوضاع وشكّل من جديد المكتب السياسي، وأفسح المجال للحزب أن يعمل بحريته، وتشكلت سرايا لقوات الحزب في كرميان وقره داغ وأماكن أخرى، وأرتبطت التنظيمات العسكرية لحزبنا بقوات الحزب الديموقراطي الكوردستاني. في عام 1966 تعقد محلية كركوك كونفرانسها في قرية قه والي بإشراف الرفيق الشهيد رؤوف حاجي قادر، وبعد فرز الأصوات يحصل الرفيق فخرالدين على نسبة 100% من الأصوات، ويصبح عضواَ في اللجنة المحلية لمدينة كركوك، ومسؤولاً عن المدينة بأكملها، ومن ثمّ وبناء على طلب من الرفيق أبو وليد (الشهيد ستار خضير) مسؤول إقليم كوردستان يتنقل إلى خط الحزب العسكري في الفرقة الثانية للجيش العراقي في عام 1967، ويصبح مسؤولاً عن الخط وفي لقاء يجمعه مع الرفيق ستار خضير يشرح له بإسهاب كيفية إداء هذه المهمة الحسّاسة ويركّز بالدرجة الأساسية على الجوانب الفنية، ويكون إتصاله معه، ومن النصائح المهمة يقول الرفيق أبو وليد: إذا كان لك لقاء مع أي رفيق، لا تذهب قبله، حاول من بعيد مراقبته، وعندما تلتقون لا تأخذ بأرائه حول مسيركما، فإذا أراد أن يذهب إلى اليسار خذه إلى اليمين، وإذا قال لنذهب إلى هذه الدربونة (الزقاق) خذه إلى دربونة أخرى، وهكذا، وأن أمور الصيانه لها أهميتها القصوى بالنسبة للمسؤول العسكري في ظروف سرية العمل. تعرض فخرالدين إلى سلسلة من الإعتقالات، وطاف معتقلات عديدة بين كركوك وأربيل والموصل وبغداد وغيرها، وتبعاً لذلك تعّرض إلى الضرب والتعذيب، وفي كل مرة خرج مرفوع الرأس، وكان الفقر يلاحقه دائماً، وبعد خروجه من المعتقل لإخرة مرّة يفكر ملياً، ويتوجه إلى بغداد لعله يحصل على عمل، ويستطيع توفير العيش لزوجته و(3) أطفال وآخر في الطريق، ووالده وشقيقه، وفي بغداد يذهب إلى الشيخ إحسان طالباني شقيق كل من الأستاذ مكرم طالباني، والشخصية الوطنية المعروفة الشيخ عطا طالبلني، وبواسطته يحصل على عمل في الشركة العامة للدواجن ـ في الحقل رقم (8)، وفي بغداد يبدأ حياة حزبية جديدة، ويذهب مع عزيز النجار في حقول المرادية إلى بيته، وهناك يلتقي مع رفيقين كانا معه في قرية قه والي عند قيام مؤامرة الردة في 8 شباط الأسود 1963، وهما عبدالخالق زنكنة (يوسف) وحمه سعيد (محمود ألماني)، ويكون عبدالخالق مسؤولاً عنه، ونظراً للظروف القاسية ووجود ناظم كزار في مديرية الأمن العامة جرت العادة أن تكون الإتصالات فردية حفظاً للسلامة والصيانة. شارك الرفيق فخرالدين نجم الدين في الوفد الحزبي الذي زار ألمانيا الديموقراطية، وعند طلب إجازة لمدة (12) يوم، وأنّه سيزور أحد البلدان الأوربية، أخبره مسؤول العمل بمساعدته وعدم تسجيل أيام غياباته عن العمل، أي أنه لا ينشر الإجازة، لكي يستلم نهاية الشهر كامل راتبه، وتكوّن الوفد من الرفاق : رئيس الوفد عبدالوهاب طاهر عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، وعضوية : أبو زيدون من البصرة، فخرالدين نجم الدين، نعمان السهيل (الملازم خضر)، أبو زمان، وآخرين لا يتذكر أسماءهم. يعلم أنّ عزت الدوري وزير الزراعة سيزور في الأيام القادمة حقول الدواجن، ويتهيأ لتشكيل وفد عمالي ليطرح مطاليبهم وجهاً لوجه، ويستجيب العاملان عزّام وسالم، وهما بعثيان لدعوته، وأما النقاط التي يطالبون بها هي: عند منح الطبيب الإجازة للعمال، لا يأتون بآخرين ليحلوا محلهم، وفي هذه الحالة يتوقف أعمالهم على العمال الباقين، قلة العمال في المدجن، يقوم العمال بحمل صناديق البيض، ولا يأتون بحمالين، لم يجري توزيع الرواتب حسب الأعمال الخفيفة والأعمال الثقيلة، عدم الإهتمام بملابس العمل، وأكثرها قديمة ووسخة وتفوح منها روائح كريهة وعفنة، قلة الزيادة السنوية على الرواتب، وعند مجيئه كان يرافقه حوالي (200 ـ 250) شخص، وأنسحب عزام وسالم، ورغم ذلك قابل الوزير وقدم النقاط له، الأمر الذي أدخل الفرح والسرور إلى قلوب العمال. كان مام صالح عاملاً من العمال النقابيين أيام النظام الدكتاتوري، ولم يكن قدوة ومثلاً للطبقة العاملة العراقية فقط، بل كان رمزاً من رموز القيادات العمالية والنقابية في العراق، ومفخرة، يسير في الخطوط الأمامية فى النضال الوطني والطبقي ضد الدكتاتورية والأنظمة الرجعية والإقطاع، ومن الذين ساهموا في رفع مستوى العمال الثقافي فى مجال الثقافة العمالية الطبقية. يتحدث فخرالدين عن إنقطاعه لفترة زمنية بسبب إعتقال مسؤوله الحزبي عبدالخالق زنكنة، وحاول من جانبه إيجاد صلة مع الحزب، ومن أجل ذلك وفي تلك الظروف المعقدة، وهجمة سلطة البعث على الحزب سافر إلى كركوك ليخبر رفاقه السابقين بمساعدته والوصول إلى الحزب، وخلال هذه الفترة تعّرض إلى جملة من المشاكل الإجتماعية كدخول إبنه دلير المستشفى وإجراء عملية جراحية له، ومن ثمّ دخول إبنته جنور إلى المستشفى دون علمه وعائلته، إذ أن سيارة تضرب الفتاة، وتنقل من قبل صاحب وسائق السيارة إلى المستشفى، وموت والده، وكل هذه المشاكل تحتاج إلى المال وراتبه لا (يكفي)، وأصدقاؤه يرغبون مساعدته، وهو صاحب شيمة عالية لا يقبل أخذ شيء منهم. كما تعّرض إلى مشاكل عديدة مع أصحاب العمل لدفاعه المستميت عن العمال وحقوقهم، وبروزه في العمل النقابي المنظم وتحريكه العمال. أصبح عضواَ فعالاً في اللجنة العمالية (عمار) وفي أول إجتماع يحضر الرفيق عمر علي الشيخ (أبو فاروق) للإشراف، ويقود اللجنة الرفيق عزت عثمان (أبو ستار)، وفيما بعد يصبح الرفيق كرم فيلي (أبو علاء) مسؤول اللجنة، وكان عمل اللجنة يتركز بالأساس في السكك الحديدية، ومعامل الألبان، ومعمل الزيوت النباتية، والمياه الغازية، البيبسي كولا، والسفن آب، ومعمل الإسكندرية الضخم بين بغداد والمسيب، وأنيط به كل عمل شاق من قبل الحزب، فهو يسكن بغداد، وعمله الوظيفي في طريق خان بني سعد وبعقوبة في الشمال، وعمله الحزبي في الإسكندرية في الجنوب من بغداد، وعند التحضير لمؤتمر الحزب الثالث، عقدت التنظيمات العمالية كونفرانسها لإنتخاب المندوبين، ويحصل على نسبة 100% من الأصوات، ولكنه وبالرغم من النتيجة والأصوات الجيدة لا يحضر المؤتمر، لتكليفه بمهام حزبية في غاية السرية. دأب فخرالدين زيارة الشخصية الكوردية المعروفة إحسان الشيخ جمال طالباني في مديرية التسوية العامة، لكونه إنساناً عطوفاً ومخلصاً، وله خصال حميدة ومنزلة رفيعة بمساعدته الناس الكادحين، والذين يتعرّضون لمشاكل سياسية وإجتماعية، وكان بشوشاً دائماً، وله مشاعر لا يمكن وصفها، ومن سجاياه التي لا تنسى أبداً مساعدتة لشخص من مدينة حلبجة، وبواسطة الأقرباء والمعارف وجد له ولإبنه عملاً وأنتشلهم من الفقر ومشاكل الدنيا، ومساعدته الأخرى لشرطي عربي القومية، وعمله الدؤوب لرفع الظلم والحيف عنه، وهو الذي وجد لي ولأختي إلهام العمل، ولا أنسى قط نصائحه الأخوية بتمتين أواصر العلاقة بيني وبين أقربائي ومعارفي، وكلامه الأخير الذي يرن في مسمعي كلما تذكرته حين قال : اعرف أنّ لكم معارف وهم بكثرة، وكلهم من الكادحين والطبقات المسحوقة، لا تهتم إجلبهم وسوف أجهد لإيجاد عمل لهم. يتحدث فخرالدين عن مسائل كثيرة، وأنّه سجّل الأحداث صغيرها وكبيرها كمخرج سينمائي، فهو يذكر إجراء العملية الجراحية لزوجته في قرية قه والي من قرى قضاء كفري من قبل الدكتور أبو قيس، والطبيب أبو قيس لم يكن خريج كلية الطب، وأجرى العملية الجراحية بنجاح، ويعلم بذلك الشيخ عطا طالباني آمر البيشمةركة ـ أنصار الحزب الشيوعي العراقي، ويعاتبه قائلاً: لماذا لم تقل لي، وكنا نرسلها إلى الدكتور عبدالقادر طالباني مع رسالة. ويذهب إلى مراجعة المسؤولين لتمشية معاملات الآخرين، ويتذكر الإحراجات، والكلام الفارغ من بعض الأشخاص الذين إدّعوا السياسة، فمثلاً أحدهم تحدث عن بطولات سلام عادل وهو سكرتير الحزب، وواجه الجلادين بهمة عالية، وهو بحق بطل، لكنني أندهش لهؤلاء الكورد المنخرطين في الحزب الشيوعي العراقي، ولا أعرف ماذا يريدون؟ وهنا ينتفض الرفيق نادر ويرد على تخرصات ذلك المسؤول المدجج بالسلاح، وينعته ببث الفرقة ونشر السموم، وتتعالى صيحاتهم وتنتهي بسكوت صاحب العبارات البذيئة والكلمات الجارحة. كان محمد ليلاني أمر سرية سبي سه رفي الحزب الديموقرطي الكوردستاني يناصب العداء لحزبنا ولرفاقه، وبعد فضح سلوكه وتصرفاته، إستطاع الأخوة في البارتي إبعاده من المنطقة، وفي أحد الأيام جاء برفقة أثنين آخرين من البيشمه ركة، وطلب اللقاء معنا في جامع قرية كوشك، ويذهب فخرالدين ونجم الدين قره داغي، وفي الإجتماع يقول محمد ليلاني : جئنا من مقر قيادة الحزب الديموقراطي الكوردستاني، وأنّ القائد بارزاني يخصكم بالسلام والتحيات، ولدينا رسائل منه موجهه إلى رؤساء عشيرة الجاف، ويطلبون المساعدة عن كيفية إيصال الرسائل، ومضمون الرسائل هي الطلب منهم عدم الإنخراط في صفوف المنشقين الذين أخذوا منحى آخر في النضال، وفي حالة عدم القبول الإنضمام إلينا، وهذا يتوقف عليهم، فهم أحرار في تصرفاتهم، ويقوم الشيوعيون بإستلام الرسائل، ، ويسلمونها بيد الرفيق الشيوعي المعروف في المنطقة قادر ليفه دروو ـ قادر النداف لإيصالها إلى رؤساء الجاف في المنطقة. والشيوعيون يوفرون مكان آمن لإختفاء محمد ليلاني ومن معه. يورد مؤلف كتاب: وه ك خوى اسم أول شخص وهو أبن سرحد الذي ينتمي إلى قوات أنصار الحزب الشيوعي العراقي في كرميان ويسلم نفسه للسلطات الحكومية مع سلاح الحزب، لكن والد الهارب يسلم ثمن بندقية الحزب خوفاً على سمعتهم، وهنا يتذكر الشهيد حاجي من جلولاء الذي قال يوماً وهو مختفي في بيت الشيوعي علي جرجه قلايي في دربندخان، إذا عدنا إلى حياتنا الطبيعية في المدينة، وأنا أملك بيتين، سأعطي الرفيق علي بيتاً دون مقابل، نظراً لهذه الخدمات الجليلة وإخفاء الرفاق وتوفير الأكل اليومي لهم على نفقته الخاصة، ولكن حاجي وبعد سنوات يكلفه الحزب في بغداد بعمل هام للذهاب إلى منطقة بادينان وعمليات الأنفال القذرة والسيئة الصيت قائمة، وفي نقطة من نقاط التفتيش المنتشرة على الطرق بين المدن يلقى القبض عليه، ويشخصونه بأنه شيوعي، وقبل أن يصلوا به إلى زنزانات الإعتقال والتعذيب، يفكر حاجي بأنه قد وقع في الفخ ويعرف أسراراً لا حدود لها، وكشفها يوقع كارثة، وهل يستطيع أن يقاوم الجلادين، ويجد طريقه لعلها تنهي حياته قبل تعذيبه، ويبلع حاجي كمية كبيرة من الحبوب التي كانت بحوزته لمرضه المزمن، ومن ثمّ يستشهد ويفدي حياته للشعب والوطن. يكلف الرفيق فخرالدين عند الإلتقاء بالرفيق آرا خاجادور عضو المكتب السياسي للحزب آنذاك بمهمة تنسيق عمل مع الوجه الإجتماعي والشخصية الوطنية المعروفة عطا طالباني، بشرط أن يكون هذا العمل حصراً بينهم فقط نظراً لحساسيته، ويرسل رسالة خاصة إلى الشيخ عطا مع شرح موجز عن البروسترويكا، ويرد الشيخ على رسالتة، وحول البرويسترويكا يكتب بإقتضاب : كورباجوف ليس شيوعياً، بل هو عدو للشيوعية، وسيشهد المستقبل على صحة هذا القول. عند الحملة الشرسة التي بدأها النظام الدكتاتوري الفاشي ضد تنظيمات ورفاق الحزب الشيزعي العراقي من البصرة، والعمارة، والناصرية إلى الديوانية والحلة وبغداد وبعقوبة ومن ثمّ إلى كوردستان، وجرت إعتقالات واسعة وكثرت الملاحقات وأستشهد عدد كبير من الشيوعيين تحت التعذيب الوحشي، قرر الحزب التوجه إلىعمل آخر والحفاظ على الكوادر الحزبية والرفاق والتنظيمات، وعلى إثر قرار الحزب نجا باديء الأمر بعض الرفاق الذين لديهم أسرار حزبية هامة، ووصل الرفيق فخرالدين إلى قرية (جرجه قه لا) ومن ثم توافد عدد آخر من الرفاق، ويلتقي لأول مرة مع المسؤول العسكري في قه ره داغ الرفيق نصرالدين عابد هه ورامي، ويتعرف على الرفاق مام إسكندر، والشهيد رؤوف حاجي محمد (جوهر)، وحمه رشيد قه ره داغي وآخرين، ويتنقل مع الرفاق الأنصار ويصلون إلى أول مقر لهم في قرية (به له بزان) في شرق كوردستان، والتي كانت عملياً تحت سيطرة الحزب الديموقراطي الكوردستاني ـ إيران (حدكا)، وعند إندلاع المعارك بين النظام الإيراني والأحزاب الكوردستانية المعارضة تحوّل المقر إلى منطقة هزاربس العائدة لقضاء حلبجة على ضفاف نهر سيروان، وتشكلت لجنة ميلاد القيادية، كما تشكلت لجنة للإشراف على العمل الأنصاري، ولجنة إدارية وكان الرفيق فخر الدين عضواً في لجنة ميلاد. بعد أن ان قتل صدام حسين أتباعه من قيادة البعث، وأطاح برئيس الجمهورية أحمد حسن البكر، وأعلن نفسه رئيساً للجمهورية بدلاً منه، أصدر عفواً، وأستغل الحزب هذه المناسبة لعودة بعض الرفاق للسهر على المنظمات المتبقية وإرشادها إلى العمل الصحيح، وكيفية تنظيم إتصالاتهم مع قيادة الحزب، ومن أجل هذا عاد الرفيق فخرالدين إلى السليمانية ومن ثمّ إلى كركوك، وعن طريق عائلة الحاج غفور يجد زوجته وأطفاله، ويزور بيت أخته إلهام ويلتقي أخاه صباح. وفي الوقت الذي يواصل إتصالاته يأتيه شخص من معارفه، بأن دوائر الأمن والإستخبارات تعلم بوجود فخرالدين في مدينة كركوك، وأنه حصل على ذلك الخبر من عزيز شالي، وهو شيوعي قديم. ويعود مرة أخرى إلى بيت الرفيق علي جرجه قه لايى ويلتقي هناك بالرفيق هاشم حسن كوجاني (شاخه وان)، ورفيق آخر اسمه صالح ومع مفرزة عسكرية من قوات الانصار يصلون قرية أحمد برنه، وبعد أيام يعود إلى مقر الحزب في قرية هيرتا. تشكلت قوة عسكرية من رفاق كرميان، ولكن المحزن أنّ القوة دخلت قتالاً عنيفاً في أطراف قرية (مه لا ئومه ر) في منطقة زنكنة في 9/3/1981 ، وكانت مرتزقة الحكومة تتكوّن من قوة عسكرية وجحوش المجرم تحسين شاوه يس وطائرات الهليكوبتر، وكانت أسلحة الرفاق قديمة، وأستشهد (22) نصير من البيشمركة، ونصير جريح، ووقع في الأسر نصيران، وأحدهم أعدم من قبل جلاوزة النظام الفاشي. بقرار حزبي أصبح الرفيق فخرالدين مرشحاً لعضوية أقليم كوردستان، كما أصبح سكرتيراً للجنة المحلية في كركوك (التنظيمات السرية والعلنية)، وفي أول إجتماع جرى تقسيم العمل على الشكل التالي : مام فتاح ـ بناري كل وزنكنة وقه والي ومحيطها، ومام علي ـ قسم من زنكنة، جباري، باداوا، وأبو فيان ـ داووده، دووز خورماتوو، كه لار، وحاجي منطقة جافايه تي، ويحق لكل واحد من هؤلاء الإتصال بالآخرين كلما توّفرت الفرص لذلك. ان العوائل الشيوعية هربت من جحيم النظام الدكتاتوري من بغداد إلى كركوك، ومن كركوك إلى القرى في كوردستان، وشكلت الأجهزة الحكومية القمعية الإرهابية مفارز خاصة لقتل الكوادر الحزبية، وكان أخطرها مفرزة المدعو فرود الذي ولد في قرية كوشك في بناري كل، وكان يسكن مدينة كفري، وفي يوم من الأيام إصطدمت المفرزة الخاصة بقيادة فرود مع قوات الحزب، حيث قتل وأخاه ومرتزق آخر. يخبره في يوم من الأيام الرفيق ئاشتى طالباني بأن له خط تنظيمي واشع يإسم (صدى) ويتألف من مدينة بغداد وكركوك والسليمانية ومدن جنوبية، وبالأخص في المدارس وجامعة بغداد، والمعهد التكنيكي في كركوك، ويعلم بذلك الرفيق عمر علي الشيخ (أبو فاروق) عضو المكتب السياسي للحزب، وقبل سفره إلى موسكو يبلغ فخرالدين الرفيق بهاءالدين نوري عضو اللجنة المركزية بنشاطات الرفيق آشتي و (صدى)، وبين فترة وفترة كان يرسل رسائل حول النشاطات، وفي سوريا التقيت بأحد أبناء أخوال آشتي وبلغني تحياته وقال بأنّ آشتي يقول : أنّ تنظيمنا قد توّسع، وأنا أفهم قصد آشتي، ودارت الأيام وألتقيت بالرفيق آشتي في بيت عبدالله الملا فرج ( ملا علي) في نوكان. عند تصفح صفحات كتاب (وه ك خوى) تجد العديد من الحقائق، والعديد من العناوين والمانشيتات مع شرح في المتن وفيما يلي بعض النماذج : هروب تركمان طوزخورماتو إلى قرية قه والي عند إندلاع الحرب العراقية ـ الإيرانية. إلتحاق جندي هارب من الجيش العراقي مع سلاحه وموقفنا منه. فعالية بطولية على طريق طوزخورماتو ـ بغداد من قبل أنصار حزبنا. وضع خطة من قبل مديرية أمن طوزخورماتو لإعتقال الرفيق أبو فيان. ميره فرج والتسليم للسلطات الحكومية وعودته في فصل الرقي. إحراج فخرالدين من قبل الرفيق نصرالدين هه ورامي في بيت نجم الدين آغا في قرية كريم باسام. إعادة مسدس للحزب من قبل الأخ حسين شالي. تبليغ المنظمات الحزبية والعسكرية بمقدم الرفيق بهاء الدين نوري إلى قه ره داغ. زيارة أخواتي لنا في قرية كريم باسام وحادثة مؤلمة.(سقوط أبنه هاوار من التراكتور ووفاته). معركة بشتآشان ونتائجها. السفر إلى موسكو مع ابنه دلير. اللقاء مع الدكتورة نزيهة الدليمي. العودة من موسكو والمباشرة بالعمل الحزبي. زيارة فخرالدين من قبل الرفيق آشتي طالباني في قرية قه والي. مجيء الرفيق حمه دانا إلى باليسان في تلك الأوضاع الحسّاسة. البقاء في مقر الحزب في باليسان لإيصال رسائل المكتب السياسي للحزب إلى مكرم طالباني وبالعكس. زيارة فخرالدين والرفيق أبو فاروق للفرع الثالث للحزب الديموقراطي الكوردستاني وسماع أخبار إستشهاد الرفاق: أبو فيان، ماموستا أنور، ماموستا عزالدين خورشيد زنكنة. إناطة مسؤولية القوى الحزبية وقوات الأنصار بالرفاق: فتاح توفيق (ملا حسن)، مجيد عبدالرزاق (مام قادر) وفخرالدين نجم الدين (مام صالح) عند نزول رفاق القيادة إلى المدن. الكلاسنوست والبيروسترويكا (العلنية والتجديد) وتأثيرها على تأسيس الحزب الشيوعي الكوردستاني. حرب العراق والكويت وإنكسار القوات العراقية وهزيمتها وإجتماع الجبهة الكوردستانية في مقر الإتحاد الوطني الكوردستاني وحضور ممثلي الأحزاب الكوردستانية. موقف عبدالله كركوكي وبرزو وإلتحاقهما بحزب الشعب. لقاء فخرالدين بالشيخ عطا طالباني بعد (21) سنة. الذهاب إلى كركوك وتحمل مسؤولية التنظيم الحزبي. سرقة بندقية من مقر الحزب وطرد (6) أنصار. سرقة الأدوية من مستشفى رزكاري من قبل المفرزة المخصصة لحماية المستشفى وموقف الحزب منها. (المفرزة) كانت للحزب وبعد التحقق تم طرد جميع أفرادها من الحزب ومن قوات الأنصار. المؤتمر الأول للحزب الشيوعي الكوردستاني في أربيل، وإنتخاب فخرالدين عضواَ في اللجنة المركزية. مؤتمر الحزب الديموقراطي الكوردستاني ـ إيران (حدكا) في مقر حزبنا الشيوعي. المعارك بين الحزب الديموقراطي الكوردستاني والإتحاد الوطني الكوردستاني. حضور فخرالدين مؤتمر الحزب الشيوعي العراقي في شقلاوه. المرض ومشاكله وتأثيراته. ضغوطات صاحب الدار على الرفيق فخرالدين بصدد إخراجه. ترك مسؤولية محلية محافظة أربيل والتوجه إلى السليمانية. حياة فخرالدين في السليمانية والسفر إلى الخارج. الكتب سرد واقعي للأحداث، جدير بالمطالعة، يحمل في طياته الكثير من الحقائق، نتمنى للرفيق مام صالح الصحة، فهو مناضل صلب له تجارب، ونطلب منه كتابة ما بحوزته.
|
||||
© حقوق الطبعوالنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |