|
ظهر التنظيم الدولي أول الأمر قبل مؤتمر فينا 1815 في صورة نظام توازن القوى الدولـي الذي ساد في القارة ألا وربيه (العجوز) كما يحلو للبعض تسميتها وقبل ظهور العالم الجديد كقوة مؤثرة في السياسة الدولية وكان لهذا النظام أسس ومرتكزات ليس للنظام وجود بدونها وهي وجود قوى دوليه مؤثرة محددة بعينها لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة ووجود الدولة حاملة التوازن وانغلاق ذلك النظام بمعنى عدم السماح بدخول قوى جديدة ومن خــلال تلك الأسس يتضح أن اللاعبين الأساسيين في ذلك النظام هم قادة ذلك النظام أي أن مسائل العلاقات الدولية يتم إنضاجها بين عدد محدود من الـدول التي كانت هي بحق صاحبة الحق في ذلك تأسيساً على أن تلك الـدول في تلك الفترة هي من يستحق فعلا أن تطلق عليها تسميات الدول واستـمر هذا النـظام فاعلا ً حتى النصف الثاني من القرن التـاسع عشر لينتهي تماماً قبيل الحرب العالمية الأولى ثم بعد الحرب برزت الحاجة لإيجاد نوع جديد من التنظيم الدولي فجاءت عصبة الأمم بعد أن وضعت الحرب أوزارها وبعد أعلان مبدأ الرئيس الأمريكي ودرو ولسن ذي النقاط الأربع عشر كتنظيم دولي جديد يعتمد أساس المــساواة بين الدول مع أيجاد بعض الخصوصية لبعض الـدول باعتبار أن تلك الدول انتصرت في الحرب وبما أن النظام المذكور اعتمد أساس المساواة بين الـدول لذلك فان باب الانضمام لذلك التنظيم بقي مفتوحاً واستمر عمل العصبة إلى أن حدثت مشكلة احتلال إيطاليا للحبشة لتنهي حقبة عصبة الأمم المتحدة وقامت الحرب العالمية الثانية ليجتمع المنتصرون عقب نهايتها في مؤتمر يالطا ثم أعقبه مؤتمر سان فرانسيسكو ويوقعوا على ميثاق إنشاء منظمة الأمم المتحدة في 26 حزيران عام 1945 بعد الاستفادة من أخطاء العصبة ويقيموا تنظيما دوليا جديداً يقوم على أساس احترام سيادة الدول والمـساواة بينها و الشراكة و حق الشعوب في تقرير مصيرها واستطاعت الأمم المتحدة طوال ثلاثة عقود من العمل وبشكل ممتاز عـلى إرساء الأمن و الســلم الدوليين عدا استثناءات معينة و لسنا هنا في معرض تقيـيم تلك التجارب ولكن لـغرض التواصل في طرح فكرة الموضوع ولكن بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في 19 آب 1991 وتراجع الوريث الروسي عن موقع القوة العظمى إلى موقع الدولة الكبرى و بالتالي انفراد الولايات المتحدة في القرار الدولي ومن المؤكد بعد أن أصبحت الأمور على هذه الشـاكلة فأن هدف إنشاء المنظمة الأساس وهو الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين أصبح من الصعب تحقيقه وذلك لطغيان مصالح القوة الأولى في العالم على مصالح باقي أجزاء المجتمع الدولي وهي نرجسية قد تجد لها مبرراً عند بعض الأشخاص على مستوى العلاقـات الشخصية بين البشر ولكن الحال يختلف هنا حيث أن موضوع البحث لا يتعلق بأفراد أو مجاميع صغيرة و إنما الأمر يخص جميع سكان الأرض فبغياب الرادع لتطلعات وطموحات أي شخص فربما تأخذ تلك الطموحات أشكال في التحقيق غالباً ما تكون مشوهه بمعنى أن تحقيق تلك الآمال والتي غالبا ً ما تتحول إلى أهداف ربما يشكل ٌ خرقاً لما جبلت الطبيـعة عليه عموما وكي لا نخرج إلى الإطار الفلسفي للموضوع ولنبـقى في إطار الحقائق الملموسة فأن انفراد أمريكا سَحب العالم إلى خيارات وانعطافات غالباً ما كانت حادة أثرت و بشكل سلبي على مصالح باقي أجزاء المجتمع الدولي وحققت فقط المصالح الأمريكية وتجاهلت مصالح الأطــراف الأخرى وهذا ليس هو الهدف الذي قامت من اجله المنظمة الدولية هذا الوضع الشاذ تحاول الولايات المتحدة بـكل الوسائل الحفاظ على ديمومته واستمراره أنما هو في حقيقة الحال نوع جديد من التنظيم الدولي يتخذ شكل الحكومة العالمـية المتسيدة للجميع في إطار من النظام الفدرالي للحكم مع إعطاء صلاحيات واسعة للحكومة المركزية المتمثلة في البيت الأبيض ودوائر واشنطن الأخرى و صلاحـيات تقتصر على تمشية بعض الأمور الداخلية للأقاليم شرط أن لا تتعدى تلك الأمور المسائل البسيطة والتي لا يمتد مداها وتأثيرها خارج حدود الإقليم على ذلك يبرز السؤال هل أن الحكومة العالمية حقيقة واقعة أم هي مجرد أضغاث أحلام ؟ للإجابة على هذا السؤال وجب الرجوع إلى آلية تدبير السياسات الدولية في عالم اليوم الذي تم الاتفاق على تسميته عالم القطب الواحد وكيف يتم اتخاذ القرارات ,لا يخفى على المتتبع انه ومنذ تشكيل الأمم المتحدة كمنظمة دولية ولغاية بداية العقد الأخير من القرن الماضي فان مجموع قرارات مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة باعتباره الجهة التنفيذية والتشريعية في آن معاً لم يتجاوز 646 قرار لفترة تجاوزت 45 عاماً بمعدل 14.35 قرار في السنة هو في حين نجد أن قرارات مجلس الأمن للفترة التالية والممتدة منذ بداية عقد التسعينات في القرن الماضي وحتى اليوم وهي تقارب نصف مدة الفترة السابقة الذكر نجد أن مجموع ما صدر عن المجلس 1127 قرار أي بمعدل 41.74 قرار في السـنة الواحدة وهذه الفترة هي فترة غياب القطب المعادل الصريح للقطب الأمريكي المتسيد اليوم أي أن مجموع ما صدر من قرارات هو تقريبا ثلاثة أضـعاف ما صدر في فترة الحرب الباردة بمعنى أن عملية إصدار القرارات في المجلس أصبحت تتم بسهولة بالغة حيث أن القرار يصدر بمجرد أن يقوم ممثل الولايات المتحدة بتقديم مشروع القرار الذي هو بالتأكيد يمثل رغبة الحكومة الأمريكية يتم التصويت له غالباً ويتم إقراره بسهولة كبيرة عدا بعض الحالات فيتم تعديل مشروع القرار وفي النهاية يتم إقراره والغريب أننا لم نسمع منذ نهاية الحرب الباردة عن أن أحد الأعضاء الدائمين في المجلس يلوح باستخدام الفيتو ولكن الغرابة ينتهي مداها إذا علمنا أن جميع الأعضاء الدائمين باتوا جميعهم يدورون في الفلك الأمريكي بل أن جميعهم ارتضوا لانفسهم بدور التابع . أذن وبوضوح نجد أن جميع القرارات الصـادرة من مجلس الأمن الدولي اليوم هي رغبات للإدارة الأمريكية تم إقرارها دون الأخذ بنظر الاعتبار عن ماهية رغبات و أهداف الدول ذات العلاقة عليه نجد مجلس الأمن يدار من واشنطن وليس من نيويورك مثلما أعلن كوفي عنان عقب انتهاء مدة ولايته ومن ذلك نستنتج أن الحكومة العالمية اصبح شيء مسلم به وان مقرها هو واشنطن وان جميع حكومات العالم هي أجهزة تسيٌر شؤون بلدانها الداخلية فقط .
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |