انعكاسات العولمة على حقوق الإنسان

 

المحامية سحر الياسري

saharmahdi63@yahoo.com

القسم الاول

العولمة ظاهرة متعددة الأبعاد, ومن أبعادها المؤكدة البعد العلمي, والتكنولوجي, ثم البعد الاقتصادي, ولقد بات بعدها الاجتماعي واضحا, ومما يميزها أن التغييرات التي صاحبتها تتوقف على إرادة الأفراد بخلاف التغييرات السياسية, والتقنية التي تحدث بفعل البشرية. ولقد تضاربت الآراء بخصوص العولمة والمقصود بها, واختلفت بحسب الزوايا التي ينظر منها الباحث وهي تتمحور حول أربعة أنواع, العولمة باعتبارها مرحلة تاريخية, أو العولمة باعتبار تجلياتها للظواهر الاقتصادية أو باعتبارها انتصارا للقيم الأمريكية أو ثورة سوسيولوجية وتكنولوجية. لذا لا يوجد تعريف محدد متفق عليه للعولمة, فالماركسيون الجدد يرون إنها نهاية الرأسمالية, وتؤدي إلى مزيد من الانقسامات لتكريسها الاستغلال وسيطرة القوي, أو الغني على الضعيف في حين إن اللبراليين يقولون إنها المنتج النهائي لعملية تحول كبيرة في السياسات العالمية, وأن الثورة العلمية والتكنولوجية جعلت العالم أشبه بشبكة واحدة, ورأى البعض الآخر في العولمة مشروع استحواذ جديد يقوم على ما يسمى بالوحدة الاقتصادية العالمية التي تجد أساسها في اتفاقيات الجات التي تم استبعادها لصالح منظمة التجارة العالمية, لأن عولمة الاقتصاد هيأت العالم لكونية تشهد الانتقال إلى إلغاء الحدود التجارية في العالم والانتقال إلى عصر شمولية السوق . ومحاولة التوحد الثقافي في ظل ما عرف بالأمركة, إلى جانب الاتفاقات الساعية إلى توحيد الجهد الأمني لمواجهة الإرهاب. وقد جاءت العولمة استجابة لمنطق الرأسمالية العالمية التي تبلورت احتياجاتها الخمسة في سياق الاحتكارات الخمسة: الاحتكار التكنولوجي, والاحتكار المالي, واحتكار الموارد الطبيعية, والاحتكار الإعلامي, واحتكار وسائل التدمير الشامل.

علاقة العولمة بحقوق الإنسان :-

لقد أضحت حقوق الإنسان جزء من الوعي المتمدن المعاصر, وإطارا عاما لكل المجالات الإنسانية, وخطابا عالميا تتصارع حوله السياسات الدولية, وتتنازع الحجج لدعم اتجاهاتها, موضوعا للتفاعل, والتواصل,بين مختلف الثقافات, والحضارات والمجتمعات, وهي مظهر من مظاهر الحداثة, وأهم ملامح عصر المعلوماتية,تزايد عدد المنظمات غير الحكومية المتخصصة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان, والمنظمات الحكومية التي أنشأتها الدول لتعبر عن وجهة نظرها ولتدافع عن سياساتها وما يوجه أليها من اتهامات, وأصبحت سمة العصر الحاضر بل حرصت الدول على استحداث إدارات, ومؤسسات متخصصة بحقوق الإنسان في مختلف القطاعات وخاصة الأمن, والعدل, أو إنشاء منظمات ولجان وأمانات لشؤون المرأة أو الطفل,أو لذوي الاحتياجات الخاصة, أو للبيئة أو غيرها ويرجع ذلك لأسباب كثيرة منها:-

1. إن بعض الدول تؤمن بقيمة حقوق الإنسان وحرصت بالتالي على دعم المجال المعرفي, واحترام حقوق الإنسان.

2. السبب الثاني هو إن الدول الكبرى في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية تصدر تقارير سنوية عن وزارة خارجيتها, الذي يوجه اتهامات للدول لانتهاكها حقوق الإنسان.يجعل هذه الدول في حال دفاع عن سياساتها لدحض تلك الادعاءات.

3. أن عدد من المنظمات الناشطة في مجال حقوق الإنسان, مثل منظمة العفو الدولية, والمنظمة الدولية لحقوق الإنسان, واللجنة الدولية لحقوق الإنسان, وغيرها تتلقى معلومات مباشرة من الأفراد بفضل ما أتاحه العلم من وسائل للاتصال, وتصدر تقارير دورية عن انتهاكات حقوق الإنسان, وتقوم بزيارات مبرمجة للوقوف على انتهاكات حقوق الإنسان مما فرض على الدول التزاما, ولو كان ظاهريا لاحترام هذه المنظومة, وهي بالتالي ظاهرة إيجابية .فلا غرابة في أن يركز في عصر المعلوماتية الذي يعرف أيضا بالحماية الدولية لحقوق الإنسان, أو الضمانات الدولية لحقوق الإنسان أو حقوق الإنسان في السياسات الدولية, أو القانون الدولي لحقوق الإنسان.

وملامح تأثير العولمة على حقوق الإنسان في تنامي الاهتمام بحق الإنسان نجدها في العديد من المؤشرات الموضوعية سواء ما تعلق منها باستقرار مجال دراسات حقوق الإنسان بوصفه علما مستقلا له ذاتيته البحثية ونموذجه الخاص به, وأطره النظرية أم كيفية تطبيقها على دراسات بعينها وتعميم النموذج اللبرالي لحقوق الإنسان باعتباره نموذجا عالميا يفترض صلاحيته ويشكل الأساس الذي قاس به مدى وفاء الدول بالتزاماتها, وتقويم ممارساتها بما أصبح معيارا للتمدن والحضارة .وقد طورت هذا المعيار مراكز البحوث المتخصصة في مجال حقوق الإنسان لتتواءم مع عصر المعلوماتية.

كما أن تأسي الجمعيات, وممارسة العمل الأهلي من أهم مظاهر حرية ممارسة الحق السياسي, وتنامي دور المنظمات غير الحكومية على الصعيدين الدولي والإقليمي في السنوات الأخيرة التي منح بعضها الصفة الاستشارية في العديد من الهيئات, والمؤسسات الدولية لتكون أداة ضغط على الدول, إذا كانت من جانب المعارضة, ألا أن النتائج التي ترتبت على انخراط هذه المنظمات والجمعيات في أجندة أعمال منظمات دولية حكومية, أو غير حكومية حرمها من الاستقلالية والموضوعية من جهة, فإن هذه المنظمات لم تعد مالكة لقرارها, وان وجودها مرتبط بالمؤسسات الداعمة التي تدور في فلكها بما في ذلك لغة الممول وبالتالي, أٌهدر حق تنظيم الجمعيات وتأسيسها الذي أستغل من قبل البعض للوصول إلى مراكز سلطوية.

لقد أصبحت حقوق الإنسان وسيلة للضغط الدولي أكثر مما هي مصدر للالتزامات قانونية فعلية وقد تؤدي إلى إنزال العقوبات على دول اعتبرت خارجة على القانون من منظور مجلس الأمن الذي تحول إلى أداة بيد الولايات المتحدة الأمريكية,لسيادة منطق القوة من جهة, والمصلحة الخاصة للدول الأعضاء الدائمين وغير الدائمين, الذين لا يتوانون عن عقد التسويات واستغلال أزمات الدول, التي قد تطرد من الجماعة الدولية أو تمتهن كرامة شعوبها بتجويعها وإفقارها بحجة انتهاكها لحقوق الإنسان في حين دول أخرى مرضي عنها تمارس أبشع أشكال انتهاك حقوق الإنسان لا يجري الحديث عن سجلها الإجرامي.

 العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com