|
أبو غريب / الحلقة ـ الثلاثون ـ المسموطة !!!
جلال جرمكا/ كاتب وصحفي عراقي/ سويسرا عضو ألأتحاد الدولي للصحافة وعضو منظمة العفو الدولية من دفتر ذكرياتي في معتقل/ أبو غريب ـ الحلقة ثلاثون ـ عنوان الحلقة/ المسموطة. أسم غريب... اليس كذلك..؟؟. أنه فعلاً أسم غريب على نصف أهلنا في العراق.. ولكنه أسم أعتيادي ومتداول بين أهلنا في جنوب الوطن ... لنرى قصة المسموطة!!. كرم العراقيون لايقتصر على فضاء الحرية، حيث الضيافة ودعوة ألأخرون لتناول الطعام معاً.. بل هذه العادة الجميلة موجودة حتى داخل المعتقلات والسجون أيضاً. من العادات الجميلة بين نزلاء معتقل/ أبوغريب.. دعوة بعضهم بعض لتناول الغداء والعشاء معاً.. تلك الحالة كانت مستمرة طوال السنة ومن دون أنقطاع. لم أرى الا نفر قليل والفقراء والمحتاجون، أن تناول أحدهم آكلة خاصة جلبها ألأهل لوحده.. كان لابد من دعوة عدد من ألأصدقاء ليتناولوا ألأكلة معاً.. ألأمثلة كثيرة. كثيرون من ألأهل كانوا يجلبون (قدر كبير من الباجة)، فكان النزيل بأمكانه أن يحتفظ بها في البراد ويتناولها وجبات.. ولكن هيهات.. كان يدعو الكثيرون ويجلسون على مائدة مفروشة على طول الغرفة، عليها (الخبز الحار والخضراوات والطرشي)، يامحلى تلك اللمة!!. ونفس الشىء بالنسبة الى (قدورة) الدولمة، الكبة، المحشي، البرياني، الباميا.. وعشرات ألأكلات العراقية من الشمال الى الجنوب. هذه العزائم كانت بأستمرار ولكن على ألأكثر بعد أنتهاء المواجهة العامة.. حيث ألأهل كانوا يكلفوا أنفسهم ويجلبوا ألأشكال وألأنواع من أفخر ألأكلات الشهية. في مقالات سابقة أشرت الى أننا كنا نفضل الخضراوات واللحوم الطازجة على ألأكل المطبوخ.. لكوننا كنا نملك كل وسائل الطبخ.. وحينها ألأكل يكون طازجاً ولانحفظها في البرادات حيث ضيق المكان من كثرة المواد .. ومع ذلك كان ألأهل يجلبون الكثير . في أحد أيام الصيف ـ صيف بغداد!! ـ جائني ألأخ (رمضان) وكنا نناديه بـ (رميض) وهو من أهالي مدينة/ العمارة العزيزة.. كان محكوم بالمؤبد، وقد قضى سبعة عشر عاماً من مدة المحكومية ولم يبقى الا ثلاثة أعوام فقط.. جائني وقال: ـ أبو آلان.. غداً نتغدى سوية... سنتناول/ المسموطة !!. من دون مقدمات شكرته وتم تحديد الموعد في غرفتهم والتي كانت مقابل غرفتنا في الطابق السفلى من القسم. والمسموطة لمن لايعرف شيئاً عنها أقول: المسموطة، يامحفوظ السلامة، عبارة عن سمكة كبيرة أو متوسطة الحجم، تنظف من ألأحشاء وتتم تعليقها في مكان عالي ومعرضة لأشعة الشمس لمدة أسبوع أو أكثر.. تصور المنظر.. سمكة معلقة لتلك الفترة وفي شهر آب!! . النتيجة أن السمكة تجف.. لابل تتخشب وأكثر .. بعد تلك الفترة يقومون بطبخها مع البصل والبهارات ونومي البصرة.. تلك هي المسموطة. المعضلة ، أنني وبصورة عامة لا أميل الى ألأسماك.. طيب ياترى كيف سأتصرف مع العزيزة الغالية...... المسموطة ؟؟!!. ولكن بما أنها دعوة من ألأخ العزيز/ رميض.. لابد قبول الدعوة وفوراً مع الشكر وألأمتنان!!. ضحك زملائي.. وتحدوني إذا أستطعت أن أتناول المسموطة!!.. لكنني أنا أيضاً تحديتهم!!. في اليوم التالي وفي الموعد المحدد توجهت الى غرفتهم.. فوجدت السفرة ممدودة وعليها العديد من الخضراوات والبصل ألأخضر والطرشي .. وفي الوسط (صحن) كبير من الفافون .. فيها (ثريد) وعليها سمكة كبيرة نوعما.... نعم كانت ثريدة المسموطة..!!. ـ يالله أخوان.. تفضلوا نعتذر عن التقصير!!. شمرت ساعدي.. وتوكلت على الله.. أكلنا ونحن منشغلون بالأحاديث والنكات.. يشهد الله مسحنا الماعون.. كانت أطيب أكلة ومن غير مجاملة أطلاقاً!!. بعد شرب الشاي وتناول كم (حبة تمر) شكرت الجماعة و(رفعنا الزحمة)!!. ما أن عدت الى غرفتنا حتى وجدت الجماعة بأنتظاري لأقص عليهم قصة عزيمة المسموطة!!. أخبرتهم بالحقيقة.. كادوا لايصدقون.. كيف أستطعت من تناولها وأنت لاتحب حتى ألأسماك المشوية؟؟؟. أخبرتهم.. وقلت: ـ أخوان ألأكل هي نفس.. الجماعة نفسهم طيبة.. لذلك لابد أن تكون طبخهم طيبة أيضاً حتى لو كانت المسموطة وغيرها!!. هكذا عشنا في أبو غريب ، حيث جميع مكونات الشعب العراقي ومع ذلك لم نشعر في يوم من ألأيام ، هذا شيعي.. وذاك سني.. أو مسيحي أو ازيدي أو صائبي.. أو غير!!. كانت أيام حلوة ومرة في نفس الوقت.. شخصياً لا أستطيع نسيانها مادمت حياً..!!. هنالك حلقات أخرى بأذنه تعالي ...
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |