جدتنا الكبرى لوسي (لوسي بدايات الجنس البشري) يقولون الانسان في النهاية غدى عاقل العاقل ؟؟

 

توما شماني– تورونتو/ عضو اتحاد المؤرخين العرب

tshamani@rogers.com

شخبطة على الحائط

في عام 1871 وضع تشارلز داروين في كتابه (أصل الأنواع) نظرية التطور، خلاصتها ان القرود الافريقية الكبيرة تتشابه كثيرا مع الانسان، مما يعطي الاساس للتوقع باكتشاف آثار بقايا اجدادنا في افريقيا. هذه المعلومات في (أصل الأنواع) أحدثت زلزالا في اوربا ليس في الاوساط الدينية فقط بل في الدوائر العلمية ايضا، ويومها لم يكن هناك في الاوساط العلمية من علوم (الأركيولوجيا) علم التنقيب والحفريات والأنثروبولوجيا) علم السلالات و(الباليونتولوجيا) اي (دراسة اشكال الحياة التي كانت متواجدة في العصور السحيقة للكائنات الحية)، أو تكنولوجيات تقدير اعمار الأحافير بتقنية (الكربون 14) أو بتحول البوتاسيوم إلى إرغون، وبها يمكن تقدير عمر أيِّ أحفورة يتم العثور عليها، بعد هذا التنبوء بأكثر من مئة عام وفي منتصف القرن الماضي بدأ الحفريون المتخصصون بالسلالات بالبحث في افريقيا، لتحقيق نبوءة داروين. لهذا يتفق الانثروبولوجيين على ان تاريخ الانسانية انطلق من افريقيا، ويمكن تقسميها الى مراحل تطورية رئيسية، الى اولا (الهومو هابيليس) الانسان الماشي على اربع، المرحلة التي كان يستخدم فيها اعواد الاشجار بيديه لينتقي الغذاء كما يفحل الشمبنزى الآن، ثم (الهومو اريكتس Homo Erectus) الانسان المنتصب الذي يمشي على قدميه مرتفعا في رؤياه ما على الارض, مرحلة التطلع الى امام بعينيه ادت الى تطور الدماغ فإستخدم الادوات وطورها عن الانسان الاول تحت تسمياته الجديدة المختلفة، ثم تطور الانسان الى مرحلة (الهومو سيبينس Homo Sapiens) اي (الانسان العاقل) وهو الانسان الحالى الذي يتحارب ويعشق ويمشي على الارض متعاليا.

كانت اكثر الاحداث اثارة ذلك الحدث الذي انجزه دونالد جوهانسون في عام 1974 في وادي في اثيوبيا باكتشافه 40 % من هيكل عظمي لانثى تمشي منتصبة، عمره 3.2 مليون سنة ومن التحري عليه بالوسائل العلمية التقنية ظهر انه الجدة الكبرى (لوسي)، وجدوا طولها 1.20 متر ووزنها 29 كغم وبحجم 450 سم3 واستطاعوا استنتاج انها انثي، اطلقوا عليها اسم لوسي تيمنا باغنية لفريق الهيبيز ( لوسي في السماء ومعها الجواهر), و قد كانت الاغنية تتردد باستمرار في معسكر التنقيب. لوسي في تكوينها التشريحي يشبه الي حد كبيرة الشمبانزي بالرغم من صغر حجم المخ بالنسبة للانسان، وعظام الحوض والاطراف السفلية تتطابق وظيفيا مع نظيرتها في المرأة الحديثة وتظهر بجلاء انها تماثل الانسان الاول الذي مشى منتصبا علي قدمين. وفي ابحاث اجراها (برين وستريت) في جامعة جورج واشنطن الامريكية كشفت عن اشياء جديدة عن لوسي، ظهر انها كانت في بداية تعلم السير على الاطراف الخلفية. مما يشير بوضوح الى ان التحولات التي طرأت كانت على فصيل من مجموعة القرد الجنوبي، انفصل عن الشجرة الرئيسية. وفي عام 1975 أكتشفوا 13 جثة أخرى مماثلة ظهر منها انها أصيبت بمجموعها بكارثة طبيعية كسيل أو غير ذلك. من هذا الإكتشاف استطاع علماء الانثروبولوجيا اي علم السلالات معرفة الكثير عن حياة هذا الجنس الشبه بشري وعلاقاته الإجتماعية. وفي عام 2000 إکتشفوا في أثیوبیا ايضا هيكل طفلة عاشت قبل مایقرب من 3،3 ملیون سنة. وقبل ذلك في عام 1924 إكتشفوا في افريقيا جمجمة اسموه (طفل دارت) باسم مكتشفه (دارت)، اكتشفوا الجمجمة مع الفك السفلي وقسم صغير من اسفل الجانب الخلفي للجمجمة، وكانت الاسنان تتشابه مع اسنان الانسان واعتبروها القرد الافريقي الجنوبي من آثار اجداد الانسان، وهو اعلى تطورا من (لوسي).

إن قصة الكشف عن تاريخ الإنسان قصة مثيرة، بدأ الاهتمام والبحث فيها قبل 150 سنة تقريبًا. وكانت هناك حيرة حول عمر الأرض والإنسان والحياة، بل والكون هل هو أزلي أم أن له نقطة بداية ثم نهاية؟ الواقع أن عمر الكون هو في حوالى 15 الف مليون سنة، وعمر الأرض 4.6 الف مليون سنة؛ وقد بدأت الحياة قبل 3.8 الف مليون سنة. أما عمر الإنسان فلم يحدَّد تمامًا بعدُ، وإن كانت الخطوات تمشي حثيثة نحو اكتشاف جذور الرحلة الإنسانية في حدود سبعة ملايين من السنين. كان لتطور دماغ الانسان في طفراته الوراثية اثر كبير بالمقارنة مع انسان الماضي البعيد، فقد كان دماغ الانسان الاول (الاوسترالوبثيكس) و(البيثكانثروبيس) صغيراً جداً لهذا فقد كان لهذا النمو الدماغي نمو قدراته الوظيفية التي تتحكم بها (الخلايا العصبية) الموجودة، واليوم إذا توقف نمو الدماغ عند واحد من الناس، عن حجم يقل عن 1000سم3 فيحتمل ان تبدو عليه علامات التخلف العقلي التي قد تمنعه عن ممارسة الحياة بشكل طبيعي، ونحن نعلم ان حجم الدماغ في الموجتين الأولييتن من الهومنيدات كانتا أقل من 1000سم3، ومع ذلك فقد كان لها قدرة على الابتكار والابداع، ويرى(جراسيه) ان(هذا يثبت القاعدة التي تقول بان الحالات المختلفة التي تمر أثناء تطورها يجب ان تكون وظيفية ومتوازية ولا رجعة فيها. وقد عاش (البيثكانتروبيس) وحجم دماغه 800 سم3 وحجم وحجم دماغ الاسترالوبيثكس 500 سم3 حياة مزدهرة متسقة مع بيئة كل واحد منهما، وهذا يتأكد ان التطور لا يمكن مطلقاً ان يقع في ظروف شاذة أو مضطربة). ويقول ايضا (ان الانسان واحد من أكثر الحيوانات الموجودة على الارض عالمية، فهو قادر على العيش في أي صقع من اصقاع الارض وقد تعرض لآلاف من مختلف أنماط الطفرات).

البحث عن الطعام كان الهدف الاول للانسان في بدايات ظهوره في السهوب المفتوحة ولهذا كان السير منتصباً ضرورة حياتية وكذلك إستخدام وسائل وادوات للدفاع عن نفسه، وكان لابد له من مراقبة الاخطار المختبئة مما ادى الى تحرير الاطراف الامامية للقيام بمهمات اخرى مثل حمل الطعام والتسلح عند قطع المسافات الطويلة. لانه في البيئة الجديدة كان البحث عن الطعام يتضمن مخاطرا لاتعد ولاتحصى إضافة الى ذلك فأن السير المنتصب ابعد الرأس عن الارض وبالتالي اعطاه إمكانية افضل ليتبرد بعيدا عن إنعكاسات الاشعة الشمسية القادمة من الارض، وكان في حاجة الى الكثير من الطاقة. بحكم تواجد قوانين التطور مع مرور الملايين من السنين فان جماعات (لوسي) لم تقف عن التطور لتتلائم مع التغييرات البيئية والمناخية. فمن دراسة احدى الجماجم توصلوا الى تسمية الجمجمة بـ (إنسان كاسر الجوز) وذلك لقوة الفك والاسنان المتميزة وقدرته على كسر الاغذية القوية الاغلفة. هذه المجموعة اختلفت كثيرا عن سابقتها الى درجة ان بعض الحفريين يرون ان هذه المجموعة اصبحت متلائمة مع انواع جديدة من الطعام كالخضراوات والفواكه والمكسرات. هذه السلالة ليست إلا فرعاً صغيراً في شجرة عائلة الانسان الاول. 

في عام 1987 توصلوا الى توثيق الاصل الواحد لجميع شعوب الارض، عندما اصدر علماء الجينات نتائج بحثهم القائل ان الجميع يعودون الى مجموعة جينية واحدة، كانت تعيش قبل حوالي 200 الف سنة. من خلال مقارنة (الميتوكوندريا) وهي مادة وانزيمات وراثية تتولى قلب الغذاء الى الى طاقة وهي جزء من اجزاء الخلية ولها DNA خاص به العائد الى 147 شخص من مختلف انحاء العالم، ظهر ان الاختلاف الجيني في الخارطة الجينية صغير للغاية. و(الميتوكوندريا) تتوارثها الاجيال جيلا بعد جيل من خلال الام وليس الاب. في المجال الجيني للميتوكوندري توجد بقايا جينية لبكتريا من ماقبل التاريخ، ولازالت تحتوي على احماض امينية (وهي واحدة الحوامض الامينية المتواجدة في الزلال اي البروتين) من ذلك العصر. هذه الاحماض الامينية ليس لها قيمة فعلية الآن لكنها هنا يمكن بها مقارنة الطفرات الوراثية التي حدثت للانسان عبر العصور. بهذه الطريقة تم حساب الزمن الذي مضي لظهور الانسان الحالي. وفي عام 1995 استطاعوا إكتشاف طريقة جديدة لتقصي اصل الانسان عن طريق الذكر ومن خلال (الكروموسوم الذكوري) الذي يتوارثه الذكور، مما يساعد على ملاحقة وتحديد الاصل الذكوري. ومن خلال مقارنة الحوامض الامينية للكرموسوم الذكوري عند 38 شخصاً من مختلف انحاء العالم توصلوا الى انهم ينحدرون من اصل واحد، لازال يعيش في انحاء من افريقيا الجنوبية حتى اليوم.  

الموجة الرابعة اي الأخيرة من موجات نطور الهوميندات (البشريات) حدثت في التركيب الفسيولوجي (عمل الاعضاء الطبيعي) للانسان المعاصر، فقد اكتشفت نماذج من هذه (البشريات) في أنواع كثيرة من أوربا وآسيا وأفريقيا. ومن اهم صفاتها انها أكتسبت الاطراف التي تناسبها فيما نعرفها اليوم. أظهر الانسان العاقل منذ بداية ظهوره درجة من النشاط العقلي تفوق أياً من سابقيه من الهوميند، فقد استطاع ان يشحذ الاحجار بمهارة وبدقة كبيرة وقد استفاد بشكل كبير من العظام والعاج لافي حالتها الخام كما كانت عليه من قبل وانما بطريقة معدة ومصنعة في شكل أدوات مختلفة، فمن معاول إلى مثاقيب وأدوات لصقل الأشياء وتنعيم ملمسها أو أدوات للرمي والقذف وابر ورماح وغير ذلك. واجهت الانسان العاقل ظروف مناخية صعبة فلجأ إلى الكهوف والصخور، وفي الأماكن التي لا يتوفر فيها المأوى الطبيعي، لكنه عرف كيف يحفر الأرض ويعدها ليبني أكواخاً من الفروع والاغصان. وقد عثر على أماكن بها آثار لاشعال النار تبين انها نقطة تجمع المستوطنة.  

وقد عاش الانسان حياة الضواري في تجمعها المشترك وقد مارس الصيد وقطف الثمار ليؤمن لنفسه مؤونته من الغذاء والكساء وتتجلى مهارته في الصيد من بقايا الحيوانات التي عثر عليها في مواضع مثل (سوليتريه) في في فرنسا. حيث استخدمت بقايا الحيوانات التي يصطادها في تأثيث بيته. ولكي يضيء مسكنه تعلم كيف يختار الاخشاب التي تحترق مخلِّفة أقل قدر من الرماد كما انه استخدم مصابيحا حجرية. كان قادراً على الابداع في اشغال فنية لم يسبق ان عثر على مثلها قبل وجوده، وكان رسم الحيوانات موضوع رسومه على الحيطان والصخور واشهرها رسومات جدران الكهوف في (التاميرا) التاميرا في اسبانيا وقد جري تحليل لأشياء مختلفة من محتويات الكهوف بـ (الكربون 14 المشع) فكان عمرها مايقرب من 13.500 سنة، وليس من الممكن القطع ان ذلك كان عمر النقوش نفسها، فبعض التقديرات تذهب إلى ان النقوش قد تكون أكثر قدماً، اما كهوف (لاسكو) في فرنسا فهي أكثر أهمية لكثرة الحيوانات المرسومة وتنوع المهارات الفنية المستخدمة ويعتقد ان هذه النقوش ترجع تقريباً إلى نفس زمن النقوش الموجودة في (التاميرا) الا ان بعض المهتمين هنا ايضا يعتقدون انها قد تكون أقدم.  

هذه هي حياة الانسان الطويلة الشاقة الوعرة ربما ابتدأت بالجدة الكبرى (لوسي) بعد ان اختفت سلالات، وفي المرحلة الاخيرة ساد الرجل المحارب صاحب العظلات الذي استخدم الاسلحة القاتلة وكان همه الاكبر الاستيلاء على الآخر وفي الليل ينام في فراشه محتضنا جاريته حواء التي سباها، هكذا كان التاريخ. وفي العصر الحديث تطور الرجل الى رجل آخر رجل يحمل بيده قنبلة نووية وانواعا لا عد لها من اللوجيات، الدولارلوجيا والتقنقنلوجيا الطربلوجيا تسيطر عليه حواء مستسلما لها باسلحتها الانثوية الخالدة منذ ان اكل آدم التفاحة من يديها، وهناك لوجيا الاستشهاد بمتفجرات تشد على الحزام للوصل الى الجنة حيث يلقى المستشهد بدلا من حورية واحدة سبعين حورية يشبع منهن وكل واحدة منهن تمسك بيدها تفاحة تفوح عطرا قينهل منهن ما شاء له ان ينهل، ولهذا يطلق الانسان الحالى بـ (الرجل عاقل العاقل).

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com