|
يخطئ من يتصور إن ما حصل في العراق من فوضى وخراب في الأعوام الماضية؛ ومازال يحصل هو وليد هذه اللحظة والحالة الجديدة، ويتناسى ثلاثة عقود ونصف من الزمن الأسود عملت فيها السلطة الصدامية المجرمة بكل ما أوتيت من قوة وتجبر ومكر على تخريب الحياة العراقية تخريباً شاملاً وقاسياً، وتدمير البلاد عبر سلسلة طويلة من القوانين الجائرة التي شرعتها لتكريس سلطتها الباغية، واستمرار هيمنتها على دست الحكم مهما كلف الثمن، وقد مارست مع الشعب من اجل تنفيذها ابشع السلوكيات لإرغامه على الرضوخ والقبول بها، بل وطالبته- على أقل تقدير- بالتظاهر الكاذب بتأييدها والتصفيق لها، واستعانت بماكنة إعلامية هائلة سخرتها لخدمتها انضوى تحت لوائها جيش من مرتزقة الداخل والخارج الذين ملأت بطونه سحتاً، ونثرت عليهم الأموال الطائلة من أجل الترويج لبضاعتها الكاسدة بينما تركت ابناء الشعب في حرمان وفقر مدقع. لقد خاضت البلاد سلسلة متواصلة من الحروب العدوانية الكارثية على الصعيدين الداخلي والخارجي، دفعت العراق ثمنها باهظاً إذ قطفت حياة خيرة ابنائه وصوحت بأنضر زهرات شبابه، وتبددت فيها ثرواته الهائلة وانهار اقتصاده المتين، واثقلت أعباءه الديون الثقيلة، وخسر بسبهها سمعته الدولية و هيبته في العالم، ومكانته السياسية المرموقة بين الدول، وخرج بعد طول عناء من كل ذلك حطاماً وأكواماً من الرماد والسكراب والخراب والآلام والدموع والتشريد والتهجبر والإحباطات القاتلة وضياع الأمل والمستقبل. وبعد كل الذي ذكرناه كعناوين عامة يحتاج كل عنوان منها الى مجلدات عديدة لبيان تفاصيله؛ أقول يأتي من يدافع عن جرائم النظام الصدامي البائد، ويحاول تجميل وجهه القبيح متناسياً الفواجع والكوارث التي انزلها بالبلاد والعباد مستهيناً بمشاعر الشعب ومتجاهلاً مآسيه المؤلمة السابقة والحالية التي كان سبباً لحدوثها، ومن المؤكد ان مايقوم به هذا البعض ينبع من رؤية ضيقة، و مصلحة خاصة جداً، أو ناتجة من قلة في الوعي ومحاولة استدراج دنيئة من جهات معروفة بعدائها للشعب العراقي بعد أن خسرت مواقعها والكثير من امتيازاتها الباطلة بزوال العهد الصدامي المقيت. إن معالجة أي خلل تتطلب أول ما تتطلب العودة الى بداياته، و معرفة أسبابه والإحاطة بالظروف التي أوجدته وساعدت على نموه، وهذه الفوضى المستشرية والفساد الإداري والعنف الطائفي والجهل المكلكل على الحياة العامة، وانعدام الوعي هي كلها من نتاجات الحقبة الصدامية السوداء، وما لم يفهم الجميع هذا جيداً ويدركه تماماً؛ فلن تنجح المعالجة في شيء، ولن تجدي الحلول أبدا، وكيف نعالج خطأً لا نعرف بدايته، أو نريد الخرج من مأزق لا نعرف أسبابه.. صحيح هناك خلط للأوراق وتداخل في الخنادق لغياب المصلحة الوطنية الحقيقية عن نوايا وبرامج معظم الأطراف المتصارعة حالياً من أجل الظفر بكراسي السلطة والإستحواذ عليها وليأتي الطوفان من بعدي ، يساعد ذلك انزواء للنخب المثقفة وغياب الوعي الشعبي المرتقي الى الحالة الخطيرة التي يمر بها الوطن، فضلاً عن تدخل سافر من دول الجوار والمنطقة وجهات أجنبية معلومة، ولكل واحدة منها أجندتها الخاصة، وأهدافها التي لا ينسجم معظمها مع المصلحة الوطنية العراقية بل يقف في الضد منها، و لكن للأسف تجد كل واحدة من هذه الأجندات الغريبة من يتبناها داخل البلاد ويتطوع للعمل و(الجهاد) من أجل تنفيذها والموت في سبيل تحقيقها والإندفاع الأعمى نحو تصفية من يعارضها. ما أسسه العهد الصدامي من خراب شامل لم يتوقف بسقوطه بل ظلت له تداعيات عديدة، فما زال الكثير يعمل بالفكر المتخلف ذاته والسلوك الأهوج نفسه، ومن هؤلاء من ولد رحم النظام العاهر ، ومنهم من جاء من حاضنة الأحزاب المعارضة له، ومنهم من انزلق لذلك وهو لا يدرك تماماً خطورة ما انزلق اليه وانساق له؛ وما تنتظره وتنتظرنا من مأساة كبيرة ساهم مساهمة فعالة في وقوعها، وكذلك حالة الإنهيار التي عمل وما زال يعمل بقوة في سرعة وصول الوطن اليها، وما سيعقب ذلك من خراب ، سيعيدنا على الأغلب الى المربع الأول وهو مربع الفوضى والضعف والتفتت والضياع إن لم يركسنا ركساً في عهد قمعي جديد سيفوق النظام الصدامي البائد في قساوته وطغيانه، أو التفكك والتناحر والإلتحاق بالتجربة الصومالية المريرة التي أعقبت سقوط نظام سياد بري المشابه تماماً لنظام صدام في القمع والديكتاتورية.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |