لم يكن تدخل العرب في دور الفرد في صناعة التاريخ

 

 

محمد جودة الفحام/مؤسسة اليوم الموعود الثقافية

من الممكن جدا أن نقول بأن ما يقوم به المرء من أعمال استثنائية قد تجعل منه بطلا، إلا إنها ليس من الضروري أن تصنع منه مواطنا صالحا، وقد تجاوزت الأمم التي سبقت إلى الرقي مرحلة البطل ـ الرمزـ الأسطورة، الفرد الذي يصنع التاريخ ووصلت بقناعة تامة إلى أن بناء الأوطان والحضارات تتم بأيدي المواطنين الصالحين، وإن التاريخ تصنعه الجماهير ولا يختلف دور القائد عن أي دور آخر إلا باختلاف الموقع.

 فالقائد رجل له كفاءات شخصية تعي وتستوعب هموم وآمال أشخاص آخرين يشاركونه إياها ولكن بدرجات متفاوتة من الوضوح والوعي وتنشأ بين الطرفين علاقة تتسم بالثقة وتخلق طاقة جديدة لتنفيذ مهمة معينة من سلسلة طويلة من مهام بناء الأوطان. فأين نحن من كل هذا؟ ببساطة شديدة نحن نراوح في مكاننا نبحث عن المخلّص ـ القائد الضرورة وإن لم نجده نصنعه كما يصنع الآخرون التاريخ ونضفي عليه من صفات التفرد والبطولة إلى حد التطرف والشطط ونرتفع به فوق مصاف البشر مما يضطره أن يصدق وكذلك نحن، نكذب ونصدق كذبتنا، ونبدأ بحرق البخور والتمرغ على أعتابه وننحر تحت قدميه كل شيء حتى الفضيلة إرضاءا وتزلفا لرمزنا الذي صنعناه بأيدينا، يا إلهي كم أنشدنا وصفقنا(ويستكمل بعض الثوريين رجولتهم ويهزون على الطبلة والبوق). على حد تعبير النواب ،لا أدري هل هو شعور بالدونية؟ أم هو العجز والخور؟ ففي مشوارنا الطويل تتوارى القضية والمبدأ وراء رجل حتى تمتزج به ويصبح وإياها واحدا، وفي مرحلة تالية تبدأ القضية بالاضمحلال والتلاشي ويبقى الرجل رمزا، وليس مهما لدينا أن يكون هذا الرمز دينيا أو سياسيا طالما أن القبة لا تضم تحتها وليا. نحن أيها السادة نعاكس تيار المنطق إذ نعرف الحق بالرجال بالعكس من القاعدة العقلية التي لخصها سيد البلغاء الإمام علي (ع) بأروع عبارة حين قال ـ اعرف الحق تعرف أهله واعرف الباطل تعرف أهله ـ لا أحد ينكر لما لبعض الأفراد من تأثير كبير في مسيرة الشعوب والإنسانية عند المنعطفات الحادة التي تعرض لها، إذ اجتازوا هذه المنعطفات بنجاح وذلك بما يحملونه من لياقات وكفاءات ذاتية، إلا أن هذا لا يعني أن تكون هذه الحالة ظاهرة وسمة تتسم بها حياتنا عبر قرون طويلة، إذ من غير المعقول ولا المقبول أن تكون هذه القرون منعطفا حادا مستمرا، لذا لابد من أن نسارع بمغادرة القفص الذي أسرنا ذواتنا ووجودنا وإراداتنا فيه، أما إذا استمرت حالتنا هذي الحالة فسنبقى أسرى مسحوقين تحت أقدام الرموز المحنطة التي صنعناها نتزلف لها قربى وهي لا تعي من أمرها رشدا والسلام.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com